الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للمسلمين فليس منهم، ومن أصبح وهمه غير الله فليس من الله". (1)
وذكره السيوطي في جمع الجوامع وفي الجامع الصغير بلفظ: "مَنْ أصبح وهمُّه غيرُ الله فليس من الله، ومَنْ أصبح لا يهتم بالمسلمين فليس منهم"، قال في جمع الجوامع: رواه الحاكم عن ابن مسعود وتعقبه، والبيهقي وابن النجار عن أنس. (2)
هذه خلاصةُ ما قيل في ألفاظه وأسانيده، وهي كلُّها مُخَرَّجةٌ في الكتب المعروفة بالإكثار من تخريج الضعيف. وقد صرَّح العراقيُّ والمرتضى بأنه حديثٌ ضعيف، ولم يبلغ مبلغَ الحسن، بله الصحيح. (3)
معنى الحديث:
ومعنى هذا الحديث - على اختلاف رواياته وألفاظه - أن شأنَ المسلمين أن يعتَنِيَ بعضُهم بما يُهِمُّ البعضَ الآخر. والمقصودُ من ذلك واردٌ في صحيح الآثار، ففي صحيح البخاري ومسلم - واللفظ للبخاري - عن النعمان بن بشير، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ترى المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى
(1) السخاوي: المقاصد الحسنة، الحديث 1180، ص 491؛ البيهقي: الجامع لشعب الإيمان، الحديث 10102، ج 13، ص 155 - 156 (حيث جاءت العبارة موضوع البحث آخرًا، والأخرى أولًا، وقال البيهقي: "إسناده ضعيف").
(2)
المناوي: فيض القدير، الحديث 8453، ج 6، ص 67. قال المناوي:"سكت عليه المصنف (يعني السيوطي)، فأوهم أنه صالح، وهو غفول عن تشنيع الذهبي على الحاكم بأن إسحاق بن بشر أحدَ رجاله عدم، وقال: وأحسب أنه موضوع. وأورده في الميزان في ترجمة إسحاق هذا، وقال: كذبه ابن المديني والدارقطني، ومن ثم حكم ابن الجوزي عليه بالوضع".
(3)
تقدم توثيق كلام العراقي. والصواب أن المرتضى حكى قول العراقي في الحكم على الحديث، ولم يزد عليه، ثم قال:"قلت: ورواه الطبراني في الأوسط أيضًا من حديث حذيفة ولفظه: "من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن لم يصبح ويمس ناصحًا لله ورسوله ولكتابه ولإمامه وأمة المسلمين فليس منهم"". الزبيدي، السيد محمد بن محمد الحسيني: إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين (بيروت: مؤسسة التاريخ العربي، 1414/ 1994، تصوير عن طبعة المطبعة الميمنية بمصر لصاحبها أحمد البابي الحلبي، 1311 هـ)، ج 6، ص 293.
عضوٌ منه تداعى له سائرُ الجسد بالسهر والحمى". (1)
وفي صحيح البخاري وسنن الترمذي والنسائي عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن للمؤمن كالبنيان الواحد، يشدُّ بعضه بعضًا"(2)
لكنا نجد في الحديث المسؤول عنه زيادةً تُوهِمُ معنًى خطيرًا، وهي زيادة قوله:"فليس منهم". ومثلُ هذه الجملة موجودٌ في أحاديث كثيرة، بعضُها من الصحيح وبعضُها دونه، كما في حديث الصحيحين من طريق مالك بن أنس عن ابن عمر وأبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ حمل علينا السلاح فليس منا"، (3) وفي حديث سنن الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ غشنا فليس منا"، (4) وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ لَمْ يرحم صغيرَنا، ولم يوقر كبيرنا، فليس منا"، (5) وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا مَنْ شقَّ الجيوب، ولَطَم
(1) صحيح البخاري، "كتاب الأدب"، الحديث 6011، ص 1051؛ صحيح مسلم، "كتاب البر والصلة والآداب"، الحديث 2586، ص 1001.
