الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنا أهل أن أتقى فلا يجعل معي إله، فمن اتقى أن يجعل معي إلها كان أهلا أن أغفر له» ورواه الترمذي وابن ماجه والنسائي، وقال الترمذي: حسن غريب، وسهيل- أحد رواته- ليس بالقوي، ورواه ابن أبي حاتم وأبو يعلى، والبزار، والبغوي، وغيرهم).
تعليقات بمناسبة انتهاء عرض المجموعة السادسة
1 -
نحب أن نبدأ بتسجيل مجموعة قضايا عملية أخذناها من هذه المجموعة:
أ- إن التربية العليا التي ربى الله عز وجل عليها رسوله صلى الله عليه وسلم هي التربية التي بها يتحقق وجود الإنسان الكامل، فرسول الله صلى الله عليه وسلم جعله الله عز وجل أعظم الخلق استعدادا، وجعله أكمل الخلق تحققا وتخلقا؛ ليكون قدوة الخلق أجمعين، وقد ختم الله عز وجل به النبوة والرسالة، وإنما رباه الله عز وجل بهذا القرآن، وفرض التأسي به، فمن أراد أن يأخذ حظه الكامل من وراثة النبوة فعليه أن يأخذ حظه من هذا القرآن، وعليه أن يلاحظ الخطابات التي خوطب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذ حظه منها، ما لم تكن خاصة به صلى الله عليه وسلم خصوصية تشريعية لا تحل لغيره، ومن ثم فعلينا أن نأخذ حظنا مما ورد في سورة المعارج من خصائص، ومما ورد في سورة الجن، ومما ورد في سورتي المزمل والمدثر وخاصة من قيام الليل، وتلاوة القرآن، والذكر، والصبر ومرتكزاته الأخلاقية، والدعوة والتبليغ وأخلاقهما.
ب- أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم في سورة الأنعام أن يقتدي بكل الرسل، قال تعالى:
أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ فكل ما قصه الله عز وجل علينا من أخبار الرسل وأعمالهم فإنه محل القدوة لرسولنا عليه الصلاة والسلام. وبالتالي فهو محل القدوة لنا، ومن ثم فعلينا أن نأخذ حظنا من هذه القدوة، فعند ما يقص الله علينا قصة نوح عليه السلام في سورة كاملة فإن ذلك يقتضي منا أن نأخذ دروسها، وأن نعمل بها.
ج- وكما ينبغي أن نلاحظ الأخلاق التي هي محل التكليف، ومحل الطلب، فإن علينا أن نتجنب الأخلاق التي هي محل المؤاخذة والنهي، ولذلك فإن علينا أن نلاحظ ما يقصه الله علينا من أخلاق الكافرين والمنافقين لنتحرر منها، ولئن كان العرض قد صرفنا عن إفراد مثل هذه المعاني بالذكر في هذا التفسير، لظننا أن في إبرازها أثناء التفسير كفاية فإن المربي والراغب في الوراثة،- والمسلم بشكل عام- عليه أن ينتبه لهذه الأخلاق فيجتنبها، ويركز عليها عند الآخرين فيستأصلها، وهذا باب واسع في
العلم والعمل والتربية والسلوك، والمجموعة التي مرت معنا ذكرت المنافقين في مكان واحد، وركزت على أخلاق الكافرين، فعلينا أن ننتبه إلى ما ذكرناه في القرآن كله.
2 -
المجموعة التي مرت معنا ركزت على الأساس والطريق، وقد رأينا فيها الجديد الكثير، فمع أن مجموعات كثيرة فصلت فيما فصلت به هذه المجموعة فإن الكثير مما ذكرته كان جديدا، ومن هنا نحب أن نؤكد ما ذكرناه من قبل في هذا التفسير وهو:
لئن كانت المعاني القرآنية ترجع إلى أصول، والأصول ترجع إلى أصول أقل، فإن فروع هذه الأصول لا تتناهى، وتفصيلات هذه الأصول وحيثياتها كثيرة، ولذلك فلا ينبغي أن يتصور متصور أن بعض القرآن يغني عن بعض. نعم كل جزء من القرآن كاف للتذكير، وكل جزء منه فيه خصائص القرآن كله، ولكن للمعاني القرآنية أصولا وفروعا مبثوثة في القرآن كله. إن فاتحة القرآن قد استوعبت المعاني القرآنية، وإن سورة البقرة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن كادت لتستحصي الدين كله» وإن المجموعات القرآنية تفصل في معان مذكورة في سورة البقرة على ترتيب معين، ولكن في كل سورة جديد، إن في الأصول أو في الفروع التي تنبثق عن هذه الأصول، أو في صلة الأصول بالفروع، أو في صلة الفروع بالفروع والأصول بالأصول، وهذا يعني أن على الراغب في القرآن ألا يستغني ببعضه عن بعض، إلا لعجز عن
الكل فعندئذ يتخير في الحفظ والدراسة أما في التلاوة فعليه أن يضرب من أول القرآن إلى خاتمته، نقول هذا بمناسبة قوله تعالى في سورة المزمل: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا وبمناسبة ما تعطينا إياه هذه المجموعة بوضوح: أن في كل مجموعة في القرآن جديدا.
