المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المائة الحادية عشرة]: - جمهرة مقالات ورسائل الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور - جـ ١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌إهداء

- ‌فَاتِحَةُ الكِتَاب

- ‌بين يدي مقالات ابن عاشور ورسائله

- ‌تمهيد: أنا وتراث ابن عاشور:

- ‌محاولات سابقة لجمع مقالات ابن عاشور، ولكن

- ‌منهجنا في هذه الجمهرة جمعا وترتيبا:

- ‌شكر وعرفان ودعاء

- ‌ضميمة

- ‌المِحْوَرُ الأَوَّلفِي العَقِيْدَةِوَالتَفْسِيْر وَالفِكرِ وَالحِكمَةِ

- ‌الفَرْع الأَوّلالعَقيْدَة والتّفسِيْر

- ‌تنبيه ونصيحة

- ‌الرحمن على العرش استوى

- ‌[مقدمة]

- ‌[موقع الآية من المتشابه]

- ‌[طريقة السلف إزاء المتشابه]

- ‌[الخلف وتأويل المتشابه]

- ‌[رأي المصنف]

- ‌تكليم الله لموسى عليه السلام

- ‌وجهُ تسمية يوم القيامة بيوم التغابن

- ‌عصمة الأنبياء

- ‌القول الفصل - لا في الفضل - في عصمة الأنبياء من بعد النبوة ومن قبل:

- ‌قول عياض:

- ‌[الخلاصة]:

- ‌شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌معنى الشفاعة:

- ‌أنواع الشفاعة ومكانة الرسول عليه السلام منها:

- ‌مراجعة في تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}

- ‌المهدي المنتظر

- ‌[مقدمة]:

- ‌[مكانة حديث المهدي من تعاليم الإسلام]:

- ‌[مذاهب العلماء في المهدي]:

- ‌كيف نشأ القولُ بالمهدي المنتظر

- ‌[أنواع الآثار المروية في المهدي]:

- ‌الآثار المروية في المهدي:

- ‌الرأي في هذه الآثار من جهة علم الحديث:

- ‌الرأى فيها من جهة النظر:

- ‌الفَرْعَ الثَّانِيالفكْر وَالحكْمَة

- ‌من يجدد لهذه الأمة أمر دينها

- ‌[تمهيد]:

- ‌دعائم الإسلام:

- ‌معنى التجديد

- ‌مضي مائة سنة مظنة لتطرق الرثاثة والاحتياج إلى التجديد:

- ‌كيف يكون مبدأ تعيين المائة السنة

- ‌رأي ابن السبكي في نعت المجدد وزمنه:

- ‌رأي مجد الدين ابن الأثير في تعيين المجددين

- ‌التحقيق في صفات المجدد وصنفه وعدده:

- ‌التوسم في تعيين المجددين بحسب أدلة الحق المبين:

- ‌[المائة الأولى]:

- ‌[المائة الثانية]:

- ‌[المائة الثالثة]:

- ‌[المائة الرابعة]:

- ‌[المائة الخامسة]:

- ‌[المائة السادسة]:

- ‌[المائة السابعة]:

- ‌[المائة الثامنة]:

- ‌[المائة التاسعة]:

- ‌[المائة العاشرة]:

- ‌[المائة الحادية عشرة]:

- ‌[انحلال الجامعة الإسلامية وتزايد الفتن]:

- ‌[المائة الثانية عشرة]:

- ‌التقوى وحسن الخلق

- ‌شرف الكعبة

- ‌اللذة مع الحكمة

- ‌احترام الأفكار

- ‌العلم عند الله

- ‌تحصيله:

- ‌المقدم منه والمتعين:

- ‌خطته:

- ‌نعيمه والغاية القصوى منه:

- ‌مسألة خفية من مباحث الفلسفة الإسلامية: وحدة الوجود

- ‌ابن سينا والحكمة المشرقية

- ‌[تمهيد]:

- ‌أصل الحكمة اليونانية المنقولة إلى العربية:

- ‌طريقة الشيخ ابن سيناء في الحكمة:

- ‌الحكمة المشرقية:

- ‌الكتاب المعنون "منطق المشرقيين

- ‌الإنسان على الأرض

- ‌عمر الإنسان: ماذا أردت

- ‌أصول التقدم والمدنية في الإسلام

- ‌[مقدمة]

- ‌ما هو الإسلام

- ‌[التأسيسات الأصلية]

- ‌[وحدة النوع الإنساني: ]

- ‌ظهور الإسلام

- ‌واجب المسلمين أن يقتنعوا بهداية الإسلام

- ‌واجب المسلمين: النصيحة

- ‌ما هو النصح والنصيحة

- ‌اضطلاع الناصح بحق النصيحة:

- ‌قبول المنصوح للنصيحة:

