الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان ذلك من حيث الموضوع أو من حيث الأركان والشروط أو من حيث المخرج، إلا أن يُحمل معنى الفتوى على غير قليل من التجوز والتسامح (1).
تلك هي الجهود التي وقفنا عليها والتي اهتم أصحابها بجمع شيء من مقالات ابن عاشور. ومهما كان من محدودية تلك الجهود من حيث الإحاطة والشمول، ومهما كان تفاوتها وقصور بعضها من حيث الدقة والاستقصاء في التحقيق والتوثيق، فإنها أسدت لا محالة خدمةً جليلة بجعل جزء مهم من تراث ابن عاشور - المنثور في مجلات وصحف متعددة باعد الزمان بيننا وبينها عبر بلدان مختلفة - في متناول القراء والباحثين. وهي بذلك مهدت جانبًا من الطريق وفتحت أمامنا أفقًا مهمًّا، فيسرت علينا ما أقدمنا عليه وتجشمناه في صناعة هذا المجموع أو الجمهرة لمقالات ابن عاشور ورسائله وما ألحقناه بها، وذلك على الأقل بأن نبهتنا إلى تدارك بعض ما شابها من مظاهر القصور التي ألمحنا إليها. ولذلك فليس جهدُنا فيما عزمنا عليه إلا بناءً على ما صنعه أولئك السابقون وتكميلًا لما بدؤوه.
منهجنا في هذه الجمهرة جمعا وترتيبا:
قام عملُنا في هذا المجموع على قاعدة الاستيعاب لما أمكننا الوصول إليه من المقالات والبحوث العلمية، مما نشره عدد من المجلات التي تعامل معها ابن عاشور من أول مسيرته الفكرية كاتبًا ومصنفًا، منذ منتصف العقد الأول من القرن الميلادي العشرين، ومن الرسائل والأبحاث التي نُشرت مستقلةً سواء لتكون جزءًا من المقررات العلمية لطلبة الزيتونة أم لا، معرضين عن الفتاوى إلا نزرًا يسيرًا جدًّا أدرجناه في الموضع الذي خصصناه للمسائل الفقهية الفرعية. وقد حدانا إلى هذا الاختيار من الاستيعاب والاستبعاد سببان رئيسان: الأول أن فتاوى ابن عاشور قد كفانا مؤنتَها
(1) انظر مثالًا لذلك في مراجعتنا لكتاب "فتاوى الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور"، مجلة التجديد (المجلد 10، العدد 20، 1427/ 2006)، ص 226 - 228.
الأستاذان السويسي وبوزغيبة، والثاني أننا أردنا إبرازَ التراث الفكري الذي تجلت فيه قدرةُ ابن عاشور ومهارته في كتابة المقال العلمي القائم على منهج في إثارة المسائل وتحليلها ومناقشتها وتحقيقها على نحوٍ يكشف عن عمق في التناول وأصالة في الرأي، فضلًا عن التنوع والسعة في الموضوعات والقضايا التي طرقها.
وقد رأينا أن نعضِّد تلك المقالات والرسائل بضمائم من مادة أخرى نُشرت بين يدي تحقيقه لعدد من دواوين الشعر وكتب الأدب كالدراسة الممتعة التي قدم بها لديوان بشار بن برد، وقد بينّا ذلك في مواضعه. بل رفدنا هذا المجموع بطائفة من الخطب التي ألقاها العلامة ابن عاشور في مناسبات مختلفة متصلًا جميعها بموقعه شيخًا لجامع الزيتونة وفروعه، كما حليناه بمخاطبات ورسائل (هي طرائف من النثر والشعر) صدرت منه لأشخاص من شيوخه وزملائه وأصدقائه. وجريًا على ما قالته العرب:"هذا الشبل من ذاك الأسد"، رأينا من المناسب أن نُدرج في هذا المجموع نَصَّيْن مهمين لنجله الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور ضممنا كلًّا منهما إلى المحور المناسب له، تتميمًا للفائدة وتعميقًا للنظر في القضايا المنضوية تحت ذلك المحور.
