الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رأينا في السورة جزاء الكافرين بآيات الله عز وجل.
- أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
رأينا في السورة مظهرا من مظاهر فلاح المتقين فهم أصحاب اليمين.
- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ.
رأينا في السورة مظهرا من مظاهر العذاب العظيم للكافرين عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ.
وهكذا نجد أن السورة هذبت الإنسان على معان، وأبعدته عن معان، وكان في ذلك نوع تفصيل لمقدمة سورة البقرة، هذا مع أن للسورة سياقها الخاص، وصلتها بما قبلها، كما رأينا، وبما بعدها كما سنرى.
فلننقل الآن بعض
الفوائد
.
الفوائد:
1 -
فهم بعضهم من قوله تعالى: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ* وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ أن في ذلك وعدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه سيفتح مكة، وتكون له حلالا، قال النسفي:
(وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ أي: وأنت حل به في المستقبل تصنع فيه ما تريد من القتل والأسر، ذلك أن الله تعالى فتح عليه مكة، وأحلها له وما فتحت على أحد قبله، ولا أحلت له، فأحل ما شاء وحرم ما شاء، قتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة، ومقيس بن صبابة وغيرهما وحرم دار أبي سفيان، ونظير قوله: وأنت حل في الاستقبال، قوله: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ وكفاك دليلا على أنه للاستقبال أن السورة مكية بالاتفاق وأين الهجرة من وقت نزولها فما بال الفتح).
أقول: على هذا القول؛ فإن في الآية بشارة وإخبارا بغيب، والله أعلم.
2 -
بمناسبة قوله تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ قال صاحب الظلال:
(في مكابدة ومشقة، وجهد وكد، وكفاح وكدح .. كما قال في السورة الأخرى:
يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ ..
الخلية الأولى لا تستقر في الرحم حتى تبدأ في الكبد والكدح والنصب لتوفر لنفسها
الظروف الملائمة للحياة والغذاء- بإذن ربها- وما تزال كذلك حتى تنتهي إلى المخرج، فتذوق من المخاض- إلى جانب ما تذوقه الوالدة- ما تذوق. وما يكاد الجنين يرى النور حتى يكون قد ضغط ودفع حتى كاد يختنق في مخرجه من الرحم!.
ومنذ هذه اللحظة يبدأ الجهد الأشق والكبد الأمر. يبدأ الجنين ليتنفس هذا الهواء الذي لا عهد له به، ويفتح فمه ورئتيه لأول مرة ليشهق ويزفر في صراخ يشي بمشقة البداية! وتبدأ دورته الهضمية ودورته الدموية في العمل على غير عادة! ويعاني في إخراج الفضلات حتى يروض أمعاءه على هذا العمل الجديد! وكل خطوة بعد ذلك كبد، وكل حركة بعد ذلك كبد. والذي يلاحظ الوليد عند ما يهم بالحبو وعند ما يهم بالمشي يدرك كم يبذل من الجهد العنيف للقيام بهذه الحركة الساذجة.
وعند بروز الأسنان كبد. وعند انتصاب القامة كبد. وعند الخطو الثابت كبد.
وعند التعلم كبد. وعند التفكر كبد. وفي كل تجربة جديدة كبد كتجربة الحبو والمشي سواء!.
ثم تفترق الطرق، وتتنوع المشاق، هذا يكدح بعضلاته. وهذا يكدح بفكره.
وهذا يكدح بروحه. وهذا يكدح للقمة العيش وخرقة الكساء. وهذا يكدح ليجعل الألف ألفين وعشرة آلاف
…
وهذا يكدح لملك أو جاه، وهذا يكدح في سبيل الله.
وهذا يكدح لشهوة ونزوة. وهذا يكدح لعقيدة ودعوة. وهذا يكدح إلى النار. وهذا يكدح إلى الجنة .. والكل يحمل حمله ويصعد الطريق كادحا إلى ربه فيلقاه! وهناك يكون الكبد الأكبر للأشقياء. وتكون الراحة الكبرى للسعداء).
3 -
بمناسبة قوله تعالى: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ* وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ* وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ قال ابن كثير: (وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي الربيع الدمشقي عن مكحول قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: يا ابن آدم قد أنعمت عليك نعما عظاما لا تحصي عددها، ولا تطيق شكرها، وإن مما أنعمت عليك أن جعلت لك عينين تنظر بهما، وجعلت لهما غطاء فانظر بعينيك إلى ما أحللت لك، وإن رأيت ما حرمت عليك فأطبق عينيك غطاءهما، وجعلت لك لسانا، وجعلت له غلافا فانطق بما أمرتك وأحللت لك فإن عرض عليك ما حرمت عليك فأغلق عليك لسانك.
وجعلت لك فرجا وجعلت لك سترا فأصب بفرجك ما أحللت لك فإن عرض عليك
ما حرمت عليك فأرخ عليك سترك، ابن آدم إنك لا تحمل سخطي ولا تطيق انتقامي»).
4 -
بمناسبة قوله تعالى: وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ. قال ابن كثير: (وروى ابن جرير عن أبي رجاء قال: سمعت الحسن يقول: وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «يا أيها الناس إنهما النجدان: نجد الخير، ونجد الشر، فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير» وكذا رواه حبيب بن الشهيد، وأبو معمر، ويونس بن عبيد، وأبو وهب عن الحسن مرسلا وهكذا أرسله قتادة).
