المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مسعود وابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو بن - جمهرة مقالات ورسائل الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور - جـ ١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌إهداء

- ‌فَاتِحَةُ الكِتَاب

- ‌بين يدي مقالات ابن عاشور ورسائله

- ‌تمهيد: أنا وتراث ابن عاشور:

- ‌محاولات سابقة لجمع مقالات ابن عاشور، ولكن

- ‌منهجنا في هذه الجمهرة جمعا وترتيبا:

- ‌شكر وعرفان ودعاء

- ‌ضميمة

- ‌المِحْوَرُ الأَوَّلفِي العَقِيْدَةِوَالتَفْسِيْر وَالفِكرِ وَالحِكمَةِ

- ‌الفَرْع الأَوّلالعَقيْدَة والتّفسِيْر

- ‌تنبيه ونصيحة

- ‌الرحمن على العرش استوى

- ‌[مقدمة]

- ‌[موقع الآية من المتشابه]

- ‌[طريقة السلف إزاء المتشابه]

- ‌[الخلف وتأويل المتشابه]

- ‌[رأي المصنف]

- ‌تكليم الله لموسى عليه السلام

- ‌وجهُ تسمية يوم القيامة بيوم التغابن

- ‌عصمة الأنبياء

- ‌القول الفصل - لا في الفضل - في عصمة الأنبياء من بعد النبوة ومن قبل:

- ‌قول عياض:

- ‌[الخلاصة]:

- ‌شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌معنى الشفاعة:

- ‌أنواع الشفاعة ومكانة الرسول عليه السلام منها:

- ‌مراجعة في تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}

- ‌المهدي المنتظر

- ‌[مقدمة]:

- ‌[مكانة حديث المهدي من تعاليم الإسلام]:

- ‌[مذاهب العلماء في المهدي]:

- ‌كيف نشأ القولُ بالمهدي المنتظر

- ‌[أنواع الآثار المروية في المهدي]:

- ‌الآثار المروية في المهدي:

- ‌الرأي في هذه الآثار من جهة علم الحديث:

- ‌الرأى فيها من جهة النظر:

- ‌الفَرْعَ الثَّانِيالفكْر وَالحكْمَة

- ‌من يجدد لهذه الأمة أمر دينها

- ‌[تمهيد]:

- ‌دعائم الإسلام:

- ‌معنى التجديد

- ‌مضي مائة سنة مظنة لتطرق الرثاثة والاحتياج إلى التجديد:

- ‌كيف يكون مبدأ تعيين المائة السنة

- ‌رأي ابن السبكي في نعت المجدد وزمنه:

- ‌رأي مجد الدين ابن الأثير في تعيين المجددين

- ‌التحقيق في صفات المجدد وصنفه وعدده:

- ‌التوسم في تعيين المجددين بحسب أدلة الحق المبين:

- ‌[المائة الأولى]:

- ‌[المائة الثانية]:

- ‌[المائة الثالثة]:

- ‌[المائة الرابعة]:

- ‌[المائة الخامسة]:

- ‌[المائة السادسة]:

- ‌[المائة السابعة]:

- ‌[المائة الثامنة]:

- ‌[المائة التاسعة]:

- ‌[المائة العاشرة]:

- ‌[المائة الحادية عشرة]:

- ‌[انحلال الجامعة الإسلامية وتزايد الفتن]:

- ‌[المائة الثانية عشرة]:

- ‌التقوى وحسن الخلق

- ‌شرف الكعبة

- ‌اللذة مع الحكمة

- ‌احترام الأفكار

- ‌العلم عند الله

- ‌تحصيله:

- ‌المقدم منه والمتعين:

- ‌خطته:

- ‌نعيمه والغاية القصوى منه:

- ‌مسألة خفية من مباحث الفلسفة الإسلامية: وحدة الوجود

- ‌ابن سينا والحكمة المشرقية

- ‌[تمهيد]:

