الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
قلنا إن محور السورة هو قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ولا شك أننا أخذنا دروسا كثيرة من السورة تعمق فهمنا لآيتي سورة البقرة.
الفوائد:
1 -
بمناسبة قوله تعالى: عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى ترجم الألوسي لعبد الله بن أم مكتوم فقال: (وكان أعمى وعمي بعد نور، وقيل: ولد أعمى، ولذا قيل لأمه: أم مكتوم. أتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وعنده صناديد قريش عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو جهل والعباس بن عبد المطلب، وأمية بن خلف، والوليد ابن المغيرة يناجيهم ويدعوهم إلى الإسلام؛ رجاء أن يسلم بإسلامهم غيرهم، فقال:
يا رسول الله أقرئني وعلمني مما علمك الله تعالى، وكرر ذلك، ولم يعلم تشاغله بالقوم، فكره رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قطعه لكلامه، وعبس وأعرض عنه، فنزلت، فكان رسول الله عليه الصلاة والسلام يكرمه ويقول إذا رآه:«مرحبا بمن عاتبني فيه ربي» ويقول: «هل لك من حاجة» واستخلفه صلى الله تعالى عليه وسلم على المدينة فكان يصلي بالناس ثلاث عشرة مرة، كما رواه ابن عبد البر في الاستيعاب عن أهل العلم بالسير، ثم استخلف بعده أبا لبابة وهو من المهاجرين الأولين، هاجر ابن أم مكتوم على الصحيح قبل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، ووهم القرطبي في زعمه أنه مدني، وأنه لم يجتمع بالصناديد المذكورين من أهل مكة، وموته قيل: بالقادسية شهيدا يوم فتح المدائن أيام عمر رضي الله تعالى عنه، ورآه أنس يومئذ وعليه درع وله راية سوداء، وقيل: رجع منها إلى المدينة فمات بها رضي الله تعالى عنه، وضمير عبس وما بعده للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وفي التعبير عنه عليه الصلاة والسلام بضمير الغيبة إجلال له صلى الله تعالى عليه وسلم لإيهام أن من صدر عنه ذلك غيره؛ لأنه لا يصدر عنه صلى الله تعالى عليه وسلم مثله كما أن في التعبير عنه صلى الله تعالى عليه وسلم بضمير الخطاب في قوله سبحانه: وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ذلك لما فيه من الإيناس بعد الإيحاش، والإقبال بعد الإعراض، والتعبير عن ابن أم مكتوم بالأعمى للإشعار بعذره في الإقدام على قطع كلام الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وتشاغله بالقوم). أقول: على الداعية إلى الله أن يقبل على كل المستجيبين
بالرعاية الكاملة، فكم من إنسان لا تعطيه أهمية ويكون خيرا من مئات من الناس الذين يظن فيهم الخير، ثم لا يخرج منهم شئ كثير.
2 -
علق صاحب الظلال تعليقات طويلة على قوله تعالى: عَبَسَ وَتَوَلَّى
…
ونقتطف من كلامه ما يلي: (ولقد انفعلت نفس الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا التوجيه، ولذلك العتاب. انفعلت بقوة وحرارة، واندفعت إلى إقرار هذه الحقيقة في حياته كلها، وفي حياة الجماعة المسلمة بوصفها هي حقيقة الإسلام الأولى.
وكانت الحركة الأولى له صلى الله عليه وسلم هي إعلان ما نزل له من التوجيه والعتاب في الحادث. وهذا الإعلان أمر عظيم رائع حقا. أمر لا يقوى عليه إلا رسول، من أي جانب نظرنا إليه في حينه.
نعم لا يقوى إلا رسول على أن يعلن للناس أنه عوتب هذا العتاب الشديد، بهذه الصورة الفريدة في خطإ أتاه! وكان يكفي لأي عظيم- غير الرسول- أن يعرف هذا الخطأ وأن يتلافاه في المستقبل. ولكنها النبوة. أمر آخر. وآفاق أخرى!
لا يقوى إلا رسول على أن يقذف بهذا الأمر هكذا في وجوه كبراء قريش في مثل تلك الظروف التي كانت فيها الدعوة، مع أمثال هؤلاء المستعزين بنسبهم وجاههم ومالهم وقوتهم، في بيئة لا مكان فيها لغير هذه الاعتبارات، إلى حد أن يقال فيها عن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم:«لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم!»
…
وهذا نسبه فيهم، لمجرد أنه هو شخصيا لم تكن له رئاسة فيهم قبل الرسالة!
