الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يوم الجزاء، وهو اليوم الذي كانوا يكذبون فيه
وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ قال ابن كثير:
أي: لا يغيبون عن العذاب ساعة واحدة، ولا يخفف عنهم من عذابها، ولا يجابون إلى ما يسألون من الموت أو الراحة، ولو يوما واحدا. وقال النسفي: أي: لا يخرجون منها ..
ثم عظم شأن يوم القيامة فقال: وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ* ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ كرره للتأكيد والتعظيم
ثم فسره بقوله: يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً قال ابن كثير: (أي: لا يقدر أحد على نفع أحد ولا خلاصه مما هو فيه، إلا أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى ونذكر هاهنا حديث «يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، لا أملك لكم من الله شيئا») وقال النسفي: (أي: لا تستطيع دفعا عنها ولا نفعا لها بوجه، وإنما تملك الشفاعة بالإذن وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ قال النسفي: أي: لا أمر إلا لله تعالى وحده، فهو القاضي فيه دون غيره، وقال ابن كثير: (وقال قتادة: والأمر- والله- اليوم لله، لكنه لا ينازعه فيه يومئذ أحد).
كلمة في السياق:
إن الأبرار هم المتقون بدليل آية البر في سورة البقرة، والفجار هم الذين يقابلون المتقين، ومن السياق عرفنا بعض خصائص المتقين، وبعض خصائص الفجار، فالفقرة الأخيرة صبت فيها السورة كلها، ومن ثم نلاحظ أنه جاء في الفقرة الأولى قوله تعالى عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ وجاء في الفقرة الأخيرة: يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً. وجاء في الفقرة الثالثة: بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ وجاء في الفقرة الأخيرة، يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ .. وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ
…
وكما أن الفقرة الأخيرة كانت مصبا
للسورة كلها، فإنها فصلت في المحور. لقد جاء في المحور قوله تعالى: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ* وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ وهاهنا جاء قوله تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ فللسورة سياقها وهي مرتبطة بمحورها في السياق القرآني العام.
الفوائد:
1 -
بدأ ابن كثير الكلام عن السورة بقوله: (روى النسائي عن جابر قال: قام معاذ فصلى العشاء الآخرة فطول فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أفتان أنت يا معاذ؟ أين كنت عن
سبح اسم ربك الأعلى، والضحى، وإذا السماء انفطرت!» وأصل الحديث مخرج في الصحيحين ولكن ذكر (إذا السماء انفطرت) في أفراد النسائي. وقد تقدم من رواية عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من سره أن ينظر إلى القيامة رأي عين فليقرأ إذا الشمس كورت، وإذا السماء انفطرت، وإذا السماء انشقت» ).
2 -
يقع بعض الناس في خطأ عند قوله تعالى: يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ وقد سجل ابن كثير الخطأ والصواب في فهم هذه الآية فقال: (هذا تهديد لا كما يتوهمه بعض الناس من أنه إرشاد إلى الجواب حيث قال: (الكريم) حتى يقول قائلهم: غره كرمه، بل المعنى في هذه الآية ما غرك يا ابن آدام بربك الكريم أي: العظيم حتى أقدمت على معصيته، وقابلته بما لا يليق؟ كما جاء في الحديث يقول الله تعالى يوم القيامة «يا ابن آدم ما غرك بي؟ يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين؟» .
وقال بعض أهل الإشارة إنما قال: بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ دون سائر أسمائه وصفاته كأنه لقنه الإجابة، وهذا الذي تخيله هذا القائل ليس بطائل؛ لأنه إنما أتى باسمه الكريم لينبه على أنه لا ينبغي أن يقابل الكريم بالأفعال القبيحة، وأعمال الفجور. وقد حكى البغوي عن الكلبي ومقاتل أنهما قالا: نزلت هذه الآية في الأسود بن شريك ضرب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعاقب في الحالة الراهنة فأنزل الله تعالى: ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ؟).
3 -
بمناسبة قوله تعالى الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ قال ابن كثير: (روى الإمام أحمد عن بشر بن جحاش القرشي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بصق يوما في كفه فوضع عليها إصبعه ثم قال: قال الله عز وجل «يا ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه؟ حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد، فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت: أتصدق، وأنى أوان الصدقة؟» .
4 -
في قوله تعالى: فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ اتجاهان: اتجاه يقول ما ذكرناه أي: في أي صورة من الحسن والقبح وغير ذلك يركبك مع كمال الاعتدال، واتجاه آخر يقول: أي: كان قادرا على أن يركبك في صورة قرد أو غيره، فكان ينبغي أن تقابل ذلك منه بالشكر، ولكنك لم تفعل.
5 -
بمناسبة قوله تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ* كِراماً كاتِبِينَ قال ابن كثير: