الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن من الناس مَنْ أمرُه أن لا يطلبه. ثم قال من الغد: قد سُئلتُ أطلب العلم فريضة؟ قلت: أما على كل الناس فلا". قال ابن رشد في البيان والتحصيل: "وقوله: إن من الناس من أمره أن لا يطلبه، يريد أن مِنَ الناس مَنْ هو قليلُ الفهم لا تتأتَّى له المعاني على وجوهها، وإذا سمع الشيْءَ حمله على خلاف معناه، ومَنْ كان بهذه الصفة فالحظُّ أن يترك الاشتغالَ بطلب العلم إلى ما سواه من ذكر الله سبحانه وقراءة القرآن والصلاة، فهو أعظم لأجره. وقوله من الغد: أما على كلُّ الناس فلا، يدل على أنه فريضةٌ على بعضهم، فهو عنده فريضةٌ على مَنْ كان فيه موضعَ الأمانة". (1)
أقول: كلامُ الإمام من الغد بيانٌ لقوله قبله: "ما كلُّ الناس كان عالِمًا"، وكلامُه كلُّه مؤْذِنٌ بأن المرادَ بطلب العلم تحصيلُ المسائل وفهمُها وتنزيلُها، وذلك لا يلاقي تفسيرَ مَنْ فسَّر العلمَ بمعرفة قواعد الإسلام والسؤال عن جزئياتها.
تنبيه: قال السندي في شرح سنن ابن ماجه عن السخاوي: "ألْحَقَ بعضُ المصنفين بآخر هذا الحديث "ومسلمة"، وليس لها ذكرٌ في شيء من طرقه". (2)
[روايات الحديث]:
الرواية الأولى: "طلبُ العلم فريضة على كل مسلم"، رُوِيَ مرفوعًا عن أنس وابن عباس وابن عمر وابن مسعود وعلي وجابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري. قال السيوطي في جمع الجوامع وفي الجامع الصغير: أخرجه ابن عدي في كامله
(1) انظر كلام مالك وتعليق ابن رشد عليه في: البيان والتحصيل، "كتاب الجامع الثامن"، ج 18، ص 425 - 426.
(2)
السندي، أبو الحسن الحنفي: سنن ابن ماجه بشرح السندي وبحاشيته تعليقات مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه للبوصيري، تحقيق خليل مأمون شيحا (بيروت: دار المعرفة، 1416/ 1996)، ج 1، ص 147. وانظر أصل هذا النقل في: السخاوي، شمس الدين محمد بن عبد الرحمن: المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، صححه وعلق عليه عبد الله محمد الصديق (بيروت: دار الكتب العلمية، ط 2، 1427/ 2006)، ص 321.
الموضوع للضعفاء عن أنس، والبيهقي في شعب الإيمان عن أنس. وأخرجه الطبراني في الأوسط عن ابن عباس، والطبراني في الكبير عن ابن مسعود، والبيهقي في شعب الإيمان، والطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري، والخطيب البغدادي في التاريخ عن علي بن أبي طالب، وتَمَّام في فوائده عن ابن عمر. (1)
الرواية الثانية: "طلب العلم فريضةٌ على كل مسلم، وواضِعُ العلم عند غير أهله كمُقَلِّدِ الخنازيرِ الجواهرَ واللؤلؤَ والذهب"، رواه ابن ماجه من طريق حفص بن سليمان عن كُثَيِّر بن شِنظير عن أنس بن مالك. (2) قال المناوي في شرح الجامع الصغير:"ضعَّفه الحافظ المنذري". (3) وقال محمد السندي في شرح سنن ابن ماجه: إنه حديث ضعيف "لضعف حفص بن سليمان". (4) وسئل عنه النووي فقال: هو ضعيف جدًا. (5)
وقال الْمِزِّي - تلميذ النووي - والسيوطي: هو حسن لكثرة طرقه. (6) أقول: يريد الجزء الأول من الحديث وهو الرواية المتقدمة. أما قوله: "وواضع العلم" إلى آخره، فلا يُعرف له طريق غيرُ طريقِ حفص بن سليمان عن كثير بن شنظير. وقد
(1) البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين: الجامع لشعب الإيمان، تحقيق عبد العلي عبد الحميد حامد (الرياض: مكتبة الرشد، ط 1، 1423/ 2003)، الأحاديث 1545 - 1547، ج 3، ص 195 - 197؛ الخطيب البغدادي: تاريخ مدينة السلام، ج 2، ص 302؛ وكذلك رواه عن أنس (ج 5، ص 252 و 340؛ ج 8، ص 387؛ ج 10، ص 161؛ ج 12، ص 105؛ ج 13، ص 372)؛ الرازي، أبو القاسم تمام بن محمد: الفوائد، تحقيق حمدي بن عبد المجيد السلفي (الرياض: مكتبة الرشد، ط 3، 1418/ 1997)، الحديث 51 - 56، ج 1، ص 31 - 33. وانظر في استيعاب طرقه المختلفة، السخاوي: المقاصد الحسنة، ص 320 - 321.