وبمناسبة هذه الآية قال صاحب الظلال: (أودع نفسه خصائص القدرة على إدراك الخير والشر، والهدى والضلال، والحق والباطل: وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ .. ليختار أيهما شاء، ففي طبيعته هذا الاستعداد المزدوج لسلوك أي النجدين. والنجد: الطريق المرتفع. وقد اقتضت مشيئة الله أن تمنحه القدرة على سلوك أيهما شاء، وأن تخلقه بهذا الازدواج طبقا لحكمة الله في الخلق، وإعطاء كل شئ خلقه، وتيسيره لوظيفته في هذا الوجود.
وهذه الآية تكشف عن حقيقة الطبيعة الإنسانية، كما أنها تمثل قاعدة (النظرية النفسية الإسلامية) هي والآيات الأخرى في سورة الشمس: وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها* فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها* قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها).
5 -
بمناسبة قوله تعالى: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ* وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ* فَكُّ رَقَبَةٍ قال ابن كثير: روى أحمد عن أبي أمامة عن عمرو بن عبسة قال: قلت له حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه انتقاص ولا وهم قال: سمعته يقول: «من ولد له ثلاثة أولاد في الإسلام فماتوا قبل أن يبلغوا الحنث أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم، ومن شاب شيبة في سبيل الله كانت له نورا يوم القيامة، ومن رمى بسهم في سبيل الله بلغ به العدو أصاب أو أخطأ كان له عتق رقبة، ومن أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار، ومن أنفق زوجين في سبيل الله فإن للجنة ثمانية أبواب يدخله الله من أي باب شاء منها» ).
روى الإمام أحمد عن البراء بن عازب قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
يا رسول الله علمني عملا يدخلني الجنة فقال: «لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت
المسألة، أعتق النسمة وفك الرقبة» فقال: يا رسول الله أو ليستا بواحدة؟ قال: «لا إن عتق النسمة أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في عتقها، والمنحة الوكوف، والفئ على ذي الرحم الظالم، فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع، واسق الظمآن، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر، فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من الخير» .
6 -
بمناسبة قوله تعالى: أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ* يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ* أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ قال ابن كثير: (كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن سلمان بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان، صدقة وصلة» وقد رواه الترمذي والنسائي وهذا إسناد صحيح).
7 -
بمناسبة قوله تعالى: وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ قال ابن كثير:
(كما جاء في الحديث: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» وفي الحديث الآخر: «لا يرحم الله من لا يرحم الناس». وروى أبو داود عن عبد الله بن عمرو يرويه قال: «من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا»).
وبمناسبة هذه الآية قال صاحب الظلال: (والصبر هو العنصر الضروري للإيمان بصفة عامة، ولاقتحام العقبة بصفة خاصة. والتواصي به يقرر درجة وراء درجة الصبر ذاته درجة تماسك الجماعة المؤمنة. وتواصيها على معنى الصبر، وتعاونها على تكاليف الإيمان. فهي أعضاء متجاوبة الحس تشعر جميعا شعورا واحدا بمشقة الجهاد لتحقيق الإيمان في الأرض وحمل تكاليفه، فيوصي بعضها بعضا بالصبر على العبء المشترك، ويثبت بعضها بعضا فلا تتخاذل، ويقوي بعضها بعضا فلا تنهزم. وهذا أمر غير الصبر الفردي. وإن يكن قائما على الصبر الفردي. وهو إيحاء بواجب المؤمن في الجماعة المؤمنة. وهو ألا يكون عنصر تخذيل بل عنصر تثبيت، ولا يكون داعية هزيمة بل داعية اقتحام، ولا يكون مثار جزع بل مهبط طمأنينة.
وكذلك التواصي بالمرحمة. فهو أمر زائد على المرحمة. إنه إشاعة الشعور بواجب التراحم في صفوف الجماعة عن طريق التواصي به، والتحاض عليه، واتخاذه واجبا جماعيا فرديا في الوقت ذاته، يتعارف عليه الجميع، ويتعاون عليه الجميع.
فمعنى الجماعة قائم في هذا التوجيه. وهو المعنى الذي يبرزه القرآن كما تبرزه
أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأهميته في تحقيق حقيقة هذا الدين. فهو دين جماعة، ومنهج أمة، مع وضوح التبعة الفردية والحساب الفردي فيه وضوحا كاملا .. ).
8 -
بمناسبة قوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ* عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ كما قال ابن كثير: (وقال قتادة: (مؤصدة) مطبقة فلا ضوء فيها ولا فرج ولا خروج منها آخر الأبد، وقال أبو عمران الجوني: إذا كان يوم القيامة أمر الله بكل جبار وكل شيطان وكل من كان يخاف الناس في الدنيا شره فأوثقوه بالحديد، ثم أمر بهم إلى جهنم، ثم أوصدوها عليهم أي: أطبقوها قال: فلا والله لا تستقر أقدامهم على قرار أبدا، ولا والله لا ينظرون فيها إلى أديم سماء أبدا ولا والله لا تلتقي جفون أعينهم على غمض نوم أبدا، ولا والله لا يذوقون فيها بارد شراب أبدا. رواه ابن أبي حاتم.
ولننتقل إلى سورة والشمس وضحاها.