الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إخلاص العبادة لله عز وجل، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وفي ذلك كله تنزيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقرير لارتقاء هذا القرآن عن الشك والريب، وتقرير لوجوب التسليم لهذا القرآن، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم. وكلها معان مرتبطة بهذا الجزء من سورة البقرة الذي يبدأ بقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ .. إلى آخر ما ذكرناه، من هذا وغيره تتضح لنا صلة السورة بمحورها من سورة البقرة، وقد اتضح لنا سياقها الخاص وصلتها بما قبلها، وسنرى صلتها بما بعدها، فلنر بعض
الفوائد
.
الفوائد:
1 -
قدم ابن كثير لسورة البينة بذكر روايات كثيرة وهذه إحدى رواياته: روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب: «إن الله أمرني أن أقرأ عليك لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ» قال وسماني لك؟ قال:
«نعم» فبكى ورواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من حديث شعبة به).
2 -
بمناسبة قوله تعالى: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ مما نقل صاحب الظلال عن كتاب (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) هذا النقل: (كان القرن السادس والسابع لميلاد المسيح من أحط أدوار التاريخ بلا خلاف. فكانت الإنسانية متدلية منحدرة منذ قرون. وما على وجه الأرض قوة تمسك بيدها وتمنعها من التردي. وقد زادتها الأيام سرعة في هبوطها وشدة في إسفافها. وكان الإنسان في هذا القرن قد نسي خالقه، فنسي نفسه ومصيره، وفقد رشده، وقوة التمييز بين الخير والشر، والحسن والقبيح. وقد خفتت دعوة الأنبياء من زمن، والمصابيح التي أوقدوها قد انطفأت من العواصف التي هبت بعدهم، أو بقيت ونورها ضعيف ضئيل لا ينير إلا بعض القلوب، فضلا عن البيوت، فضلا عن البلاد.
وقد انسحب رجال الدين من ميدان الحياة، ولاذوا بالأديرة والكنائس والخلوات فرارا بدينهم من الفتن، وضنا بأنفسهم، أو رغبة إلى الدعة والسكون، وفرارا من تكاليف الحياة وجدها، أو فشلا في كفاح الدين والسياسة، والروح والمادة، ومن بقي منهم في تيار الحياة اصطلح مع الملوك وأهل الدنيا وعاونهم على إثمهم وعدوانهم، وأكل أموال الناس بالباطل
…
أصبحت الديانات العظيمة فريسة العابثين والمتلاعبين، ولعبة المجرمين والمنافقين،
حتى فقدت روحها وشكلها، فلو بعث أصحابها الأولون لم يعرفوها، وأصبحت مهود الحضارة، والثقافة، والحكم، والسياسة مسرح الفوضى والانحلال والاختلال وسوء النظام وعسف الحكام، وشغلت بنفسها، لا تحمل للعالم رسالة، ولا للأمم دعوة، وأفلست في معنوياتها، ونضب معين حياتها، لا تملك مشرعا صافيا من الدين السماوي، ولا نظاما ثابتا من الحكم البشري).
أقول: وكان هذا سيستمر ولم يكن هناك من مخرج إلا مخرج واحد هو أن يبعث الله رسولا بكتاب لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ* رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً وقد أرسل الله الرسول، وأنزل الكتاب فكان بعد ذلك ما كان.
3 -
وجدنا أن المراد بقوله تعالى في السورة: وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ هو تفرقهم بعد بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنهم من آمن ومنهم من كفر، وهو توجيه النسفي للآية. وعلى هذا فيكون المعنى أن التفرق الحقيقي إنما كان بعد بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن فرقتهم السابقة لم تكن في شيء؛ لأنهم جميعا كفار، وقد وجه ابن كثير الآيات توجيها آخر، ونحن نرجح توجيه النسفي وهو الذي اعتمدناه.
4 -
حدد قوله تعالى: وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ مضمون دعوات الأنبياء عليهم السلام. فالاختلاف والخلاف في مثل هذه الأصول هو الذي لا يسع أحدا، أما الاختلاف في فرعيات من الصلاة والزكاة كالاختلاف بين شافعي وحنفي فذلك شئ آخر، والعجيب أن بعض الفرق التي تنتسب إلى الإسلام، وبعض الطوائف التي تزعم أنها مسلمة تعبد غير الله، ولا تصلي الصلوات الخمس، ولا تزكي الزكاة المعروفة. ومع هذا فإنها تعتبر أن مخالفتها في هذا شبيهة باختلافات الشافعية والحنفية في أمر فرع من فروع الشريعة وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ* قال ابن كثير:(جاء في الحديث المروي من طرق: «إن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة، وإن النصارى اختلفوا على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة» قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: «ما أنا عليه وأصحابي»).
5 -
قال تعالى في السورة: حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ* رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً
مُطَهَّرَةً* فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ وبعد آية قال: وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ. لاحظ ورود كلمة القيمة في المقامين، فهذا الذي جعلنا نقول: إن الآية الأخيرة تتحدث عن مضمون الصحف. وجعلنا نقول إن هذه الآية حددت مضمون دعوات الرسل، ومن ذلك دعوة رسولنا عليه السلام، ولذلك فإن علينا أن نركز على معاني الآية الأخيرة تركيزا خاصا.
- العبادة والإخلاص فيها.- الميل عن كل ما يخالف دين الله عز وجل.
- إقامة الصلاة، إيتاء الزكاة، هذا هو الدين الذي وصفه الله عز وجل وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ يبقى أن نقول: لقد رأينا تفسير المفسرين للكلمة الأخيرة إذ قالوا في معناها: وذلك دين الملة القيمة، لكني أحتمل أن يكون المراد بالقيمة هنا القيمة التي وصفت فيها الكتب المتضمنة في الصحف المطهرة فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ فيكون المعنى:
وذلك دين الكتب القيمة الموجودة في الصحف المطهرة التي يتلوها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
6 -
عند قوله تعالى عن المؤمنين الصالحين: أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ قال ابن كثير: (وقد استدل بهذه الآية أبو هريرة وطائفة من العلماء على تفضيل المؤمنين من البرية على الملائكة). أقول: القول الراجح أن خواص البشر- كالرسل- أفضل من خواص الملائكة- كجبريل وميكال-. وخواص الملائكة أفضل من عامة البشر بعد الرسل. والصديقون والشهداء والصالحون أفضل من عامة الملائكة. وعامة الملائكة أفضل من فسقة المسلمين.
7 -
وبمناسبة قوله تعالى عن الكافرين: أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ وعن المؤمنين: أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ قال ابن كثير: روى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بخير البرية؟» قالوا: بلى يا رسول الله قال:
«رجل أخذ بعنان فرسه في سبيل الله كلما كانت هيعة استوى عليه. ألا أخبركم بخير البرية؟» قالوا: بلى يا رسول الله قال: «رجل في ثلة من غنمه يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ألا أخبركم بشر البرية؟» قالوا: بلى قال: «الذي يسأل بالله ولا يعطي به» ).