الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هي محور السورة- واضحة المعالم.
الفوائد:
1 -
بمناسبة قوله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قال الألوسي: (والجمهور على أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لما جاءه الملك في غار حراء وحاوره بما حاوره رجع إلى خديجة رضي الله تعالى عنها فقال: زملوني زملوني فنزلت يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ وعلى أثرها نزلت يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، وأخرج البزار والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الدلائل عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: لما اجتمعت قريش في دار الندوة فقالوا: سموا هذا الرجل اسما تصدر الناس عنه، فقالوا: كاهن، قالوا: ليس بكاهن، قالوا: مجنون، قالوا: ليس بمجنون، قالوا: ساحر، قالوا: ليس بساحر، قالوا: يفرق بين الحبيب وحبيبه، فتفرق المشركون على ذلك، فبلغ ذلك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فتزمل في ثيابه وتدثر فيها فأتاه جبريل عليه السلام فقال: يا أيها المزمل يا أيها المدثر، ونداؤه عليه الصلاة والسلام بذلك تأنيس له وملاطفة على عادة العرب في اشتقاق اسم للمخاطب من صفته التي هو عليها، كقوله صلى الله تعالى عليه وسلم لعلي كرم الله وجهه حين غاضب فاطمة رضي الله عنها فأتاه وهو نائم وقد لصق بجنبه التراب: قم أبا تراب، قصدا لرفع الحجاب وطي بساط العتاب وتنشيطا له ليتلقى ما يرد عليه بلا كسل، وكل ما يفعل المحبوب محبوب).
2 -
بمناسبة قوله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا قال ابن كثير: (وكذلك كان يقرأ صلوات الله وسلامه عليه، قالت عائشة رضي الله عنها: كان يقرأ السورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها. وفي صحيح البخاري عن أنس أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كانت مدا ثم قرأ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) يمدبسم الله ويمد الرحمن، ويمد الرحيم، وقال ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة رضي الله عنها أنها سئلت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان يقطع قراءته آية آية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ رواه أحمد وأبو داود والترمذي. وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقال لقارئ القرآن: اقرأ وارق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها» ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث سفيان الثوري به وقال الترمذي: حسن صحيح، وقد قدمنا في أول التفسير الأحاديث الدالة على
استحباب الترتيل، وتحسين الصوت بالقراءة كما جاء في الحديث:«زينوا القرآن بأصواتكم» و «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» و «لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود» يعني: أبا موسى، فقال أبو موسى: لو كنت أعلم أنك كنت تسمع قراءتي لحبرته لك تحبيرا، وعن ابن مسعود أنه قال: لا تنثروه نثر الدقل، ولا تهذوه هذ الشعر قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة. رواه البغوي وروى البخاري
…
عن أبي وائل قال: جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: قرأت المفصل الليلة في ركعة. فقال هذا كهذ الشعر، لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن فذكر عشرين سورة من المفصل سورتين في ركعة).
أقول: نزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتلا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤه ويقرئه مرتلا، وقد توارثت الأمة كيفية ترتيله عليه الصلاة والسلام، واستخلص القراء قواعد الترتيل، وألفوا في ذلك الكتب، واعتبر العلماء علم الترتيل من العلوم المفروضة فرض عين على كل مسلم، وهذا يستدعي من كل مسلم أن يقرأ رسالة في علم التجويد، وأن يأخذ القرآن من أهله، ليسقط فرض عين عن نفسه، وفرض كفاية عن المسلمين.
3 -
بمناسبة قوله تعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا قال صاحب الظلال: (هو هذا القرآن وما وراءه من التكليف
…
والقرآن في مبناه ليس ثقيلا فهو ميسر للذكر. ولكنه
ثقيل في ميزان الحق، ثقيل في أثره في القلب: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ فأنزله الله على قلب أثبت من الجبل يتلقاه.
وإن تلقي هذا الفيض من النور والمعرفة واستيعابه، لثقيل، يحتاج إلى استعداد طويل.
