الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة النصر
وهي ثلاث آيات، وهذه هي:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [سورة النصر (110): الآيات 1 الى 3]
بسم الله الرحمن الرحيم
إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (3)
التفسير:
إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ قال النسفي: النصر الإعانة والإظهار على العدو، والفتح فتح البلاد، والمعنى نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم على العرب، أو على قريش وفتح مكة، أو جنس نصر الله المؤمنين وفتح بلاد الشرك عليهم
وَرَأَيْتَ أي: أبصرت أو عرفت أو علمت النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً أي جماعات كثيرة بعد ما كانوا يدخلون واحدا واحدا، أو اثنين اثنين
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قال النسفي (فقل: سبحان الله حامدا له أو فصل له) وَاسْتَغْفِرْهُ قال النسفي: تواضعا وهضما للنفس، أو دم على الاستغفار إِنَّهُ كانَ ولا يزال تَوَّاباً التواب في حق الله عز وجل هو الكثير القبول للتوبة، وفي صفة العباد الكثير الفعل للتوبة.
الفوائد:
1 -
قال ابن كثير: (والمراد بالفتح هاهنا فتح مكة قولا واحدا فإن أحياء العرب كانت تتلوم بإسلامها فتح مكة، يقولون: إن ظهر على قومه فهو نبي. فلما فتح الله عليه مكة دخلوا في دين الله أفواجا، فلم تمض سنتان حتى استوسقت جزيرة العرب إيمانا، ولم يبق في سائر قبائل العرب إلا مظهر للإسلام ولله الحمد والمنة، وقد روى البخاري
في صحيحه عن عمرو بن سلمة قال: لما كان الفتح بادر كل قوم بإسلامهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت الأحياء تتلوم بإسلامها فتح مكة يقولون: دعوه وقومه فإن ظهر عليهم فهو نبي- الحديث) أقول: رأينا أن النسفي ذكر أقوالا أخرى في المراد بالفتح، والذي يبدو أنه يرى أن المراد بالفتح والنصر في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم والعلامة التي حددت له هي فتح مكة. ولكن يبقى ما ورد في السورة أدبا عاما لكل مسلم أن يقابل نعمة الله عز وجل عليه بالشكر والحمد والاستغفار والتسبيح).
قال ابن كثير: (فالذي فسر به بعض الصحابة من جلساء عمر- رضي الله عنهم أجمعين- من أنه قد أمرنا إذا فتح الله علينا المدائن والحصون بأن نحمد الله ونشكره ونسبحه يعني نصلي له ونستغفره، معنى مليح صحيح. وقد ثبت له شاهد من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وقت الضحى ثماني ركعات، فقال قائلون: هي صلاة الضحى، وأجيبوا بأنه لم يكن يواظب عليها فكيف صلاها ذلك اليوم وقد كان مسافرا لم ينو الإقامة؟ ولهذا أقام فيها إلى آخر شهر رمضان قريبا من تسع عشرة يوما يقصر الصلاة ويفطر هو وجميع الجيش، وكانوا نحوا من عشرة آلاف قال هؤلاء: إنما كانت صلاة الفتح قالوا فيستحب لأمير الجيش إذا فتح بلدا أن يصلي فيه أول ما يدخله ثماني ركعات، وهكذا فعل سعد بن أبي وقاص يوم فتح المدائن، ثم قال بعضهم: يصليها كلها بتسليمة واحدة، والصحيح أنه يسلم من كل ركعتين كما ورد في سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم يوم الفتح من كل ركعتين).
2 -
وقال ابن كثير: (روى البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال: لم يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه ممن قد علمتم، فدعاهم ذات يوم فأدخله معهم فما رأيت أنه دعاني فيهم يومئذ إلا ليريهم فقال: ما تقولون في قول الله عز وجل إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا، فقال: ما تقول؟ فقلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له قال إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فذلك علامة أجلك فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً فقال عمر بن الخطاب: لا أعلم منها إلا ما تقول. تفرد به البخاري).
أقول: وإذن فالفهم البديهي للسورة هو ما فهمه عامة الصحابة، وبعد ذلك فهوم دقيقة لا تلغي الفهم الأول، ولكن تدل على أن في السورة معاني أخرى يفطن لها من آتاه الله عز وجل خصوصية فهم، وذلك شأن القرآن كله، يفهم منه العامة ما يفهمون، وللخواص فهوم دقيقة لا تلغي الفهوم الصحيحة الأخرى، ولكن تزيد عليها، وذلك من عجائب هذا القرآن ومظاهر إعجازه.
3 -
رأينا في الفائدتين السابقتين أن في السورة بشارة بالفتح والنصر، وعلامة على الأجل. وكل ذلك قد حصل فكان في ذلك معجزتان من معجزات هذا القرآن زائدتان على الإعجاز العام، إذ هما معجزتان في شأن من شئون المستقبل، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعمل ويستبشر بعدها.
قال ابن كثير: (روى النسائي عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ إلى آخر السورة قال نعيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه حين أنزلت، فأخذ في أشد ما كان اجتهادا في أمر الآخرة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك:«جاء الفتح وجاء نصر الله وجاء أهل اليمن» فقال رجل: يا رسول الله وما أهل اليمن؟ قال:
«قوم رقيقة قلوبهم لينة قلوبهم، الإيمان يمان والحكمة يمانية والفقه يمان» ).
4 -
مما استدل به على أن المراد بالفتح في السورة فتح مكة استعمال الرسول صلى الله عليه وسلم تعبير الفتح خاصة في فتح مكة، من ذلك قوله عليه السلام:«لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا» أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
5 -
من مظاهر التطبيق العملي لهذه السورة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ما ذكرته النصوص التالية:
روى البخاري عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي» يتأول القرآن وأخرجه بقية الجماعة إلا الترمذي من حديث منصور به وروى الإمام أحمد عن مسروق قال: قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر في آخر أمره من قول «سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه» وقال: «إن ربي كان أخبرني أني سأرى علامة في أمتي، وأمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده وأستغفره، إنه كان توابا فقد رأيتها إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ* وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