الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ملاحظة حول إعجاز القرآن
رأينا من قبل أن الله عز وجل تحدى الناس جميعا أن يأتوا بسورة من مثل القرآن، وقد عجز الناس قديما وحديثا عن ذلك، وسيعجزون أبدا، ولنتأمل هذه السورة سورة الكوثر التي هي أقصر سورة في كتاب الله عز وجل. إنك عند ما تتأمل محلها مما قبلها ومما بعدها، وصلتها بالسياق القرآني العام القريب والبعيد، وانسجامها مع طريقة القرآن في عرض المعاني على تسلسل معين مما تحكمه محاور المجموعة من سورة البقرة، فإنك تجد عجبا، ثم إن السورة توجد فيها خصائص القرآن كله، فكلماتها أفصح الكلمات. حتى لو بحثت عن كلمة تحل محل كلمة من كلماتها، وتؤدي معناها وجمالها فإنك عاجز، ومعانيها هي الحق الذي لا ينقض فليس فيها شطحة خيال، وهي في الوقت نفسه مذكرة وواعظة، وهي مربية ومعلمة، ومشرعة ومبشرة، ومفصلة ومبينة، ومحكمة، وهي مع ذلك كله لا تتناقض مع بقية معاني القرآن، بل هي وإياه كلها تخرج من مشكاة واحدة وتصب في مصب واحد، ثم إن معانيها بقدر كلماتها، بل كلماتها وحدها هي التي تسع معانيها، فهل يستطيع أحد من البشر أن يأتي بسورة من مثل هذه السورة في مكانها وخصائصها؟!.
الفوائد:
1 -
بمناسبة قوله تعالى إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ قال ابن كثير: (روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك قال: أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة فرفع رأسه متبسما، إما قال لهم وإما قالوا له: لم ضحكت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه أنزلت علي آنفا سورة» فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ حتى حتمها فقال: «هل تدرون ما الكوثر؟» قالوا الله ورسوله أعلم. قال: «هو نهر أعطانيه ربي عز وجل في الجنة، عليه خير كثير، ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب، يختلج العبد منهم فأقول:
يا رب إنه من أمتي، فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك».
وقد ورد في صفة الحوض يوم القيامة أنه يشخب فيه ميزابان من السماء من نهر الكوثر، وأن آنيته عدد نجوم السماء وقد روى هذا الحديث مسلم وأبو داود والنسائي عن أنس، ولفظ مسلم قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا في المسجد إذا أغفى
إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما قلنا: ما أضحك يا رسول الله؟ قال: «لقد أنزلت علي آنفا سورة» فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ* فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ* إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ثم قال «أتدرون ما الكوثر؟» - قلنا: الله ورسوله أعلم. قال:
وروى البخاري عن أبي عبيدة عن عائشة رضي الله عنها، قال: سألتها- يعني أبا عبيدة- عن قوله تعالى إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ قالت: نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم شاطئاه عليه در مجوف آنيته كعدد النجوم. ورواه أحمد والنسائي.
وروى البخاري عن سعيد بن حبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الكوثر:
هو الخير الذي أعطاه الله إياه، قال أبو بشر: قلت لسعيد بن حبير فإن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة. فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه. ورواه أيضا من حديث هشيم عن أبي بشر وعطاء بن السائب عن سعيد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الكوثر الخير الكثير، وقال الثوري عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: الكوثر الخير الكثير، وهذا التفسير يعني النهر وغيره، لأن الكوثر من الكثرة، وهو الخير الكثير، ومن ذلك النهر كما قال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومحارب بن دثار والحسن بن أبي الحسن البصري حتى قال مجاهد: هو الخير الكثير في الدنيا والآخرة، وقال عكرمة: هو النبوة والقرآن وثواب الآخرة. وقد صح عن ابن عباس أنه فسره بالنهر أيضا وروى ابن جرير عن ابن عباس قال: الكوثر نهر في الجنة حافتاه ذهب وفضة يجري على الياقوت والدر، ماؤه أبيض من الثلج وأحلى من العسل. وروى العوفي عن ابن عباس نحو ذلك، وروى ابن جرير عن ابن عمر أنه قال:
الكوثر نهر في الجنة حافتاه ذهب وفضة، يجري على الدر والياقوت، ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل. وكذا رواه الترمذي عن عطاء بن السائب به مثله موقوفا، وقد رواه الإمام أحمد- مرفوعا- عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب والماء يجري على اللؤلؤ وماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل» وهكذا رواه الترمذي وابن ماجه وابن أبي حاتم وابن جرير من طريق محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب به مرفوعا وقال الترمذي حسن صحيح).
2 -
بمناسبة قوله تعالى إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ قال ابن كثير: (أي إن مبغضك يا محمد ومبغض ما جئت به من الهدى والحق والبرهان الساطع والنور المبين هو الأبتر الأقل الأذل المنقطع ذكره، قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة: نزلت في العاص بن وائل، وقال محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان، قال: كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له، فإذا هلك انقطع ذكره. فأنزل الله هذه السورة، وقال شمر بن عطية: نزلت في
عقبة بن أبي معيط، وقال ابن عباس أيضا وعكرمة: نزلت في كعب بن الأشرف، وجماعة من كفار قريش، وروى البزار عن عكرمة عن ابن عباس قال: قدم كعب بن الأشرف مكة فقالت له قريش: أنت سيدهم ألا ترى إلى هذا الصنبور المنبتر من قومه؟ يزعم أنه خير منا ونحن أهل الحجيج، وأهل السدانة، وأهل السقاية، فقال: أنتم خير منه، قال:
فنزلت إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ هكذا رواه البزار وهو إسناد صحيح. وعن عطاء نزلت: في أبي لهب، وذلك حين مات ابن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب أبو لهب إلى المشركين فقال: بتر محمد الليلة، فأنزل الله في ذلك إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ.
وعن ابن عباس نزلت في أبي جهل، وعنه إِنَّ شانِئَكَ يعني عدوك وهذا يعم جميع من اتصف بذلك ممن ذكر وغيرهم. وقال عكرمة: الْأَبْتَرُ الفرد، وقال السدي: كانوا إذا مات ذكور الرجل قالوا بتر، فلما مات أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا بتر محمد فأنزل الله إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ وهذا يرجع إلى ما قلناه من أن الأبتر الذي إذا مات انقطع ذكره- فتوهموا- لجهلهم- أنه إذا مات بنوه انقطع ذكره، وحاشا وكلا، بل قد أبقى الله ذكره على رءوس الأشهاد، وأوجب شرعه على رقاب العباد، مستمرا على دوام الآباد، إلى يوم المحشر والمعاد، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم التناد).