الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واجب المسلمين: النصيحة
(1)
هذا غرضٌ جليل أرانا معشر المسلمين في غفلة عن مراعاته وتقصير في إبلاغه؛ فإن من أعظم واجبات المسلمين في إقامة نظامهم الإسلامي أن يبثوا النصيحة بينهم على اختلاف طبقاتهم ومناحيهم. فالتناصح بين المسلمين دعامة قوية لإقامة صرح المجد الإسلامي، وأصلٌ عظيم لاطراد صلاح أهله وتمتين أخوتهم ومحافظة استقامتهم.
والمسلمون لما تهاونوا بشأن النصيحة وفرطوا في إقامتها اعتراهم من الوهن المتدرج مع الزمان ما يقدر بقدر التفريط والإهمال فيها. وتنزوي إليه أحوالٌ كثيرة من أحوال التقهقر في تطور العصور والأقطار الإسلامية. فعلى المسلم أن يجيد النظر في مراقبة ذلك ومحاسبة وجدانه على الموازنة بين ما فات المسلمين من إقامة واجب التناصح وبين ما جره ذلك الفوت من ويلات.
وقد اعتنتِ الشريعةُ الشريعة الإسلامية بأمر النصيحة عنايةً أولية من عهود أوائل بثِّ الخصال الإسلامية، ولم تزل تُحرِّض عليه وتنبه إلى أنه عمادُ الإسلام بنص القرآن وصحيح السنة من صدر الإسلام وهلم جرا. قال تعالى في أوائل السور نزولًا:{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [العصر: 1 - 3]، وهي السورة الثالثة عشرة من ترتيب نزول السور على أشهر الأقوال.
(1) جوهر الإسلام، العدد 11، صفر 1389/ أفريل [أبريل] 1969 (ص 3 - 7).
فدخلت النصيحةُ في معنى التواصي بالحق؛ قال الفخر: "إن الله حكم بالخسار على جميع الناس إلا مَنْ كان آتيًا بهذه الأشياء الأربعة، وهي الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر. [فدل ذلك على أن النجاة معلقة بمجموع هذه الأمور، وإنه كما يلزم] المكلف تحصيلُ ما يخص نفسه، فكذلك يلزمه في غيره أمورٌ منها الدعاء إلى الدين والنصيحة"، (1) فأشار إلى النصيحة مما يشمله التواصي بالحق.
وفي الصحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: "بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، فشرط عليَّ - وفي رواية: فلقَّنني - "والنصح لكل مسلم"". (2) ومساق كلامه يدل على أن هذا العطف هو لفظ النبي صلى الله عليه وسلم. والتعبير "فلقنني" يدل على أنه جعل الكلام النبوي الشريف إكمالًا لكلام جابر رضي الله عنه، فصار ذلك تكملة لمعنى البيعة على الإسلام. (3) وجابر بايع في حين إسلامه، وهو معدودٌ من أهل العقبة الأولى عند بزوغ فجر الإسلام.
(1) الرازي: التفسير الكبير، ج 16/ 32، ص 85.
(2)
الصحيح أن هذا الحديث رواه جرير بن عبد الله البجلي، أسلم هو وقومه في رمضان من السنة العاشرة للهجرة. توفي جرير سنة أربع وخمسين بالكوفة، وقيل سنة إحدى وخمسين بالسَّراة. ولم يرد اسم جابر بن عبد الله في أي من طرق الحديث المذكور، ولفظ الرواية الأولى: عن زياد بن علاقة قال: سمعت جرير بن عبد الله يقول يوم مات المغيرة بن شعبة، قام فحمد الله وأثنى عليه، وقال: عليكم باتقاء الله وحده لا شريك له، والوقار، والسكينة، حتى يأتيكم أمير، فإنما يأتيكم الآن. ثم قال: استعفوا لأميركم، فإنه كان يحب العفو. ثم قال: أما بعد فإني أتيت النبي صلى الله عليه وسلم قلت: أبايعك على الإسلام، فشرط علي:"والنصح لكل مسلم". فبايعته على هذا، ورب هذا المسجد إني لناصح لكم". وأما الثانية فلفظها:"بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، فلقَّنني: "فيما استطعت، والنصح لكلِّ مسلم"". صحيح البخاري، "كتاب الإيمان"، الحديث 58، ص 13. وأما الثانية فلفظها:"بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، فلقَّنني: "فيما استطعت"، والنصح لكلِّ مسلم". صحيح البخاري، "كتاب الأحكام"، الحديث 7204، ص 1241؛ صحيح مسلم، "كتاب الإيمان"، الحديث 55/ 99، ص 45؛ سنن النسائي، "كتاب البيعة"، الحديث 4195، ص 683.
(3)
لأن التلقين أن يجعل المتكلم كلامًا له معطوفًا على كلام مخاطبه. ومثاله قوله تعالى: {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [البقرة: 124]. - المصنف.
وفي صحيح مسلم عن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدين النصيحة"، قال تميم:"قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"". (1) وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم كرر قوله "الدين النصيحة" ثلاثًا. (2) فمراد تميم بقوله: "قلنا" أنه والحاضرين معه ذلك المجلس سألوا لما شعروا من اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخبر بالتكرير أو بقرائن العناية به، فبين لهم ما أجمله ليتمكن من نفوسهم. وذلك من أغراض أسلوب الإجمال ثم التفصيل. قال أبو داود: إن حديث تميم هذا هو أحد الأحاديث التي يدور عليها الفقه. (3) وقال أبو نعيم: إن محمد بن أسلم الطوسي قال: "هذا الحديث أحد أرباع الدين". (4)
(1) صحيح مسلم، "كتاب الإيمان"، الحديث 55/ 95، ص 44؛ سنن النسائي، "كتاب البيعة"، الأحاديث 4203 - 4206، ص 684 - 685. وانظر تخريجه بجميع طرقه وألفاظه في: الأصفهاني، أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق: المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم، تحقيق محمد حسن محمد حسن إسماعيل الشافعي (بيروت: دار الكتب العلمية، بدون تاريخ)، ج 1، الأحاديث 192 - 198، ص 142 - 144؛ المروزي، محمد بن نصر: كتاب تعظيم قدر الصلاة، تحقيق عبد الرحمن بن عبد الجبار الفِرَيْوائي (المدينة المنورة: مكتبة الدار، ط 1، 1406)، ج 2، ص 681 - 691.
(2)
وهي كذلك عند أبي داود عن تميم الداري وعند الترمذي عن أبي هريرة مع اختلاف يسير. سنن أبي داود، "كتاب الأدب"، الحديث 4944، ص 774. سنن الترمذي، "كتاب البر والصلة"، الحديث 1925، ص 472. قال الترمذي معلقًا على هذه الرواية: "هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ وفي البَابِ عن ابنِ عمر وتميمٍ الدَّاريِّ وجريرٍ وحكيمِ بنِ أبي يزيدَ عن أبيهِ وثوبانَ".
(3)
ورد ذلك في كتاب (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع) للخطيب البغدادي، ونصه:". . . قال: سمعتُ عبد الله بن أبي داود السجستاني يقول: سمعتُ بني سليمان بن الأشعث يقول: الفقه يدور على خمسة أحاديث: "الحلال بيِّن والحرام بَيِّن" وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ضرر ولا ضرار" وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لامرئ ما نوى" وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الدين النصيحة" وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فائتوا منه ما استطعتم". الخطيب البغدادي: الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، تحقيق: د. محمود الطحان (الرياض، مكتبة المعارف، ط 1، 1403 هـ/ 1983 م)، ج 2، ص 290، رقم (1887).
(4)
وتمام كلام أبي نعيم: "هذا حديثٌ له شأن، ذكر محمد بن أسلم الطوسي أنه أحدُ أرباع الدين". ابن الصلاح، أبو عمرو: صيانة صحيح مسلم عن الإخلال والغلط وحمايته من الإسقاط والسَّقط، =