الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باستدراجي لهم من حيث لا يعلمون فسمي جزاء الكيد كيدا كما سمي جزاء الاعتداء والسيئة اعتداء وسيئة، وإن لم يكن اعتداء وسيئة، ولا يجوز إطلاق هذا الوصف على الله تعالى إلا على وجه الجزاء كقوله: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ).
فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ قال النسفي: أي:
لا تدع بهلاكهم، ولا تستعجل به، وقال ابن كثير: أي أنظرهم ولا تستعجل لهم أَمْهِلْهُمْ قال النسفي: (أي: أنظرهم فكرر وخالف بين اللفظين لزيادة التسكين والتصبير رُوَيْداً أي: مهلا يسيرا. قال ابن كثير: (أي: قليلا أي: وسترى ماذا أحل بهم من العذاب والنكال والعقوبة والهلاك).
كلمة في السياق:
تأتي الآيات الأخيرة عارضة حال الكافرين الذين بدلا من أن يؤمنوا ويعملوا يكيدون، وبالتأمل في هذا المعنى ندرك صلة الآيات الأخيرة بما قبلها. إذا علمت هذا تدرك أن السورة سيقت لتصب في المعنى الأخير الذي له صلة بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ. إن صلة الآيات الأخيرة بهاتين الآيتين واضحة، فالكافرون بدلا من أن يتعظوا بالإنذار يكيدون، والموقف المقابل لذلك هو إمهالهم لينتقم الله منهم. وهكذا نجد أن السورة فصلت في مقدمة سورة البقرة نوع تفصيل، مع احتفاظها بسياقها الخاص، وصلاتها بما قبلها وما بعدها، وذكرها جديدا من مثل قوله تعالى: وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ ومن مثل قوله تعالى: وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ .. وقد رأينا أن للطارق وللرجع معاني معاصرة تدخل فيها دون تكلف، وهذا مظهر من مظاهر الإعجاز في هذا القرآن الذي لا تنتهي عجائبه.
الفوائد:
1 -
قدم ابن كثير للكلام عن سورة الطارق بقوله: (روى عبد الله بن الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن خالد بن أبي جبل العدواني عن أبيه أنه أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشرق ثقيف وهو قائم على قوس أو عصى حين أتاهم يبتغي عندهم النصر فسمعته يقول: وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ حتى ختمها، قال: فوعيتها في الجاهلية، وأنا مشرك، ثم قرأتها في الإسلام، قال: فدعتني ثقيف فقالوا: ماذا سمعت من هذا
الرجل؟ فقرأتها عليهم فقال من معهم من قريش: نحن أعلم بصاحبنا، لو كنا نعلم ما يقول حقا لا تبعناه. وروى النسائي عن جابر قال: صلى معاذ المغرب فقرأ البقرة والنساء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أفتان أنت يا معاذ! ما كان يكفيك أن تقرأ بالسماء والطارق والشمس وضحاها ونحوها؟» ).
2 -
بمناسبة قوله تعالى: وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ قال صاحب الظلال: (هذا القسم يتضمن مشهدا كونيا وحقيقة إيمانية. وهو يبدأ بذكر السماء والطارق ويثني بالاستفهام المعهود في التعبير القرآني: وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ .. وكأنه أمر وراء الإدراك والعلم. ثم يحدده ويبينه بشكله وصورته: النَّجْمُ الثَّاقِبُ الذي يثقب الظلام بشعاعه النافذ. وهذا الوصف ينطبق على جنس النجم. ولا سبيل إلى تحديد نجم بذاته من هذا النص، ولا ضرورة لهذا التحديد. بل إن الإطلاق أولى؛ ليكون المعنى:
والسماء ونجومها الثاقبة للظلام، النافذة من هذا الحجاب الذي يستر الأشياء. ويكون لهذه الإشارة إيحاؤها حول حقائق السورة وحول مشاهدها الأخرى .. ).
3 -
هناك معارك علمية قديما وحديثا تدور حول قوله تعالى: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ* خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ* يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ والأمر لا يحتاج إلى كل هذا، فالصلب في القاموس ينتهي بنهاية العصعص، والترائب تطلق على أشياء كثيرة منها عظام الرجلين. قال ابن كثير: وعن الضحاك: (الترائب بين الثديين والرجلين والعينين) ولا أستبعد أن يكون المراد بالترائب في الآية عظام الحوض والفخذين، فمزج المني معروف، ومركز تجمع المني بعد خروجه من الخصيتين في هذه المنطقة، وقد ذكر الله عز وجل مركز تجمع المني بأنه بين الصلب والترائب، فهو في المنطقة بين العصعص وعظام المنطقة السفلى من الوسط، بين العصعص وعظم العانة، والذي دعا إلى الغلط في هذا الموضوع تصورات خاطئة منها أن الصلب يطلق على منطقة الظهر، وأن كلمة الترائب خاصة بالمرأة، وكل ذلك ليس صحيحا، وبناء على هذه التصورات الخاطئة حاول بعضهم أن يرجع بالإنسان إلى مرحلة ما، عند ما كان جنينا، فكانت خصيتاه- في مرحلة ما- في ظهره، وهذا كما قلنا سببه التصور الخاطئ عن الصلب. إن خصية الرجل بين الصلب والترائب، ومبيض المرأة بين الصلب والترائب والمني يخرج متدفقا، وبويضة المرأة تخرج مع ماء يتدفق يقول الدكتور محمد علي البار في مقال نشره في العدد (54) من مجلة الأمان: (تقترب هذه الحويصلة المليئة بالماء الأصفر من حافة المبيض،
فتتفجر عند تمام نموها وكماله، فتندلق المياه على أقتاب البطن، ويتلقف البوق، وهو نهاية قناة الرحم (وتدعى أيضا قناة فالوب) البويضة فيدفعها دفعا دقيقا حتى تلتقي بالحيوان المنوي
…
هذا الماء يحمل البويضة كما يحمل ماء الرجل الحيوانات المنوية) فلا إشكال في كل الأحوال والله أعلم. ولننتقل إلى تفسير سورة الأعلى.