الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حفص، وعندئذ تكون في الآية معجزة غيبية، يدركها أبناء عصرنا الذين انتقلوا من حال إلى حال في تدرجهم في مسالك السماء بالمعنى اللغوي، وعلى هذا يكون السياق على الشكل التالي: فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ* وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ* وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ لَتَرْكَبُنَّ يا معشر البشر طَبَقاً أي: سماء عَنْ طَبَقٍ أي: عن سماء، فكل موقع يوصلكم إلى ما بعده فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ والقرآن يخبرهم عن مثل هذا وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ والقرآن يخاطبهم بمثل هذا.
6 -
بمناسبة قوله تعالى: فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ أقول: هذه إحدى مواطن سجدات القرآن الأربعة عشر التي يجب بسببها عند الحنفية السجود لله إذا تليت أو سمعت، والسجود عندهم واجب على التراخي:«روى مالك عن أبي سلمة أن أبا هريرة قرأ بهم: إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ فسجد فيها، فلما انصرف أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها» رواه مسلم والنسائي من طريق مالك به. وروى البخاري عن أبي رافع قال: صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ: إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ فسجد فقلت: له، فقال: سجدت خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي، وزاد النسائي وسفيان الثوري عن أبي هريرة قال: سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ واقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ).
7 -
عند قوله تعالى إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ قال ابن كثير: (قال ابن عباس: غير منقوص، وقال مجاهد والضحاك: غير محسوب، وحاصل قولهما أنه غير مقطوع كما قال تعالى عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ وقال السدي قال بعضهم: غير ممنون غير منقوص.، وقال بعضهم: غير ممنون عليهم، وهذا القول الأخير عن بعضهم قد أنكره غير واحد؛ فإن الله عز وجل له المنة على أهل الجنة في كل حال وآن ولحظة، وإنما دخلوها بفضله ورحمته لا بأعمالهم، فله عليهم المنة دائما سرمدا، والحمد لله وحده أبدا ولهذا يلهمون تسبيحه وتحميده كما يلهمون النفس، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين).
كلمة أخيرة في المجموعة العاشرة من قسم المفصل:
سورة المطففين تحدثت عن الفجار والأبرار، وجاءت سورة الانشقاق، فبينت
للإنسان أنه كادح كل الكدح لملاقاة الله عز وجل، ومن ثم طالبت السورة من خلال عرض ما لأهل اليمين ولأهل الشمال، بالعمل الصالح، وبينت سورة الانشقاق أن الإنسان منتقل من حال إلى حال في الدنيا، وفي الآخرة، ومن ثم فهذا يقتضي منه إيمانا وعملا صالحا. وأنذرت السورة من لم يؤمن ويعمل صالحا، وهكذا دعت سورة الانشقاق من خلال تبيان كدح الإنسان وانتقاله من حال إلى حال إلى السير في طريق البر والتخلي عن طريق الفجور، فالسورتان تتكاملان لتؤديا دورا واحدا في قضية الأساس والطريق.
وقد رأينا أن لكل سورة سياقها الخاص، وصلتها بمحورها، وأن كل سورة فيها جديد، ورأينا صلة نهاية السورة الأولى ببداية الثانية، وهكذا نجد أن السياق القرآني العام يذكر هذه النفس البشرية مرة ومرة ومرة، بمعنى ومعنى ومعنى، وهكذا تأخذ النفس البشرية خطها من التذكير المحيط الشامل، ومن ثم ندبت السنة إلى قراءة القرآن في الشهر مرة؛ لتأخذ النفس البشرية حظها من هذا التذكير الشامل في كل شهر، ويا حسرة على أولئك المحرومين من هذه النعمة فكيف بالمحرومين أصلا من نعمة الإيمان بهذا القرآن.