الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب- الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وقد رأينا ما للمؤمنين الذين يعملون الصالحات، ورأينا أن الإيمان يرافقه فتنة، وفي ذلك تفصيل لقضية من لوازم الإيمان.
ج- وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وقد رأينا في السورة مظاهر فلاح المؤمنين ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ.
د- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ وقد رأينا في السورة بعض آثار الكفر. ورأينا نموذجا للنفسية الكافرة، وعرفنا بعض صفاتها ورأينا استحقاقها للعذاب الدنيوي والأخروي، وهكذا فالسورة فصلت في محورها تفصيلا واضحا مع أن لها سياقها الخاص الذي رأيناه أثناء عرضها، والذي مضمونه إنذار الكافرين أن يفتنوا المؤمنين، وتسلية المؤمنين الذين يتعرضون للفتنة، وأن الله عز وجل سينصرهم من عدوهم بتعذيب هذا العدو في الدنيا والآخرة، ومن قبل رأينا صلة سورة البروج بما قبلها، وسنرى أثناء الكلام عن سورة الطارق صلتها بها.
الفوائد:
1 -
قدم ابن كثير لسورة البروج بقوله: (روى الإمام أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العشاء الآخرة بالسماء ذات البروج والسماء والطارق.
وروى أحمد عن أبي هريرة- أيضا- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يقرأ بالسماوات في العشاء تفرد به أحمد).
2 -
ذكر ابن كثير في تفسير قوله تعالى: وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ* وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ أقوالا كثيرة أقواها: (روى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال في هذه الآية: وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قال: الشاهد يعني يوم الجمعة، ويوم مشهود يوم القيامة. وروى أحمد أيضا عن أبي هريرة أنه قال في هذه الآية. وشاهد ومشهود قال:
الشاهد الجمعة، والمشهود يوم عرفة، والموعود يوم القيامة، وقد روى عن أبي هريرة أنه قال: اليوم الموعود يوم القيامة، وكذلك قال الحسن وقتادة وابن زيد، ولم أرهم يختلفون في ذلك ولله الحمد).
وقال صاحب الظلال في قوله تعالى: وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ* وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ* وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ: (تبدأ السورة- قبل الإشارة إلى حادث الأخدود- بهذا القسم:
بالسماء ذات البروج، وهي إما أن تكون أجرام النجوم الهائلة وكأنها بروج السماء الضخمة أي: قصورها المبنية، كما قال: وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ .. كما قال: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها .. وإما أن تكون هي المنازل التي تنتقل فيها تلك الأجرام في أثناء دورانها، وهي مجالاتها التي لا تتعداها في جريانها في السماء.
والإشارة إليها يوحي بالضخامة. وهو الظل المراد إلقاؤه في هذا الجو.
وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ .. وهو يوم الفصل في أحداث الدنيا، وتصفية حساب الأرض وما كان فيها. وهو الموعود الذي وعد الله بمجيئه، ووعد بالحساب والجزاء فيه، وأمهل المتخاصمين والمتقاضين إليه. وهو اليوم العظيم الذي تتطلع إليه الخلائق، وتترقبه لترى كيف تصير الأمور. وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ .. في ذلك اليوم الذي تعرض فيه الأعمال، وتعرض فيه الخلائق، فتصبح كلها مشهودة. ويصبح الجميع شاهدين، ويعلم كل شئ، ويظهر مكشوفا لا يستره ساتر عن القلوب والعيون ..
وتلتقي السماء ذات البروج، واليوم الموعود، وشاهد ومشهود .. تلتقي جميعا في إلقاء ظلال الاهتمام والاحتفال والاحتشاد والضخامة على الجو الذي يعرض فيه بعد ذلك حادث الأخدود. كما توحي بالمجال الواسع الشامل الذي يوضع فيه هذا الحادث.
وتوزن فيه حقيقته ويصفي فيه حسابه .. وهو أكبر من مجال الأرض، وأبعد من مدى الحياة الدنيا وأجلها المحدود .. ).
3 -
هناك اختلاف كثير بين المفسرين حول هوية أصحاب الأخدود وأقوى الأقوال في ذلك أنهم من أهل نجران اليمن، ويحملون قصة الغلام التي وردت في السنة على ذلك قال ابن كثير: (وقد روى الإمام أحمد عن صهيب أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: «كان فيمن كان قبلكم ملك وكان له ساحر فلما كبر الساحر قال للملك: إني قد كبر سني وحضر أجلي فادفع إلي غلاما لأعلمه السحر، فدفع إليه غلاما كان يعلمه السحر، وكان بين الساحر وبين الملك راهب، فأتى الغلام على الراهب، فسمع من كلامه فأعجبه نحوه وكلامه، وكان إذا أتى الساحر ضربه وقال: ما حبسك؟
وإذا أتى أهله ضربوه وقالوا ما حبسك؟، فشكا ذلك إلى الراهب فقال: إذا أراد الساحر أن يضربك فقل حبسني أهلي، وإذا أراد أهلك أن يضربوك فقل: حبسني الساحر،
فبينما هو ذات يوم إذ أتى على دابة فظيعة عظيمة قد حبست الناس، فلا يستطيعون أن يجوزوا، فقال: اليوم أعلم أمر الراهب أحب إلى الله أم أمر الساحر، قال: فأخذ حجرا فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك وأرضى من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يجوز الناس، ورماها فقتلها، ومضى الناس فأخبر الراهب بذلك فقال: أي بني أنت أفضل مني، وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل علي، فكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص وسائر الأدواء ويشفيهم، وكان للملك جليس فعمي فسمع به فأتاه بهدايا كثيرة فقال: اشفني، فقال: ما أنا أشفي أحدا إنما يشفي الله عز وجل، فإن آمنت به دعوت الله فشفاك، ثم أتى الملك فجلس منه نحو ما كان يجلس فقال الملك يا فلان من رد عليك بصرك؟ فقال ربي، فقال: أنا؟ قال: لا، ربي وربك الله، قال: ولك رب غيري، قال: نعم، ربي وربك الله، فلم يزل حتى دل على الغلام، فبعث إليه فقال أي بني بلغ من سحرك أن تبرئ الأكمه والأبرص وهذه الأدواء؟ قال: ما أشفي أحدا إنما يشفي الله عز وجل، قال: أنا؟ قال: لا، قال: أو لك رب غيري؟ قال:
ربي وربك الله، فأخذه أيضا بالعذاب فلم يزل به حتى دل على الراهب، فأتى بالراهب فقال: ارجع عن دينك، فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى وقع شقاه، وقال للأعمى: ارجع عن دينك، فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى وقع شقاه إلى الأرض، وقال للغلام: ارجع عن دينك، فأبى فبعث به مع نفر إلى جبل كذا وكذا؟
وقال: إذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه إلا فدهدهوه، فذهبوا به فلما علوا به الجبل قال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل فدهدهوا أجمعون، وجاء الغلام يتلمس حتى دخل على الملك، فقال: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله تعالى، فبعث به مع نفر في قرقور، فقال: إذا لججتم به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فغرقوه في البحر، فلججوا به البحر، فقال الغلام: اللهم اكفنيهم بما شئت، فغرقوا أجمعون، وجاء الغلام حتى دخل على الملك فقال: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله تعالى ثم قال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به فإن أنت فعلت ما آمرك به قتلتني، وإلا فإنك لا تستطيع قتلي، قال: وما هو؟ قال تجمع الناس في صعيد واحد ثم تصلبني على جذع وتأخذ سهما من كنانتي ثم قل: بسم الله رب الغلام، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني. ففعل ووضع السهم في كبد قوسه ثم رماه وقال: بسم الله رب الغلام، فوقع السهم في صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم ومات، فقال الناس: آمنا برب الغلام. فقيل للملك: أرأيت ما كنت تحذر؟ فقد والله نزل بك، قد
آمن الناس كلهم، فأمر بأفواه السكك فخدت فيها الأخاديد، وأضرمت فيها النيران وقال: من رجع عن دينه فدعوه وإلا فأقحموه فيها، قال: فكانوا يتعادون ويتدافعون، فجاءت امرأة بابن لها ترضعه فكأنما تقاعست أن تقع في النار فقال الصبي: اصبري يا أماه فإنك على الحق».
وهكذا رواه مسلم في آخر الصحيح، ورواه النسائي واختصر أوله، وقال ابن كثير:
(وقال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه حدث أن رجلا من أهل نجران كان في زمان عمر بن الخطاب حفر خربة من خرب نجران لبعض حاجته فوجد عبد الله بن التامر تحت دفن فيها قاعدا واضعا يده على ضربة في رأسه ممسكا عليها بيده، فإذا أخذت يده عنها تنبعث دما، وإذا أرسلت يده ردت عليها فأمسكت دمها وفي يده خاتم مكتوب فيه ربي الله فكتب فيه إلى عمر بن الخطاب يخبره بأمره، فكتب عمر إليهم أن أقروه على حاله وردوا عليه الذي كان عليه ففعلوا).
4 -
عند قوله تعالى: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ قال ابن كثير: (روى ابن أبي حاتم عن عمرو بن ميمون قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة تقرأ: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فقام يستمع فقال: «قد جاءني»).
أقول: في ذلك أدب عظيم في كيفية تلقي هذا القرآن والتجاوب معه.
5 -
عند قوله تعالى: فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ قال ابن كثير: (كما روينا عن أبي بكر الصديق أنه قيل له وهو في مرض الموت هل نظر إليك الطبيب؟ قال: نعم، قالوا: فما قال لك؟ قال: قال لي: إني فعال لما أريد). ولننتقل إلى سورة الطارق.