الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله بهذا العدد العجيب؟ وأي معنى أراد في أن جعل الملائكة تسعة عشر لا عشرين؟
وغرضهم إنكاره أصلا، وأنه ليس من عند الله، وأنه لو كان من عند الله لما جاء بهذا العدد الناقص) وقال: (فإن قلت: النفاق ظهر في المدينة والسورة مكية، قلت:
معناه: وليقول المنافقون الذين يظهرون في المستقبل بالمدينة بعد الهجرة والكافرون بمكة ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا وهذا إخبار بما سيكون كسائر الإخبارات بالغيوب وذا لا يخالف كون السورة مكية، وقيل: المراد بالمرض: الشك والارتياب؛ لأن أهل مكة كان أكثرهم شاكين، و (مثلا) تمييز لهذا أو حال منه كقوله: هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً* ولما كان ذكر العدد في غاية الغرابة، وأن مثله حقيق بأن تسير به الركبان سيرها بالأمثال سمي مثلا) كَذلِكَ قال النسفي: أي: مثل ذلك المذكور من الإضلال والهدى يعني إضلال المنافقين والمشركين حتى قالوا ما قالوا، وهدى المؤمنين لتصديقه، ورؤية الحكمة في ذلك يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ من عباده وهو الذي علم منه اختيار الضلال وسار في طرائقه وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وهو الذي علم منه اختيار الاهتداء، وسار في طرائقه، وقال النسفي: وفيه دليل خلق الأفعال، ووصف الله بالهداية والإضلال، وقال ابن كثير في النص: أي: من مثل هذا وأشباهه يتأكد الإيمان في قلوب أقوام، ويتزلزل عند آخرين، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ لفرط كثرتها إِلَّا هُوَ قال النسفي: فلا يعز عليه تتميم الخزنة عشرين، ولكن له في هذا العدد الخاص حكمة لا تعلمونها، وقال ابن كثير: أي:
ما يعلم عددهم وكثرتهم إلا هو تعالى؛ لئلا يتوهم متوهم أنهم تسعة عشر فقط وَما هِيَ قال ابن كثير: أي: النار التي وصفت، وقال النسفي: أي: ما سقر وصفتها إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ أي: تذكرة للبشر، وذكر النسفي وجها آخر للآية معناه: أي: وما هذه الآيات إلا ذكرى للبشر، وبهذا انتهت الفقرة الأولى.
كلمة في السياق:
1 -
رأينا في هذه الفقرة نموذجا من الكافرين ذا صفات محددة:
أ- أنه لا يقابل العطاء المتزايد من الله عز وجل بالشكر. ب- أنه يعاند القرآن الكريم ويحاربه ويخطط لإبطال أمره فيفكر ويقدر لذلك. ج- أنه مدبر عن الحق مستكبر عن قبوله. د- أنه يشكك بأمثال القرآن ومعاني القرآن.
هذا النوع من الناس لا ينفع معه إنذار، ويستحق الإضلال، ومن ثم أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم أن يكل أمر هذا النوع من الناس إليه، ولو تأملنا الصفات
التي ذكرناها فإننا نجد فيها نقض ميثاق، وقطعا لما أمر الله به أن يوصل، وإفسادا في الأرض، ومن ثم استحق صاحبه الخسارة في الدنيا والآخرة، ولذلك صلته بمحور السورة: وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ* الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.
2 -
رأينا في الفقرة ماذا يستحق هذا النوع من الناس من قطع ورود النعمة عنه، ومن استحقاقه العذاب الشاق يوم القيامة، ومن إدخاله النار، وفي ذلك إنذار للخلق من أن يسيروا على طريق مثل هذا، وصلة ذلك بسياق السورة الخاص وهو الإنذار وما يتعلق به واضحة، ومن ثم ختمت الفقرة بقوله تعالى: وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ.
3 -
النموذج الذي توافرت فيه هذه الصفات كلها في زمن النبوة هو الوليد ابن المغيرة، كما سنرى في أسباب النزول، ولكنه نموذج يتكرر في الحياة البشرية دائما، وإذ يذكر الله عز وجل هذا النموذج إبان نزول القرآن، فذلك معجزة قرآنية إذ تذكر هذه الآيات عن هذا الإنسان أنه سيموت على الكفر، وقد كان ذلك، وكم من إنسان كان في الظاهر مثله في الكفر ثم آمن.
4 -
في محور السورة من سورة البقرة ورد قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها وفي سورة الحج المبدوءة ب (يا أيها) ضرب الله مثلا بالذباب في قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وفي سورة المدثر ضرب الله مثلا بزبانية جهنم وعددهم، فمثال سورة الحج صاحبه غاية في الحقارة، ومثال سورة المدثر أصحابه غاية في العظمة والشدة، وشأن الله أن يضرب في كتابه المثل بهذا وهذا وغيرهما مما شاء، وفي كل مرة يضرب الله مثلا بشيء تكون المسألة على الشكل التالي:
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا وكما قال تعالى في سورة المدثر: لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً* وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا فمن الموقف من المثل يعرف المستحقون للإضلال من المستحقين للهداية، ومن ثم قال تعالى في سورة البقرة:
يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ وقال تعالى هنا في سورة المدثر: كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وفي سورة البقرة فصل الله عز وجل في صفات من يستحقون الإضلال وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ* الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ وفي سورة المدثر ذكر الله عز وجل نموذجا لإنسان متصف بهذه الصفات.
5 -
مما مر ندرك صلة الفقرة بمحور السورة وقد آن لنا أن نذكر شيئا عن سياق السورة الخاص، بدأت السورة بالأمر بالإنذار وما يقتضيه ذلك من خصائص ينبغي أن يلتزم بها النذير، ثم ذكرت السورة نموذجا من الناس لا ينتفع بالإنذار، وقد بين الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يترك هذا النوع من الناس لله، فإنه سيعاقبه بأنواع العذاب الدنيوي والأخروي، ولننتقل إلى الفقرة الثانية في السورة.