الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بين يدي سورة الفيل:
قال الألوسي عن سورة الفيل: (مكية وآيها خمس بلا خلاف فيهما، وكأنه لما تضمن الهمز واللمز من الكفرة نوع كيد له- عليه الصلاة والسلام عقب ذلك ب
قصة أصحاب الفيل
، للإشارة إلى أن عقبى كيدهم في الدنيا تدميرهم، فإن عناية الله عز وجل برسوله- صلى الله تعالى عليه وسلم- أقوى وأتم من عنايته سبحانه بالبيت، فالسورة مشيرة إلى مآلهم في الدنيا إثر بيان مآلهم في الأخرى، ويجوز أن تكون كالاستدلال على ما أشير إليه فيما قبلها من أن المال لا يغني من الله تعالى شيئا، أو على قدرته عز وجل على إنفاذ ما توعد به أولئك الكفرة في قوله سبحانه لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ الخ).
كلمة في سورة الفيل ومحورها:
تأتي سورة الفيل وكأنها امتداد لسورة الهمزة، إذ إنها تلفت النظر إلى حادثة مشهورة معروفة عذب الله بها قوما في الدنيا، وذلك يأتي كالدليل على قدرته أن يعذب الكافرين يوم القيامة، ومحور سورة الفيل هو محور سورة الهمزة نفسه وهو قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ. إنك لو وضعت بعد هاتين الآيتين قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ .. لوجدت المعنى منسجما، فالدليل على أن الله سيعذب الكافرين عذابا عظيما ما فعله بهؤلاء الكافرين الذين أرادوا أن يكيدوا لبيت الله، هذا عذابهم في الدنيا فكيف بعذابهم يوم القيامة.
ولنقدم للكلام عن سورة الفيل بذكر القصة كما ذكرها ابن كثير، ثم بنقل تعليق على الحادثة لصاحب الظلال:
قصة أصحاب الفيل
قال ابن كثير: (وهذه قصة أصحاب الفيل على وجه الإيجاز والاختصار والتقريب قد تقدم في قصة أصحاب الأخدود أن ذا نواس وكان آخر ملوك حمير وكان مشركا وهو الذي قتل أصحاب الأخدود وكانوا نصارى، وكانوا قريبا من عشرين ألفا فلم
يفلت منهم إلا دوس ذو ثعلبان، فذهب فاستغاث بقيصر ملك الشام وكان نصرانيا، فكتب له إلى النجاشي ملك الحبشة لكونه أقرب إليهم، فبعث معه أميرين أرياط وأبرهة ابن الصباح أبا يكسوم في جيش كثيف، فدخلوا اليمن فجاسوا خلال الديار، واستلبوا الملك من حمير، وهلك ذو نواس غريقا في البحر، واستقل الحبشة بملك اليمن، وعليهم هذان الأميران أرياط وأبرهة، فاختلفا في أمرهما وتصاولا وتقاتلا وتصافا فقال أحدهما للآخر: إنه لا حاجة بنا إلى اصطلام الجيشين بيننا، ولكن أبرز إلي وأبرز إليك، فأينا قتل الآخر استقل بعده بالملك، فأجابه إلى ذلك، فتبارزا وخلف كل واحد منهما قناة فحمل أرياط على أبرهة فضربه بالسيف فشرم أنفه وفمه وشق وجهه، وحمل عتودة مولى أبرهة على أرياط فقتله ورجع أبرهة جريحا فداوى جرحه فبرأ، واستقل بتدبير جيش الحبشة باليمن، فكتب إليه النجاشي يلومه على ما كان منه ويتوعده، ويحلف ليطأن بلاده ويحزن ناصيته، فأرسل إليه أبرهة يترقق له ويصانعه، وبعث مع رسوله بهدايا وتحف، وبجراب فيه من تراب اليمن، وجز ناصيته، فأرسلها معه ويقول في كتابه: ليطأ الملك على هذا الجراب فيبر قسمه، وهذه ناصيتي قد بعثت بها إليك، فلما وصل ذلك إليه أعجبه منه ورضي عنه وأقره على عمله، وأرسل أبرهة يقول للنجاشي: إني سأبني لك كنيسة بأرض اليمن لم يبن قبلها مثلها، فشرع في بناء كنيسة هائلة بصنعاء رفيعة البناء، عالية الفناء، مزخرفة الأرجاء، سمتها العرب