الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
وأما صلة هذا الجزء بما قبله مباشرة فإنه زيادة على ما ذكرناه من قبل نذكر رابطتين جديدتين:
الرابطة الأولى: هي أنه لما أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً أمر كذلك أن يعلن أنه حتى لنفسه لا يملك شيئا فقال: قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً قال ابن كثير بعد أن فسر الآية السابقة على هذه الآية: أخبر عن نفسه أيضا أنه لا يجيره من الله أحدا.
الرابطة الثانية: هناك اتجاه عند المفسرين يربط بين قوله تعالى: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً وبين إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ أي:
لا أملك لكم إلا التبليغ والرسالات وتكون في هذه الحالة آية قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً معترضة بين الآيتين.
3 -
فصل الأمر الثالث في محور السورة في أكثر من جانب، فقد فصل في نوع العذاب العظيم للكافرين، وذكر بعض أسباب الإصرار على الكفر، وهي كثرة الجند وقوة الناصر في الدنيا، كما فصل في أن الإنذار وإن كان لا يؤثر في الكافرين فإنه فريضة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينجو من عذاب الله إلا إذا قام به، فمعرفة عدم استفادة الكافرين من الإنذار شئ والقيام بالتبليغ شئ آخر.
4 -
وبعد أن ذكر الله عز وجل (ما يوعدون) في قوله: حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ يأتي
الأمر الرابع
.
الأمر الرابع:
قُلْ إِنْ أي: ما أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ من العذاب أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً أي: غاية بعيدة، قال النسفي: يعني إنكم تعذبون قطعا ولكن لا أدري أهو حال أم مؤجل، وقال ابن كثير:(يقول تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس إنه لا علم له بوقت الساعة، ولا يدري أقريب وقتها أم بعيد)
عالِمُ الْغَيْبِ أي:
الله وحده عالم الغيب، ومن ثم فهو وحده عالم متى تقوم الساعة، ومتى يعذب هؤلاء الكافرون فَلا يُظْهِرُ أي: فلا يطلع عَلى غَيْبِهِ أَحَداً من خلقه
إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ أي: إلا رسولا ارتضاه، فيعلمه بعض الغيب؛ ليكون إخباره عن الغيب معجزة له، والرسول هنا يعم الرسول الملكي والبشري، كما قال ابن كثير:
فإذا كان الأمر كذلك وكان محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فقد أمر أن يعلن أنه لا يعرف موعد قيام الساعة، فلم يبق أحد في الخلق يعرفها، ثم بين ما يحيط به الرسول من رعاية خاصة يعصمه بها من كل تلبيس أو تخليط في أمر الغيب وغيره، فقال:
فَإِنَّهُ أي: فإن الله يَسْئَلُكَ* أي: يدخل أو يجعل مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ أي:
من أمام الرسول وَمِنْ خَلْفِهِ أي: من خلف الرسول رَصَداً قال النسفي:
أي: حفظة من الملائكة يحفظونه من الشياطين، ويعصمونه من وساوسهم وتخاليطهم حتى يبلغ الوحي، وقال ابن كثير:(أي: يخصه بمزيد معقبات من الملائكة يحفظونه من أمر الله). أقول: وفي هذا دليل على أن قلب الرسول وحده هو المعصوم، وقلب غيره ليس معصوما، والعجيب العجيب أن كثيرا من طبقات هذه الأمة تعامل كثيرا من أفرادها وكأنهم معصومو القلوب، حتى إنهم ليتركون حكم الشرع العظيم بسبب ذلك، ويؤولون الكتاب والسنة بسبب ذلك، بل يتركون الكتاب والسنة بسبب ذلك،
ثم قال تعالى مبينا الحكمة في سلكه الرصد من بين يدي الرسول ومن خلفه فقال: لِيَعْلَمَ على ماذا يعود الضمير هنا؟ قال بعضهم: على الله، وقال بعضهم: على الرسول، وقال بعضهم: على المكلف، ويؤيد القول الأخير قراءة يعقوب بضم الياء في (ليعلم) فيكون المعنى: ليعلم الناس أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ أي: ليعلم المكلفون من خلال رؤيتهم عصمة الوحي عند ما يرون صدق إخبارات الرسل في أمر الغيب أن الرسل قد بلغوا رسالات الله ليس إلا وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ أي: وأحاط الله بما لدى الخلق، أي: وليعلم المكلفون من خلال مشاهدة عصمة الوحي إحاطة علم الله بما عندهم وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً أي: معدودا محصورا أو إحصاء، أي: وليعلم المكلفون من خلال صدق إخبارات الرسل أن الله أحصى كل شئ عددا، فينعكس هذا إيمانا في قلوبهم، أن الله محيط علمه بأفعالهم، ومحص كل شئ، فيؤمنون بالله وصفاته وأسمائه وكمالاته،
ويؤمنون باليوم الآخر والحساب فهذه حكمة اطلاع الله رسله على بعض الغيب، وحكمة جعله الرصد بين أيديهم ومن خلفهم، فإذا كان هذا هو الشأن، ومع ذلك إنه لم يطلع رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم على أمر الساعة، فلا يطمعن أحد أن يعرفها، وبالتالي فالسؤال عنها ليس في محله، هذا ما أتجه إليه في فهم هذه الآيات، وهو اتجاه قريب لاتجاه مجاهد رحمه الله، وابن كثير يضعف هذا الاتجاه، وقد اتجه النسفي اتجاها آخر؛ فأعاد النسفي الضمير في قوله تعالى: لِيَعْلَمَ على الله عز وجل قال (أي: ليعلم الله ذلك موجودا حال