- ‌الرفق بالحيوان في الإسلام

- ‌تحرير مسألة في علم الهيئة

- ‌المحْوَر الثّانِيفِي فِقْهِ السُّنَّةِ

- ‌الفَرْع الأَوّلفِقْه الحَدِيْث

- ‌التعريف بكتاب الموطأ للإمام مالك بن أنس رحمه الله ونشأة علم الحديث

- ‌[تمهيد]:

- ‌الاهتمام بتدوين ما صحت روايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الغرض من تأليف الموطأ

- ‌ما المراد بالحديث الصحيح

- ‌[نسخ الموطإ]

- ‌اسم كتاب "الموطأ

- ‌تحقيق مسمى الحديث القدسي

- ‌[تقديم]:

- ‌ تعريف الحديث القدسي

- ‌صيغة رواية الحديث القدسي:

- ‌الفرق بين الحديث القدسي والقرآن وبينه وبين غيره من الأحاديث النبوية:

- ‌مراجعة ما تضمنه كتاب "فتح الملك العلي

- ‌المراجعة الإجمالية:

- ‌المراجعة التفصيلية:

- ‌درس في موطأ الإمام مالك رضي الله عنه: "جامع القضاء وكراهيته

- ‌[تمهيد: القضاء بين الترغيب والترهيب]:

- ‌[العدل أساسُ صلاح العمران]:

- ‌[شرح الحديث]:

- ‌الأسانيد المريضة الرواية: "حديث طلب العلم فريضة

- ‌أقوال الحفاظ في رجال سنده:

- ‌آراء الحفاظ في حالته:

- ‌[روايات الحديث]:

- ‌التنبيه على أحاديث ضعيفة أو موضوعة رائجة على ألسنة الناس

- ‌خلق النور المحمدي

- ‌متن هذا الحديث:

- ‌مرتبة هذا الحديث من الصحة:

- ‌نقده من جهة اللفظ:

- ‌نقده من جهة المعنى:

- ‌دفع إشكال في حديث نبوي: "سألتُ ربي

- ‌سند هذا الحديث:

- ‌[معنى الحديث]:

- ‌حديث: من سُئل عن علمٍ فكتمه

- ‌[سند الحديث]:

- ‌معنى الحديث:

- ‌[مسائل في فقه الحديث]:

- ‌حديث: من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم

- ‌سند الحديث واختلاف ألفاظه

- ‌معنى الحديث:

- ‌تحقيق الخبر المأثور: "لا رهبانية في الإسلام

- ‌معنى الرهبانية:

- ‌لا صفر

- ‌شهر رجب

- ‌شهر شعبان

- ‌لا عزاء بعد ثلاث

- ‌تحقيق معنى لفظ العزاء

الفصل: ‌[المائة الحادية عشرة]:

- وهو البردة والراية والسيف (المنسوبة ثلاثتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) ومفاتيح الحرمين، فسلمها إلى السلطان، وذلك أول سنة 923 هـ.

فلُقِّب السلطان سليم بخليفة المسلمين، وخادم الحرمين الشريفين. وبذلك أصبحت الخلافةُ الإسلامية في حقيقتها قولًا وفعلًا، وحصلت بها وحدةٌ إسلامية أعادت لنفوس المسلمين الشعور بعزتهم. وبذلك تأتَّى لدولة آل عثمان أن تضم أقطارًا إسلامية جمة إلى مملكتها الواسعة دون كبير عناء، وحسبت الأمم المعادية للمسلمين يومئذ لهم حسابَهم، وعلموا أن لسان حال السلطان يقرأ {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25)} [الغاشية: 25].

فيحق أن نعد السلطان سليمًا هو المبعوث لتجديد أمر الأمة في رأس المائة العاشرة من وقت صدور الخبر النبوي الصادق. وهو وإن كان تجديدُه أمرَ الخلافة متأخرًا عن رأس المائة، فإن ولايته السلطنة قريبٌ من رأس تلك المائة. والعبرة بيوم الظهور، وإن تأخر التجديدُ إلى أن تتهيأ الأمور.

[المائة الحادية عشرة]:

لم يعرف تاريخُ الإسلام حادثًا انتابَ الأمة الإسلامية منذ كيانها، ولا سهمًا أصابَها في قلب إيمانها، مثلَ الحادث الجلل الذي اعترى المسلمين بالأندلس أوائل القرن الحادي عشر من الهجرة. فوجمت له النفوس، وذرفت له العيون، وأوقر ذكرُه الأسماعَ في جميع البقاع، ولم يجد المسلمون مدخلًا لاستلال دائه، ولا ثائرًا يثأر لهم أو مصيخًا لندائه. ألا وهو حادثُ تنصير جميع المسلمين في مملكة غرناطة، تلك الرقعة التي بقيت للإسلام في بلاد الأندلس، والمأوى الذي لجأ إليه المسلمون حين انتزع

= محملة بالسلاح. واقتحم جنود عمرو المدينة. عندها تناولت زنوبيا السم قائلة: "بيدي لا بيد عمرو"، أي أنها أرادت أن تفوت عليه فرصةَ قتلها. ومنذئذ جرى هذا القول مجرى المثل يقوله الإنسان يُنزلُ بنفسه المكروه مخافة أن يُنزله به العدو.