- ‌أصل الحكمة اليونانية المنقولة إلى العربية:

- ‌طريقة الشيخ ابن سيناء في الحكمة:

- ‌الحكمة المشرقية:

- ‌الكتاب المعنون "منطق المشرقيين

- ‌الإنسان على الأرض

- ‌عمر الإنسان: ماذا أردت

- ‌أصول التقدم والمدنية في الإسلام

- ‌[مقدمة]

- ‌ما هو الإسلام

- ‌[التأسيسات الأصلية]

- ‌[وحدة النوع الإنساني: ]

- ‌ظهور الإسلام

- ‌واجب المسلمين أن يقتنعوا بهداية الإسلام

- ‌واجب المسلمين: النصيحة

- ‌ما هو النصح والنصيحة

- ‌اضطلاع الناصح بحق النصيحة:

- ‌قبول المنصوح للنصيحة:

- ‌الرفق بالحيوان في الإسلام

- ‌تحرير مسألة في علم الهيئة

- ‌المحْوَر الثّانِيفِي فِقْهِ السُّنَّةِ

- ‌الفَرْع الأَوّلفِقْه الحَدِيْث

- ‌التعريف بكتاب الموطأ للإمام مالك بن أنس رحمه الله ونشأة علم الحديث

- ‌[تمهيد]:

- ‌الاهتمام بتدوين ما صحت روايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الغرض من تأليف الموطأ

- ‌ما المراد بالحديث الصحيح

- ‌[نسخ الموطإ]

- ‌اسم كتاب "الموطأ

- ‌تحقيق مسمى الحديث القدسي

- ‌[تقديم]:

- ‌ تعريف الحديث القدسي

- ‌صيغة رواية الحديث القدسي:

- ‌الفرق بين الحديث القدسي والقرآن وبينه وبين غيره من الأحاديث النبوية:

- ‌مراجعة ما تضمنه كتاب "فتح الملك العلي

- ‌المراجعة الإجمالية:

- ‌المراجعة التفصيلية:

- ‌درس في موطأ الإمام مالك رضي الله عنه: "جامع القضاء وكراهيته

- ‌[تمهيد: القضاء بين الترغيب والترهيب]:

- ‌[العدل أساسُ صلاح العمران]:

- ‌[شرح الحديث]:

- ‌الأسانيد المريضة الرواية: "حديث طلب العلم فريضة

- ‌أقوال الحفاظ في رجال سنده:

- ‌آراء الحفاظ في حالته:

- ‌[روايات الحديث]:

- ‌التنبيه على أحاديث ضعيفة أو موضوعة رائجة على ألسنة الناس

- ‌خلق النور المحمدي

- ‌متن هذا الحديث:

- ‌مرتبة هذا الحديث من الصحة:

- ‌نقده من جهة اللفظ:

- ‌نقده من جهة المعنى:

- ‌دفع إشكال في حديث نبوي: "سألتُ ربي

- ‌سند هذا الحديث:

- ‌[معنى الحديث]:

- ‌حديث: من سُئل عن علمٍ فكتمه

- ‌[سند الحديث]:

- ‌معنى الحديث:

- ‌[مسائل في فقه الحديث]:

- ‌حديث: من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم

- ‌سند الحديث واختلاف ألفاظه

- ‌معنى الحديث:

- ‌تحقيق الخبر المأثور: "لا رهبانية في الإسلام

- ‌معنى الرهبانية:

- ‌لا صفر

- ‌شهر رجب

- ‌شهر شعبان

- ‌لا عزاء بعد ثلاث

- ‌تحقيق معنى لفظ العزاء

الفصل: مسعود وابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو بن

مسعود وابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا بأسانيدَ ضعيفة متفاوتة الضعف.

