الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مباشرة من منافذها القريبة .. تنزيل العليم الخبير).
كلمة في السياق:
1 -
وضح أثناء عرض الآيات صلة آيات المقطع الثاني بالمقطع الأول، وكما هيج المقطع الأول على الكدح في طريق الخير للوصول إلى رضوان الله عز وجل، فإن المقطع الثاني هيج على الإيمان والسجود لقراءة القرآن، والإيمان والعمل الصالح، وصلة ذلك بالعبادة والتقوى من محور السورة واضحة.
2 -
في محور السورة من سورة البقرة يأتي قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ* وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ. والمقطع الثاني من السورة بين أن الإنسان سينتقل من حال إلى حال، وهذا يقتضي منه إيمانا وخضوعا لهذا القرآن، ولكن الكافرين لا يفعلون، ولذلك أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبشرهم بالعذاب، ثم بشر الله المؤمنين الذين يعملون الصالحات بمالهم عنده من الثواب المستمر، ولو تأملت لوجدت صلة بين هذه المعاني والآيات الثلاث المذكورة من المحور وهكذا ذكرت السورة بما يفصل في معاني المحور من سورة البقرة. ولكن بأسلوب جديد، وأداء جديد، وزيادات تتفرد بها السورة عن كل سورة، فالسورة الوحيدة في القرآن التي يذكر فيها أن أخذ أصحاب الشمال صحائفهم يكون من وراء ظهورهم هي هذه السورة، وفيها معان أخرى أبرزت فيها إبرازا جديدا، وهكذا نجد سياق السورة الخاص سائرا في إطار السياق العام للقرآن، مع تأدية السورة لمعان جديدة، وهكذا دأب سور القرآن كلها فما أكثر ما في هذا القرآن من إعجاز ودلالات، تدل على أنه من عند الله فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ.
الفوائد:
1 -
بمناسبة قوله تعالى: وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ قال ابن كثير: (روى ابن جرير عن علي بن الحسين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان يوم القيامة مد الله الأرض مد الأديم
حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدميه فأكون أول من يدعى، وجبريل عن يمين الرحمن، والله ما رآه قبلها، فأقول: يا رب إن هذا أخبرني أنك أرسلته إلي فيقول الله عز وجل: صدق، ثم أشفع فأقول: يا رب عبادك عبدوك في أطراف الأرض قال: وهو المقام المحمود»).
2 -
وبمناسبة قوله تعالى: يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ قال ابن كثير: (أي: إنك ساع إلى ربك سعيا وعامل عملا فَمُلاقِيهِ ثم إنك ستلقى ما عملت من خير أو شر. ويشهد لذلك ما رواه أبو داود الطيالسي عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال جبريل: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه» ومن الناس من يعيد الضمير على قوله ربك أي: فملاق ربك ومعناه: فيجازيك بعملك ويكافئك على سعيك، وعلى هذا فكلا القولين متلازم).
وقال صاحب الظلال بمناسبة هذه الآية: (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ .. الذي خلقه ربه بإحسان، والذي ميزه بهذه (الإنسانية) التي تفرده في هذا الكون بخصائص كان من شأنها أن يكون أعرف بربه، وأطوع لأمره من الأرض والسماء. وقد نفخ فيه من روحه، وأودعه القدرة على الاتصال به، وتلقي قبس من نوره، والفرح باستقبال فيوضاته، والتطهر بها، أو الارتفاع إلى غير حد، حتى يبلغ الكمال المقدر لجنسه، وآفاق هذا الكمال عالية بعيدة!
يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ .. يا أيها الإنسان إنك تقطع رحلة حياتك على الأرض كدحا، تحمل عبئك، وتجهد جهدك، وتشق طريقك .. لتصل في النهاية إلى ربك. فإليه المرجع وإليه المآب. بعد الكد والكدح والجهاد ..
يا أيها الإنسان .. إنك كادح حتى في متاعك .. فأنت لا تبلغه في هذه الأرض إلا بجهد وكد. إن لم يكن جهد بدن وكد عمل، فهو جهد تفكير وكد مشاعر. الواجد والمحروم سواء. إنما يختلف نوع الكدح ولون العناء. وحقيقة الكدح هي المستقرة في حياة الإنسان .. ثم النهاية في آخر المطاف إلى الله سواء.
يا أيها الإنسان .. إنك لا تجد الراحة في الأرض أبدا. إنما الراحة هناك. لمن يقدم لها
الطاعة والاستسلام .. التعب واحد في الأرض والكدح واحد- وإن اختلف لونه وطعمه- أما العاقبة مختلفة عند ما تصل إلى ربك .. فواحد إلى عناء دونه عناء الأرض .. وواحد إلى نعيم يمسح على آلام الأرض كأنه لم يكن كدح ولا كد ..