ص: 181

منهم الجلالقةُ بقيةَ بلادهم. وهو وإن كان مأوى ضيقًا، إلا أنه كان مأهولًا بخيرة البلاد وبقية الناس لَمّا خلصت بلادُ الأندلس بأيدي الجلالقة (1) بسقوط كورة ألبيرة وعاصمتها غرناطة في ربيع الأول سنة 697 هـ بعد حصار طويل، وبعد أن شرط (2) الملك فرديناندو الجاثليقي (لوكاتوليك) ملك أرغون وشريكته في الفتح زوجُه إيزابيلا الجاثليقية (لاكاتوليك)(3) ملكة قشتالة، وأُبعد سلطان المسلمين أبو عبد الله محمد بن علي آخر بني نصر إلى بلاد المغرب الأقصى.

وأصبح المسلمون مسلوبِي الملك، وانحازوا إلى سكنى ربض البايزين من مدينة غرناطة، وسكنى القرى من بادية غرناطة وحوزها المسماة بالبشرات. (4) وكان في عداد الشروط التي اقتطعها المسلمون على الجلالقة تأمينُ المسلمين على دينهم وتمكينهم من البقاء في أوطانهم، ثم لم تلبث الجلالقة إلا قليلًا من السنين حتى نكثوا العهود، وتظاهروا بالجحود، وتطرقوا إلى فتنة المسلمين في إيمانهم وإكراههم على اعتناق دين النصرانية، بعد أن وثقوا بأنهم عُزَّلٌ من كل وسيلة للدفاع، وأعياءٌ من كل حيلة يتخلصون بها من تلك البقاع. قال في أزهار الرياض: "وفي سنة 904 هـ

(1) هو اسم الإسبان في اصطلاح مؤرخي المسلمين في العصر القديم. - المصنف.

(2)

لم يأت في الكلام بعد هذا بيان لما شرط الملك فرديناندو، على أن التعبير صحيح حيث يكون المعنى:"بعد أن وضع أو شرط فرديناندو شروطًا".

(3)

هي إيزابيلا الأولى (1451 - 1504)، ملكة قشتالة أو كاستيا Castille، ثم إسبانيا بعد وحدتها مع مملكة أراجون Aragon. وتعرف باسم Isabelle de Castille أو Isaballe Ia Catholique، وهي ابنة الملك جان الثاني، كانت دراستها دينية كاثوليكية متعصبة، في وقت كانت تسيطر على الكاثوليك في إسبانيا فكرةٌ واحدة وهي التخلص من المسلمين وطردهم خارج إسبانيا. أصبحت ملكة قشتالة إثر وفاة أخيها هنري الرابع، وتزوجت من فرناندو Ferdinando الثاني الأراجوني. قامت هي وزوجها بغزو غرناطة آخر معاقل المسلمين في إسبانيا وإسقاط حكم أبي عبد الله محمد الثاني عشر (1460 - 1527 م) آخر ملوك الأندلس المسلمين وذلك في عام 1492 م، وأقامت محاكمَ التفتيش الشهيرة. أطلق عليها البابا إسكندر السادس هي وزوجها فردينادو لقبَ "الملوك الكاثوليك".

(4)

هذه القرى كثيرة منها: وادي أش، وبلفيق، وأندرش، والمنظر، وجبل بلنقة.

ص: 182

(أربع وتسعمائة) انقطعت كلمة التوحيد من بلاد الأندلس". (1)

وأنا أبَيِّنُ لك إجمالَه، وهو أن أول ما ابتدأ به الجلالقةُ أن صدر أمرُ الملك فردينادو والملكة إيزابيلا بإحصاء العائلات الذين تحقق أن أسلافهم كانوا نصارى وأسلموا في مدة ملك الإسلام بتلك الديار، فأكرهوهم على الرجوع إلى النصرانية. ثم ارتقى القسيسون في هذا الأمر، فصاروا يدَّعون على مَنْ شاؤوا أن جدودهم كانوا نصارى، فيُكرِهون مَنْ يدعون عليهم بذلك على أن يتنَصَّروا.

فلما شعر المسلمون بالخطر على دينهم ثاروا ثورةً واحدة، وقتلوا حكامَهم النصارى، فصدر الأمر بقتل الثائرين إلا الذين يتنصرون منهم؛ فإن تنصرهم يمنعهم من القتل. فتنصر معظمُ المسلمين من سكان غرناطة وباديتها، عدا بعض القرى مثل بلفيق وأندرش وجبل بلنقة، (2) وامتنعوا من الإلقاء بأيديهم [إلى التهلكة]، فانتشر القتال بينهم وبين الجلالقة. وكان الغَلَبُ للجلالقة لا محالة، فاستأصلوا سكانَ تلك القرى عدا أهل جبل بلنقة؛ فإنهم لمناعة جبلهم أفنَوْا جيشَ العدو المحيط بهم، ثم انعقد بينهم صلحٌ على تمكين المسلمين من الخروج بأموالهم وأهليهم إلى المغرب الأقصى، ظنًّا منهم أن المسلمين لا يهجرون أوطانهم.

