الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما صلة السورة بمحورها فهو كالتالي: محور السورة من سورة البقرة يقول كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ* هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
وسورة الإخلاص تأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلن أمام كفر الكافرين بالله عز وجل عن صفات الله عز وجل قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ.
الفوائد:
1 -
قال النسفي: وكان أبو عمرو يستحب الوقف على (أحد) ولا يستحب الوصل، قال عبد الوارث: على هذا أدركنا القراء، وإذا وصل نون وكسر أو حذف التنوين.
2 -
بمناسبة قوله تعالى قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ قال النسفي: (والدليل على أنه واحد من جهة العقل: أن الواحد إما أن يكون في تدبير العالم وتخليقه كافيا أو لا فإن كان كافيا كان الآخر ضائعا غير محتاج إليه، وذلك نقص، والناقص لا يكون إلها، وإن لم يكن كافيا فهو ناقص، ولأن العقل يقتضي احتياج المفعول إلى فاعل، والفاعل الواحد كاف، وما وراء الواحد فليس عدد أولى من عدد، فيفضي ذلك إلى وجود أعداد لا نهاية لها، وذا محال، فالقول بوجود إلهين محال، ولأن أحدهما إما أن يقدر على أن يستر شيئا من أفعاله عن الآخر أو لا يقدر، فإن قدر لزم كون المستور عنه جاهلا، وإن لم يقدر لزم كونه عاجزا، ولأنا لو فرضنا معدوما ممكن الوجود فإن لم يقدر
واحد منهما على إيجاده كان كل واحد منهما عاجزا، والعاجز لا يكون إلها، وإن قدر أحدهما دون الآخر فالآخر لا يكون إلها، وإن قدرا جميعا فإما أن يوجداه بالتعاون فيكون كل واحد منهما محتاجا إلى إعانة الآخر، فيكون كل واحد منهما عاجزا، وإن قدر كل واحد منهما على إيجاده بالاستقلال فإذا أوجده أحدهما فإما أن يبقى الثاني قادرا عليه، وهو محال لأن إيجاد الموجود محال، وإن لم يبق فحينئذ يكون الأول مزيلا قدرة الثاني، فيكون عاجزا ومقهورا تحت تصرفه، فلا يكون إلها، فإن قلت: الواحد إذا أوجد مقدور نفسه فقد
زالت قدرته، فيلزمكم أن يكون هذا الواحد قد جعل نفسه عاجزا. قلنا: الواحد إذا أوجد مقدور نفسه فقد نفذت قدرته، ومن نفذت قدرته لا يكون عاجزا، وأما الشريك فما نفذت قدرته بل زالت قدرته بسبب قدرة الآخر فكان ذلك تعجيزا).
3 -
في تفسير (الصمد) أقوال كثيرة نذكرها لاحتياج السالك إلى الله عز وجل لمعرفتها. قال ابن كثير: (وقوله تبارك وتعالى: اللَّهُ الصَّمَدُ قال عكرمة عن ابن عباس يعني: الذي يصمد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: هو السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه هذه صفته لا تنبغي إلا له ليس له كفء وليس كمثله شئ سبحان الله الواحد القهار، وقال الأعمش عن سفيان عن أبي وائل:
الصَّمَدُ السيد الذي قد انتهى سؤدده، ورواه عاصم عن أبي وائل عن ابن مسعود وقال مالك عن زيد بن أسلم:(الصمد) السيد، وقال الحسن وقتادة: هو الباقي بعد خلقه، وقال الحسن أيضا:(الصمد) الحي القيوم الذي لا زوال له، وقال عكرمة:
(الصمد) الذي لم يخرج منه شئ ولا يطعم، وقال الربيع بن أنس: هو الذي لم يلد ولم يولد، كأنه جعل ما بعده تفسيرا له وهو قوله لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وهو تفسير جيد وقد تقدم الحديث من رواية ابن جرير عن أبي بن كعب في ذلك وهو صريح فيه، وقال ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب ومجاهد وعبد الله ابن بريدة وعكرمة أيضا وسعيد ابن جبير وعطاء بن أبي رباح وعطية العوفي والضحاك والسدي:(الصمد) الذي لا جوف له. وقال سفيان عن منصور عن مجاهد: (الصمد) المصمت الذي لا جوف له، وقال الشعبي: هو الذي لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب، وقال عبد الله بن بريدة أيضا:(الصمد) نور يتلألأ، روى ذلك كله وحكاه ابن أبي حاتم والبيهقي والطبراني وكذا أبو جعفر بن جرير ساق أكثر ذلك بأسانيده، وروى عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: لا أعلم إلا قد رفعه قال: «الصمد الذي لا جوف له» وهذا غريب جدا والصحيح أنه موقوف على عبد الله بن بريدة.