يا أيها الإنسان .. الذي امتاز بخصائص الْإِنْسانُ. ألا فاختر لنفسك ما يليق بهذا الامتياز الذي خصك به الله، اختر لنفسك الراحة من الكدح عند ما تلقاه.
ولهذه اللمسة الكامنة في هذا النداء، فإنه يصل بها مصائر الكادحين عند ما يصلون إلى نهاية الطريق، ويلقون ربهم بعد الكدح والعناء:
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً* وَيَصْلى سَعِيراً* إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً* إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ* بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً .. ).
3 -
بمناسبة قوله تعالى فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ* فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً قال ابن كثير: (أي: سهلا بلا تعسير أي: لا يحقق عليه جميع دقائق أعماله فإن من حوسب كذلك هلك لا محالة. وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نوقش الحساب عذب» قالت: فقلت: أفليس قال الله تعالى: فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً قال: «ليس ذاك بالحساب ولكن ذلك العرض من نوقش الحساب يوم القيامة عذب» وهكذا رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير من حديث أيوب السختياني به. وروى أحمد عن عائشة قالت:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته: «اللهم حاسبني حسابا يسيرا» فلما انصرف، قلت: يا رسول الله ما الحساب اليسير؟ قال: «أن ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه إنه من نوقش الحساب يا عائشة يومئذ هلك» صحيح على شرط مسلم).
4 -
يستدل بعض طوائف الملاحدة القائلين بالتناسخ، على هذا التناسخ الملعون بقوله تعالى: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ وهو استدلال أحمق؛ لأن القول بالتناسخ يلغي ما تذكره السورة أصلا من حشر الإنسان وحسابه، وهذه طريقة الملاحدة يأتون إلى نص يحتمل معاني فيعطونه معنى لا يحتمله، ويلغون به القرآن كله، ويقولون هذا هو حكم القرآن، وإنما ينطلي خداعهم على جاهل أحمق، إن هذا التناسخ الملعون عقيدة هندوسية تسربت إلى طوائف من ملاحدة المسلمين على تناقضها وتهافتها.
إن القول بأن الروح تنتقل من مخلوق إلى مخلوق آخر بحسب عمل المخلوق الأول
مردود لمئات الوجوه منها.
أ- إن هذا القول لا يعطي تفسيرا ولا تعليلا لتكاثر البشر إذ القائلون بهذه العقيدة على فرض أنها حق، هم وحدهم إذا أحسنوا العمل يستحقون أن يكونوا بشرا لكنا نرى البشر يتكاثرون وهم بالنسبة لمجموع البشر لا يعدلون إلا رقما صغيرا من عدد كبير.
ب- إن القول بالتناسخ يقتضي أن يكون للمخلوقات كلها درجة من الوعي والفهم والإدراك واحدة، وهذا لا يقوله عاقل.
ج- إن القول بالتناسخ يقتضي أن يكون عدد الأحياء واحدا في كل عصر، ولكنا نجد أن الأحياء تتكاثر كلها أو تتناقص، فلا تحافظ على عدد محدود.
د- إن القول بالتناسخ يلغي موضوع اليوم الآخر، وموضوع محاسبة كل إنسان عن عمله فيه، ويعطل النصوص التي تتحدث عن ذهاب كل روح إلى عالمها في البرزخ، هذا وقد نقلنا نقاش الأستاذ المودودي لهذه العقيدة الفاسدة في كتابنا الإسلام الجزء الرابع فليراجع.
وقال ابن كثير في قوله تعالى: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ .. (روى البخاري عن مجاهد قال: قال ابن عباس لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ: حالا بعد حال قال هذا نبيكم صلى الله عليه
وسلم، هكذا رواه البخاري بهذا اللفظ، وقال السدي لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ أعمال من قبلكم منزلا بعد منزل (قلت:) كأنه أراد معنى الحديث الصحيح: «لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» قالوا:
يا رسول الله: اليهود والنصارى قال: «فمن؟» وهذا محتمل).
5 -
هناك قراءتان أخريان في قوله تعالى: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ قراءة بضم تاء (لتركبن) وقراءة بفتحها وبفتح الباء، فعلى القراءة الأولى يكون الخطاب في الكلمة لمجموع البشرية، وعلى القراءة الثانية يكون الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد فسر بعضهم الطبق في القراءة التي تخاطب رسول الله بأنه السماء قال ابن كثير: (وروى ابن أبي حاتم عن الشعبي لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ قال: لتركبن يا محمد سماء بعد سماء، وهكذا روي عن ابن مسعود ومسروق وأبي العالية طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ سماء بعد سماء.
قلت: يعنون ليلة الإسراء؟).
أقول: ليس هناك من مانع أن يفسر الطبق بالسماء على القراءة التي نقرؤها في قراءة