فلما رأوا منهم العزمَ على الهجرة منعوهم، ومَنْ خرجوا إلى المراسي بنية الهجرة أرجعوهم. قال السيد محمد بن عبد الرفيع المرسي الأندلسي (3) - أحد

(1) قال المقري بعد أن ذكر هزيمة المسلمين ونقض ملك النصارى ما أعطاه لهم من شروط: "ثم بعد ذلك دعاهم إلى التنصر وأكرههم عليه، وذلك سنة أربع وتسع مائة، فدخلوا فيه كرهًا، وصارت الأندلسُ كلها دارَ كفر، ولم يبق من يجهر بكلمة التوحيد والأذان، وجُعلت في المساجد والمآذن النواقيس والصلبان". أزهار الرياض، ج 1، ص 68 - 69.

(2)

ويعرف الآن بالجبل الأبيض (BIanca Mountain)، ويقع في الجنوب الشرقي لإسبانيا، وهو منطقة مقصودة للاصطياف.

(3)

هو محمد بن عبد الرفيع بن محمد الشريف الحسيني الجعفري المرسي الأندلسي، سكن تونس وتوفِّيَ بها سنة 1052 هـ. له كتاب "الأنوار النبوية" الذي اعتمد عليه المصنف فيما يتعلق بوصف أحوال =

ص: 183

مهاجري الأندلس إلى تونس - في خاتمة كتابه المسمى بالأنوار النبوية: "ولما رأى العدو العزم منهم (أي من المسلمين) للخروج نقض العهد، وردهم رغم أنوفهم من سواحل البحر إلى ديارهم، ومنعهم قهرًا من الخروج". (1)

وهذا الذي وصفه السيد محمد بن عبد الرفيع إجمالًا كان سببه أن سياسة ملوك الجلالقة كانت تضطرب بين الشدة والملاينة، بحسب ما يسنح لهم في أحوال المسلمين، وبحسب ما تكون عليه حالةُ المملكة السياسية من اتحاد أو اختلاف فيما بينهم، ومن مسالمة أو محاربة بينهم وبين جيرانهم من الإفرنج، وبحسب ما كان للأسبان من المطامع في امتلاك تونس والجزائر. فكانوا يكرهون أن تشيع عنهم قسوةُ المعاملة مع مَنْ يدخلون تحت حكمهم، ولذلك دام حالُ المسلمين في الأندلس نحو مائة سنة بين الضغط والتنفس، إلى أن باح العدوُّ بما أضمره وكشر لهم عن نابه في النصف الأخير من القرن العاشر الهجري.

فلما ضاقت الأرض بالمسلمين، وأصبحوا مستضعفين في أرض الجلالقة، لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلًا، وفشا فيهم الإكراهُ على التنصر بالقتل والحرق وأنواع العذاب، أظهروا التنصر. ولعدم اطمئنان النصارى لهم، حشروهم إلى جهة

= المسلمين في ظل محاكم التفتيش. وقد نقل خير الدين الزركلي في كتابه الأعلام ما جاء بخط هذا العالم الأندلسي التونسي في نهاية كتابه ونصه: "وقع الفراغ من جمعه وتحرير فصوله وكتبه عشية يوم الجمعة الزهراء بحضرة تونس العلية الخضراء عام 1044" إلى قوله: "على يد جامعه وكاتبه العبد إلى الله محمد الرفيعى الشريف الجعفرى الأندلسى المرسى المالكي الغوثي طريقة ومذهبًا وبأحد الحرمين الشريفين إن شاء الله مدفنًا". الزركلي، خير الدين: الأعلام: قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين (بيروت: دار العلم للملايين، ط 7، 1986)، ج 6، ص 204.

(1)

لم نتمكن من الاطلاع على الكتاب المذكور - لا مطبوعًا ولا مخطوطًا - لتوثيق ما نقله المصنف منه، ولعل قارئ هذا المجموع يساعدنا على ذلك لنتدارك هذا النقص في المستقبل. وانظر وصفًا قريبًا مما ذكر ابن عبد الرفيع في المقري: أزهار الرياض، ج 1، ص 66 - 72.