وقد قال الحافظ أبو القاسم الطبراني في كتاب (السنة) له بعد إيراده كثيرا من هذه الأقوال في تفسير الصمد: وكل هذه صحيحة وهي صفات ربنا عز وجل، هو الذي يصمد إليه في الحوائج، وهو الذي قد انتهى سؤدده، وهو الصمد الذي لا جوف له،
ولا يأكل ولا يشرب، وهو الباقي بعد خلقه. وقال البيهقي نحو ذلك).
4 -
بمناسبة قوله تعالى وَلَمْ يُولَدْ قال النسفي:
(لأن كل مولود محدث وجسم وهو قديم لا أول لوجوده؛ إذ لو لم يكن قديما لكان حادثا لعدم الواسطة بينهما، ولو كان حادثا لافتقر إلى محدث، وكذا الثاني والثالث، فيؤدي إلى التسلسل وهو باطل، وليس بجسم لأنه اسم للمتركب، ولا يخلو حينئذ من أن يتصف كل جزء منه بصفات الكمال، فيكون كل جزء إلها فيفسد القول به كما فسد بإلهين، أو غير متصف بها بل بأضدادها من سمات الحدوث وهو محال).
5 -
في كتابنا (الله جل جلاله تدليل طويل على الصفات المذكورة في هذه السورة للذات الإلهية، فليراجع وليعلم أن هذه السورة تغني عن كل كتاب أرضي لمن عرفها وأيقن بها.
6 -
بمناسبة هذه السورة، ذكر ابن كثير الحديث التالي، قال:
وفي صحيح البخاري «لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم» وروى البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله عز وجل: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد» ورواه أيضا عن همام بن منبه عن أبي هريرة مرفوعا بمثله تفرد بهما من هذين الوجهين).
7 -
في سبب نزول هذه السورة قال ابن كثير:
روى الإمام أحمد عن أبي بن كعب أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد! انسب لنا ربك فأنزل الله تعالى قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ وكذا رواه الترمذي وابن جرير، زاد ابن جرير والترمذي قال:
(الصمد) الذي لم يلد ولم يولد لأنه ليس شئ يولد إلا سيموت، وليس شئ يموت إلا سيورث، وإن الله عز وجل لا يموت ولا يورث وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ولم يكن له شبيه ولا عدل وليس كمثله شئ. ورواه ابن أبي حاتم بسنده.
وقال عكرمة: لما قالت اليهود: نحن نعبد عزير ابن الله، وقالت النصارى: نحن نعبد المسيح ابن الله، وقالت المجوس: نحن نعبد الشمس والقمر، وقالت المشركون: نحن
نعبد الأوثان، أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يعني: هو الواحد الأحد الذي لا نظير له ولا وزير ولا نديد، ولا شبيه ولا عديل، ولا يطلق هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلا على الله عز وجل لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله).
8 -
ذكر ابن كثير تسعة أحاديث تفيد أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن نكتفي منها بذكر الحديث الأول:
روى البخاري عن أبي سعيد أن رجلا سمع رجلا يقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يرددها فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له- وكأن الرجل يتقالها- فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«والذى نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن» ).
أقول: قال النسفي في تعليل كون سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن:
(لأن القرآن يشتمل على توحيد الله، وذكر صفاته، وعلى الأوامر والنواهي، وعلى القصص والمواعظ، وهذه السورة قد تجردت للتوحيد والصفات، فقد تضمنت ثلث القرآن، وفيه دليل شرف علم التوحيد، وكيف لا يكون كذلك والعلم يشرف بشرف المعلوم، ويتضع بضعته، ومعلوم هذا العلم هو الله وصفاته، وما يجوز عليه وما لا يجوز عليه، فما ظنك بشرف منزلته وجلالة محله، اللهم احشرنا في زمرة العالمين بك، العاملين لك، الراجين لثوابك، الخائفين من عقابك، المكرمين بلقائك).
9 -
وذكر ابن كثير بابا آخر غير الباب المذكور آنفا يدل على فضل سورة الإخلاص.
