الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفوائد:
1 -
بمناسبة قوله تعالى: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها قال ابن كثير: (وقال بقية بن الوليد عن صفوان حدثني يزيد بن حماد قال: إذا جاء الليل قال الرب جل جلاله: غشي عبادي خلقي العظيم، فالليل يهاب والذي خلقه أحق أن يهاب. رواه ابن أبي حاتم).
2 -
بمناسبة قوله تعالى: وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها* فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها قال ابن كثير: (أي: خلقها سوية مستقيمة على الفطرة القويمة كما قال تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ وقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟» أخرجاه من رواية أبي هريرة وفي صحيح مسلم من رواية عياض بن حمار المجاشعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله عز وجل: إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم» .
وبمناسبة قوله تعالى: وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها* فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها* قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها قال صاحب الظلال: (وهذه الآيات الأربع، بالإضافة إلى آية سورة البلد السابقة: وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ .. وآية سورة الإنسان: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً. تمثل قاعدة النظرية النفسية للإسلام .. وهي مرتبطة ومكملة للآيات التي تشير إلى ازدواج طبيعة الإنسان كقوله تعالى في سورة (ص): إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ* فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ .. كما أنها مرتبطة ومكملة للآيات التي تقرر التبعة الفردية: كقوله تعالى في سورة المدثر: كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ .. والآيات التي تقرر أن فعل الله بإنسان له صلة بواقع هذا الإنسان، كقوله تعالى في سورة الرعد: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ.
ومن خلال هذه الآيات وأمثالها تبرز لنا نظرة الإسلام إلى الإنسان بكل معالمها ..
إن هذا الكائن مخلوق مزدوج الطبيعة، مزدوج الاستعداد، مزدوج الاتجاه ونعني بكلمة مزدوج على وجه التحديد أنه بطبيعة تكوينه (من طين الأرض ومن نفخة الله فيه من روحه) مزود باستعدادات متساوية للخير والشر، والهدى والضلال. فهو قادر
على التمييز بين ما هو خير وما هو شر، كما أنه قادر على توجيه نفسه إلى الخير وإلى الشر سواء. وأن هذه القدرة كامنة في كيانه، يعبر عنها القرآن بالإلهام تارة: وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها* فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها. ويعبر عنها بالهداية تارة. وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ .. فهي كامنة في صميمه في صورة استعداد .. والرسالات والتوجيهات والعوامل الخارجية إنما توقظ هذه الاستعدادات وتشحذها وتوجهها هنا أو هناك.
ولكنها لا تخلقها خلقا. لأنها مخلوقة فطرة وكائنة طبعا، وكامنة إلهاما.
وهناك إلى جانب هذه الاستعدادات الفطرية الكامنة قوة واعية مدركة موجهة في ذات الإنسان. هي التي تناط بها التبعة. فمن استخدم هذه القوة في تزكية نفسه وتطهيرها وتنمية استعداد الخير فيها. وتغليبه على استعداد الشر .. فقد أفلح. ومن أظلم هذه القوة وخبأها وأضعفها فقد خاب: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها ..
وهنالك إذن تبعة مترتبة على منح الإنسان هذه القوة الواعية القادرة على الاختيار والتوجيه. توجيه الاستعدادات الفطرية القابلة للنمو في حقل الخير وفي حقل الشر سواء. فهي حرية تقابلها تبعة، وقدرة يقابلها تكليف، ومنحة يقابلها واجب.
ورحمة من الله بالإنسان لم يدعه لاستعداد فطرته الإلهامي، ولا للقوة الواعية المالكة للتصرف. فأعانه بالرسالات التي تضع له الموازين الثابتة الدقيقة، وتكشف له عن موجبات الإيمان. ودلائل الهدى في نفسه وفي الآفاق من حوله، وتجلو عنه غواشي الهوى فيبصر الحق في صورته الصحيحة .. وبذلك يتضح له الطريق وضوحا كاشفا لا غبش فيه ولا شبهة فتتصرف القوة الواعية حينئذ عن بصيرة وإدراك لحقيقة الاتجاه الذي تختاره وتسير فيه. وهذه في جملتها هي مشيئة الله بالإنسان. وكل ما يتم في دائرتها فهو محقق لمشيئة الله وقدره العام).
وبمناسبة قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها قال ابن كثير: (وروى الطبراني عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر بهذه الآية وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها* فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها وقف ثم قال: «اللهم آت نفسي تقواها، أنت وليها ومولاها، وخير من زكاها» . وروى الإمام أحمد عن زيد بن أرقم:
قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والهرم والجبن والبخل وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها،
أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، وعلم لا ينفع، ودعوة لا يستجاب لها» قال زيد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمناهن ونحن نعلمكموهن. رواه مسلم بسنده عن زيد بن أرقم).
3 -
بمناسبة قوله تعالى: إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها قال ابن كثير: (أي: أشقى القبيلة وهو قدار بن سالف عاقر الناقة، وهو أحيمر ثمود وهو الذي قال الله تعالى:
فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ الآية، وكان هذا الرجل عزيزا فيهم شريفا في قومه نسيبا رئيسا مطاعا. كما روى الإمام أحمد عن عبد الله بن زمعة قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الناقة وذكر الذي عقرها فقال: «إذ انبعث أشقاها، انبعث لها رجل عارم عزيز منيع في رهطه مثل أبي زمعة» ورواه البخاري في التفسير، ومسلم في صفة النار، والترمذي، والنسائي في التفسير من سننيهما وكذا ابن جرير وابن أبي حاتم عن طوق عن هشام بن عروة به. وروى ابن أبي حاتم عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: «ألا أحدثك بأشقى الناس» قال: بلى قال: «رجلان: أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا علي على هذا- يعني قرنه- حتى تبتل منه هذه» يعني:
لحيته).
ولننتقل إلى سورة الليل.