ثم إنه لا يكون مثل هذا الأمر في مثل هذه البيئة إلا من وحي السماء. فما يمكن أن ينبثق هذا من الأرض
…
ومن هذه الأرض بذاتها في ذلك الزمان!!
وهي قوة السماء التي دفعت مثل هذا الأمر في طريقه؛ فإذا هو ينفذ من خلال نفس النبي صلى الله عليه وسلم إلى البيئة من حوله؛ فيقرر فيها بعمق وقوة واندفاع، يطرد به أزمانا طويلة في حياة الأمة المسلمة.
لقد كان ميلادا جديدا للبشرية كميلاد الإنسان في طبيعته، وأعظم منه خطرا في قيمته
…
أن ينطلق الإنسان حقيقة- شعورا وواقعا- من كل القيم المتعارف عليها في الأرض، إلى قيم أخرى، تتنزل له من السماء منفصلة منعزلة عن كل ما في الأرض من
قيم وموازين وتصورات واعتبارات وملابسات عملية، وارتباطات واقعية ذات ضغط وثقل، ووشائج متلبسة باللحم والدم والأعصاب والمشاعر. ثم أن تصبح القيم الجديدة مفهومة من الجميع، مسلما بها من الجميع. وأن يستحيل الأمر العظيم الذي احتاجت نفس محمد صلى الله عليه وسلم كي تبلغه إلى التنبيه والتوجيه، أن يستحيل هذا الأمر العظيم بديهية الضمير المسلم، وشريعة المجتمع المسلم، وحقيقة الحياة الأولى في المجتمع الإسلامي لآماد طويلة في حياة المسلمين.
إننا لا نكاد ندرك حقيقة ذلك الميلاد الجديد؛ لأننا لا نتمثل في ضمائرنا حقيقة هذا الانطلاق من كل ما تنشئه أوضاع الأرض وارتباطاتها من قيم وموازين واعتبارات ساحقة الثقل إلى الحد الذي يخيل لبعض أصحاب المذاهب (التقدمية!) أن جانبا واحدا منها- هو الأوضاع الاقتصادية- هو الذي يقرر مصائر الناس وعقائدهم وفنونهم
وآدابهم وقوانينهم وعرفهم وتصورهم للحياة! كما يقول أصحاب مذهب التفسير المادي للتاريخ في ضيق أفق، وفي جهالة طاغية بحقائق النفس وحقائق الحياة!
إنها المعجزة. معجزة الميلاد الجديد للإنسان على يد الإسلام في ذلك الزمان).
3 -
بمناسبة قوله تعالى عن القرآن: كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ* فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ* فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ* مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ* بِأَيْدِي سَفَرَةٍ* كِرامٍ بَرَرَةٍ قال ابن كثير:
(روى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرؤه وهو عليه شاق، له أجران» أخرجه الجماعة من طريق قتادة به).
4 -
بمناسبة قوله تعالى: وَفاكِهَةً وَأَبًّا قال ابن كثير: (فأما ما رواه ابن جرير عن أنس قال: قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه عَبَسَ وَتَوَلَّى فلما أتى على هذه الآية وَفاكِهَةً وَأَبًّا قال: قد عرفنا الفاكهة فما الأب؟. فقال: لعمرك يا ابن الخطاب إن هذا لهو التكلف فهو إسناد صحيح، وقد رواه غير واحد عن أنس به، وهذا محمول على أنه أراد أن يعرف شكله وجنسه وعينه، وإلا فهو وكل من قرأ هذه الآية يعلم أنه من نبات الأرض لقوله فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلًا وَحَدائِقَ غُلْباً وَفاكِهَةً وَأَبًّا).
5 -
بمناسبة قوله تعالى: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ قال ابن كثير: (روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تحشرون
حفاة عراة مشاة غرلا» قال: فقالت زوجته: يا رسول الله ننظر- أو يرى- بعضنا عورة بعض؟ قال: «لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه- أو قال: ما أشغله عن النظر-» . وقد رواه النسائي منفردا به
…
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به. وقد رواه الترمذي
…
عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تحشرون حفاة عراة غرلا» فقالت امرأة: أيبصر- أو يرى- بعضنا عورة بعض؟ قال: «يا فلانة لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه» ثم قال الترمذي: وهذا حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن ابن عباس رضي الله عنهما. ولننتقل إلى السورة الثالثة في المجموعة التاسعة.