فهذا تحصيلُ القول في أفضل أسانيده. (1)

‌معنى الحديث:

ظاهرُ هذا الحديث أنه عامٌّ في كل مسؤول؛ لأن قوله: "سئل" فعل في سياق الشرط فيعم؛ لأن للفعل حكمَ النكرة، فيؤول إلى معنى: كُلُّ مَنْ سئل بكل سؤال عن كل علم فكتمه ألجمه الله، إلخ. ويستتبع ذلك عمومَ الأحوال والأزمنة والأمكنة؛ لأن العامَّ في الذوات عامٌّ في الأحوال والأوقات والأماكن عند جمهور أهل الأصول، خلافًا للقرافي. (2) فظاهرُه يقتضي أن كلَّ مسؤولٍ عن كل علم إذا كتم سائلَه عُوقِبَ يوم القيامة بلجام من نار، وترتيبُ العقوبة على عدم الجواب يقتضي أن الكتمانَ كبيرة، ويقتضي أن ضده - وهو جواب السائل عن علم واجب؛ لأن النهيَ عن الشيء أمر بضده. هذا ظاهرُ الحديث.

وقد اتفق العلماءُ على أن هذا الظاهر غيرُ مراد، ووَجْهُ اتفاقِهم على ذلك أن العقوبةَ تدل على أن كون ما ترتبت عليه كبيرة. وقد دلت الأدلةُ الشرعية من المنقول والمعقول أن جوابَ العالِم عما يُسأل عنه ليس بواجب في جميع الأحوال، وأن كون الشيء ذنبًا يقتضي ترتُّبَ مفسدةٍ دينية على فعله. ولا نجد في عدم إجابة العالم مَنْ يسأله مفسدةً في كثير من الأحوال، فذلك هو الداعي لهم إلى تأويل هذا الحديث،

(1) وانظر ثلاث روايات للحديث في الحاكم النيسابوري: المستدرك على الصحيحين، "كتاب العلم"، الأحاديث 344 - 346، ج 1، ص 170 - 171. وانظر في استقصاء جميع طرقه وتمحيصها ابن الجوزي: العلل المتناهية، ج 1، ص 96 - 107.

(2)

قال الشهاب: "فائدة: صيغ العموم وإن كانت عامة في الأشخاص فهي مطلقة في الأزمنة والبقاع والأحوال والمتعلقات، فهذه الأربعة لا عمومَ فيها من جهة ثبوت العموم من غيرها حتى يوجد لفظ يقتضي العموم فيها". القرافي: شرح تنقيح الفصول، ص 201.

ص: 444

أي حمله على غير ظاهره، جمعًا بين الأدلة مما ورد عن الشارع وما استقرئ من قواعد الشريعة.

قال أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي: هو محمولٌ على خمسة وجوه:

الأول: أن يعدم ذلك العلم إن لم يظهره (أي المسؤول). وذلك بأن يكون منفردًا بعلمه بين تلك الجهة، بحيث يعتذر أن يجيب عنه غيره إلا في أقطار بعيدة. الثاني: أن يقع السائل في أُحموقة (1) إن لم يخبره. الثالث: أن تفوت به منفعة، أي مصلحة دينية. وهذه الوجوهُ الثلاثة في معنى الشروط لحرمة الكتمان، وكلُّها مبنيةٌ على أن المراد باللعن ظاهره معنى وعمومًا، فإطلاقُ اسم المحامل عليها في كلام أبي بكر ابن العربي تسامح. الرابع: امتثال وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي سعيد الخدري (2) في قوله: "إن الناس لكم تبع، وإن رجالًا يأتونكم يتفقهون - أي يتعلمون - فإذا جاؤوكم فاستَوْصُوا بهم خيرًا"، وذلك هو التعليم، (3) يعني تعليمَ الذين جاؤوا