(2)
صحيح البخاري، "كتاب الصلاة"، الحديث 481، ص 83؛ "كتاب المظالم"، الحديث 2446، ص 394؛ "كتاب الأدب"، الحديث 6026، ص 1053؛ سنن الترمذي، "كتاب البر والصلة"، الحديث 1928، ص 473؛ سنن النسائي، "كتاب الزكاة"، الحديث 2557، ص 420 - 421.
(3)
صحيح البخاري، "كتاب الدّيات"، الحديث 6874، ص 1184؛ "كتاب الفتن"، الحديثان 7070 - 7071، ص 1219؛ صحيح مسلم، "المقدمة"، ص 18؛ "كتاب الإيمان"، الحديثان 98 و 100، ص 56 - 57.
(4)
لم يخرجه الترمذي بهذا اللفظ، وهو عنده بلفظ:"مَنْ غشَّ أمتي فليس منا". سنن الترمذي، "كتاب البيوع"، الحديث 1315، ص 340. وقد خرجه مسلم بلفظ:"مَنْ حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشَّنا فليس منا". صحيح مسلم، "كتاب الإيمان"، الحديث 103، ص 57.
(5)
سُنَنُ أبي دَاوُد، "كتاب الأدب"، الحديث 4943، ص 774 (بلفظ: ويعرفْ حقَّ كبيرنا، بدل: ولم يوقر كبيرنا). وأقرب منه إلى ما ذكره المصنف ما خرج الترمذي بلفظ: "ليس منا مَنْ لَمْ يرحم صغيرَنا، ولم يوقر كبيرنا". سنن الترمذي، "كتابُ البرِّ والصلة"، الحديث 1919، ص 471.
الخدود، ودعا بدعوى الجاهلية"، (1) يعني عند مصيبة الموت، كأن يدعوَ بالويل والثبور.
فهذه الأحاديثُ كلُّها توهم أن الآتي بهذه الأحوال منتفٍ عنه وصفُ الإسلام، فيكون غير مسلم؛ لأن ضمير المتكلم المشارك إذا نطق به الرسول صلى الله عليه وسلم تبادر منه أن المرادَ به الرسولُ مع جماعته، وهم المسلمون. والحديثُ الذي نتكلم عليه ضميره أظهر؛ لأنه عائدٌ على لفظ المسلمين السابق.
ولكن هذا الظاهرَ الذي أوهم هذا المعنى غيرُ مرادٍ من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم قطعًا، لِمَا ثبت في أصول الدين من الأدلة الموجِبَةِ للقطع بأن الوقوعَ في بعض المحرَّمات ليس بموجِبٍ خروجَ الواقع فيها عن الإسلام. ولذا كان من أصول اعتقاد أهل السنة أن لا يُكَفَّر أحدٌ بذنب ولا بذنوب، كائنةً تلك الذنوب ما كانت. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بَيَّن معنى الإسلام للأمة بما لم يبق معه ريبٌ لأحد من المسلمين في فهمه، وحاصلُه أنه النطقُ بالشهادتين عن اعتقاد معناهما، والتصديقُ به في القلب.
وكذلك كان شأنُ الرسول عليه الصلاة والسلام في بيان أصول الدين وعماده؛ فإن ذلك أهمُّ شيء إذ هو مدخلُ الجامعة الإسلامية. فلذلك لم يكن المسلمون في عصر النبوة وما يليه يجهلون أنهم مسلمون؛ وكانوا يميزون المسلمَ من غير المسلم. وقد ألَمَّ بعضُ المسلمين ببعض الكبائر في زمن الرسول [عليه السلام]، والخلفاء الراشدين، فلم يُعِدَّهم خارجين عن حظيرة الإسلام، ولا أجرى عليهم السلفُ ما أجْرَوْه على المرتدين. فالرسول صلى الله عليه وسلم غنِيٌّ عن التصدي لزيادة التفصيل في بيان مَنْ هو مسلم، ومَنْ ليس بمسلم. فمتى وجدنا في بعض ما يُروَى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إيهامَ
(1) صحيح البخاري، "كتاب الجنائز"، الأحاديث 1294 و 1297 - 1298، ص 207؛ "كتاب المناقب"، الحديث 3519، ص 591؛ صحيح مسلم، "كتاب الإيمان"، الحديث 103، ص 57؛ سنن الترمذي، "كتابُ الجنائز"، الحديث 999، ص 262. واللفظ للترمذي.
