الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجموعة الرابعة
[سورة القيامة (75): الآيات 26 الى 35]
كَلَاّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ راقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ (30)
فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (31) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33) أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (34) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (35)
تفسير المجموعة الأولى:
أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ قال النسفي: أي: الكافر المنكر للبعث أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ أي: يوم القيامة بعد تفرقها ورجوعها رفاتا مختلطا بالتراب، ولذلك فهو لا يؤمن بيوم القيامة، ولا يتقي ولا يلوم نفسه إذا أخطأ، قال ابن كثير:(أي: أيظن أنا لا نقدر على إعادة عظامه وجمعها من أماكنها).
كلمة في السياق:
مجئ هذا الاستفهام بعد القسم بيوم القيامة، وبالنفس اللوامة، يوحي بشيئين:
أولا: بمضمون جواب القسم، وثانيا: بالسبب الذي يحمل الإنسان على الكفر بيوم القيامة، وعلى عدم لوم النفس على الخطأ، فالعلة هي تصور الإنسان أن الله عز وجل لن يجمعه بعد تفرق أجزائه ويحييه، وهو جهل بقدرة الله عز وجل ولذلك قال تعالى:
بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ أي: بلى نجمعها، قادرين على أن نسوي أصابعه كما كانت في الدنيا بلا نقصان وتفاوت، مع دقة تركيب البنان، فكيف لا نجمع عظامه عامة، والبنان: هو طرف الإصبع، وقد آمن بعضهم بالقرآن لهذه الآية بسبب ذكر البنان الذي فيه بصمات الإنسان التي تختلف من إنسان لآخر في العالم، حتى لو بلغ الناس مليارات كثيرة ما تشابهت بصمات أحدهم مع غيره،
ثم قال تعالى: بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ قال النسفي: (أي: ليدوم على فجوره
فيما يستقبله من الزمان)، وقال الألوسي:(كأنه قيل: دع تعنيفه فإنه أشط من ذلك وأنى يرتدع، وهو يريد ليدوم على فجوره فيما بين يديه من الأوقات، وفيما يستقبله من الزمان لا ينزع عنه)، أقول: هذه هي العلة الحقيقية للكفر بيوم القيامة، وإنكار الحساب أن الإنسان يرغب ألا يقيد أهواءه قيد، ومن ثم فإنه ينكر اليوم الآخر لما يترتب على إيمانه به من قيود وضوابط يقتضيها قبول التكليف الإلهي،
ثم قال تعالى:
يَسْئَلُ أَيَّانَ أي: متى يَوْمُ الْقِيامَةِ، قال ابن كثير:(أي: يقول متى يكون يوم القيامة؟! وإنما سؤاله سؤال استبعاد لوقوعه، وتكذيب لوجوده)
قال تعالى مبينا حال هذا اليوم الذي يستبعدون وقوعه: فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ أي: تحير فزعا، قال ابن كثير: والمقصود أن الأبصار تنبهر يوم القيامة، وتخشع وتحار، وتذل من شدة الأهوال، ومن عظم ما تشاهده يوم القيامة من الأمور
وَخَسَفَ الْقَمَرُ قال النسفي: (أي: ذهب ضوؤه أو غاب)
وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ قال مجاهد:
أي: كورا، فأصبحتا كتلة واحدة. أقول: لعل ذلك يكون عند ما تطوى السماء كطي السجل للكتب، فيجمع عند ذلك كل شئ كما قال تعالى: وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ.
يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ قال ابن كثير: أي: إذا عاين ابن آدم هذه الأهوال يوم القيامة حينئذ يريد أن يفر، ويقول أين المفر؟ أي: هل من ملجأ أو موئل،
قال الله تعالى: كَلَّا ردع عن طلب المفر لا وَزَرَ أي: لا ملجأ ولا نجاة، أي: ليس لكم مكان تعتصمون فيه
إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ قال ابن كثير: أي: المرجع والمصير، وقال النسفي:(أي: مستقر العباد، أو موضع قرارهم من جنة أو نار مفوض ذلك لمشيئة من شاء أدخله الجنة، ومن شاء أدخله النار)
يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أي: يخبر بِما قَدَّمَ من عمل عمله وَأَخَّرَ ما لم يعمله، قال ابن كثير: أي: يخبر بجميع أعماله قديمها وحديثها، أولها وآخرها، صغيرها وكبيرها
بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ* وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ قال ابن كثير: أي: هو شهيد على نفسه عالم بما فعله، ولو اعتذر وأنكر، قال النسفي: والبصيرة: الحجة. أقول: والمعاذير: اسم جمع للمعذرة، والمعنى: أن الإنسان يوم القيامة ينبأ بما قدم وأخر، وهو وإن كان ينبأ لكنه هو نفسه يعلم حقيقة نفسه وعمله، ولو اعتذر بلسانه بما
اعتذر، ذلك هو شأن يوم القيامة الذي يستبعده الكافر رغبة منه في الفجور عن أمر الله عز وجل.