الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا القرآن الذي أنزله في تلك الليلة، إن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا أو من السماء إلى الأرض في ابتداء إنزاله على محمد صلى الله عليه وسلم.
2 -
ومن إشعارنا بعظمة هذا القرآن من خلال تعظيم ليلة نزوله نعرف أن هذا القرآن من العظمة بحيث إنه فوق الشكوك والريب، فالسورة دعوة إلى الإيمان بهذا القرآن، ومن ثم ندرك صلة السورة بمحورها من سورة البقرة وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا ومن هذا القرآن الذي أنزلناه في ليلة القدر. فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ.
الفوائد:
1 -
بمناسبة ذكر ليلة القدر. قال النسفي: (وهي ليلة السابع والعشرين من رمضان. كذا روى أبو حنيفة رحمه الله عن عاصم عن ذر أن أبي بن كعب كان يحلف على ليلة القدر أنها ليلة السابع والعشرين من رمضان، وعليه الجمهور، ولعل الداعي إلى إخفائها أن يحيي من يريدها الليالي الكثيرة طلبا لموافقتها، وهذا كإخفاء الصلاة الوسطى، واسمه الأعظم، وساعة الإجابة في الجمعة، ورضاه في الطاعات، وغضبه في المعاصي وفي الحديث: «من أدركها يقول: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني»).
2 -
بمناسبة قوله تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ قال ابن كثير:
(وقال سفيان الثوري: بلغني عن مجاهد: ليلة القدر خير من ألف شهر، قال: عملها وصيامها وقيامها خير من ألف شهر، رواه ابن جرير. وروى ابن أبي حاتم عن مجاهد:
ليلة القدر خير من ألف شهر، ليس في تلك الشهور ليلة القدر، وهكذا قال قتادة بن دعامة والشافعي وغير واحد، وقال عمرو بن قيس الملائي: عمل فيها خير من عمل ألف شهر، وهذا القول بأنها أفضل من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، هو اختيار ابن جرير، وهو الصواب لا ما عداه، وهو كقوله صلى الله عليه وسلم:«رباط ليلة في سبيل الله خير من ألف ليلة فيما سواه من المنازل» رواه أحمد وكما جاء في قاصد الجمعة بهيئة حسنة، ونية صالحة أنه يكتب له عمل سنة أجر صيامها وقيامها إلى غير ذلك من المعاني المشابهة لذلك.
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما حضر رمضان قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: «قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك افترض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم» ورواه النسائي من حديث أيوب به، ولما كانت ليلة القدر تعدل عبادتها عبادة ألف شهر ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» ).
3 -
بمناسبة قوله تعالى: سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ قال ابن كثير:
(روى أبو داود الطيالسي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر: «ليلة سمحة طلقة لا حارة ولا باردة وتصبح شمس صبيحتها ضعيفة حمراء» وروى ابن أبي عاصم النبيل بإسناده عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إني رأيت ليلة القدر فأنسيتها وهي في العشر الأواخر من لياليها، وهي طلقة بلجة، لا حارة ولا باردة، كأن فيها قمرا، لا يخرج شيطانها حتى يضئ فجرها»).
أقول: لعل هذه العلامات الكونية تكون كذلك في منطقة من الأرض، أو في سنة بعينها في عصره عليه الصلاة والسلام.
4 -
عقد ابن كثير فصولا متعددة في نهاية الكلام عن سورة القدر ونحن نختار هاهنا نبذا من كلامه: (اختلف العلماء هل كانت ليلة القدر في الأمم السالفة أو هي من خصائص هذه الأمة؟ على قولين. قال أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري: حدثنا مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أعمار الناس قبله، أو ما شاء الله من ذلك فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر خيرا من ألف شهر. وقد أسند من وجه آخر، وهذا الذي قاله مالك يقتضي تخصيص هذه الأمة بليلة القدر، وقد نقله صاحب العدة- أحد أئمة الشافعية- عن جمهور العلماء، فالله أعلم. وحكى الخطابي عليه بالإجماع ونقله الراضي جازما به عن المذهب، والذي دل عليه الحديث أنها كانت في الأمم الماضين كما هي في أمتنا.
روى الإمام أحمد بن حنبل عن مرثد قال: سألت أبا ذر قلت: كيف سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر؟ قال: أنا كنت أسأل الناس عنها، قلت: يا رسول الله
أخبرني عن ليلة القدر أفي رمضان هي أو في غيره؟ قال: «بل هي في رمضان» قلت: تكون مع الأنبياء ما كانوا فإذا قبضوا رفعت أم هي إلى يوم القيامة؟ قال: «بل هي إلى يوم القيامة» قلت في أي رمضان هي؟ قال: «التمسوها في العشر الأول والعشر الأخر» ثم
حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدث، ثم اهتبلت غفلته قلت: في أي العشرين هي؟ قال:
«ابتغوها في العشر الأواخر، لا تسألني عن شئ بعدها» ثم حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم اهتبلت غفلته فقلت: يا رسول الله أقسمت عليك بحقي عليك لما أخبرتني في أي العشر هي؟ فغضب علي غضبا لم يغضب مثله منذ صحبته وقال: «التمسوها في السبع الأواخر، لا تسألني عن شئ بعدها» ورواه النسائي بإسناده، ففيه دلالة على ما ذكرناه، وفيه أنها تكون باقية إلى يوم القيامة في كل سنة بعد النبي صلى الله عليه وسلم .. وإنما اقتضت الحكمة إبهامها لتعم العبادة جميع الشهر في ابتغائها ويكون الاجتهاد في العشر الأخير أكثر، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل، ثم اعتكف أزواجه من بعده. أخرجاه من حديث عائشة، ولهما عن ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان، وقالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وشد المئزر. أخرجاه، ولمسلم عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيره، وهذا معنى قولها وشد المئزر، وقيل: المراد بذلك اعتزال النساء، ويحتمل أن يكون كناية عن الأمرين لما رواه الإمام أحمد عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بقي عشر من رمضان شد مئزره واعتزل نساءه. انفرد به أحمد. وقد حكي عن مالك رحمه الله أن في جميع ليالي العشر تطلب ليلة القدر على السواء لا يترجح منها ليلة على أخرى: رأيته في شرح الرافعي رحمه الله، والمستحب الإكثار من الدعاء في جميع الأوقات وفي شهر رمضان أكثر، وفي العشر الأخير منه، ثم في أوتاره أكثر، والمستحب أن يكثر من هذا الدعاء:
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني، ولما رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن بريدة أن عائشة قالت: يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر فما أدعو؟ قال: «قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» وقد رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه عن عبد الله بن بريدة عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: «قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» وهذا لفظ الترمذي ثم قال: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه الحاكم في مستدركه، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ورواه النسائي أيضا من طريق سفيان الثوري عن عائشة قالت:
قلت: يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: «قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» ).