الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النسفي: (أي: وما أرسل الكفار على المؤمنين حافظين يحفظون عليهم أحوالهم، ويرقبون أعمالهم، بل أمروا بإصلاح أنفسهم فاشتغالهم بذلك، أولى بهم من تتبع غيرهم وتسفيه أحلامهم). وقال ابن كثير: (أي: وما بعث هؤلاء المجرمون حافظين على هؤلاء المؤمنين ما يصدر منهم من أعمالهم وأقوالهم ولا كلفوا بهم؟ فلم اشتغلوا بهم وجعلوهم نصب أعينهم)
فَالْيَوْمَ أي: يوم القيامة الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ كما ضحكوا منهم هنا مجازاة
عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ قال ابن كثير:
أي: إلى الله عز وجل في مقابلة من زعم فيهم أنهم ضالون، ليسوا بضالين، بل هم من أولياء الله المقربين، ينظرون إلى ربهم في دار كرامته
هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ قال النسفي: هل جوزوا بسخريتهم بالمؤمنين في الدنيا إذ فعل بهم ما ذكر، وقال ابن كثير: أي: هل جوزي الكفار على ما كانوا يقابلون به المؤمنين من الاستهزاء والتنقيص أم لا؟ يعني: قد جوزوا أوفر الجزاء وأتمه وأكمله.
كلمة في السياق:
في مقدمة سورة البقرة كلام عن المتقين والكافرين، وفي الفقرة الأخيرة من السورة بيان لموقف الكافرين من المتقين، وما يعاقب الله عز وجل به الكافرين يوم القيامة مجازاة لهم على هذا الموقف، وعرفنا من صفات الفجار في الفقرة الأخيرة ضحكهم من المؤمنين، وتغامزهم منهم، وبصرهم ورؤيتهم أن أهل الإيمان على ضلال، وفي مقابل ذلك عرفنا من خصائص الأبرار الإيمان، وهكذا أعطتنا سورة المطففين مزيد بيان إن في صفات الفجار أو في صفات المتقين. ولذلك صلاته بمحور السورة.
الفوائد:
1 -
بمناسبة قوله تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ قال ابن كثير: (وروى ابن أبي حاتم عن هلال بن طلق قال: بينما أنا أسير مع ابن عمر فقلت: من أحسن الناس هيئة وأوفاهم كيلا أهل مكة وأهل المدينة، قال: حق لهم، أما سمعت الله تعالى يقول:
وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ).
أقول: وهذا دليل على أن أهل الإيمان بمجرد أن يذكروا يتذكرون، ولا زال أهل المدينة وأهل مكة حتى الآن من أكرم خلق الله ميزانا وأجودهم كيلا.
وبمناسبة هذه الآية قال الألوسي: (وصح من رواية الحاكم والطبراني وغيرهما عن ابن عباس وغيره مرفوعا: «خمس بخمس» قيل يا رسول الله وما خمس بخمس؟ قال:
2 -
بمناسبة قوله تعالى: أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ* لِيَوْمٍ عَظِيمٍ* يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ قال ابن كثير: (روى الإمام مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يوم يقوم الناس لرب العالمين حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه» رواه البخاري من حديث مالك وعبد الله بن عون كلاهما عن نافع به، ورواه مسلم من الطريقين أيضا، ولفظ الإمام أحمد عن نافع عن ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يوم يقوم الناس لرب العالمين لعظمة الرحمن عز وجل يوم القيامة حتى إن العرق ليلجم الرجال إلى أنصاف آذانهم». (حديث آخر) روى الإمام أحمد عن المقداد- يعني ابن الأسود الكندي- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد حتى تكون قدر ميل أو ميلين- قال:
فتصهرهم الشمس فيكونون في العرق كقدر أعمالهم، ومنهم من يأخذه إلى عقبيه، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من يأخذه إلى حقويه، ومنهم من يلجمه إلجاما»
رواه مسلم. (حديث آخر) روى الإمام أحمد عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
أقول: إن الله عز وجل ذكر أن الشمس والقمر يجمعان، وذكر أن الشمس تكور، وذلك يكون قبل الحشر والموقف فإذا عرفنا هذا فالشمس التي تدنو من الخلائق في الحساب ينبغي أن تكون غير هذه الشمس، ومن ثم فلا يستغرب دنوها من رءوس العباد هذا الدنو، وعلى كل فلليوم الآخر قوانين تختلف عن قوانين هذا العالم.