نفي الإسلام عن المتصف ببعض الأفعال، نعلم أن ذلك مرادُه به غيرُ ظاهره، ونحمله على معنى يناسب ذلك النفيَ والغرضَ منه.
وقد اتفق علماءُ الأمة على تأويل هذه الأحاديث بقانون يعم جميعَها، ناظرٍ إلى اعتبار لفظ "ليس منا" ونحوه مستعمَلًا في كلام العرب لإخراج المخبَرِ عنه معنى من نوع المجرور بـ "من" الواقع في الخبر معنى. وقانونُ تأويله أنه جاء للزجر والتهويل، فقد نُقل عن سفيان بن عيينة أنه يكره الخوض في تأويله ويقول:"ينبغي أن يمسك عنه ليكون أوقعَ في النفس وأبلغَ في الزجر"، (1) يعني مع اعتقاد عدم إرادة ظاهره عند العلماء.
وتأوَّله بعضُ الشراح بأن المراد "ليس من أهل هدينا وسنتنا"؛ أي ليس من خيرة المسلمين. فيكون الضمير مجازًا مرسلًا علاقتُه البعضية، أو يكون في الكلام إيجازٌ بمجاز الحذف. وهذا تأويلٌ يستقيم في ضمير "منهم" العائد على لفظ المسلمين السابق، فإن معاده عام؛ إذ المقصود: مَنْ لم يهتم بأمر جميع المسلمين، والضمير على وزان معاده. وقال ابن المنَيِّر: المعنى أنه "ليس أهلًا لصحبتنا والاختلاط بنا". (2) فعلى تأويله تكون "مَنْ" التبعيضية مستعارةً لمعنى "مع"، على طريقة الاستعارة التبعية.
(1) العسقلاني: فتح الباري، "كتاب الجنائز"، شرح الحديث 1294، ج 1، ص 821.
(2)
اعتمد المصنف فيما قرره هنا على كلام الإمام ابن حجر في شرحه لحديث "ليس منا مَنْ شقَّ الجيوب، ولَطَم الحدود، ودعا بدعوى الجاهلية"، حيث قال:"قوله: ليس منا، أي من أهل سنتنا وطريقتنا، وليس المراد به إخراجه من الدين. ولكن فائدة إيراده بهذا اللفظ المبالغة في الردع عن الوقوع في مثل ذلك، كما يقول الرجل لولده عند معاتبته: لست مني ولست منك، أي ما أنت على طريقتي. وقال الزين بن المنير ما ملخصه: التأويل الأول يستلزم أن يكون الخبر إنما ورد عن أمر وجودي، وهذا يُصانُ كلامُ الشارع عن الحمل عليه. والأولَى أن يقال: المراد أن الواقع في ذلك يكون قد تعرض لأن يُهجر ويُعرضَ عنه، فلا يختلط بجماعة السنة تأديبًا له على استصحابه حالةَ الجاهلية التي قبحها الإسلام". فتح الباري، ج 1، ص 821. وأصل هذا الشرح للحديث عند ابن بطال الذي نسبه للمهلب، وقد جاء فيه: "قال المهلب: قوله: ليس منا، أي ليس متأسيًا بسنتنا، ولا مقتديًا بنا، ولا ممتثلًا لطريقتنا التي نحن عليها". ابن بطال القرطبي: شرح صحيح البخاري، ج 3، ص 280.