(2)
سنن ابن ماجه، "كتاب السنة - المقدمة"، الحديث 224، ص 34.
(3)
المناوي: فيض القدير، ج 4، ص 268.
(4)
سنن ابن ماجه بشرح السندي، ج 1، ص 147.
(5)
المرجع نفسه. ولفظة "جدًّا" ليست من كلام النووي، ولا هي من كلام السندي.
(6)
المرجع نفسه.
قدمنا في الكلام على الرواية الأولَى قولَهم في حفص بن سليمان: إنه متروك الحديث، وفي كثير بن شنظير: إنه مُخْتَلَفٌ في قبوله.
وأما ضعفُه من جهة المعنى، فجزؤه الأول تقدم الكلامُ عليه، وجزؤه الثاني مختلُّ المعنى، إذ المقصود منه التحذيرُ من وضع العلم عند غير أهله وتشنيعُ ذلك الوضع. ولا سبيلَ إلى معرفة أهلية طالب العلم لوضع العلم عنده حتى يُحذر منه، على أنه لا يلاقي صدرَ الحديث القاضي بأن طلبَ العلم فريضة على كل مسلم. فكأنَّ صدرَه يأمر بطلب العلم، وعجزه يأمر بإمساك العلم عَمَّنْ ليس له بأهل، فينفتح بابٌ عظيم لإمساك العلم بانفتاح باب النظر في أهلية الطالب وعدمها.
الرواية الثالثة: "طلب العلم فريضة على كل مسلم، وإنَّ طالبَ العلم ليستغفر له كلُّ شيءٍ حتى الحيتان في البحر". قال السيوطي في الجامعين: "رواه ابن عبد البر في كتاب فضل العلم عن أنس". (1) قال المناوي في شرح الجامع: "رُوِي عن أنس من وجوه كثيرة كلها معلولة [لا حجةَ في شيء منها] ". (2)
وضعفه من جهة المعنى في جزئه الأول تقدم الكلام عليه. أما قوله: "وإن طالب العلم ليستغفر له كل شيء" إلخ، فلا يشبه أن يكونَ من كلام النبوة لركاكاته، فإن أكثر البشر لا يستغفرون لطالب العلم، وأي معنى لاستغفار الحيوان والحيتان، وعهدنا أن الصالحين يستغفر لهم الملائكة؟ قال تعالى:{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} [غافر: 7] ، فلا تنزل درجةُ طالب العلم إلى أن يستغفر له الحيتان!
(1) ابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله، الحديث 14، ص 15.
(2)
المناوي: فيض القدير، ج 4، ص 268. وما بين الحاصرتين لم يورده المصنف.
الرواية الرابعة: "طلب العلم أفضلُ عند الله عز وجل من الصلاة والصيام والحج والجهاد في سبيل الله"، رواه الديلمي في مسند الفردوس عن ابن عباس. (1) قال المناوي في شرح الجامع: إسناده فيه وضاع. (2) أما ضعف معناه، فإن الصلاة والصيام والحج منها واجبٌ هو المراد هنا لقرينة ذكرها مع الحج، وطلب العلم تطوع، والواجباتُ أفضلُ من التطوع إلا ثلاثة فضائل مستثناة هي من جنس واجباتها وهي: التوضؤ قبل دخول الوقت، وابتداء السلام، وإبراء المعسر، مع أن الواجبَ إنظارُه إلى ميسرة.
الرواية الخامسة: "طلبُ العلم ساعةً خيرٌ من قيام ليلة، وطلب العلم يومًا خيرٌ من صيام ثلاثة أشهر"، رواه الديلمي في مسند الفردوس، قال المناوي: بسند ضعيف. (3)
الرواية السادسة: "اطلبوا العلم ولو بالصين، فإن طلب العلم فريضةٌ على كل مسلم"، رواه من طريق ابن عدي في الكامل، رواه ظريف بن سليمان أبو عاتكة عن أنس، وقال البخاري: طريف منكر الحديث. (4) ورواه أحمد الجوباري بسنده إلى أبي هريرة، والجوباري كذاب، (5) وقد سرق هذا الحديث من أبي عاتكة وركب له
(1) الديلمي الهمذاني، أبو شجاع شيرويه بن شهردار: الفردوس بمأثور الخطاب، تحقيق السعيد بن بسيوني زغلول (بيروت: دار الكتب العلمية، ط 1، 1406/ 1986)، الحديث 3919، ج 2، ص 438.