3 -
بمناسبة قوله تعالى: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ قال ابن كثير: (وقد روى ابن جرير والترمذي والنسائي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«إن العبد إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب منها صقل قلبه، وإن زاد
زادت» فذلك قول الله تعالى: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ وقال الترمذي حسن صحيح. ولفظ النسائي: «إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكت في قلبه نكتة سوداء، فإن هو نزع واستغفر وتاب، صقل قلبه، فإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، فهو الران الذي قال الله تعالى: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ» ).
4 -
بمناسبة قوله تعالى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ قال النسفي:
(أي: عن رؤية ربهم لممنوعون، والحجب: المنع، قال الزجاج: في الآية دليل على أن المؤمنين يرون ربهم، وإلا لا يكون التخصيص مفيدا، وقال الحسين بن الفضل: كما حجبهم في الدنيا عن توحيده حجبهم في العقبى عن رؤيته، وقال مالك بن أنس رحمه الله: لما حجب أعداءه فلم يروه تجلى لأوليائه حتى رأوه، وقيل: عن كرامة ربهم؛ لأنهم في الدنيا لم يشكروا نعمه فيئسوا في الآخرة عن كرامته مجازاة، والأول أصح؛ لأن الرؤية أقوى الكرامات، فالحجب عنها دليل الحجب عن غيرها). وقال ابن كثير:
أي: لهم يوم القيامة منزل ونزل سجين، ثم هم يوم القيامة مع ذلك محجوبون عن رؤية ربهم وخالقهم، قال الإمام أبو عبد الله الشافعي: وفي هذه الآية دليل على أن المؤمنين يرونه عز وجل يومئذ، وهذا الذي قاله الإمام الشافعي رحمه الله في غاية الحسن، وهو استدلال بمفهوم هذه الآية. كما دل عليه منطوق قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ وكما دلت على ذلك الأحاديث الصحاح المتواترة في رؤية المؤمنين ربهم عز وجل في الدار الآخرة رؤية بالأبصار في عرصات القيامة وفي روضات الجنان الفاخرة).
5 -
بمناسبة قوله تعالى: يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ قال ابن كثير: (روى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري- أراه قد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قال: «أيما مؤمن سقى مؤمنا شربة ماء على ظمأ سقاه الله تعالى يوم القيامة من الرحيق المختوم، وأيما مؤمن أطعم مؤمنا على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، أيما مؤمن كسا مؤمنا ثوبا على عري كساه الله من خضر الجنة»).
6 -
وبمناسبة الفقرة الأخيرة في السورة: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ .. يقول صاحب الظلال: (ونقف لحظة أمام هذا المشهد الذي يطيل القرآن عرض مناظره وحركاته- مشهد سخرية الذين أجرموا من الذين آمنوا في الدنيا- كما أطال من قبل في عرض مشهد نعيم الأبرار وعرض مناظره ومناعمه. فنجد
أن هذه الإطالة من الناحية التأثيرية فن عال في الأداء التعبيري، كما أنه فن عال في العلاج الشعوري. فقد كانت القلة المسلمة في مكة تلاقي من عنت المشركين وأذاهم ما يفعل في النفس البشرية بعنف وعمق، وكان ربهم لا يتركهم بلا عون، من تثبيته وتسريته وتأسيته.
وهذا التصور المفصل لمواجعهم من أذى المشركين، فيه بلسم لقلوبهم. فربهم هو الذي يصف هذه المواجع. فهو يراها، وهو لا يهملها- وإن أمهل الكافرين حينا- وهذا وحده يكفي قلب المؤمن ويمسح على آلامه وجراحه. إن الله يرى كيف يسخر منهم الساخرون. وكيف يؤذيهم المجرمون. وكيف يتفكه بآلامهم ومواجعهم المتفكهون. وكيف لا يتلوم هؤلاء السفلة ولا يندمون! إن ربهم يرى هذا كله، ويصفه في تنزيله. فهو إذن شئ في ميزانه .. وهذا يكفي! نعم هذا يكفي حين تستشعره القلوب المؤمنة مهما كانت مجروحة موجوعة).
ولننتقل إلى سورة الانشقاق.