الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وملك كبير، قال ابن كثير: (وثبت في الصحيح أن الله تعالى يقول لآخر أهل النار خروجا منها، وآخر أهل الجنة دخولا إليها: إن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها
عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ قال ابن كثير: (أي: لباس أهل الجنة فيها الحرير ومنه سندس وهو رفيع الحرير كالقمصان ونحوها مما يلي أبدانهم، والإستبرق منه ما فيه بريق ولمعان وهو مما يلي الظاهر كما هو المعهود في اللباس) وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ أي: جعل لهم حلية أساور من فضة، أقول: يجمل اللباس إذا وافق مجموعة أمور، ويحلو إذا توافرت فيه شروط، وما يجمل في مكان وزمان وبيئة، وما يحلو على إنسان أو يناسبه قد لا يجمل ولا يحلو في مكان أو على إنسان، ولباس أهل الجنة وحليتهم هي في الكمال الأعلى بما يناسب مجموع ما في الجنة، وبما يتناسب مع الذوقية العامة فيها، كيف لا يكون ذلك وليس في الجنة إلا الكمال؟! ثم قال تعالى:
وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ قال النسفي: أضيف إليه تعالى للتشريف والتخصيص شَراباً طَهُوراً قال ابن كثير: (أي: طهر بواطنهم من الحسد والحقد والغل والأذى وسائر الأخلاق الرديئة كما روينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال:
«إذا انتهى أهل الجنة إلى باب الجنة وجدوا هناك عينين، فكأنما ألهموا ذلك، فشربوا من إحداهما، فأذهب الله ما في بطونهم من أذى، ثم اغتسلوا من الأخرى فجرت عليهم نضرة النعيم، فأخبر سبحانه وتعالى بحالهم الظاهر وجمالهم الباطن)، وفهم النسفي أن الآية يراد بها التذكير بالفارق بين خمر الدنيا النجسة، وخمر الآخرة الطهور،
ليعلم أن خمر الآخرة تختلف عن خمر الدنيا،
ثم قال تعالى: إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً قال النسفي: أي: محمودا مقبولا مرضيا عندنا حيث قلتم للمسكين واليتيم والأسير لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً أقول: السعي المشكور في الآية أعم من أن يكون المراد به هذا وحده، إذ يدخل فيه العمل الصالح كله، قال ابن كثير في الآية: أي: يقال لهم ذلك تكريما لهم وإحسانا إليهم.
كلمة في السياق:
بدأت الفقرة الأولى من السورة بالحديث عن هداية الإنسان فقالت: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً وتحدثت مباشرة عن جزاء الكافرين وجزاء الشاكرين، ثم تأتي الفقرة الثانية لتحدثنا عن طريق الهداية بعد أن فصلت الفقرة الأولى
في الجزاء، فأوجدت الاستعداد الكامل للسير في طريق الهداية، ومن ثم نجد الفقرة الثانية مبدوءة بقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا ونجد في نهاية الفقرة قوله تعالى: إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا
…
وعلى هذا يكون التسلسل العام لسياق السورة على الشكل التالي:
1 -
بدأت السورة بتذكير الإنسان بخلقه، وبحكمة الخلق، وأنها الابتلاء، وثنت بعلامة النجاح والخسران في هذا الابتلاء: الشكر أو الكفر، وذكرت عاقبة الكفر، وعاقبة الشكر، وثلثت بذكر الطريق للنجاح في الامتحان والترابط على أشده بين هذه المعاني وبين بداية السورة ونهايتها، بين أواسطها وبداياتها ونهاياتها.
2 -
إن هناك تلازما بين قوله تعالى: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ في بداية الفقرة الأولى، وبين قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا في بداية الفقرة الثانية، فهداية الله عز وجل الإنسان السبيل إنما هي بهذا القرآن المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، والناس أمام ذلك قسمان: شاكر وكافر، والفقرة الثانية تحدد الطريق للرسول صلى الله عليه وسلم وللمقتدين به أي: للشاكرين، فتأمر وتنهى وتعلل، ومما تنهى عنه أن يطاع الآثم الكفور الذي سقط في الامتحان.
3 -
لننظر الآن نظرة في محور السورة من سورة البقرة: مما جاء في محور السورة من سورة البقرة قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا
…
وقد جاءت هذه الآية بعد الأمر بالعبادة، والنهي عن الشرك في سورة البقرة فبين الأمر بالعبادة والإيمان بأن هذا القرآن من عند الله تلازم، وهذه الفقرة الثانية من سورة الإنسان تؤكد أن إنزال القرآن من عند الله، وتفصل في أمور من العبادة تأمر بها وتحددها.