ص: 184

واحدة يسكنونها وهي جهة ألبيرة، (1) ووضعوا لهم اسمًا يدل على جماعتهم وهو اسم موريسكو، (2) وأصبحوا كالعبيد، ولذلك سماهم إخوانُهم من المسلمين الذين خرجوا إلى المغرب باسم المدجنين وأهل الدَّجْن. (3)

وقد كان المسلمون المتنصِّرون يُسِرُّون الإسلامَ في قلوبهم، ويقيمون الصلوات في خاصتهم، ويتكلمون فيما بينهم بالعربية. ولكن الجلالقة أخذوا يرصدون أحوالهم، فلم يتركوا وسيلة ليَحُولوا بينهم وبين الاستمرار على ذلك. قال السيد محمد بن عبد الرفيع الجعفري:

"ثم بقي العدو يحتال بالكفر عليهم، فابتدأ يزيل لهم اللباس الإسلامي والجماعات والحمامات؛ لأنها من عادات المسلمين فإن الفرنج لا يتخذونها والمعاملات الإسلامية مع شدة امتناعهم والقيام على العدو مرارًا، وعدو الدين يحرق بالنار مَنْ لاحت عليه أماراتُ الإسلام، ويعذبه بأنواع العذاب، فكم وكم عذبوا وكم نفوا من بلادهم".

ووصف السيد محمد بن عبد الرفيع بعض أحوال المسلمين في خاصتهم فقال:

"قد أطلعني الله تعالى على دين الإسلام بواسطة والدي رحمة الله عليه وأنا ابن ستة أعوام أو أقل مع أني كنت إذ ذاك أروح إلى مكتب النصارى لأقرأ دينهم، ثم

(1) ألبيرة بهمزة قطع في أوله، ثم لام ساكنة، ثم باء موحدة مكسورة: هو في الأصل اسم لكورة غرناطة كلها، وتسمى به مدينةٌ كانت هي قاعدة الكورة قبل مصير غرناطة عاصمةَ الكورة. - المصنف.

(2)

موريسكو (Moriscos) كلمة مأخوذة من كلمة مورو التي أطلقها الجلالقةُ والإفرنج على المسلمين في القديم، منسوبةً إلى إقليم موريطانيا، وهو مجموع المغرب الأقصى والمغرب الأوسط في اللسان اللاطيني. وأما تسميتُهم بالمدجَّنين وبأهل الدجن، فلعلها مأخوذةٌ من الدجن وهو الألف والاستكانة من الحيوان، ومنه الدواجن. وقد أطلقوا هذا اللفظَ على المسلمين الذين اختاروا البقاءَ في ذمة الجلالقة في البلدان التي أخذها الجلالقةُ قبل تمحض بلاد الأندلس بيد الجلالقة. - المصنف.

(3)

الدَّجْن: المكث والإقامة. انظر المقري: أزهار الرياض، ج 1، ص 68.

ص: 185

أرجع إلى بيتي فيعلمني والدي دين الإسلام، فأخذ والدي لوحًا من لوح الجوز كأني أنظر الآن إليه مملسًا من غير طفل ولا غيره، فكتب لي فيه حروف الهجاء، ويسألني حرفًا حرفًا عن حروف النصارى تدريبًا وتقريبًا، فإذا سميت له حرفًا أعجميًّا يكتب لي حرفًا عربيًّا، فيقول لي حينئذ: هكذا حروفنا، حتى استوفَى لي جميعَ حروف الهجاء في كرتين.

فلما فرغ من الكرة الأولى، أوصانِي أن أكتم ذلك حتى عن والدتي وعمي وأخي وجميع قرابتنا، وألا أخبر أحدًا من الخلق. ثم شدد علي الوصية، وصار يرسل والدتي إلي فتسألني وتقول: ما الذي يعلمك والدك؟ فأقول لها: لا شيء، فتقول: أخبرني بذلك ولا تخف؛ لأني عندي خبر بما يعلمك، فأقول لها: أبدًا ما يعلمني شيئًا. وكذلك كان يفعل عمي، وأنا أنكر أشد الإنكار. ثم أروح إلى مكتب النصارى وآتي الدار فيعلمني، إلى أن مضت مدة، فأرسل إلي من إخوانه في الله الأصدقاء يسألونني فلم أقر لأحد قط بشيء مع أنه رحمه الله قد ألقى نفسه للهلاك لإمكان أن أخبر بذلك عنه فيُحرَق لا محالة، لكن أيدنا الله سبحانه وتعالى بتأييده وأعاننا على ذكره وشكره وحسن عبادته بين أظهر أعداء الدين.

وقد كان والدي رحمه الله تعالى يلقنني حينئذ ما كنت أقول عند رؤيتي للأصنام. . . إلخ. فلما تحقق والدي رحمه الله تعالى أني أكتم أمورَ دين الإسلام عن الأقارب فضلًا عن الأجانب، أمرني أن أتكلم بإفشائه لوالدتي وعمي وبعض أصحابه والأصدقاء فقط، وكانوا يأتون إلى بيتنا فيتحدثون في أمر الدين وأنا أسمع. فلما رأى حزمي مع صغر سني فرح كثيرًا غاية [الفرح]، (1) وعرفني بأصدقائه وأحبائه وإخوانه في دين الإسلام، فاجتمعت بهم واحدًا واحدًا، وسافرت الأسفار لأجتمع بالمسلمين الأخيار من جبان إلى غرناطة وإشبيلية وطليطلة وغيرها من مدن

(1) زيادة اقتضتها سلاسة الكلام، إن لم تكن اللفظ سقطت أثناء نقل المصنف من كتاب ابن عبد الرفيع.