(2)
ولفظ المناوي: "وفيه محمد بن تميم السعدي، قال الذهبي في الضعفاء: قال ابن حبان: كان يضع الحديث، أكثر محمد بن كرام عنه الموضوعات". فيض القدير، ج 4، ص 269.
(3)
قال المناوي: "ورواه عنه أيضًا (أي عن ابن عباس) أبو نعيم وعنه تلقاه الديلمي مصرحًا، فلو عزاه المصنف (يعني السيوطي) للأصل كان أولى. ثم إن فيه نهشل بن سعيد، قال الذهبي: قال ابن راهويه: كان كذابًا". فيض القدير، ج 4، ص 269.
(4)
ويقال له أيضًا: طريف بن سلمان. قال ابن عدي بعد أن ذكر روايته للحديث موضوع البحث عن أنس: "وعامة ما يرويه عن أنس لا يتابعه عليه أحدٌ من الثقات". المقريزي: مختصر الكامل، ص 442.
(5)
هو أحمد بن عبد الله الهروي، يعرف بالجوباري والْجُويْباري - جوبار هراة - كما يعرف بـ "سَتُّوق". قال ابن عدي: "حدث بأحاديث عن جرير والفضل وغيرهما، وضعها عليهم. وكان يضع =
إسنادًا آخر إلى أبي هريرة.
قال السيوطي في اللآلئ المصنوعة عن ابن حبان: "هو باطل، لا أصلَ له"، وقال البيهقي في شعب الإيمان:"متنه مشهور، وإسناده ضعيف". (1)
الرواية السابعة: "طلب العلم فريضة، والله يحب إغاثة اللهفان"، رواه البيهقي في شعب الإيمان، وابن عبد البر في كتاب العلم. (2) قال المناوي في شرح الجامع: إسناده ضعيف. (3)
الرواية الثامنة: "طلب العلم فريضة على كل مسلم، فكن أيها العبدُ عالِمًا أو متعلمًا، ولا خيرَ فيما بين ذلك"، (4) قال في جمع الجوامع: رواه الديلمي عن علي رضي الله عنه، يعني وهو ضعيفٌ لقول المؤلف في ديباجة كتابه:"إن كل ما عُزِيَ إلى الديلمي في مسند الفردوس فهو ضعيف، فيستغنَى بعزوه عن بيان ضعفه"، (5) يعني ما انفرد به، فإن انفرادَه هو موجبُ العزو إليه.
= الحديث لابن كَرَّام على ما يريده، وكان ابنُ كرام يضعها في كتبه عنه ويسميه أحمد بن عبد الله الشيباني". المقريزي: مختصر الكامل، ص 104. وقال الذهبي:"دجال، مغير، وضع حديثًا كثيرًا، وهو في عصر البخاري". ديوان الضعفاء والمتروكين، ج 1، ص 30.
(1)
السخاوي: المقاصد الحسنة، ص 321.
(2)
البيهقي: الجامع لشعب الإيمان، الحديث 1544، ج 3، ص 194 - 195؛ القرطبي: جامع بيان العلم وفضله، الحديث 20، ص 16.
(3)
المناوي: فيض القدير، ج 4، ص 268.
(4)
الديلمي: الفردوس بمأثور الخطاب، الحديث 3908، ج 2، ص 437.
(5)
جاء ذلك في سياق بيان السيوطي لمنهجه في تصنيف أحاديث الكتاب المذكور والرموز التي استخدمها في العزو إلى المصادر التي اعتمد عليها، حيث قال:". . . وللعقيلي في الضعفاء (عق)، ولابن عدي في الكامل (عد)، وللخطيب (خط) فإن كان في تاريخه أطلقت وإلا بينته، ولابن عساكر في تاريخه (كر). وكل ما عُزي لهؤلاء الأربعة أو للحكيم الترمذي في نوادر الأصول أو الحاكم في تاريخه أو لابن الجارود أو الديلمي في مسند الفردوس، فهو ضعيف، فليُستغْنَ بالعزو إليها أو إلى بعضها عن بيان ضعفه". السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن: جامع الأحاديث: الجامع الصغير وزوائده والجامع الكبير للسيوطي ومعهما الجامع الأزهر في حديث النبي الأنور للمناوي، جمع وترتيب عباس أحمد صقر وأحمد عبد الجواد (بيروت: دار الفكر، 1414/ 1994)، ج 1، ص 19.