القليس لارتفاعها، لأن الناظر إليها تكاد تسقط قلنسوته عن رأسه من ارتفاع بنائها، وعزم أبرهة الأشرم على أن يصرف حج العرب إليها كما يحج إلى الكعبة بمكة ونادى بذلك في مملكته، فكرهت العرب- العدنانية والقحطانية- ذلك، وغضبت قريش لذلك غضبا شديدا حتى قصدها بعضهم، وتوصل إلى أن دخلها ليلا وأحدث فيها وكر راجعا، فلما رأى السدنة ذلك الحدث رفعوا أمره إلى ملكهم أبرهة وقالوا له: إنما صنع هذا بعض قريش غضبا لبيتهم الذي ضاهيت هذا به، فأقسم أبرهة ليسيرن إلى بيت مكة وليخربنه حجرا حجرا. وذكر مقاتل بن سليمان أن فتية من قريش دخلوها فأججوا فيها نارا، وكان يوما فيه هواء شديد فاحترقت وسقطت إلى الأرض، فتأهب أبرهة لذلك، وصار في جيش كثيف عرمرم لئلا يصده أحد عنه، واستصحب معه فيلا عظيما كبير الجثة لم ير مثله، يقال له محمود، وكان قد بعثه إليه النجاشي ملك الحبشة لذلك، ويقال كان معه أيضا ثمانية أفيال، وقيل اثنا عشر فيلا غيره، فالله أعلم، يعني ليهدم به الكعبة بأن يجعل السلاسل في الأركان وتوضع في عنق الفيل ثم يزجر ليلقي الحائط جملة واحدة، فلما سمعت
العرب بمسيره أعظموا ذلك جدا ورأوا أن حقا عليهم المحاجبة دون البيت، ورد من أراده بكيد، فخرج إليه رجل من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له ذو نفر فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة وجهاده عن بيت الله وما يريده من هدمه وخرابه فأجابوه، وقاتلوا أبرهة فهزمهم لما يريده الله عز وجل من كرامة البيت وتعظيمه، وأسر ذو نفر فاستصحبه معه ثم مضى لوجهه حتى إذا كان بأرض خثعم اعترض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قومه شهران، وناهس، فقاتلوه فهزمهم أبرهة وأسر نفيل بن حبيب فأراد قتله ثم عفا عنه واستصحبه معه ليدله في بلاد الحجاز، فلما اقترب من أرض الطائف خرج إليه أهلها ثقيف وصانعوه خيفة على بيتهم الذي عندهم الذي يسمونه اللات، فأكرمهم وبعثوا معه أبا رغال دليلا، فلما انتهى أبرهة إلى المغمس- وهو قريب من مكة- نزل به وأغار جيشه على سرح أهل مكة من الإبل وغيرها فأخذوه، وكان في السرح مائتا بعير لعبد المطلب، وكان الذي أغار على السرح بأمر أبرهة أمير المقدمة، وكان يقال له الأسود بن مقصود فهجاه بعض العرب فيما ذكره ابن إسحاق، وبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة وأمره أن يأتيه بأشرف قريش، وأن يخبره أن الملك لم يجئ لقتالكم إلا أن تصدوه عن البيت، فجاء حناطة فدل على عبد المطلب بن هاشم وبلغه عن أبرهة ما قال، فقال له عبد المطلب: والله ما نريد حربه، وما لنا بذلك من طاقة، هذا بيت الله الحرام وبيت خليله إبراهيم، فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه، وإن يخلي بينه وبينه فو الله ما عندنا دفع عنه، فقال له حناطة: فاذهب معي إليه فذهب معه، فلما رآه أبرهة أجله. وكان عبد المطلب رجلا جسيما حسن المنظر، ونزل أبرهة عن سريره وجلس معه على البساط، وقال لترجمانه: قل له ما حاجتك؟ فقال للترجمان: إن حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي: فقال أبرهة لترجمانه: قل له لقد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني. أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه؟ فقال له عبد المطلب: إني أنا رب الإبل وإن للبيت ربا سيمنعه.
