الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخرى، وعدة من الله عز وجل فإذا فهم هذا كله فإن الفقرة الأخيرة تأتي آمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعبادة شكرا لله عز وجل على نعمه، وكطريق يساعد على تحمل العسر حتى يتلاشى.
قال تعالى: فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ قال النسفي: أي: إذا فرغت من دعوة الخلق فاجتهد في عبادة الرب
وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ قال النسفي: أي: واجعل رغبتك إليه خصوصا، ولا تسأل إلا فضله متوكلا عليه. وقال ابن كثير في الآيتين:
(أي: إذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها وقطعت علائقها فانصب إلى العبادة، وقم إليها نشيطا فارغ البال، وأخلص لربك النية والرغبة). أقول: وفي الآيتين أقوال أخرى سنراها في
الفوائد
. والذي أرجحه أنه أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالتعب في العبادة بعد الفراغ من أشغال الدنيا والدعوة. وأن يقبل على الله عز وجل بالدعاء، فإن العبادة والدعاء زاد الطريق لتجاوز المحنة، ومظهر العبودية الخالصة لله عز وجل شكرا له، وواضح أن المراد بالتعب التعب في الصلاة، فالصلاة هي ذروة العبادة.
كلمة في السياق:
وضح لنا من خلال عرض السورة سياقها الخاص، ورأينا أنها تأمر بالصلاة والدعاء، وذلك يعرفنا على أن الصلاة والدعاء داخلان في العبادة، فهي تفصيل لقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ومن صلة السورة بالمحور نعلم أن هذا طريق للتقوى التي فصلت فيها السور الخمس السابقة على سورة أَلَمْ نَشْرَحْ من مجموعتها.
الفوائد:
1 -
ذهب بعضهم ذهابا بعيدا إلى أن المراد بالشرح في الآية حادثة شق الصدر، وهو معنى بعيد. ومع هذا فقد ذكره ابن كثير ونحن ننقله للفائدة. قال ابن كثير:
(وقيل: المراد بقوله: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ شرح صدره ليلة الإسراء كما تقدم من رواية مالك بن صعصعة وقد أورده الترمذي هاهنا، وهذا وإن كان واقعا ليلة
الإسراء، كما رواه مالك بن صعصعة، ولكن لا منافاة، فإن من جملة شرح صدره الذي فعل بصدره ليلة الإسراء، وما نشأ عنه من الشرح المعنوي أيضا، فالله أعلم.
روى عبد الله بن الإمام أحمد عن أبي بن كعب أن أبا هريرة كان جريئا على أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء لا يسأله عنها غيره، فقال: يا رسول الله ما أول ما رأيت من أمر النبوة؟ فاستوى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا وقال: «لقد سألت يا أبا هريرة، إني في الصحراء ابن عشر سنين وأشهر، وإذا بكلام فوق رأسي، وإذا رجل يقول لرجل: أهو هو؟ فاستقبلاني بوجوه لم أرها قط، وأرواح لم أجدها من خلق قط، وثياب لم أرها على أحد قط، فأقبلا إلي يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدي لا أجد لأحدهما مسا، فقال أحدهما لصاحبه: أضجعه، فأضجعاني بلا قصر ولا هصر، فقال أحدهما لصاحبه: افلق صدره، فهوى أحدهما إلى صدري ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع، فقال له: أخرج الغل والحسد، فأخرج شيئا كهيئة العلقة ثم نبذها فطرحها، فقال له:
أدخل الرأفة والرحمة فإذا مثل الذي أخرج شبه الفضة ثم هز إبهام رجلي اليمني فقال: أعد واسلم، فرجعت بها أعدو رقة على الصغير، ورحمة للكبير».
لاحظ أن ابن كثير قدم لهذا القول بكلمة (وقيل) التي تفيد التضعيف فحادثة شق الصدر واقعة تكررت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن سورة الشرح لا تتحدث عنها بل تتحدث عن شرح الصدر بالإسلام أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ.
2 -
عند قوله تعالى: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ قال ابن كثير: (قال مجاهد:
لا أذكر إلا ذكرت معي أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، وقال قتادة: رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي بها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وروى ابن جرير عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«أتاني جبريل فقال: إن ربي وربك يقول: كيف رفعت ذكرك: قال: الله أعلم، قال: إذا ذكرت ذكرت معي» وكذا رواه ابن أبي حاتم بإسناده. وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سألت ربي مسألة وددت أني لم أسأله قلت: قد كان قبلي أنبياء منهم من سخرت له الريح ومنهم من يحيي الموتى، قال: يا محمد ألم أجدك يتيما فآويتك؟ قلت: بلى يا رب، قال: ألم أجدك ضالا فهديتك؟ قلت: بلى يا رب، قال: ألم أجدك عائلا فأغنيتك؟ قلت: بلى يا رب، قال: ألم أشرح لك صدرك؟ ألم أرفع لك ذكرك؟ قلت بلى يا رب» . وروى أبو نعيم في دلائل النبوة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما فرغت مما أمرني به من أمر
السموات والأرض قلت: يا رب إنه لم يكن نبي قبلي إلا وقد كرمته، جعلت إبراهيم خليلا، وموسى كليما، وسخرت لداود الجبال، ولسليمان الريح والشياطين، وأحييت لعيسى الموتى، فما جعلت لي؟ قال: أو ليس قد أعطيتك أفضل من ذلك كله أني لا أذكر إلا ذكرت معي؟ وجعلت صدور أمتك أناجيل يقرءون القرآن ظاهرا ولم أعطها أمة؟ وأعطيتك كنزا من كنوز عرشي لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» وحكى البغوي عن ابن عباس ومجاهد أن المراد بذلك الأذان يعني: ذكره فيه).
3 -
عند قوله تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً قال ابن كثير: (روى ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا وحياله جحر فقال: «لو جاء العسر فدخل هذا الجحر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه» فأنزل الله عز وجل: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ورواه أبو بكر البزار.
في مسنده ولفظه: «لو جاء العسر حتى يدخل هذا الجحر لجاء اليسر حتى يخرجه» ثم قال: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ثم قال البزار: لا نعلم رواه عن أنس إلا عائذ بن شريح (قلت) وقد قال فيه أبو حاتم الرازي: في حديثه ضعف، ولكن رواه شعبة عن معاوية بن قرة عن رجل عن عبد الله بن مسعود موقوفا. وروى ابن أبي حاتم عن الحسن قال: كانوا يقولون: لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين. وروى ابن جرير عن الحسن قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوما مسرورا فرحا وهو يضحك وهو يقول:
«لن يغلب عسر يسرين، لن يغلب عسر يسرين، فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا» وكذا رواه عن الحسن مرسلا وقال سعيد عن قتادة: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر أصحابه بهذه الآية فقال: «لن يغلب عسر يسرين» ومعنى هذا أن العسر معرف في الحالين فهو مفرد، واليسر منكر فتعدد، ولهذا قال:«لن يغلب عسر يسرين» يعني قوله: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً فالعسر الأول عين الثاني واليسر تعدد. وروى الحسن بن سفيان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نزل المعونة من السماء على قدر المئونة، ونزل الصبر على قدر المصيبة» ).
4 -
بمناسبة قوله تعالى: فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ* وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ. قال النسفي: (أي: فإذا فرغت من دعوة الخلق فاجتهد في عبادة الرب، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: فإذا فرغت من صلاتك فاجتهد في الدعاء، واختلف أنه قبل السلام أو بعده، ووجه الاتصال بما قبله أنه لما عدد عليه نعمه السالفة، ومواعيده الآتية بعثه على