الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المهدي المنتظر
(1)
[مقدمة]:
طالعتُ في مجلة "هدى الإسلام" الغراء في عددها التاسع من سنتها الثالثة اقتراحًا من الأستاذ الفاضل السيد حسن إبراهيم موسى يدعو فيه صاحبَ المجلة أن يلتمس مني إبانةَ رأيي في مسألتين: حديث "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي"(2) وأحاديث ظهور المهدي.
ورأيتُ الفاضلَ السيد صاحب المجلة يعزز ذلك الاقتراح، ويمتح من تمادي ما ينتزعه من العذب القراح، فأسأل من الله الذي حسَّن بي ظنَّهما الإعانةَ على تحصيل ما يُقنعهما. فأما حديث:"شفاعتي لأهل الكبائر"، فإني أرجئ الجوابَ عنه إلى ما بعد. (3) وأما الآثار المروية في مجيء المهدي، فالخوض فيها أَوْلَى. فنجعل الآخرَ ما له تعلقٌ بالآخرة، والأولَ ما تعلق بالأُولَى.
[مكانة حديث المهدي من تعاليم الإسلام]:
إن واجباتِ الدين ترجع إلى ثلاثةِ أنواع: اعتقاداتٍ وأعمالٍ وآداب. وإن التصديقَ بظهور المهدي في آخر الزمان لا ينزوي تحت تلك الأنواع؛ إذ ليس هو من
(1) لم يتسن لنا الوصول إلى معرفة عدد مجلة "هدى الإسلام" الذي نشر فيه القال ولا تاريخه، وقد اعتمدنا في ضبط نصه على كتاب "تحقيقات وأنظار" الذي سلفت الإشارة إليه. وقد شعرنا ببعض اضطراب فيه، فقومناه حسب ما أدى إليه الفهم طلبًا لاستقامة المعنى ووضوحه.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
انظر ذلك في المقال السابق بعنوان "شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم".
الأمور التي يجب اعتقادُها في ضمن العقيدة الإسلامية، فسواءٌ على المسلم أن يعتقد ظهورَ المهدي أو يعتقد عدم ظهوره.
وليس العلمُ بذلك من قبيل العلم الواجبُ طلبُه على الأعيان، ولا على وجه الكفاية، بحيث إذا قام به البعضُ سقط عن الباقين؛ إذ ليس العلم بذلك راجعًا إلى الإيمان بالله ورسله واليوم الآخر، ولا إلى ما يتبع ذلك مما يترتب عليه تحقيقُ وصف الإيمان عند طوائف المسلمين أو عند بعضهم.
ولا هو من الأمور العملية؛ إذ ليس بعمل كما هو واضح، ولا يترتب عليه اختلافُ أحوال الأعمال الإسلامية. ولا هو من الأمور الراجعة إلى آداب الشريعة التي يجب التحلي بها والتخلي عن أضدادها، كأن يحب المسلم لأخيه ما يحب لنفسه، وأن يجتنب الكبر والحسد والغيبة ونحوها.
فإذا خلا من الاندراجِ تحت واحدٍ من هذه الأنواع الثلاثة من أمور الدين، تبين أنه ليس مِمَّا يتعيَّن على المسلمين العلمُ به واعتقادُه، وتمحَّضَ لأن يكون مسألةً علمية من المسائل التي تتعلق بالمعارف الإسلامية التي يُؤْثَرُ في شأنها خبرٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن سلف علماء الأمة. فهي بمنزلة الخوض في حديث موسى والخضر، (1) أو في حديث ذي السويقتين من الحبشة الذي يخرب الكعبة حجرًا
(1) عن ابن عباس أنه "تمارى هو والْحُرُّ بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى، قال ابن عباس: هو خَضِر، فمر بهما أُبَيُّ بن كعب، فدعاه ابن عباس فقال: إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى، الذي سأل السبيل إلى لُقِيِّه، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه؟ قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بينما موسى في ملأ من بني إسرائيل، جاءه رجل فقال: هل تعلم أحدًا أعلم منك؟ قال: لا، فأوحى الله إلى موسى: بلى، عبدُنا خَضِرٌ، فسأل موسى السبيلَ إليه، فجعل له الحوت آيةً وقيل له: إذا فقدت الحوتَ فارجِعْ فإنك ستلقاه، وكان يتَّبِعُ أثرَ الحوت في البحر، فقال لموسى فتاه: أرأيتَ إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت، وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره، قال [موسى]: ذلك ما كنا نبغي، فارتدَّا على آثارهما قصصًا، فوجدا خضرًا، فكان =
حجرًا، (1) أو في أشراط الساعة، أو نحو ذلك مما يبحث عنه علماءُ الأثر رواية ودراية؛ بمعنى أن يكون الخوض فيها خوضًا علميًّا لتوسيع المعرفة والتحقيق والتمحيص للعلوم الإسلامية لِمَنْ تفرغ لذلك، ولا يكون من متناول عامة المسلمين إذ ليسوا بمظنة السلوك في تلكم المسالك. وإنما اشتبه هذا المبحثُ على بعض الناس بالمسائل الاعتقادية لسببين:
أحدهما: أنه لما كان متعلَّقُ هذا المبحث راجعًا إلى التصديق بوقوع شيء أو عدم وقوعه، كان محلُّه الاعتقاد والعقل، وكان من الواضح أنه ليس بعمل ولا أدب، فأشبه المسائلَ الاعتقادية. ولكن شتَّان بين كونِ الشيء من مطلق المدركات بالعقل وحاصلًا اطمئنانُ القلب بوقوعه أو عدم وقوعه، وبين كونه من خصوص ما يجب اعتقادُه شرعًا لتعلقه بتقوُّم حقيقة الإيمان والإسلام أو توقُّفِهما عليه.
وبعد هذا، فالواجب التنبيهُ إلى أن هذا المعلومَ لو أن داخلًا في العقيدة الإسلامية التي يُطالَب المؤمنون بها بإثباتها، لمَا كفى في إثباته أخبارُ الآحاد؛ لأن الاعتقاد الديني مِمَّا يُطلب فيه القطعُ واليقين، والقطع واليقين لا يحصل في مثل الأمور الاعتقادية إلا بأحد أمرين: البرهان العقلي، والخبر الشرعي القطعي، وهو ما كانت نسبتُه إلى الشرع قطعية، وهو الخبر المتواتر، مثل القرآن وأخبار الرسول المتواترة بالنسبة لعصر الصحابة، ثم كانت دلالتُه على المراد منه قطعية أيضًا، كإيجاب الصلاة وتحريم السرقة، إذ قد يكون الخبرُ مقطوعًا بصدوره من الله أو رسوله، ولكن معناه
= من شأنهما الذي قص الله في كتابه"". صحيح البخاري، "كتاب العلم"، الحديث 74، ص 17 - 18. وقد أورده البخاري بألفاظ متقاربة وزيادات في:"كتاب أحاديث الأنبياء"، الحديثان 3400 - 3401، ص 569 - 570؛ "كتاب التفسير"، الأحاديث 4725 - 4827، ص 818 - 822؛ "كتاب التوحيد"، الحديث 7478، ص 1288. وانظر كذلك صحيح مسلم، "كتاب الفضائل"، الحديث 2380، ص 928 - 931.
(1)
انظر في ذلك صحيح البخاري، "كتاب الحج"، الحديثان 1595 - 1596، ص 259؛ مسند الإمام أحمد بن حنبل، الحديث 7053، ج 11، ص 628 - 629.