قال ما كان ليمتنع مني، قال: أنت وذاك، ويقال إنه ذهب مع عبد المطلب جماعة من أشراف العرب فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة على أن يرجع عن البيت فأبى عليهم، ورد أبرهة على عبد المطلب إبله، ورجع عبد المطلب إلى قريش فأمرهم بالخروج من مكة والتحصن في رءوس الجبال تخوفا عليهم من معرة الجيش، ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة، وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرون على أبرهة وجنده فقال
عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة:
لا هم إن المرء يم
…
نع رحله فامنع رحالك
لا يغلبن صليبهم
…
ومحالهم أبدا محالك
قال ابن إسحاق: ثم أرسل عبد المطلب حلقة الباب ثم خرجوا إلى رءوس الجبال.
وذكر عن ابن سليمان أنهم تركوا عند البيت مائة بدنة مقلدة لعل بعض الجيش ينال منها شيئا بغير حق فينتقم الله منهم، فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة، وهيأ فيله
وكان اسمه محمودا، وعبأ جيشه فلما وجهوا الفيل نحو مكة أقبل نفيل بن حبيب حتى قام إلى جنبه ثم أخذ بأذنه وقال: ابرك محمود وارجع راشدا من حيث جئت، فإنك فى بلد الله الحرام، ثم أرسل أذنه فبرك الفيل وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى صعد في الجبل وضربوا الفيل ليقوم فأبى، فضربوا فى رأسه بالطبرزين، وأدخلوا محاجن لهم في مراقه فنزعوه بها ليقوم فأبى، فوجهوه راجعا إلى اليمن فقام يهرول، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى مكة فبرك، فأرسل الله عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها:
حجر في منقاره، وحجران في رجليه، أمثال الحمص والعدس، لا يصيب منهم أحدا إلا هلك، وليس كلهم أصابت وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق، ويسألون عن نفيل ليدلهم على الطريق، هذا ونفيل على رأس الجبل مع قريش، وعرب الحجاز ينظرون ماذا أنزل الله بأصحاب الفيل من النقمة، وجعل نفيل يقول:
أين المفر والإله الطالب
…
والأشرم المغلوب ليس الغالب
قال ابن إسحاق: وقال نفيل في ذلك أيضا:
ألا حييت عنا يا ودينا
…
نعمناكم مع الإصباح عينا
ودينة لو رأيت ولا تريه
…
لدى جنب المحصب ما رأينا
إذا لعذرتني وحمدت أمري
…
ولم تأسى على ما فات بينا
حمدت الله إذ أبصرت طيرا
…
وخفت حجارة تلقى علينا
فكل القوم تسأل عن نفيل
…
كأن علي للحبشان دينا
وذكر الواقدي بإسناده: أنهم لما تعبأوا لدخول الحرم، وهيئوا الفيل، جعلوا لا يصرفونه إلى جهة من سائر الجهات إلا ذهب فيها، فإذا وجهوه إلى الحرم ربض
وصاح، وجعل أبرهة يحمل على سائس الفيل، وينهره ويضربه؛ ليقهر الفيل على دخول الحرم، وطال الفصل في ذلك، هذا وعبد المطلب وجماعة من أشراف مكة فيهم المطعم ابن عدي وعمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم ومسعود بن عمرو الثقفي على حراء ينظرون ما الحبشة يصنعون؟ وماذا يلقون من أمر الفيل؟ وهو العجب العجاب، فبينما هم كذلك إذ بعث الله عليهم طيرا أبابيل أي قطعا قطعا صفرا دون الحمام وأرجلها حمر، ومع كل طائر ثلاثة أحجار، وجاءت فحلقت عليهم فهلكوا. وقال محمد بن إسحاق جاءوا بفيلين فأما محمود فربض، وأما الآخر فشجع فحصب. وقال وهب بن منبه: كان معهم فيلة فأما محمود وهو فيل الملك فربض ليقتدي به بقية الفيلة، وكان فيها فيل تشجع فحصب، فهربت بقية الفيلة وقال عطاء بن ياسر وغيره: ليس كلهم أصابه العذاب في الساعة الراهنة، بل منهم من هلك سريعا، ومنهم من جعل يتساقط عضوا عضوا وهم هاربون، وكان أبرهة ممن تساقط عضوا عضوا حتى مات ببلاد خثعم.
وقال ابن إسحاق: فخرجوا يتساقطون بكل طريق ويهلكون على كل منهل وأصيب أبرهة في جسده، وخرجوا به معهم يسقط أنملة أنملة حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه فيما يزعمون. وذكر مقاتل بن سليمان أن قريشا أصابوا مالا جزيلا من أسلابهم، وما كان معهم، وأن عبد المطلب أصاب يومئذ من الذهب ما ملأ حفرة. قال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب بن عتبة أنه حدث أن أول ما رأيت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام، وأنه أول ما رؤي به مرائر الشجر الحرمل والحنظل والعثر ذلك العام، وهكذا روي عن عكرمة من طريق جيد.