وإن التعامل مع الحقائق الكونية الكبرى المجردة، لثقيل، يحتاج إلى استعداد طويل.
وإن الاتصال بالملإ الأعلى
…
وأرواح الخلائق الحية والجامدة على هذا النحو الذي تهيأ لرسول الله صلى الله عليه وسلم لثقيل، يحتاج إلى استعداد طويل.
وإن الاستقامة على هذا الأمر بلا تردد ولا ارتياب، ولا تلفت هنا أو هناك لآراء
الهواتف والجواذب والمعوقات لثقيل، يحتاج إلى استعداد طويل.
وإن قيام الليل والناس نيام، والانقطاع عن غبش الحياة اليومية وسفسافها؛ والاتصال بالله، وتلقي فيضه ونوره، والأنس بالوحدة معه والخلوة إليه، وترتيل القرآن والكون ساكن، وكأنما هو يتنزل من الملأ الأعلى وتتجاوب به أرجاء الوجود في لحظة الترتيل بلا لفظ بشري ولا عبارة؛ واستقبال إشعاعاته وإيحاءاته وإيقاعاته في الليل الساجي
…
إن هذا كله هو الزاد لاحتمال القول الثقيل، والعبء الباهظ والجهد المرير الذي ينتظر الرسول وينتظر من يدعو بهذه الدعوة في كل جيل! وينير للقلب في الطريق الشاق الطويل، ويعصمه من وسوسة الشيطان، ومن التيه في الظلمات الحافة بهذا الطريق المنير).
أقول: قد رأينا أن من جملة ما فسر به القول الثقيل في قوله تعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا أن المراد به ثقله وقت نزوله من عظمته، وهو قول مرجوح ليس بالقوي، وإن كان ثقل الوحي في حد ذاته كبيرا ولكن ليس هذا هو المعنى المراد بالآية غير أنه بمناسبة ذلك القول، قال ابن كثير: (كما قال زيد بن ثابت رضي الله عنه أنزل على رسول الله وفخذه على فخذي فكادت ترض فخذي. وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله هل تحس بالوحي؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسمع صلاصل ثم أسكت عند ذلك فما من مرة يوحى إلي إلا ظننت أن نفسي تقبض» تفرد به أحمد. وفي أول صحيح البخاري
…
عن عائشة رضي الله عنها أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف يأتيك الوحي؟
فقال: «أحيانا يأتي في مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول» قالت عائشة: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي صلى الله عليه وسلم في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه، وإن جبينه ليتفصد عرقا، هذا لفظه. وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن كان ليوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته فتضرب بجرانها. وروى ابن جرير عن هشام ابن عروة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها فما تستطيع أن تحرك حتى يسرى عنه، وهذا مرسل، الجران: هو باطن العنق، واختار ابن جرير أنه ثقيل من الوجهين معا كما قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم كما ثقل في الدنيا ثقل يوم القيامة في الموازين).
4 -
بمناسبة قوله تعالى: إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا قال صاحب الظلال: (ناشِئَةَ اللَّيْلِ هي: ما ينشأ منه بعد العشاء؛ والآية تقول:
إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً أي: أجهد للبدن، وَأَقْوَمُ قِيلًا أي: أثبت في الخير- كما قال مجاهد- فإن مغالبة هتاف النوم وجاذبية الفراش، بعد كد النهار، أشد وطأ وأجهد للبدن؛ ولكنها إعلان لسيطرة الروح، واستجابة لدعوة الله، وإيثار للأنس به؛ ومن ثم فإنها أقوم قيلا، لأن للذكر فيها حلاوته، وللصلاة فيها خشوعها، وللمناجاة فيها شفافيتها. وإنها لتسكب في القلب أنسا وراحة وشفافية ونورا، قد لا يجدها في صلاة النهار وذكره
…
والله الذي خلق هذا القلب يعلم مداخله وأوتاره، ويعلم ما يتسرب إليه وما يوقع عليه، وأي الأوقات يكون فيها أكثر تفتحا واستعدادا وتهيئوا، وأي الأسباب أعلق به وأشد تأثيرا فيه).
5 -
عند قوله تعالى: إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا قال ابن كثير:
(قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله تعالى: إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا قال: لحوائجك فأفرغ لدينك الليل، قال: وهذا حين كانت صلاة الليل فريضة، ثم إن الله تبارك وتعالى من على عباده فخففها ووضعها وقرأ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا إلى آخر الآية ثم قرأ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ حتى بلغ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وقال تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً وهذا الذي قاله كما قاله، والدليل عليه ما رواه الإمام أحمد في مسنده
…
عن سعيد بن هشام أنه طلق امرأته ثم ارتحل إلى المدينة ليبيع عقارا له بها، ويجعله في الكراع والسلاح، ثم يجاهد الروم حتى يموت، فلقي رهطا من قومه فحدثوه أن رهطا من قومه- ستة- أرادوا ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«أليس لكم في أسوة حسنة؟» فنهاهم عن ذلك، فأشهدهم على رجعتها ثم رجع إلينا، فأخبرنا أنه أتى ابن عباس فسأله عن الوتر، فقال: ألا أنبئك بأعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قال: ائت عائشة فسلها ثم ارجع إلي فأخبرني بردها عليك، قال:
فأتيت على حكيم بن أفلح فاستلحقته إليها فقال: ما أنا بقاربها إني نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين شيئا، فأبت فيهما إلا مضيا، فأقسمت عليه فجاء معي، فدخلنا عليها فقالت: حكيم؟ - وعرفته- قال: نعم، قالت: من هذا معك؟ قال: سعيد ابن هشام، قالت: من هشام؟ قال: ابن عامر، قال: فترحمت عليه، وقالت: نعم
المرء كان عامرا، قلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى قالت: فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان القرآن، فهممت أن أقوم، ثم بدا لي قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت: ألست تقرأ هذه السورة يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ؟ قلت:
بلى قالت: فإن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه حولا، حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهرا، ثم أنزل الله التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوعا من بعد فريضة. فهممت أن أقوم ثم بدا لي وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله لما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك ثم يتوضأ ثم يصلي ثمان ركعات، لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة، فيجلس ويذكر ربه تعالى ويدعو ثم ينهض وما يسلم، ثم يقوم ليصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله وحده، ثم يدعوه، ثم يسلم تسليما يسمعنا، ثم يصلى ركعتين وهو جالس بعد ما يسلم، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ اللحم أوتر بسبع ثم صلى ركعتين وهو جالس بعد ما يسلم، فتلك تسع يا بني، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها، وكان إذا شغله عن قيام الليل نوم أو وجع أو مرض صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة، ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة حتى أصبح، ولا صام شهرا كاملا غير رمضان، فأتيت ابن عباس فحدثته بحديثها فقال: صدقت، أما لو كنت أدخل عليها لأتيتها حتى تشافهني مشافهة، هكذا رواه الإمام أحمد بتمامه، وقد أخرجه مسلم في صحيحه من حديث قتادة بنحوه).
6 -
عند قوله تعالى: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ قال ابن كثير: (وقد استدل أصحاب الإمام أبي حنيفة رحمه الله بهذه الآية وهي قوله تعالى: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ على أنه لا يجب تعين قراءة الفاتحة في الصلاة، بل لو قرأ بها أو بغيرها من القرآن، ولو بآية أجزأه، واعتضدوا بحديث المسئ صلاته الذي في الصحيحين:«ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن» وقد أجابهم الجمهور بحديث عبادة ابن الصامت وهو في الصحيحين أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» ، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«كل صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج فهي خداج فهي خداج غير تمام» وفي
صحيح ابن خزيمة عن أبي هريرة مرفوعا: «لا تجزئ صلاة من لم يقرأ بأم القرآن» ).
أقول: هذه القضية خلافية، وكل ما استدل به غير الحنفية عليهم جعله الحنفية حجة لهم على من خالفهم، وليس هاهنا محل بسط هذه الأقوال، وإنما ذكرت هذا هاهنا ليعلم أن ما قاله ابن كثير ليس هو القول الفصل.
7 -
عند قوله تعالى: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قال النسفي: (سوى بين المجاهد والمكتسب؛ لأن كسب الحلال جهاد، قال ابن مسعود رضي الله عنه:
أيما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا، فباعه بسعر يومه كان عند الله من الشهداء، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: ما خلق الله موتة أموتها بعد القتل في سبيل الله أحب إلي من أن أموت بين شعبتي رحل، أضرب في الأرض أبتغي من فضل الله). وقال ابن كثير:(أي: علم أن سيكون من هذه الأمة ذوو أعذار في ترك قيام الليل، من مرضى لا يستطيعون ذلك، ومسافرين في الأرض يبتغون من فضل الله في المكاسب والمتاجر، وآخرين مشغولين بما هو الأهم في حقهم من الغزو في سبيل الله، وهذه الآية- بل السورة كلها- مكية، ولم يكن القتال شرع بعد، فهي من أكبر دلائل النبوة لأنه من باب الإخبار بالمغيبات المستقبلة).
8 -
عند قوله تعالى: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ الثانية قال ابن كثير: (أي:
قوموا بما تيسر عليكم منه، روى ابن جرير عن أبي رجاء محمد قال: قلت للحسن:
يا أبا سعيد، ما تقول في رجل قد استظهر القرآن كله عن ظهر قلبه، ولا يقوم به إنما يصلي المكتوبة؟ قال: يتوسد القرآن لعن الله ذلك، قال الله تعالى للعبد الصالح:
وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قلت: يا أبا سعيد، قال الله تعالى: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ قال: نعم ولو خمس آيات، وهذا ظاهر من مذهب الحسن البصري أنه كان يرى حقا واجبا على حملة القرآن أن يقوموا ولو بشيء منه في الليل، ولهذا جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل نام حتى أصبح فقال:«ذاك رجل بال الشيطان في أذنه» فقيل معناه نام عن المكتوبة، وقيل عن قيام الليل: وفي السنن: «أوتروا يا أهل القرآن» وفي الحديث الآخر: «من لم يوتر فليس منا» وأغرب من هذا ما حكي عن أبي بكر بن عبد العزيز
- من الحنابلة- من إيجابه قيام شهر رمضان فالله أعلم).
أقول: الذي عليه جماهير الأمة سلفا وخلفا أن قيام الليل مندوب في رمضان وغيره.
9 -
عند قوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ قال ابن كثير: (وقد قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد والحسن وقتادة وغير واحد من السلف: إن هذه الآية نسخت الذي كان الله قد أوجبه على المسلمين أولا من قيام الليل، واختلفوا في المدة التي بينهما على أقوال كما تقدم، وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لذلك الرجل: «خمس صلوات في اليوم والليلة» قال: هل علي غيرها؟ قال: «لا، إلا أن تطوع»).
أقول: وقد بقي قيام الليل في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم واجبا لقوله تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ.
10 -
عند قوله تعالى: وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً قال النسفي:
(والقرض لغة: القطع، فالمقرض يقطع ذلك القدر من ماله فيدفعه إلى غيره، وكذا المتصدق يقطع ذلك القدر من ماله فيجعله لله تعالى، وإنما أضافه إلى نفسه لئلا يمن على الفقير فيما تصدق به عليه، وهذا لأن الفقير معاون له في تلك القربة، فلا يكون له عليه منة بل المنة للفقير عليه).
11 -
بمناسبة قوله تعالى: وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً قال ابن كثير: (روى الحافظ أبو يعلى الموصلي عن الحارث ابن سويد قال: قال عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيكم ماله أحب إليه من مال وارثه؟» قالوا: يا رسول الله ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه، قال:
«اعلموا ما تقولون» قالوا: ما نعلم إلا ذلك يا رسول الله! قال: «إنما مال أحدكم ما قدم ومال وارثه ما أخر» ورواه البخاري من حديث حفص بن غياث، والنسائي من طريق أبي معاوية كلاهما عن الأعمش أيضا به).