الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المنافقين بأنهم يدعون الإيمان ولا يؤمنون، وفي هذه السورة وصف الله الكافرين والمنافقين بأنهم يكذبون بالدين، وفي مقدمة سورة البقرة وصف الله المتقين بالإنفاق، وفي هذه السورة وصف الله الكافرين والمنافقين بأنهم لا ينفقون ولا يحضون على الإنفاق، بل يؤذون اليتيم، ويمنعون الماعون، وفي مقدمة سورة البقرة وصف الله المتقين بإقام الصلاة، وفي هذه السورة وصف الله المنافقين بأنهم ساهون عن صلاتهم وإذا صلوا فهم مراءون، من هذا نعلم أن سورة الماعون أتمت بيان الصورة العامة للمتقين والكافرين والمنافقين التي رسمتها مقدمة سورة البقرة، وأعطتنا تفصيلا أوسع لقضية النفاق، فارتباطها بمحورها واضح، ومعانيها تتكامل مع معاني مجموعتها، فسورة العصر ركزت على خصائص المتقين، وسورة الهمزة، والفيل، وقريش لها صلة بالكلام عن الكافرين، وسورة الماعون لها صلة بالكلام عن المنافقين، ولذلك كله صلاته بمقدمة سورة البقرة التي تحدثت عن المتقين والكافرين والمنافقين.
الفوائد:
1 -
رأينا أن ابن كثير ذكر كل ما يمكن أن يدخل في قوله تعالى الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ ونضيف هنا أنه بعد أن ذكر ذلك قال: (ولكل من اتصف بشيء من ذلك قسط من هذه الآية، ومن اتصف بجميع ذلك فقد تم له نصيبه منها وكمل له النفاق العملي، كما ثبت في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:«تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا» فهذا أخر صلاة العصر التي هي الوسطى كما ثبت به النص، إلى آخر وقتها وهو وقت كراهة، ثم قام إليها فنقرها نقر الغراب لم يطمئن ولا خشع فيها أيضا، ولهذا «لا يذكر الله بها إلا قليلا» ولعله إنما حمله على القيام إليها مراءاة الناس لا ابتغاء وجه الله، فهو كما إذا لم يصل بالكلية. قال الله تعالى إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ
قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا
وقال تعالى هاهنا الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ).
وقال ابن كثير: (وروى ابن جرير عن سعد بن أبي وقاص قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذين هم عن صلاتهم ساهون قال: «هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها» (قلت) وتأخير الصلاة عن وقتها يحتمل تركها بالكلية، ويحتمل صلاتها بعد وقتها،
وتأخيرها عن أول الوقت وكذا رواه الحافظ أبو يعلى بسنده. ثم رواه عن أبي الربيع عن عاصم عن مصعب عن أبيه موقوفا «لهوا عنها حتى ضاع الوقت» وهذا أصح إسنادا وقد ضعف البيهقي رفعه وصحح وقفه وكذلك الحاكم).
وقال ابن كثير: (قال عطاء بن دينار: الحمد لله الذي قال: عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ ولم يقل في صلاتهم ساهون). قال النسفي: تعليقا على ذلك: لأن معنى (عن) أنهم ساهون عنها سهو ترك لها، وقلة التفات إليها، وذلك فعل المنافقين، ومعنى (في) أن السهو يعتريهم فيها بوسوسة شيطان أو حديث نفس وذلك لا يخلو عنه مسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقع له السهو في صلاته فضلا عن غيره. أقول: ومن مثل هذه الدقة في التعبير القرآني نرى مظهرا من مظاهر الإعجاز في القرآن.
2 -
بمناسبة قوله تعالى الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ قال النسفي: (ولا يكون الرجل مرائيا بإظهار الفرائض فمن حقها الإعلان بها لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا غمة في فرائض الله» أي لا تخفي ولا تستر، والإخفاء في التطوع أولى فإن أظهره قاصدا للاقتداء به كان جميلا). وقال ابن كثير بمناسبة الآية: (وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن في جهنم لواديا تستعيذ جهنم من ذلك الوادي في كل يوم أربعمائة مرة، أعد ذلك الوادي للمرائين من أمة محمد، لحامل كتاب الله، وللمصدق في غير ذات الله، وللحاج إلى بيت الله، وللخارج في سبيل الله» (أي: إذا كانوا مراءين) وروى الإمام أحمد عن عمرو بن مرة قال: كنا جلوسا عند أبي عبيدة فذكروا الرياء فقال رجل يكنى بأبي يزيد: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من سمع الناس بعمله سمع الله به سامع خلقه وحقره وصغره» ).
3 -
وبمناسبة قوله تعالى وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ قال ابن كثير: «وروى ابن أبي حاتم عن عبد الله قال: الماعون العواري: القدر والميزان والدلو، وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ يعني متاع البيت، وكذا قال مجاهد وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وأبو مالك وغير واحد أنها العارية للأمتعة، وقال ابن أبي سليم ومجاهد عن ابن عباس وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ قال: لم يجئ أهلها بعد، وقال العوفي عن ابن عباس وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ قال: اختلف الناس في ذلك فمنهم من قال يمنعون الزكاة، ومنهم من قال يمنعون الطاعة، ومنهم من قال يمنعون العارية، رواه ابن
جرير. ثم روي عن الحارث عن علي: الماعون منع الناس الفأس والقدر والدلو، وقال عكرمة: رأس الماعون زكاة المال، وأدناه المنخل والدلو والإبرة. رواه ابن أبي حاتم.
وهذا الذي قاله عكرمة حسن فإنه يشمل الأقوال كلها، وترجع كلها إلى شئ واحد وهو ترك المعاونة بمال أو منفعة، ولهذا قال محمد بن كعب وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ قال المعروف، ولهذا جاء في الحديث «كل معروف صدقة». وروى ابن أبي حاتم عن الزهري وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ قال: بلسان قريش المال).