الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن كثير: أي: لا يقدر أحد أن يهدي نفسه، ولا يدخل في الإيمان، ولا يجر لنفسه منفعا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ قال النسفي: أي: إلا وقت مشيئة الله وإنما يشاء الله ذلك ممن علم منه اختياره ذلك، وقيل هو لعموم المشيئة في الطاعة والعصيان، والكفر والإيمان فيكون حجة لنا على المعتزلة إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً قال ابن كثير: أي: عليم بمن يستحق الهداية فييسر له، ويقيض له أسبابها، ومن يستحق الغواية فيصرفه عن الهدى، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة
يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ أي: جنته لأنها برحمته تنال وَالظَّالِمِينَ أي: الكافرين، وسموا بذلك لأنهم وضعوا العبادة في غير موضعها أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً جزاء عدلا على ظلمهم، وهكذا أكد الله عز وجل أن الهداية بمشيئته، والضلال بمشيئته، ولكنه يهدي فضلا، ويضل عدلا، وعموم المشيئة لا ينافي اختيار الإنسان، فالاختيار قائم والمشيئة عامة، وعموم المشيئة مظهر العزة والعظمة، وإلا يكون عصيانه مراغمة له سبحانه، ويكون نيل رضوانه بغير توفيق منه، ومن لا يعرف الله عز وجل حق المعرفة تخرج منه الأعاجيب.
كلمة في السياق:
رأينا أثناء عرض السورة سياق السورة الخاص، وصلتها بمحورها من سورة البقرة، وواضح أنها فصلت في الطريق، فهي سورة تهيج على السير إلى الله عز وجل فلنأخذ حظنا من العمل منها، ومن ثم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها مع سورة (الم تنزيل السجدة) في صلاة الصبح يوم الجمعة كما سنرى في
الفوائد
.
الفوائد:
1 -
قدم ابن كثير لتفسير سورة الإنسان بما يلي: (قد تقدم في صحيح مسلم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة الم تَنْزِيلُ السجدة، وهَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ وقال عبد الله ابن وهب: أخبرنا ابن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه السورة هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ).
2 -
في مقال نشرته مجلة الأمان في عددها (59) تحدث الدكتور الطبيب محمد علي البار عن النطفة الأمشاج، حاول فيه الدكتور أن يبين أبعاد قوله تعالى: إِنَّا
خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ وكيف أن فيه معجزة علمية يدركها من عرف تدرج النظريات في شأن نشأة الجنين ومن كلامه في هذا المقال نقتطف ما يلي:
(لم تكن البشرية تعرف شيئا عن النطفة الأمشاج
…
فقد كان الاعتقاد السائد لدى الفلاسفة أن الجنين الإنساني إنما يتكون نتيجة ماء الرجل
…
وأن رحم المرأة ليس إلا محضنا لنمو ذلك الجنين، وشبهوا ذلك بالذرة ترمى في الأرض فتأخذ منها الغذاء فتخرج منها شجرة يانعة
…
فليس للمرأة دور في الجنين سوى رعايته وتغذيته
…
أما أن يكون الولد نتيجة مشج ماء الرجل وماء المرأة فأمر لم تعرفه الإنسانية إلا على لسان أنبياء
…
وكما قال ذلك اليهودي الذي استشهدت به قريش: كذلك كان يقول من كان قبلك من الأنبياء. أما خارج نطاق النبوة فقد ظلت الإنسانية في عمى كامل حتى العصور الحديثة.
ولقد ظلت النظرية السائدة- والقائلة بأن الجنين الإنساني ليس إلا نتيجة للحيوان المنوي فحسب- ظلت هذه النظرية مسيطرة على الفكر البشري حتى بعد أن قام العالمان: هام، وليفن هوك عام 1677 باكتشاف الحيوان المنوي، وبعد أن قام جراف باكتشاف البويضة عام 1672. ومن ذلك التاريخ ظهرت نظرية أخرى تقول بأن البويضة تحتوى على الجنين الإنساني كاملا
…
وأن دور الحيوان المنوي هو فقط في تنشيط البويضة. ولكن ليس له أي دور في تكوين الجنين. وظلت هاتان النظريتان تتصارعان حتى عام 1745 م عند ما اكتشف العالم بونيه بأن بويضات بعض الحشرات تنمو إلى أجنة كاملة دون الحاجة مطلقا إلى الذكر (الولادة بدون ذكر أو أب).
وعندئذ بدا أن أصحاب البويضة قد حققوا انتصارا دامغا على خصمائهم من أصحاب النظرية الأخرى التي تنسب الجنين إلى الحيوان المنوي فقط.
واستمرت مع ذلك هذه المعارك حتى ظهر سبالانزاني الذي عاش ما بين 1727 - 1799، ووولف الذي عاش في الفترة ما بين 1733 إلى 1794، اللذان أظهرا بالتجارب أن كلا من البويضة والحيوان المنوي يساهمان في تكوين الجنين
…
وقدم وولف نظريته القائلة بأن البويضة الملقحة تتكاثر وتنقسم لتكون الجنين طورا بعد طور، ومرحلة بعد مرحلة
…
وقد كانت النظرية السائدة حتى ذلك الحين بأن الجنين موجود بصورة مصغرة في الحيوان المنوي كما يقول أصحاب نظرية الحيوان المنوي، أو موجود بصورة مصغرة في البويضة كما يقول أصحاب نظرية البويضة
…
وأنه ليس هناك إلا النمو
لهذا الجنين المصغر
…
ورغم وجاهة نظرية وولف وقربها من الحقيقة إلا أنها أهملت لمدة نصف قرن من الزمان
…
ولم ينفض عنها الغبار إلا بعد أن اكتشف شيلدن وشوال أسس تركيب الجسم الحيواني المكون من مجموعة من الخلايا
…
وأن الخلية الحية هي وحدة بناء الجسم الحي
…
وذلك في عام 1839.
وقد مهدت هذه المعلومات الطريق لمعرفة أن تكوين الجنين إنما يتم بالتزاوج والاختلاط بين خلية الذكر (الحيوان المنوي) وخلية الأنثى (البويضة)
…
وقد تأكدت هذه المعلومات وأصبحت ضمن الحقائق العلمية في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين.
أطوار الجنين: لقد ظلت النظرية السائدة أن الجنين البشري موجود بصورة كاملة ومصغرة في البويضة، أو في الحيوان المنوي، حتى أظهر وولف في أواخر القرن الثامن عشر نظريته القائلة بأن البويضة الملقحة تنقسم وتتكاثر وتمر بعدة أطوار قبل أن تشبه الطور الإنساني.
ولكن نظرية وولف هذه قوبلت بالإهمال لمدة نصف قرن من الزمان، ولم يكتب لها الظهور إلا بعد اكتشافات شوال وشيلدن حول الخلية الحية، وأنها لبنة البناء لجميع أنسجة الكائن الحي
…
وذلك عام 1839
…
ثم توالت الاكتشافات العلمية التي تؤيد نظرية وولف حتى أصبحت حقيقة في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين.
وقد تحدث القرآن الكريم عن أطوار الجنين في مواضع متعددة
…
وكذلك فصلت في ذلك السنة المطهرة. قال تعالى: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً* وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً قال ابن عباس وعكرمة وقتادة والسدي وابن زيد: معناه من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة إلى آخر أطوار الإنسان.
وقال تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ، وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى، ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً.
وقال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي