الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بين يدي سورة النصر:
قدم ابن كثير لسورة النصر بذكر الآثار التالية:
(قد تقدم أنها تعدل ربع القرآن، وإذا زلزلت تعدل ربع القرآن. وروى النسائي عن عبيد بن عبد الله بن عتبة قال: قال لي ابن عباس: يا ابن عتبة أتعلم آخر سورة من القرآن نزلت؟ قلت: نعم إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ قال: صدقت. وروى الحافظ أبو بكر البزار والبيهقي عن ابن عمر قال: أنزلت هذه السورة إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسط أيام التشريق، فعرف أنه الوداع، فأمر براحلته القصواء فرحلت، ثم قام فخطب الناس فذكر خطبته المشهورة. وروى الحافظ البيهقي عن ابن عباس قال: لما نزلت إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة وقال: «إنه قد نعيت إلي نفسي» فبكت ثم ضحكت وقالت: أخبرني أنه نعيت إليه نفسه فبكيت، ثم قال: اصبري فإنك أول أهلي لحوقا بي فضحكت. وقد رواه النسائي بدون ذكر فاطمة)
كلمة في سورة النصر ومحورها:
من خلال الاستقراء نرى أن محور سورة النصر هو نفسه محور سورتي الكوثر والكافرون، وهو الآيات الخمس الآتية بعد مقدمة سورة البقرة، وأدلة ذلك كثيرة.
تأمر سورة النصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتسبيح بحمد الله وبالاستغفار إذا رأى علامة بعينها وهي الفتح والنصر، ودخول الناس في دين الله أفواجا، وقد فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وفهم بعض الصحابة، أن تلك علامة على اقتراب أجله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم نفهم أن العبادة المناسبة لاقتراب الأجل هي الاستغراق في التسبيح بحمد الله، وكثرة الاستغفار، وفي ذلك تفصيل للأمر الوارد في محور السورة اعْبُدُوا رَبَّكُمُ فالتسبيح بحمد الله ذروة المعرفة بالله، وذروة الشكر لله على نعمه، والاستغفار فيه اعتراف بالتقصير في حق الله عز وجل، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعظم الخلق قياما بحق الله عز وجل قد أمر بهذا في آخر حياته، فأحرى بغيره أن يطالب بذلك، وصلة ذلك بمحور السورة من سورة البقرة واضحة.
نفهم من سورة النصر أن النعمة ينبغي أن تقابلها عبادة. فالفتح والنصر والدخول في دين الله أفواجا نعم، أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقابلها بالتسبيح بحمد الله والاستغفار، وهو أصل رأيناه في محور السورة، إذ أمر الله عز وجل بعبادته وتوحيده في سياق الحديث عن نعمه العامة، وهذا الأصل ترى فروعه في هذه السورة التي تبين أن نعمة أخرى من نعمه تقتضي عبادة من تسبيح واستغفار، ولذلك صلته بمحور السورة من سورة البقرة.
ومن الآيات الخمس التي تشكل محور سورة النصر نعلم أن هناك كافرين ومرتابين، وهذه السورة تبين لنا أن العاقبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم، والسورة تأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حالة النصر والفتح والإسلام بأن يسبح ويستغفر شكرا واعترافا بالقصور وهضما للنفس، وهو درس للأمة، وهذا مظهر آخر من مظاهر صلة السورة بمحورها في الآيات الخمس الآتية بعد مقدمة سورة البقرة، والمظهر الأول والأعلى للصلة بالمحور هو أن التسبيح بحمد الله توحيد وعبادة وشكر، وأن الاستغفار عبودية وافتقار.
وأما صلة سورة النصر بما قبلها، من حيث إن سورة الكافرون تتحدث عن المفاصلة بين المسلمين والكافرين، ومن قبل ذكرت سورة الكوثر ما يفيد أن هناك مبغضين وشانئين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك يشعر بالصراع بين جهتين: أهل الإيمان، وأهل الكفر. وتأتي سورة النصر ليفهم منها أن العاقبة حتما لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن نصر الله آت، وأن الفتح آت، وأن الدخول في دين الله أفواجا آت لا محالة؛ ولذلك فإن السورة تأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ينبغي أن يفعله وقتذاك. فالسورة واضحة الصلات بما قبلها، وسنرى صلتها بما بعدها. وكالعادة في كل سورة جديد، ولنكتف بهذا القدر.
ولنبدأ عرض السورة.