3 -
عند عرض المجموعة السابقة استقصينا بقدر استطاعتنا أن نبرز سياق السورة الخاص، وأن نبرز صلة كل سورة بما قبلها وما بعدها، وصلة كل سورة بمحورها من سورة البقرة، وقد أخذت سورة المدثر حظها من ذلك، ولذلك فلا نجد ما نضيفه هنا سوى أن نذكر بجانب عملي، هو أنك تجد في آية من الآيات مجموعة أقوال كآية وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ وهذه الأقوال يحتملها النص، وكلها عملية، أي: إن كل قول يعطينا جانبا عمليا تطبيقيا، فعلينا في مثل هذه الأحوال أن نأخذ حظنا من الالتزام بالجميع، فإن ذلك من حكمة مجئ النص على هذه الشاكلة، وذلك يجعل أمام المسلمين مجالات يتفاوتون فيها في التقوى والكمال، فالأكمل من يعطي التطبيق أوسع مداه.
4 -
نلاحظ من خلال ما مر معنا في المجموعة السابقة أن السورة عند ما تفصل في محور من المحاور قد تفصل في كلمة من آية، وقد تفصل في المضمون المباشر للمحور، وقد تفصل في المضمون غير المباشر، وقد تفصل فيما يقابل المضمون ليتضح المضمون، وأن المجموعة وهي تفصل قطاعا من معاني سورة البقرة على ترتيب معين تبقى في ترابطها مع بعضها، تشكل كلا متكاملا يخدم بعضه بعضا ويبني بعضه على بعض.
5 -
إن مما تراه بوضوح في القرآن أنك تجد الخطاب القرآني مظهرا للعزة الإلهية، ومظهرا للربوبية الكاملة، فهو مثلا عند ما يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطبه خطابا تظهر فيه عزة الربوبية، وعبودية المربوب، وهو موضوع يحسه كل عاقل يتأمل في هذا القرآن وإنك لتجد المجموعة السابقة نموذجا كاملا على هذا الموضوع، وهذا وحده كاف ليعرف المنصف أن هذا القرآن من عند الله عز وجل، إن مما تراه بشكل واضح في هذا القرآن أنه خال من كل مظهر من مظاهر الضعف البشري الذي لا بد أن يظهر في كل أثر من آثار البشر، إن في الأسلوب أو في التعبير، أو في المعاني، فعلم البشر ما دام غير محيط بالزمان والمكان، والكون، والإنسان، ومفردات اللغة وطرق تركيبها، وأساليب العرض التي لا تتناهى، إن الإنسان ما دام غير محيط بهذا كله أو ببعضه، فإن آثار ذلك لا بد ظاهرة في كل أثر يصدر عنه، فإن تجد النص القرآني خاليا من القصور فذلك وحده دليل على أنه من عند الله، فليتفطن قارئ القرآن لهذا، تأمل السور الست التي مرت معنا كيف أن لكل واحدة منها جرسا وأسلوبا وبداية ونهاية، وتجد في كل واحدة منها من المعاني ما لا يمكن أن يصدر شئ منه من بشر، ألا إن هذا القرآن لا يكفر به إلا جاهل أو غبي أو عديم الذوق اللغوي أو متكبر أعمى الكبر قلبه، فلم يعد يرى شيئا.
6 -
جرينا في تدارسنا للقرآن مع إخواننا أن نقرأ السورة أو القدر الذي نريد تدارسه ثم نتعرف على مفردات السورة، ثم نقف عند الأوامر والنواهي، ثم نقف وقفة عند الأحكام الفقهية إن كان في السورة آيات أحكام، ثم نبحث عن الأخلاق التي تعرضت لها السورة، أخلاق كافرين أو منافقين أو متقين، فنقف عندها الوقفات الطوال، فكنا نخرج من السورة أو من المكان الذي تمت فيه المذاكرة بالكثير من العلم والعمل، ثم نتواصى بالجانب العملي، ولم يمنعنا أن نعرض هذا التفسير على هذه الشاكلة
إلا خشية الإطالة، وإننا لنوصي أنفسنا وإخواننا بمثل هذه المدارسة وهذا الأخذ فبدون مدارسة للقرآن، وبدون التزام لا تنمو التقوى، ويضعف السير.
7 -
نلاحظ أن قضية النموذج تأخذ محلها في القرآن، فأحيانا يعرض عليك القرآن المعنى بشكل تقريري، وأحيانا يعرض عليك بشكل تصويري، ويرى سيد قطب رحمه الله أن الأسلوب المفضل في القرآن هو الأسلوب التصويري، ومن ثم كتب كتابه (التصوير الفني في القرآن) ليبرز هذا الجانب، وهو عرض لخاصية من خواص هذا القرآن التي ذكرها الله عز وجل بقوله: وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ، وذكر النموذج يدخل تحت هذا الأصل، فعند ما ترى نموذجا يذكره القرآن فلا يخطرن ببالك أن هذه الظاهرة حادثة فرد مضى وانقضى، بل هي نموذج لشخصية تتكرر في كل عصر، دروسها كثيرة والعبر منها لا تتناهى.