ومع ذلك كله، فلا مجالَ للزعم بأن ما تيسر لنا الوقوفُ عليه مما جمعناه في هذه الجمهرة قد أحاط بكل ما كتبه ونشره الشيخ ابن عاشور من مقالات وبحوث ورسائل، فهناك بعضُ المجلات - منها على سبيل الذكر لا الحصر مجلة "هدى الإِسلام" - حُليت صحائفُها بشيء من مبتكرات قلمه أعيانا البحثُ والسؤال عنها، ولم نقف لها على أثر، وهناك بحوثٌ دبجتها يراعُه وعلمنا بمكان وجودها، ولكن لم يمكن الحصولُ عليه (1). ولا نستبعد - بل نكاد نجزم - أن تكون هنالك مظانّ
(1) أخبرني الشيخ الدكتور عبد الستار أبو غدة - حفظه الله - قبل بضع سنوات بأنه يحتفظ بنسخة من بحث عن الزواج ومقاصده في الشريعة الإسلامية كان الإمام ابن عاشور قد كتبه استجابة لطلب من إدارة تحرير "الموسوعة الفقهية الكويتية" إبان طور تأسيسها، وقد وعدني بتصويره لي، لكن تعذر عليه جلبُه من مكتبته بحلب الشهباء (فرج الله عنها وعن أهل الشام).
أخرى تحوي من تراث ابن عاشور العلمي والفكري قدرًا غير يسير، وخاصة مكتبته الزاخرة بالمرسى في تونس. ولعل قادمَ الأيام أن يزيل عن ذلك حجبَ الستر، وينفض عنه غبارَ السنين، فيخرج من زوايا النسيان والإهمال، فنزيد معرفةً بمدى سعة ذلك التراث وتنوعه وغناه وبما ينطوي عليه من قضايا وإشكالات.
ذلك عن الجانب الكمي لعملنا في هذا المجموع. أما الجانب المنهجي الخاص بتصنيف مادته وترتيبها فقد ترددنا فيه بين طريقتين: إما أن نتبع نهجًا زمنيًّا خطّيًّا تندرج فيه المقالاتُ والرسائل وغيرها حسب تاريخ نشرها من الأقدم إلى الأحدث، وهو نهجٌ مفيد يمكن أن يوقفنا على التطور العلمي والفكري لكاتبها، وأن يُبِينَ عن أثر تقدم السن وتراكم الخبرة في تحديد القضايا التي عالجها، وفي تشكيل الرؤية أو الرؤى التي بلورها. أما الطريقةُ الثانية فهي أن نسلك في تصنيفها وتبويبها نهجًا موضوعيًّا تتوزع فيه وفقًا لطبيعة المجالات العلمية التي تنتمي إليها تلك المقالاتُ والرسائل وما لحق بها، فترتسم لنا بذلك صورةٌ كلية للمشاغل العلمية والقضايا الفكرية والهموم العملية التي استبدت بعقل ابن عاشور خلال مسيرة علمية وعملية امتدت لما لا يقل عن ستة عقود. وقد رجح لدينا الخيارُ الثاني لما لا يخفى من جدواه في إدراك الجوانب المختلفة لعطائه العلمي وإسهامه الفكري، دون أن يعنيَ هذا الترجيحُ تهوينًا لجدوى الخيار الأول.