وقال بعضُ الشراح: المراد مَنْ عامل بهاته الأفعال حضرةَ الرسول عليه الصلاة والسلام (ومعاملة الرسول بذلك ومواجهته به كفر لا محالة)، فيكون المرادُ من الضمير في مثله المتكلم وحده، وهذا لا يستقسم في نحو "فليس منهم". وقال بعضهم: المراد مَنْ فعله مستحِلًّا له مع علمه بأن الرسول حرمه، وهذا أبعدُ التأويلات لاحتياجه إلى كثرة التقادير التي لا يهتدي إليها السامع. وأنا أرى في تأويل هذه الآثار تأويلَيْن هما أحسنُ مِمَّا تأول به المتقدمون:
التأويل الأول: نسلك فيه طريقَهم الذي سلكوه، وهو اعتبار لفظ "ليس منا" مستعملًا في كلام العرب للنفي من النوع، وأنه مستعمل في الحديث على ضرب من المجاز، فنقول:
إن المُتلبِّسَ بالفعل الذي يكثر أن يلتبس به غيرُ المسلمين يكون مشابِهًا بسببه لغير المسلم، فنخبر عنه بأنه غيرُ المسلم على طريقة الاستعارة في المنفرد، بسبب أن المنهيات كلها كانت من شعار الجاهلية أهل الشرك، وصار التعففُ عنها من شعار المسلمين، كما يشهد له حديثُ الصحيحين عن أبي ذر أنه سبَّ رجلًا بأمه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"إنك امرؤ فيك جاهلية"، (1) وحديثُ الموطأ أن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي بالناس، وكان في المسجد محجن الديلمي فلم يقم للصلاة؛ لأنه كان صلَّى في بيته، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما منعك أن تصلِّيَ مع الناس؟ ألستَ برجلٍ مسلم؟ "، (2) وفي حديث جميلة بنت أُبَي زوجة ثابت بن قيس أنها شكت لرسول الله ثابتًا فقالت:"ولكني أكره الكفر في الإسلام"، (3) تريد خشية الزنا.
(1) صحيح البخاري، "كتاب الإيمان"، الحديث 30، ص 8؛ "كتاب الأدب"، الحديث 6050، ص 1056؛ صحيح مسلم، "كتاب الأيمان"، الحديث 1661، ص 652.
(2)
الموطأ برواياته الثمانية، "كتاب الصلاة"، الحديث 319، ج 1، ص 524 - 525.
(3)
صحيح البخاري، "كتاب الطلاق"، الأحاديث 5273 - 5277، ص 943؛ سنن ابن ماجه، "أبواب الطلاق"، الحديث 2056، ص 294؛ سنن النسائي، "كتاب الطلاق"، الحديث 3460، ص 564.
وعلى هذا يكون موقعُ قوله: "ليس منهم" و"ليس منا" ونحوه، كموقع قوله عليه الصلاة والسلام:"لا يزنِي الزَّانِي حين يزنِي وهو مؤمن". (1)
التأويل الثاني - وهو التحقيق - أن نعدلَ عما سلكوه من اعتبار لفظ "فليس منا" ونحوه مستعْمَلًا في كلام العرب للنفي من النوع، بل إن العربَ لا يستعملونه إلا استعمالًا شبيهًا باستعمال المثل بلازم هذه الصيغة. فهو خبرٌ مستَعْمَلٌ في معنى الغضب على المخْبَر عنه، وإيذانه بالسخط والقطيعة. وقد تكرر هذا الاستعمالُ في كلام العرب، قال النابغة يحذر عُيَيْنَةَ بن حصن من الغدر ببني أسد:
إِذَا حَاوَلْتَ فِي أَسَدٍ فُجُورًا
…
فَإِنِّي لَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنِّي (2)
فإنه لو حُمِل على المعنى الأصلي لكان تحصيلَ حاصل، إذ ليس عيينةُ بن حصن ببعض من النابغة. وقال بعضُ العرب:
أَيُّهَا السَّائِلُ عَنْهُمْ وَعَنِي
…
