الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بشرا سويا، وتدريجه في مراتب الزيادة إلى أن يكمل ويستوي، ثم تنكيسه إلى أن يبلغ أرذل العمر، لا ترى دليلا أوضح منه على قدرة الخالق، وأن من قدر على خلق الإنسان وعلى هذا كله لم يعجز عن إعادته، فما سبب تكذيبك بالجزاء، أو الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي: فمن ينسبك إلى الكذب بعد هذا الدليل؟ فما بمعنى: من).
أقول: إن ابن كثير لم يذكر إلا الاتجاه الأول مع ملاحظة أنه لا يفسر أَسْفَلَ سافِلِينَ بما ذكره النسفي. قال ابن كثير: (فما يكذبك- أي: يا ابن آدم- بعد بالدين أي: بالجزاء
في المعاد، ولقد علمت البداءة، وعرفت أن من قدر على البداءة فهو قادر على الرجعة بطريق الأولى: فأي شئ يحملك على التكذيب بالمعاد، وقد عرفت هذا؟ روى ابن أبي حاتم عن منصور قال: قلت لمجاهد: فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ عنى به النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: معاذ الله، عنى به الإنسان، وهكذا قال عكرمة وغيره).
أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ قال ابن كثير: (أي: أما هو أحكم الحاكمين لا يجور، ولا يظلم أحدا؟ ومن عدله أن يقيم القيامة، فينتصف المظلوم في الدنيا ممن ظلمه) وقال النسفي: هذا وعيد للكفار، وأنه يحكم عليهم بما هم أهله، وهو من الحكم والقضاء) والله أعلم.
كلمة في السياق:
1 -
دللت السورة على اليوم الآخر بكمال خلق الإنسان، وبكمال عدل الله عز وجل، فكمال خلق الإنسان يقتضي تكليفا، وهذا يقتضي مجازاة للمحسن بإحسانه، وللمسيئ بإساءته، وهذا يقتضي يوما آخر، وكمال عدل الله يقتضي محاسبة، وفصل قضاء بين المحسنين والمسيئين، وهذا يقتضي يوما آخر، وأمام هذا وهذا فقد عجبت السورة من أن يوجد أحد يكذب باليوم الآخر.
2 -
بينت السورة أن الناجين هم المؤمنون العاملون، وأن الهلكى في ذلك اليوم هم من ليسوا كذلك. وفي ذلك دعوة إلى الإيمان والعمل الصالح.
3 -
إن القسم بالطور ومكة في سورة يتحدث بها عن اليوم الآخر واضح المناسبة فعدا عن كون كمال خلق الإنسان يدل على اليوم الآخر، فإن رسالات الله في الطور ومكة ومنابت التين والزيتون تؤكد ذلك.
4 -
في الجمع في القسم بين التين والزيتون، وبين الطور ومكة، تذكير للإنسان بنوعين من النعم: نعمة الفاكهة والأدم، ونعمة الرسالة، وكان ذلك بين يدي التذكير بنعمة حسن تركيبه، ومن هذا النموذج على التناسب بين القسم والمقسم عليه، وسياق السورة، يستطيع القارئ أن يعرف حكمة مجئ الأقسام في سورها.
5 -
عرفنا مما مر السياق الخاص للسورة، فلنر صلة السورة بمحورها من سورة البقرة، أي: بمقدمة سورة البقرة:
في مقدمة كتابنا (الرسول صلى الله عليه وسلم تحدثنا عن كون الإنسان مخلوقا متفردا، ومن جملة تفرده تفرده في خلقته، واستدللنا على ذلك بقوله تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ وفصلنا في ذلك، وقلنا في النهاية: إن القاعدة الكلية: على قدر ما تعطي تطالب ومن ثم فأنت مكلف أيها الإنسان، وفي كتابنا (جند الله ثقافة وأخلاقا) برهنا على أن ما يطالب به كل إنسان هو التقوى، وتقوى كل إنسان بحسب مسئوليته، إذا أدركنا هذه المعاني ندرك صلة سورة (والتين) بمقدمة سورة البقرة التي تتحدث عن الكافرين والمتقين، فأنت أيها الإنسان خلقت في أحسن تقويم، هذا يقتضي تكليفا وحسابا، التكليف هو التقوى التي مدارها على الإيمان والعمل الصالح، والحساب سيأتي يوم القيامة. فإذا كفرت لك النار، وإذا اتقيت فلك الأجر الدائم أي: الخلود في الجنة. دعنا الآن نتذكر مقدمة سورة البقرة وخاصة ما ورد فيها في شأن المتقين والكافرين. الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ.
في هذه الآيات يمكن أن نرجع أمر التقوى إلى الإيمان والعمل الصالح. وأن نرجع الكفر الذي يرافقه رفض الإنذار إلى إنكار اليوم الآخر، وقد فصلت سورة التين في ذلك فحضت على الإيمان والعمل الصالح، وأقامت الحجة على منكري اليوم الآخر، وهذا يأتي في سياق تذكير الإنسان بأنه مكلف. وهكذا نجد أن سورة التين فصلت في مقدمة سورة البقرة، فأعطتنا جديدا، إذ ذكرت سبب التكليف، وأقامت الحجة على أن اليوم الآخر آت، وأقامت الحجة على الكافرين، وحضت على التقوى، وبهذا كله