(1) الأُحْمُوقة: الخصلة أو الفعلة من الحمق. وفي الحديث عن يزيد بن هرمز أن نجدة بن عامر الحروري كتب إلى ابن عباس يسأله "عن العبد والمرأة يحضران المغنم، هل يقسم لهما؟ وعن قتل الولدان؟ وعن اليتيم متى ينقطع عنه اليتم؟ وعن ذوي القربى، من هم؟ فقال ليزيد: اكتب إليه. فلولا أن يقع في أحموقة ما كتبت إليه. اكتب: إنك كتبت تسألني عن المرأة والعبد يحضران المغنم، هل يقسم لهما شيء؟ وإنه ليس لهما شيء، إلا أن يحذيا. وكتبت تسألني عن قتل الولدان، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتلهم، وأنت فلا تقتلهم. إلا أن تعلم منهم ما علم صاحب موسى من الغلام الذي قتله. وكتبت تسألني عن اليتيم، متى ينقطع عنه اسم اليتم؟ وإنه لا ينقطع عنه اسم اليتم حتى يبلغ ويؤنس منه رشد. وكتبت تسألني عن ذوي القربى، من هم؟ وإنا زعمنا أنَّا هم، فأبَى ذلك علينا قومنا". صحيح مسلم، "كتاب الجهاد والسير"، الحديث 1812/ 139، ص 725 - 726.

(2)

مما رواه الترمذي وابن ماجه. - المصنف. ولفظ الحديث: "إن الناس لكم تبع، وإن رجالًا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون في الدين، فإذا أَتَوْكُمْ فاستوصَوْا بهم خيرا". سنن الترمذي، "أبواب العلم"، الحديث 2650، ص 624 - 625؛ سنن ابن ماجه، "كتاب السنة - المقدمة"، الحديث 249، ص 38 (واللفظ للترمذي).

(3)

أورد المصنف كلام ابن العربي مع زيادة شرح وتفصيل. عارضة الأحوذي، ج 5/ 10، ص 85 - 86.

ص: 445

لقصد التصدي للتعلُّم والتفقه في الدين؛ لأنهم إنما جاؤوا ممتثلين أمرَ الله تعالى في قوله: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة: 122]. وحيث كان قوله: "طائفة" يدل على أن طلبَ العلم في الدين فرضُ كفاية، فكذلك تعليمُ طالبه هو فرضُ كفاية.

وهذا الوجهُ من محمل الحديث مخالفٌ للمحمل الأول، وهو مبنِيٌّ على أن المراد بالسؤال بعضُ معانيه، وهو طلب التعلم، وذلك يقتضي وجوبَ جواب السائل. ولهم في أحكام التعليم تفصيلٌ مذكور في تفسير قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [البقرة: 159]. (1)

والخامس: أنه الشهادة، وهذا محملٌ مخالِفٌ للمحملين السابقين، فيكون المرادُ بالعلم هنا خصوصَ العلم بما بين الناس من الحقوق. وقد نسبه ابنُ العربي في الأحكام والقرطبي في التفسير لسحنون. (2) ويجري حينئذ على حكم أداء الشهادة المذكورة في تفسير قوله تعالى:{وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283]، وفيه تفصيل. (3)

(1) للإمام الفخر الرازي في المسألة الثالثة من مسائل هذه الآية تقرير جيد من المناسب جلبُه هنا: "واعلم أن الكتاب لمَّا دل على أن خبرَ الواحد والإجماع والقياس حجة، فكل ما يدل عليه أحدُ هذه الأمور فقد دل عليه الكتاب، فكان كتمانُه داخلًا تحت هذه الآية. فثبت أنه تعالى توعَّد على كتمان الدلائل السمعية والعقلية، وجمع بين الأمرين في الوعيد. فهذه الآية تدل على أن مَنْ أمكنه بيانُ أصول الدين بالدلائل العقلية لمن كان محتاجًا إليها، ثم تركها أو كتم شيئًا من أحكام الشرع مع شدة الحاجة إليه، فقد لحقه الوعيدُ العظيم". التفسير الكبير، ج 2/ 4، ص 148.

(2)

ابن العربي: أحكام القرآن، تحقيق عبد الرزاق المهدي (بيروت: دار الكتاب العربي، 1421/ 2000)، ج 1، ص 79؛ القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج 1، ص 481.