(حديث آخر في فضلها) روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم ب قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ*
…
فلما رجعوا ذكروا ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «سلوه لأي شئ يصنع ذلك» فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«أخبروه أن الله تعالى يحبه» هكذا رواه في كتاب التوحيد، وقد رواه مسلم والنسائي أيضا من حديث عبد الله بن وهب)
10 -
وذكر ابن كثير بابا آخر عن سورة الإخلاص تحت عنوان: (حديث آخر في كون قراءتها توجب الجنة) قال:
(روى الإمام مالك بن أنس عن عبيد الله بن عبد الرحمن عن عبد بن حسين قال:
سمعت أبا هريرة يقول: أقبلت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع رجلا يقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وجبت- قلت: وما وجبت؟ قال: الجنة» ورواه الترمذي والنسائي من حديث مالك وقال الترمذي: حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث مالك وتقدم حديث «حبك إياها أدخلك الجنة).
وقال ابن كثير: (روى الإمام أحمد أيضا عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ قل هو الله أحد حتى يختمها عشر مرات بنى الله له قصرا في الجنة» فقال عمر: إذا نستكثر يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أكثر وأطيب» تفرد به أحمد ورواه أبو أحمد الدارمي في مسنده فقد روى عن سعيد بن المسيب يقول إنه قال: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات بنى الله له قصرا في الجنة، ومن قرأها عشرين مرة بنى الله له قصرين في الجنة، ومن قرأها ثلاثين مرة بنى الله له ثلاثة قصور في الجنة» فقال عمر بن الخطاب: إذا نكثر قصورنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أوسع من ذلك» وهذا مرسل جيد).
11 -
وعقد ابن كثير بابا تحت عنوان: (حديث آخر في الدعاء بما تضمنته من الأسماء):
(روى النسائي عند تفسيرها عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا رجل يصلي يدعو يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، قال: «والذي نفسي بيده لقد سأله باسمه الأعظم، الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب» وقد أخرجه بقية أصحاب السنن من طرق عن مالك بن مغول عن عبد الله بن بريدة عن أبيه به، وقال الترمذي: حسن غريب).
12 -
وعقد ابن كثير بابا في فضل سورة الإخلاص مع المعوذتين نقتطف منه بعض رواياته ختاما لهذه الفوائد لتكون هذه الفائدة مقدمة للكلام عن سورتي الفلق والناس.
قال ابن كثير: (روى الإمام أحمد
…
عن عقبة بن عامر قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدأته فأخذت بيده فقلت: يا رسول الله بم نجاة المؤمن؟. قال: يا عقبة أخرس لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك. قال: ثم لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدأني فأخذ بيدي فقال: يا عقبة بن عامر ألا أعلمك خير ثلاث سور أنزلت في التوراة والإنجيل والزبور والقرآن العظيم. قال قلت: بلى جعلني الله فداك. قال: فأقرأني (قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس) ثم قال: يا عقبة
لا تنسهن ولا تبت ليلة حتى تقرأهن. قال: فما نسيتهن منذ قال لا تنسهن، وما بت ليلة قط حتى أقرأهن. قال عقبة: ثم لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدأته فأخذت بيده فقلت: يا رسول الله أخبرني بفواضل الأعمال فقال: يا عقبة صل من قطعك، واعط من حرمك، وأعرض عمن ظلمك» روى الترمذي بعضه في الزهد عن علي بن يزيد
فقال: هذا حديث حسن، وقد رواه أحمد من طريق عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثله سواء تفرد به أحمد (حديث آخر) في الاستشفاء بهن روى البخاري عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما وقرأ فيهما قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات» وهكذا رواه أهل السنن من حديث عقيل به.
(حديث آخر) روى عبد الله بن الإمام أحمد عن معاذ بن عبد الله بن حبيب عن أبيه قال: أصابنا عطش وظلمة فانتظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا، فخرج فأخذ بيدي فقال:«قل» ، فسكت. قال:«قل» ، قلت: ما أقول؟ قال «قل هو الله أحد، والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثا تكفيك، كل يوم مرتين» ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث ابن أبي ذئب به وقال الترمذي حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وقد رواه النسائي من طريق أخرى عن معاذ بن عبد الله بن حبيب عن أبيه عن عقبة بن عامر فذكره ولفظه «تكفك كل شئ» ).