ص: 186

الجزيرة الخضراء، أعادها الله تعالى للإسلام. فتخلص لي من معرفتهم أني ميزت سبعة رجال منهم كانوا كلهم يحدثون بأمر غرناطة وما كان بها في الإسلام حينئذ، فسندي عال لكوني ما ثَمَّ إلا واسطةٌ واحدة بيني وبين أيام الإسلام بها". (1)

وما قاله محمد بن عبد الرفيع من التعذيب والقتل والتحريق، هو إشارةٌ إلى ما تقوم به محاكمُ التفتيش الدينية النصرانية التي أسستها الكنيسة الرومية في أهم البلاد المسيحية من أواسط القرن الثالث عشر المذكورة في التاريخ. ففي سنة 1436 أصدر الملك فيليبو الثاني أمرًا بأن الموريسكو لا يتكلمون باللغة العربية فيما بينهم، ولا يسمون أولادهم بأسماء المسلمين، وأن يرسلوا أولادهم ممن بلغ ثلاث سنين إلى من عمره خمس عشرة سنة إلى المدارس النصرانية.

وفيما قبل هذه المدة كانت حاجةُ الجلالقة إلى الاستعانة بمعارف المسلمين في العلوم والصنائع قد سمحت للمسلمين بالانتشار في كثير من البلاد الواقعة في حكم الجلالقة، فكان كثيرٌ منهم في جيان وبلنسية وإشبيلية وطليطلة ومرسية، زيادة على معظم المسلمين الذين كانوا في غرناطة وألبيرة ومالقة وأحوازهن. وقد خرجت جماعاتٌ منهم إلى فرنسا لأسباب لم أطلع عليها، فاشتُرط عليهم هنالك أن لا يفارقوا النصرانية، فبقوا هنالك مترددين فيما يصنعون، وكانت فرنسا في تلك المدة قد اصطلحت مع إسبانيا بسبب الاتحاد الكبير بين ممالك أوروبا الذي أسسه ملك فرنسا هنري الرابع سنة 1603 م.

ولَمَّا لم يُبقِ الجلالقةُ أملًا للتسامح مع الموريسكو في إقامة عوائدهم الإسلامية، وأقاموا عليهم العيونَ في تتبع أعمالهم في خويصتهم، ضاق الأمرُ بالموريسكو فثاروا ثورةً كبرى في كورة ألبيرة وجبالها، ودام بينهم وبين الجلالقة قتالٌ مدةَ أربع سنين

(1) وانظر ما ذكره الشيخ علي الطنطاوي من قصة الشيخ محمد عبد الرفيع بعنوان "محمد الصغير" في كتابه قصص من التاريخ (جدة: دار المنارة، 2002).

ص: 187

إلى أن كانت الهزيمة على الموريسكو سنة 961 هـ، فأخدوا على الطاعة. ولولا حروبٌ نشبت عقب ذلك بين الجلالقة وبين الأنجليز أخذ فيها المسلمون نفسًا من العيش، لمَا استطاعوا الدوامَ على تلك الحال إلى أوائل القرن الآتي.

وقد يسر الله للمسلمين بقاءهم على إيمانهم، وإقامة شعائر دينهم، ودوام التآمر بينهم على ذلك، مع انتشارهم وشدة المراقبة عليهم، فلم يضمحِلَّ الإسلامُ منهم بحسب الإمكان، حتى استطاعوا السعيَ للخلاص حين سنحت لهم الفرصة. وذلك تحقيق لوعد الله تعالى في قوله:{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)} [الليل: 5 - 7].

وتُوُفِّيَ الملك فيليبو الثاني، وخلفه ابنه فيليبو الثالث، وكان يميل إلى التسامح مع الموريسكو، فظلوا في سكون وجثوم مدة سنين إلى أن أتيح لنفرٍ منهم أن ارتحلوا عن الأندلس سنة 1013 هـ قاصدين بلغراد من مدن السلطنة التركية. وهنالك لقوا الوزير مراد بكلربيك باشا الملقب قيوجي، وكان هو الصدر الأعظم للخليفة السلطان أحمد خان الأول، فأخبروه بما حل المسلمين من الشدة والتضييق عليهم في دينهم في إسبانيا وفرنسا. فبسط الوزيرُ الحالَ إلى السلطان الذي كان غير عالم بما حاق بالمسلمين، وكان يحسبهم قد اختاروا التنصر على الإسلام بدون إكراه، فصدر إذنُ السلطان إلى الوزير بأن يصدر كتابًا إلى الملك هنري الرابع ملك فرنسا وحليف سلطان تركيا. وقد حكى السيد محمد بن عبد الرفيع ذلك فقال:

"فكتب الوزير المشار إليه إلى صاحب فرنسا. . . بإذن من السلطان نصره الله يأمره بأن يخرج مَنْ كان من المسلمين الأندلس محمولين في أغربته (1) ويوجههم إلى بلاد الإسلام في سفر من عنده بما يحتاجون إليه. فلما قرئ الأمر السلطاني في ديوان الفرنسيس بباريس دار مملكته، وسمعه مَنْ كان عنده مرسلًا من قبل صاحب الجزيرة

(1) كذا، ولم يتبين لي وجه الصواب في هذه اللفظ ولا معناها.

