الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عزّ وجل ما به تقوم الحجة، وما يعرف به مضمون ما يحدث في ذلك اليوم الذي أنذروه.
2 -
قلنا إن محور السورة هما الآيتان السادسة والسابعة من مقدمة سورة البقرة، فلنر كل جزء منهما وما فصلت فيه سورة النبأ.
- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. لقد رأينا في السورة نموذجا من مواقف الكافرين، إذ يتساءلون تساؤل إنكار واستهزاء عن هذا القرآن الذي هو نذير، وأنزل على النذير، وفي ذلك بيان عملي لمواقف الكافرين وأنهم يرفضون الإنذار ويختلفون في شأن النذير الذي هو القرآن، ويتساءلون عنه سؤال استهزاء وإنكار، وقد ردت السورة عليهم وأقامت الحجة دون أن تخاطبهم خطابا مباشرا أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ
…
فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً وذلك أعظم مظهر لصلة السورة بمحورها، فقد سجل في السورة بشكل غير مباشر أنهم لا يستفيدون من الإنذار مع إقامة الحجة عليهم.
- خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ رأينا في السورة تفصيلا للعذاب العظيم الذي سيصيب هؤلاء الكافرين، وقد رأينا في السورة معاني جديدة لم تذكر في مكان آخر من القرآن، مما يؤكد ما ذكرناه من قبل أن كل سورة فيها جديد.
الفوائد:
1 -
قلنا عند قوله تعالى: وَالْجِبالَ أَوْتاداً إن في هذه الآية معجزة علمية فمما تحدث عنه الجيولوجيون في عصرنا أن لكل جبل في الأرض جذرا وتديا في باطن الأرض يعدل ضعفي ارتفاعه فوق الأرض، فالتعبير بكلمة (أوتادا) عن الجبال فيه معجزة في حد ذاته، لأنه إخبار عن معنى ما عرف العالم دقائقه بما يتفق مع اللفظ القرآني إلا قريبا.
2 -
بمناسبة قوله تعالى: وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً قال صاحب الظلال:
(وكان من تدبير الله للبشر أن جعل النوم سباتا يدركهم فيقطعهم عن الإدراك والنشاط؛ ويجعلهم في حالة لا هي موت ولا هي حياة، تتكفل بإراحة أجسادهم وأعصابهم وتعويضها عن الجهد الذي بذلته في حالة الصحو والإجهاد والانشغال بأمور
الحياة
…
وكل هذا يتم بطريقة عجيبة لا يدرك الإنسان كنهها، ولا نصيب لإرادته فيها؛ ولا يمكن أن يعرف كيف تتم في كيانه. فهو في حالة الصحو لا يعرف كيف يكون وهو في حالة النوم. وهو في حالة النوم لا يدرك هذه الحالة ولا يقدر على ملاحظتها! وهي سر من أسرار تكوين الحي لا يعلمه إلا من خلق هذا الحي وأودعه ذلك السر؛ وجعل حياته متوقفة عليه. فما من حي يطيق أن يظل من غير نوم إلا فترة محدودة. فإذا أجبر إجبارا بوسائل خارجة عن ذاته كي يظل مستيقظا فإنه يهلك قطعا.
وفي النوم أسرار غير تلبية حاجة الجسد والأعصاب
…
إنه هدنة الروح من صراع الحياة العنيف، هدنة تلم بالفرد فيلقي سلاحه وجنته- طائعا أو غير طائع- ويستسلم لفترة من السلام الآمن، السلام الذي يحتاجه الفرد حاجته إلى الطعام والشراب. ويقع ما يشبه المعجزات في بعض الحالات حيث يلم النعاس بالأجفان، والروح مثقل، والأعصاب مكدودة، والنفس منزعجة، والقلب مروع. وكأنما هذا النعاس- وأحيانا لا يزيد على لحظات- انقلاب تام في كيان هذا الفرد. وتجديد كامل لا لقواه بل له هو ذاته، وكأنما هو كائن حين يصحو جديد
…
ولقد وقعت هذه المعجزة بشكل واضح للمسلمين المجهودين في غزوة بدر وفي غزوة أحد، وامتن الله عليهم بها. وهو يقول: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ
…
ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ
…
كما وقعت للكثيرين في حالات مشابهة!
فهذا السبات: أي: الانقطاع عن الإدراك والنشاط بالنوم ضرورة من ضرورات تكوين الحي؛ وسر من أسرار القدرة الخالقة؛ ونعمة من نعم الله لا يملك إعطاءها إلا إياه. وتوجيه النظر إليها على هذا النحو القرآني ينبه القلب إلى خصائص ذاته، وإلى اليد التي أودعتها كيانه، ويلمسه لمسة تثير التأمل والتدبر والتأثر).
3 -
بمناسبة قوله تعالى: فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً قال ابن كثير:
(قال قتادة عن أبي أيوب الأزدي عن عبد الله بن عمرو قال: لم ينزل على أهل النار آية أشد من هذه الآية فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً قال: فهم في مزيد من العذاب أبدا).
أقول: وفي الآية رد على من ذهب إلى أن أهل النار يموتون أو ينتهي عذابهم، أو يصبحون في وضع يستلذون به العذاب، نسأل الله أن يميتنا على الفهم الفطري الصافي لكتاب الله الذي يحبه ويرضاه، ويكرم أهله بكرامة الدارين.
4 -
بمناسبة قوله تعالى: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