قال ابن إسحاق: فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم كان فيما يعد به على قريش من نعمته عليهم وفضله ما رد عنهم من أمر الحبشة لبقاء أمرهم ومدتهم فقال: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ* أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ* وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ* تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ* فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ لِإِيلافِ قُرَيْشٍ* إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ* فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ أي لئلا يغير شيئا من حالهم التي كانوا عليها لما أراد الله بهم من الخير لو قبلوه.
قال ابن هشام: الأبابيل الجماعات ولم تتكلم العرب بواحدة. قال: وأما السجيل فأخبرني يونس النحوي وأبو عبيدة أنه عند العرب الشديد الصلب).
وقد علق صاحب الظلال تعليقات مطولة على بعض الاتجاهات الخاطئة في تفسير سورة الفيل ومن كلامه:
(إن سنة الله ليست فقط هي ما عهده البشر وما عرفوه. وما يعرف البشر من سنة الله إلا طرفا يسيرا يكشفه الله لهم بمقدار ما يطيقون، وبمقدار ما يتهيئون له بتجاربهم ومداركهم في الزمن الطويل، فهذه الخوارق- كما يسمونها- هي من سنة الله ولكنها خوارق بالقياس إلى ما عهدوه وما عرفوه!
ومن ثم فنحن لا نقف أمام الخارقة مترددين ولا مؤولين لها- متى صحت الرواية- أو كان في النصوص وفي ملابسات الحادث ما يوحي بأنها جرت خارقة، ولم تجر على مألوف الناس ومعهودهم. وفي الوقت ذاته لا نرى أن جريان الأمر على السنة المألوفة أقل وقعا ولا دلالة من جريانه على السنة الخارقة للمألوف. فالسنة المألوفة هي في حقيقتها خارقة بالقياس إلى قدرة البشر .. إن طلوع الشمس وغروبها خارقة- وهي معهودة كل يوم- وإن ولادة كل طفل خارقة- وهي تقع كل لحظة-، وإلا فليجرب من شاء أن يجرب! وإن تسليط طير- كائنا ما كان- يحمل حجارة مسحوقة ملوثة بميكروبات الجدري والحصبة وإلقاءها في هذه الأرض، في هذا الأوان، وإحداث هذا الوباء في الجيش، في اللحظة التي يهم فيها باقتحام البيت .. إن جريان قدر الله على هذا النحو خارقة بل عدة خوارق كاملة الدلالة على القدرة وعلى التقدير. وليست بأقل دلالة ولا عظمة من أن يرسل الله طيرا خاصا يحمل حجارة خاصة تفعل بالأجسام فعلا خاصا في اللحظة المقررة. هذه من تلك، هذه خارقة وتلك خارقة على
السواء ..
فأما في هذا الحادث بالذات، فنحن أميل إلى اعتبار أن الأمر قد جرى على أساس الخارقة غير المعهودة، وأن الله أرسل طيرا أبابيل غير معهودة، تحمل حجارة غير معهودة، تفعل بالأجسام فعلا غير معهود ..
نحن أميل إلى هذا الاعتبار. لا لأنه أعظم دلالة ولا أكبر حقيقة، ولكن لأن جو السورة وملابسات الحادث تجعل هذا الاعتبار هو الأقرب. فقد كان الله- سبحانه- يريد بهذا البيت أمرا. كان يريد أن يحفظه ليكون مثابة للناس وأمنا؛ وليكون نقطة تجمع للعقيدة الجديدة تزحف منه حرة طليقة، في أرض حرة طليقة، لا يهيمن عليها أحد من خارجها، ولا تسيطر عليها حكومة قاهرة تحاصر الدعوة في محضنها. ويجعل هذا الحادث عبرة ظاهرة مكشوفة لجميع الأنظار في جميع الأجيال، حتى ليمتن بها على قريش بعد البعثة في هذه السورة، ويضربها مثلا لرعاية الله لحرماته وغيرته عليها .. فمما يتناسق مع جو هذه الملابسات كلها أن يجيء الحادث غير مألوف ولا معهود، بكل