ص: 188

الخضراء (في إسبانيا) وهو فيليبو الثالث، أرسل إلى سيده يخبره بأن السلطان أحمد أرسل أمرَه إلى ملك فرنسا وأمره أن يُخْرِج مَنْ عنده من المسلمين، فلما علم فيليبو الثالث هذا دخله الرعبُ والخوف الشديد. (1) فأمر حينئذ بجمع أكابر القسيسين والرهبان والبطارقة، وطلب منهم الرأيَ وما يكون عليه العملُ في شأن المسلمين الذين هم ببلاده كافة، فأجمعوا كلُّهم على إخراج المسلمين كافة من مملكته".

ثم ذكر الظهير الذي أصدره الملك فيليبو الثالث، ونحن نذكره لما فيه من النكت التاريخية الموضحة لحالة آخر المسلمين بالأندلس. (2)

"لَمَّا كانت السياسة الحسنة الجيدة لإخراج من يكدر على كافة الرعية النصرانية في مملكتها التي تعيش عيشًا رغدًا صالِحًا والتجربة أظهرت لنا عيانًا أن الأندلس (3) الذين هم متولدون من الذين كدروا مملكتنا فيما مضى بقيامهم علينا مرارًا، وقتلهم أكابر مملكتنا والقسيسين الذين كانوا بين أظهرهم وقطعهم لحومهم وتعذيبهم بأنواع التعذيب مع عدم توبتهم مما فعلوه، وعدم رجوعهم رجوعًا صالِحًا من قلوبهم لدين النصرانية، ولم تنفع فيهم وصايانَا ولا وصايا أجدادنا الملوك،

(1) يظهر أن الرعب دخله، إذ علم أنه المقصود بذلك، وأن السلطان أحمد ابتدأ بمخاطبة ملك فرنسا الذي هو حليفه لئلا يكون على ملك الفرنسيس مؤاخذة إضرار بالمسلمين أو اضطهادهم في دينهم حتى تكون فرنسا بريئة من جراء ذلك ليمكن اتحاد سلطان الترك وملك الفرنسيس على ملك إسبانية في إنقاذ المسلمين من مخالبه. ولعل ملك الفرنسيس قد أشعر سفير إسبانية الذي لديه بذلك، كما يُفهم من كلام السيد محمد بن عبد الرفيع. فلما أحس ملك إسبانية بذلك عمل بمعنى المثل:"بيدي لا بيد عمرو"، وذلك يظهر مما تضمنه منشوره المذكور هنا. - المصنف.

(2)

الظاهر أن الملك قصد من هذا المنشور إقناعَ رعيته والسلامة من رميه بالتقصير في استئصال أعداء دينهم، أو رميه بأنه أضاع طائفة من النصارى ووجههم إلى بلاد المسلمين لينتقم المسلمون منهم، كما يظهر من بعض فقرات منشوره. - المصنف.

(3)

كلمة الأندلس هنا ترجم بها السيد محمد بن عبد الرفيع كلمة الموريسكو بالإسبانية، وكان من حقه أن يترجمها بالمدجَّنين. - المصنف.

ص: 189

ورأينا عيانًا أن كثيرًا منهم أحرقناهم بالنار لاستمرارهم علي دين المسلمين بعيشهم فيه خفية، ولاستنجادهم كذلك إعانة السلطان العثماني لينصرهم علينا، وظهر لنا أن بينهم وبين السلطان مراسلاتٍ إسلامية ومعاملات دينية تيقنت ذلك من أخبار صادقة وصلت إلي، ومع هذا لم يأت إلينا أحدٌ منهم يخبرنا بما يدبرونه في هذه المدة بينهم وفيما سبق من السنين بل كتموه بينهم، وظهر لي ولأرباب العقول والمتدينين الصالحين من القسيسين الذين جمعتهم لهذا الأمر أن بقاءهم بيننا ينشأ عنه فسادٌ كبير بسلطاننا، وأن بإخراجهم من بيننا يصلح الفساد الناشئ من إبقائهم بمملكتي، أردت إخراجهم كافة ورميهم إلى بلاد المسلمين أمثالهم لكونهم لم يزالوا مسلمين".