وبناءً على هذا النهج الموضوعي الذي رجحناه، اجتهدنا في توزيع مادة هذا المجموع على خمسة محاور كبرى يندرج في كل محورٍ منها جملةٌ من الفروع. فكان المحور الأول للمقالات الخاصة بمسائل العقيدة والتفسير والفكر والحكمة، وقد أقمناه على فرعين، الأول للعقيدة والتفسير (ومسائل التفسير التي عرض لها ابن عاشور هي أساسًا مسائل عقدية)، والثاني للفكر والحكمة. أما المحور الثاني فتنضوي فيه المقالاتُ الخاصة بفقه السنة بمعناها العام الذي يشمل الحديث والسيرة، ومن ثم انتظم هذا المحور في فرعين: الأول لفقه الحديث، والثاني لفقه السيرة. ثم خصصنا المحورَ الثالث لمسائل أصول الفقه والفقه والفتوى، وهو كذلك يشتمل
على فرعين: واحد للبحوث التي تتناول مسائل وموضوعات في أصول الفقه، والآخر يضم المقالات التي تعالج مسائل وموضوعات فقهية تطبيقية.
وقد خرجنا في هذا المحور عما التزمناه من استبعاد للفتاوى في هذا المجموع ربطًا للمباحث الأصولية بشيء من المسائل الفقهية الفرعية التي يتضح بها جانبٌ من المنهج وتطبيقه عند ابن عاشور، خاصة وأن نصوصَ الفتاوى التي أدرجناها فيه ليست تقريرًا مجردًا للأحكام، وإنما هي في حقيقتها بحوث علمية قائمة على التحليل والتحقيق والاستدلال. وقد أتبعنا هذا المحورَ الثالث بملحق يتمثل في مقال الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور عن "المصطلح الفقهي في المذهب المالكي"، وهو أقرب إلى البحث الأصولي التاريخي.
وجريًا على المنوال نفسه، جعلنا محورًا رابعًا للغة والأدب، وقد فرعناه هو الآخر إلى فروع ثلاثة: الأول للبحوث والتحقيقات اللغوية، والثاني لعلوم البلاغة، والثالث للدراسات الأدبية. وألحقنا بهذا المحور بحثًا تاريخيًّا عن "السند التونسي في علم متن اللغة" لنجل المصنف الشيخ محمد الفاضل.
ولا ندعي أن ما انضوى تحت المحاور والفروع المذكورة قد جرى تبويبُه وتوزيعُه فيها على نحو صارم يتوخى قواعدَ دقيقة من منطق تمايز العلوم واستقلال بعضها عن بعض، بل هناك بين المقالات والبحوث التي أدرجناها فيها ما لا يخفى من الاتصال والتداخل الذي ليس ههنا مجالُ بيانه وتفصيل القول في وجوهه. وإنما قصدنا بذلك أن تنتظم مادةُ هذا المجموع في أطر كلية تضبط انتسابها إلى المجالات المختلفة للمعرفة الإسلامية التي تعاطى معها المصنف.
على أنا لم نجر في تصنيف جميع محتويات الكتاب على نحو واحد مطرد من الاعتداد بالجانب الموضوعي فيها، كما هو الشأنُ في المحاور الأربعة التي وصفناها. بل راعينا في المحور الخامس (وهو الأخير) جانبَ الشكل والمنهج والمقام في المادة التي أدرجناها فيه منضويةً تحت فروع خمسة: أولها لمراجعات الكتب والتعليق عليها
شرحًا ونقدًا، وثانيها للمتابعات اللغوية الخاصة بالأخطاء الشائعة وغير الشائعة في العربية. أما الفرع الثالث فخصصناه للتراجم إنشاءً كانت أو استدراكًا، بينما جعلنا الفرع الرابع للمقدمات التي وضعها الشيخ ابن عاشور بين يدي تحقيقه لجملة من دواوين الشعر وكتب الأدب، وقد استثنينا من ذلك ما كتبه تقديمًا لديوان بشار؛ إذ جاء في الحقيقة بحثًا تاريخيًّا أدبيًّا نقديًّا مسهبًا يصلح أن يكون كتابًا قائمًا بنفسه، ولذلك وضعناه تحت الفرع الخاص بدراسات الأدب والنقد من المحور الرابع.