لَسْتُ مِنْ قَيْسٍ وَلَا قَيْسٌ مِنِي (3)
(1) صحيح البخاري، "كتاب المظالم"، الحديث 2475، ص 400؛ "كتاب الأشربة"، الحديث 5578، ص 991؛ "كتاب الحدود"، الحديث 6772، ص 1168؛ "كتاب المحاربين"، الحديث 6810، ص 1173؛ صحيح مسلم، "كتاب الإيمان"، الحديثان 100 و 104، ص 45 - 46. قال المازري في شرح الحديث المذكور:"قيل: معنى مؤمن، أي آمِنٌ من عذاب الله، ويحتمل أن يُحملَ على أن معناه: أن يكون مستحِلًّا لذلك. وقد قيل: معناه أي كامل الإيمان. وهذا على قول من يرى أن الطاعات تسمى إيمانًا. وهذه التأويلاتُ تدفع قولَ الخوارج إنه كافر بزناه، وقولَ المعتزلة إن الفاسق الملي لا يُسمى مؤمنًا، تعلقًا من الطائفتين بهذا الحديث. وإذا احتمل ما قلناه لم تكن لهم فيه حجة". المازري، المعلم بفوائد مسلم، تحقيق محمد الشاذلي النيفر (بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1992)، ج 1، ص 197.
(2)
ديوان النابغة الذبياني، ص 127 (نشرة محمد أبو الفضل إبراهيم) وص 253 (نشرة ابن عاشور). والبيت من قصيدة من بحر الوافر قالها النابغة حين قتلت بنو عبس نضلةَ الأسدي، وقتلت بنو أسد منهم رجلين، فأراد عيينةُ عونَ بني عبس بإخراج بني أسد من حلف بني ذبيان.
(3)
قوله: "وعني" يُقرأ بتخفيف النون للضرورة، وكذلك نون "مني". - المصنف. هذا البيت استشهد به ابن هشام في باب الضمير من شرحه على الألفية. وفي نسبته قال محقق الكتاب ما يأتي: =
وقريبٌ منه قولُه تعالى: {قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: 46]، أي لا تهتمَّ بأمره وأعرِضْ عنه. ويقولون في عكس ذلك: أنت مني وأنا منك. ويؤيد هذا التأويلَ أن بعضَ الآثار الواقع فيها لفظ "ليس منا" قد رُوي بلفظ "فليس مني"، وما في صحيح مسلم أن أبا موسى الأشعري أُغْمِيَ عليه في مرضه، فصاحت امرأةٌ من أهله، فلما أفاق قال:"أنا بريءٌ مِمنْ بَرِئ رسولُ الله منه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا الصالقةُ والحالقةُ والشاقة""، (1) ففسَّرَ كلامَ رسول الله "ليس منا" في ذلك الحديث بمعنى البراءة.
= "هذا بيت من الرمل، ولم أقف لهذا الشاهد على نسبة إلى قائل معين، ولا عثرت له على سوابق أو لواحق. وقد رأيت ابنَ الناظم نسبه إلى بعض النحاة، ذهابًا منه إلى أنه مصنوع، ورأيت ابنَ هشام يقول في شأنه: وفي النفس من هذا البيت شيء؛ لأنا لا نعرف له قائلًا، ولا نظيرا". ابن هشام الأنصاري، أبو محمد عبد الملك جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله: أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد (صيدا/ بيروت: المكتبة العصرية، بدون تاريخ)، ج 1، ص 118.
(1)
ونص الحديث: "وجع أبو موسى وجعًا فغُشي عليه ورأسه في حَجْر امرأة من أهله، فلم يستطع أن يرد عليها شيئًا. فلما أفاق قال: إني بَرِيءٌ ممن بَرِئَ منه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة والحالقة والشاقة. صحيح البخاري، "كتاب الجنائز" الحديث 1296، ص 207؛ صحيح مسلم، "كتاب الإيمان"، الحديث 104، ص 57.