الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفوائد:
1 -
ذكر المقطع الأول من سورة التكوير اثني عشر مشهدا من مشاهد يوم القيامة، فزعم بعضهم أن ستة من هذه المشاهد تكون في الدنيا قبيل يوم القيامة، وستة تكون بعد يوم القيامة، ونسبوا هذا القول إلى بعض الأئمة، وهو قول متهافت، فكيف يصح أن يكون تكوير الشمس وانكدار النجوم متقدما على يوم القيامة؟ فإما أن السند غير صحيح إلى راويه، وإما أن يكون عند راويه فهم خاطئ.
2 -
بمناسبة قوله تعالى: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ قال ابن كثير: (روى البخاري: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «الشمس والقمر يكوران يوم القيامة» انفرد به البخاري، وهذا لفظه، وإنما أخرجه في كتاب بدء الخلق).
وقال صاحب الظلال: (إن تكوير الشمس قد يعني برودتها، وانطفاء شعلتها، وانكماش ألسنتها الملتهبة التي تمتد من جوانبها كلها الآن إلى ألوف الأميال حولها في الفضاء. كما يتبدى هذا من المراصد في وقت الكسوف. واستحالتها من الغازية المنطلقة بتأثير الحرارة الشديدة التي تبلغ 12000 درجة، والتي تحول جميع المواد التي تتكون منها الشمس إلى غازات منطلقة ملتهبة
…
استحالتها من هذه الحالة إلى حالة تجمد كقشرة الأرض، وتكور لا ألسنة له ولا امتداد!.
قد يكون هذا، وقد يكون غيره .. أما كيف يقع، والعوامل التي تسبب وقوعه، فعلم ذلك عند الله.)
أقول: سيكون هذا يوم ينفخ في الصور، ويجمع الشمس والقمر.
3 -
بمناسبة قوله تعالى وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ قال صاحب الظلال:
(وانكدار النجوم قد يكون معناه انتثارها من هذا النظام الذي يربطها، وانطفاء شعلتها وإظلام ضوئها .. والله أعلم ما هي النجوم التي يصيبها هذا الحادث. وهل هي طائفة من النجوم القريبة منا .. مجموعتنا الشمسية مثلا. أو مجرتنا هذه التي تبلغ مئات الملايين من النجوم .. أم هي النجوم جميعها والتي لا يعلم عددها ومواضعها إلا الله؟. فوراء ما نرى منها بمراصدنا مجرات وفضاءات لها، لا نعرف لها عددا ولا نهاية، فهناك نجوم سيصيبها الانكدار كما يقرر هذا الخبر الصادق الذي لا يعلم حقيقته إلا الله .. )
أقول: النجوم هاهنا جنسها، فالنجوم كلها في مجرات هذا الكون تنكدر يوم القيامة فيجمع بعضها إلى بعضه كما قال تعالى يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ فكما كان الكون كله نقطة واحدة ثم تمدد فإنه يعود كذلك والله أعلم.
4 -
وبمناسبة قوله تعالى وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ قال صاحب الظلال: (وأما تسجير البحار فقد يكون ملؤها بالمياه .. وإما أن يكون معناه التهابها وانفجارها كما قال تعالى في موضع آخر: وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ فتفجير عناصرها، وانفصال الإيدروجين عن الأكسوجين فيها، أو تفجير ذراتها على نحو ما يقع في تفجير الذرة،- وهو أشد هولا- أو على أي نحو آخر. وحين يقع هذا فإن نيرانا هائلة لا يتصور مداها، تنطلق من البحار. فإن تفجير قدر محدود من الذرات في القنبلة الذرية أو الإيدروجينية يحدث هذا الهول الذي عرفته الدنيا؛ فإذا انفجرت ذرات البحار على هذا النحو أو نحو آخر، فإن الإدراك البشري يعجز عن تصور هذا الهول!).
أقول: الاتجاهات كثيرة في تفسير قوله تعالى وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ، وهل التسجير هنا هو التفجير الوارد في سورة الانفطار؟ والذي أذهب إليه أن التفجير يسبق التسجير، فالبحار ينفتح ماؤها على بعضه في مرحلة ثم يحدث شئ آخر هو التسجير الذي هو الملء والله أعلم.