ولم نستوعب كلَّ ما لابن عاشور في هذا النوع من الكتابة إذ عزت طائفةٌ من الدواوين والكتب التي حققها عن متناولنا، ولعل الله تعالى ييسر لنا تداركَها وغيرها في المستقبل القريب. وإنما عمدنا إلى إدراج هذا النوع من كتابات ابن عاشور في هذا المجموع حرصًا على تقريبه من القراء ممن قد لا تسنح لهم الفرصة أو تقوم لديهم الدواعي ليقرؤوا الأعمال التي ارتبطت بها تلك المقدمات، خاصة في زمن ضعفت بل انطفت فيه - خاصة لدى المنتسبين للدراسات الشرعية - الهممُ الداعية إلى مطالعة مجاميع الأدب ودواوين الشعر، كالبيان والتبيين للجاحظ، والكامل للمبرد، وديوان الحماسة لأبي تمام وشروحه، والعقد الفريد لابن عبد ربه.
وقد أدرجنا في خاتمة العقد من هذا المحور الأخير (المحور الخامس) طائفةً من الخطب والرسائل والمخاطبات ذات القيمة التاريخية المهمة في حياة ابن عاشور وعلاقاته الشخصية خاصة وفي الحركة العلمية والفكرية في تونس عامة.
وهناك جانبٌ آخر مهم أوليناه عنايةً قصوى في هذا العمل، حتى عدَّه بعضُ الأصدقاء من لزوم ما لا يلزم (1)، ذلكم هو جانبُ التوثيق والتعليق حيثما لاحت الحاجةُ وقام الداعي، فضلًا عن الضبط والتدقيق لمتن النصوص وترتيب أجزائها
(1) شكوتُ في بعض المناسبات إلى الزميل الصديق إبراهيم محمد زين ما اقتضاني العملُ في صناعة هذا المجموع من تطاول زمنٍ وتأجيلٍ لبعض الأعمال العلمية المهمة الأخرى، فعلق على ذلك بأني فيما صنعت فيه قد ألزمت نفسي بما لا يلزم.
وتنسيق فقراتها كلما استدعى الأمر ذلك. فما من شاذة ولا فاذة، ولا صغيرة ولا كبيرة من الشواهد والنقول والإحالات التي تضمنتها النصوصُ المودعة في هذا المجموع، إلا وقد تتبعناها وعملنا على توثيقها مهما كان حجمُها ومهما كانت طبيعتها، اعتمادًا على المطبوع من المصادر والمراجع، مع الحرص على المحقق والقريب العهد منها، فإن تعذر ذلك عوَّلْنا على الموجود منها ولو كان مخطوطًا (وهذا نادر). أما ما جرينا عليه من تعليق في العديد من المواضع، فلم نسرف ولم نطلق عنانَ القلم فيه لكي لا نثقل نصوصَ ابن عاشور بما لا ضرورة له، ولا نفرض على القارئ نهجًا معينًا في قراءتها. وقد اجتهدنا في مواضع قليلة أن نجلب من مصنفاته الأخرى (وخاصة تفسير التحرير والتنوير) بعض النصوص تبيينًا لإجمال معنى أو استكمالًا لترتيب حجة أو استيعابًا لبارق فكرة، مما رأينا الاكتفاءَ بالنص المتوفر من بعض المقالات لا يفي بالغرض فيه.