وقد تُوُفِّيَ الملك فيليبو الثالث عقب هذا، وولي ابنه فيليبو الرابع، فخرج المسلمون من الأندلس في زمانه سنة 1017 هـ (سبع عشر وألف هجرية)، قاصدين المغرب الأقصى، والمغرب الأوسط، وتونس، ومصر، وبلاد الدولة العثمانية. وكان عددُ الخارجين على أظهر التقادير ألف ألف نسمة، وقيل سبعمائة ألف، وقيل ستمائة ألف، وكان الداخلون منهم إلى البلاد التونسية نحو ثلاثمائة ألف.

فأنت ترى أن الله أنقذَ أمةً من المسلمين من حبائل المكر، وأرجعهم إلى دينهم القويم، فنجَوْا هم ومَنْ تناسل منهم من ذلك المصاب، وقطع الله بذلك مطامعَ صرف المسلمين عن دينهم في مستقبل الحوادث التي وقع فيها المسلمون تحت حكم غير المسلمين. وحُسب للخلافة الإسلامية حسابُها، وقُدرت حقَّ قدرها، فكان ذلك الحادثُ نجاةً في نفسه، ومثالًا صالِحًا للحوادث التي جرت من بعده، وكل ذلك بهمة السلطان الصالح أحمد خان الأول ووزيره الناصح مراد باشا قيوجي.

فلا يعترِضُنا ترددٌ في أن نعد هذين الرجلين الصالحين مجددَيْ أمرِ الدين على رأس المائة الحادية عشرة (أي سنة 1013 هـ)، من يوم إخبار الرسول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.

إذا ألِمنا وعجبنا لحادث تنصير المسلمين الشهير في غرب الأرض بالأندلس، ورأينا كيف تخلصوا منه بعناية إلهية بعد التورط فيه أعوصَ ورطة، فقد حق علينا أن

ص: 190

لا نغفل عن حادث من قبيله حصل في أقصى الشرق في ذلك العصر. وهو حادثٌ قل مَنْ يعلم نبأه، وقد تعرض لمجمله بعضُ المؤرخين في ترجمة أكبر خان، وبسطه الأستاذ العلامة شكيب أرسلان في تعاليقه القيمة على كتاب "ماضي الإسلام"، نقله عما كتبه محررو "دائرة المعارف الإسلامية" وغيرُهم من علماء أوروبا عن تاريخ الهند، مستندين إلى ما كتبه المؤرخون الهنود. ذلك أن سلطان الهند محمد بن همايون الملقب "أكبر شاه"(1) كان قد صار إليه ملك دلهي وما إليها من بلاد الهند. ثم ضم إلى مملكته معظم ممالك الهند الإسلامية وغيرها، فكان في سنة 1009 هـ قد هزم جميع معانديه، واستقر ملكه. فطرأ عليه في آخر سنوات سلطانه ذبذبةٌ وخذلان، فظهرت منه بوادرُ تدل على مروقه من الإسلام والعمل بما ينافي عقيدةَ المسلمين.

فابتدأ باتباع الإشراق الهندي، ثم توسع في متابعة المذاهب والأديان، وابتدأ بأن أبطل كونَ الإسلام هو الدين الرسمي للسلطنة. وأصدر سنة 1002 هـ أمره بأن كلَّ مَنْ أُجبِر من الهنود على الإسلام في مدة السلاطين أسلافه يرجع إلى دين قومه، وأمر بترجمة كتب البراهمة من اللغة السنسكريتية الهندية إلى اللغة الفارسية. ثم استُؤْتِيَ إليه طائفة من الرهبان البرتغاليين الذين كانوا في الهند، فأرسلوا إليه بالإنجيل، فأمر بترجمته بالفارسية، وعهد إلى الرهبان بتعليم ابنه مراد.

وكان يذهب إلى الكنائس، وزعموا أنه كان يشاركهم في معظم الصلوات، فيجثو على ركبته. وقد وضع عقيدةً تدعو إلى التوحيد، وترخص للذين يحبون أن يجعلوا للإله رمزًا بأن يجعلوا الشمس رمزًا له تعالى. وحاول تركيبَ دين يجعله مزيجًا من الإسلام والبرهمية والنصرانية، ويسميه فصاحة الأديان! فكاد صنيعُه هذا أن

(1) هو محمد ابن السلطان همايون ابن السلطان بابر من أحفاد تيمورلنك، ولد سنة 949 هـ، وولي السلطنة بعد موت أبيه سنة 963 هـ. وكان ملكًا سامي الهمة شجاعًا، قهر أعداءه في معظم ممالك الهند، وعامل رعيته بالعدل، ورفع شأن العلماء. عاش ثلاثًا وستين سنة، وتوُفِّيَ سنة 1014 هـ. وهو واضعُ اللغة الهندية الجديدة الأوردو المركبة من الهندية القديمة ومن العربية والفارسية والتركية، تسهيلًا للتفاهم بين مختلف عناصر الهند. - المصنف.

ص: 191