5 -
فسر بعضهم وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ بأن البحر هو الذي يكون جهنم، وهذا في رأيي خطأ، لأن الأحاديث تذكر أن الناس وهم في الموقف يؤتى بنار جهنم لها سبعون ألف زمام يجرها .. مما يشير إلى أن النار هذا السجن الضخم الهائل موجود حاليا في مكان ما، ويؤتى بها إلى المحشر، فالذي نرجحه أن تسجير البحار يكون واحدا مما يحدث حتى تكون الأرض كلها كقرصة النقي ليس فيها معلم لأحد كما ورد في الحديث، وذلك كأن تمتلئ بلابة باطن الأرض.
6 -
بمناسبة قوله تعالى وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ ذكر الألوسي تحقيقا طويلا حول مآل الأطفال يوم القيامة، وختم كلامه بقوله: (والذي أختاره: القول بأن الأطفال مطلقا، وكذا فرخ الزنا، ومن جن قبل البلوغ في الجنة، فهو الأخلق بكرم الله تعالى وواسع رحمته عز وجل، والأوفق للحكمة بحسب الظاهر، والأكثر تأييدا بالآيات، ولا بعد في ترجح الأخبار الدالة على ذلك بما ذكر على الأخبار الدالة على
خلافه، والقول بأن ما تضمنته هاتيك الأخبار كان منه عليه الصلاة والسلام قبل علمه صلى الله تعالى عليه وسلم بأن الأطفال في الجنة- بعيد عندي، نعم جوز أن يكون قد أخبر صلى الله تعالى عليه وسلم بأنهم من أهل النار، بناء على إخبار الوحي به، كإخباره بالوعيدات التي يعفو الله تعالى عنها من حيث إنه مقيد بشرط، كأن لم يشملهم الفضل مثلا لكنه لم يذكر معه كما لم يذكر معها لحكمة، ثم أخبر عليه الصلاة والسلام بأنهم من أهل الجنة؛ بناء على إخبار الوحي به أيضا، ويكون متضمنا للإخبار بأن شرط كونهم من أهل النار لا يتحقق، فضلا من الله تعالى وكرما، ويكون ذلك كالعفو عما يقتضيه الوعيد، ومثل ذلك إخباره بما ذكر بناء على مشاهدة كونهم في الجنة عند إبراهيم عليه السلام فتأمل).
7 -
هناك قراءتان في قوله تعالى: وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ القراءة الأولى بالضاد والثانية بالظاء أي: وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ أي: بمتهم وقد فرق عامة المفسرين بين
كلمتي (الضنين) و (الظنين) كما رأينا، وقال سفيان بن عيينة: ظنين وضنين سواء، وعلى هذا القول فهناك صلة بين البخل والتهمة، فلا محمد صلى الله عليه وسلم متهما في أمر البلاغ، ولا بخيلا به.
8 -
بمناسبة قوله تعالى: فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ قال ابن كثير: (كما قال الصديق رضي الله عنه لوفد بني حنيفة حين قدموا مسلمين وأمرهم فتلوا عليه شيئا من قرآن مسيلمة الكذاب- الذي هو في غاية الهذيان والركاكة- فقال: ويحكم أين تذهب عقولكم؟ والله إن هذا الكلام لم يخرج من إل أي: من إله).
9 -
بمناسبة قوله تعالى: لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ* وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ قال صاحب الظلال: (وذلك كيلا يفهموا أن مشيئتهم منفصلة عن المشيئة الكبرى، التي يرجع إليها كل أمر. فإعطاؤهم حرية الاختيار، ويسر الاهتداء، إنما يرجع إلى تلك المشيئة. المحيطة بكل شئ كان أو يكون.
وهذه النصوص التي يعقب بها القرآن الكريم عند ذكر مشيئة الخلائق، يراد بها تصحيح التصور الإيماني وشموله للحقيقة الكبيرة: حقيقة أن كل شئ في هذا الوجود مرده إلى مشيئة الله. وأن ما يأذن به للناس من قدرة على الاختيار هو طرف من مشيئته ككل تقدير آخر وتدبير. شأنه شأن ما يأذن به للملائكة من الطاعة المطلقة لما يؤمرون، والقدرة الكاملة على أداء ما يؤمرون. فهو طرف من مشيئته كإعطاء الناس