وربَّ قائلٍ يقول: لِمَ هذا العناءُ والنَّصَبُ في تقصِّي مقالات ابن عاشور ورسائله وجمعها وتحقيقها وبين أيدينا أمهاتُ مصنفاتِه مشهورةً ميسورة تسير بها الركبان وتزخر بها المكتبات العامة والخاصة؟ ألا يُغنينا في التعرُّف على آرائه وأفكاره واجتهاداته واختياراته ما بثه تصريحًا وتلميحًا في "التحرير والتنوير" وما قرره تأصيلًا وتفريعًا في "مقاصد الشريعة الإسلامية" وما بينه تأكيدًا وتنظيرًا في "أصول النظام الاجتماعي في الإسلام" وما سطره شرحًا وتحليلًا في "أليس الصبح بقريب"؟ ما الجديد الذي تحتوي عليه تلك المقالات والرسائل مما لا يمكن استفادته والوقوف عليه من هذه المصنفات؟
ودون الولوج في التفاصيل، ولكي ندع الأمر للقارئ يحكم فيه بما ينتهي إليه من فهم وتقدير، نقرر الآتي فنقول: إن ما يحتوي عليه المجموعُ الذي بين أيدينا لا يزيدنا فقط اقتناعًا بأن الإمام ابن عاشور كان أكثرَ علماء تونس وكتابها خلال القرن الرابع عشر الهجري غزارةَ إنتاج، بل تكشف عن أنه أكثرُهم تنوعًا فيما طرق من موضوعات، وأبعدُهم غورًا فيما عالج من قضايا، وأكثرهم تماسكًا وتوازنًا فيما قرر من آراء، وأبعدهم عن التطاول والجور فيما أصدر من أحكام. وهو في كل المقالات
والرسائل والمراجعات والمتابعات التي نقرؤها له هنا يصدر عن منزع صارم في التحقيق العلمي، واتجاه واضح من النقد الرصين والتبصر العميق، والإحاطة بمعطيات ما يتناوله من موضوعات وما يناقشه من قضايا، يجلل ذلك كلَّه حرصٌ أكيد على الاجتهاد والتجديد بعيدًا عن مجرد التكرار والترديد. فابن عاشور هو العالم والمثقف الموسوعيُّ الذي لم يكد يدع مجالًا من مجالات المعرفة الشرعية والحِكْمية الإسلامية - مقاصد ووسائل - دون أن يكتب فيه كتابةَ العارف البصير والعالم الخبير. ولا نجازف في الحكم ولا نجحف بالحقيقة إن قلنا إنه لا يدانيه - بل لا يضاهيه - في ذلك أحدٌ من علماء تونس وكتابها في القرن العشرين الميلادي، زيتونيًّا "تقليديًّا" كان أو جامعيًّا "حداثيًا".
وربما اعتُرِض علينا بآثار صديق ابن عاشور وخليله الشيخ محمد الخضر حسين عليه رحمة الله، وجوابُنا على ذلك من وجهين: الأول أن إنتاج الشيخ الخضر إنما كان جلُّه في مصر التي كان بها مستقره ومجلى نشاطه ومسرح حركته. أما الوجه الثاني، فحتى إذا راعينا النَّسَب التونسي لهذا الشيخ، فإن أعماله الكاملة التي جمعها ابنُ أخته الأستاذ علي الرضا الحسيني ونشرتها دارُ النوادر في خمسة عشر مجلدًا لا يمكن أن تضاهي حجمًا وكمًّا مصنفات ابن عاشور المطبوعة، فما الظن إذا أضيف إليها ما لم يطبع قط!
وفضلًا عن ذلك، ومهما كان التقديرُ للقيمة العلمية والفكرية الذاتية لما جمعناه في هذه الجمهرة، فإن له قيمةً تاريخية توثيقية كبيرة تعكس جانبًا مهمًّا من الحركة العلمية خلال حِقَبٍ مفصلية من تاريخ تونس وتطورها الثقافي والاجتماعي والسياسي في العصر الحديث. فعسى أن نكون بما صنعناه قد وفرنا قاعدة مادية غنية لدراسات علمية تحليلية صارمة تنظر في مغزى ما كتبه ابن عاشور متواشجًا مع الإشكاليات الرئيسة التي واجهت وما زالت تواجه مساعيَ الإصلاح والتجديد والبناء في تونس وفي غيرها من بلدان العالم العربي الإسلامي، ومتضافرًا مع ما أنتجه زملاؤه ومعاصروه مجاوبةً لتلك الإشكاليات، فتستوي لنا بذلك معرفةٌ علمية رصينة بحركة الأفكار والمفاهيم ونموها وتطورها في سياق التحولات البنوية العميقة التي شهدتها المجتمعات العربية الإسلامية بين عهدي الاستعمار وما بعده.