(3)

قال الإمام الرازي في المسألة الثانية في تفسير هذه الآية: "من الناس مَنْ قال: هذه الآية ناسخةٌ للآيات المتقدمة الدالة على وجوب الكتابة والإشهاد وأخذ الرهن. واعلم أن التزام وقوع النسخ من غير دليل يُلجئ إليه خطأ، بل تلك الأوامر محمولةٌ على الإرشاد ورعاية الاحتياط. وهذه =

ص: 446

وحاصلُ كلام ابن العربي راجع إما إلى تقييد في العموم ببعض الشروط، وإما إلى تخصيص عموم السؤال أو عموم العلم.

وقال الخطابي في شرح هذا الحديث من تعليقه على سنن أبي داود: "هذا في العلم الذي يلزمه تعليمه إياه ويتعين فرضه، كمن رأى كافرًا يريد الإسلام يقول: علموني ما الإسلام وما الدين، وكمن يرى رجلًا حديث العهد بالإسلام لا يحسن الصلاة وقد حضر وقتها يقول: علمونِي كيف أصلي، وكمَنْ جاء مستفتِيًا في حلال

= الآية محمولةٌ على الرخصة، وعن ابن عباس عنهما أنه قال: ليس في آية المداينة نسخ، ثم قال:{وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} . وفي التأويل وجوه: الوجه الأول: قال القفال رحمه الله إنه تعالى أباح تركَ الكتابة والإشهاد والرهن عند اعتقاد كون المديون أمينًا، ثم كان من الجائز في هذا المديون أن يخلف هذا الظن، وأن يخرج خائنًا جاحدًا للحق. إلا أنه من الجائز أن يكون بعضُ الناس مطلعًا على أحوالهم، فههنا ندب الله تعالى ذلك الإنسان إلى أن يسعى في إحياء ذلك الحق، وأن يشهد لصاحب الحق بحقه، ومنعه من كتمان تلك الشهادة سواءً عرف صاحب الحق تلك الشهادة أو لم يعرف، وشدد فيه بأن جعله آثم القلب لو تركها. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر يدل على صحة هذا التأويل، وهو قوله:"خير الشهود من شهد قبل أن يُستَشْهَد". الوجه الثاني: في تأويل أن يكون المراد من كتمان الشهادة أن يُنكر العلمَ بتلك الواقعة. ونظيره قوله تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ} [البقرة: 140]، والمراد الجحود وإنكار العلم. الوجه الثالث: في كتمان الشهادة والامتناع من أدائها عند الحاجة إلى إقامتها، وقد تقدم ذلك في قوله:{وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282]، وذلك لأنه متى امتنع عن إقامة الشهادة فقد بطل حقه، وكان بهذا الامتناع من الشهادة كالمبطل لحقه، وحرمةُ مال المسلم كحرمة دمه، فهذا بالغ في الوعيد". الرازي: التفسير الكبير، ج 4/ 7، ص 106 - 107. وما أشار إليه الرازي من بيان لمعنى الآية 282 من السورة فهو قوله:"في هذه الآية وجوه، الأول - وهو الأصح - أنه نهى الشاهدَ عن الامتناع عن أداء الشهادة عند احتياج صاحب الحق إليها. والثاني أن المراد تحملُ الشهادة على الإطلاق، وهو قولُ قتادة واختيار القفال، قال: كما أمر الكاتبَ أن لا يأبَى الكتابة، كذلك أمر الشاهدَ أن لا يأبَى عن تحمل الشهادة؛ لأن كل واحد منهما يتعلق بالآخر، وفي عدمهما ضياعُ الحقوق. الثالث أن المراد تحمل الشهادِة إذا لم يوجد غيره. الرابع - وهو قول الزجاج - أن المراد بمجموع الأمرين التحمل أولًا، والأداء ثانيًا". المرجع نفسه، ص 100.

ص: 447