المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل: في فتح مكة ‌ ‌تقديم: تقوم - فيما يبدو لي - استراتيجية - الأساس في السنة وفقهها - السيرة النبوية - جـ ٢

[سعيد حوى]

فهرس الكتاب

- ‌السنة الثالثة للهجرة

- ‌هذه السنة في سطور

- ‌غزوة ذي أمر (بِنَجْدٍ)

- ‌غزوة بَحران

- ‌سرية زيد بن حارثة (إلى القردة)

- ‌فصل: في قتل كعب بن الأشرف في ربيع الأول من السنة الثالثة

- ‌دروس من قتل كعب بن الأشرف

- ‌فصل: في غزوة أحد

- ‌عرض عام

- ‌موقف الرسول الباسل إزاء عمل التطويق:

- ‌تبدد المسلمين في الموقف:

- ‌احتدام القتال حول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌تضاعف ضغط المشركين:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم يواصل المعركة وينقذ الموقف:

- ‌آخر هجوم قام به المشركون:

- ‌التثبت من موقف المشركين:

- ‌1 - بين يدي الالتحام

- ‌2 - الالتحام

- ‌3 - بعد المعركة

- ‌تعليق:

- ‌4 - عبر أحد وبعض دروسها

- ‌5 - فقهيات

- ‌فصل: في غزة حمراء الأسد

- ‌هوامش على غزوة أحد

- ‌تقدير الموقف في نهاية السنة الثالثة

- ‌السنة الرابعة للهجرة

- ‌السنة الرابعة في سطور

- ‌فصل: في سرية أبي سلمة لبني أسد

- ‌فصل: في سرية عبد الله بن أنيس لخالد بن سفيان الهذلي

- ‌فوائد:

- ‌فصل: في بعث الرجيع

- ‌فوائد:

- ‌فصل: في مأساة بئر معونة

- ‌فصل: في إجلاء بني النضير

- ‌تعليقات على حادثة النضير:

- ‌فصل: في غزوتي الرد

- ‌1 - غزوة بني لحيان:

- ‌2 - غزوة ذات الرقاع:

- ‌تعليقات:

- ‌فصل: في غزوة بدر الآخرة

- ‌دروس بدر الآخرة:

- ‌فوائد عامةمن أحداث السنة الرابعة

- ‌تقويم الموقف في نهاية السنة الرابعة

- ‌السنة الخامسة للهجرة

- ‌السنة الخامسة في سطور

- ‌فصل: في غزوة دومة الجندل

- ‌فصل: في غزوتي الأحزاب وقريظة

- ‌1 - من تحقيقات كتاب السير:

- ‌2 - روايات في غزوة الأحزاب:

- ‌فوائد:

- ‌روايات في يوم الخندق

- ‌فقه هذه الروايات:

- ‌هزيمة الله عز وجل للأحزاب:

- ‌فوائد من غزوتي الأحزاب وقريظة

- ‌فصل: في قتل أبي رافع

- ‌فصل: في زواجه عليه الصلاة والسلام بزينب بنت جحش

- ‌جوانب من كمال شخصيته عليه السلام:

- ‌فوائد عامة من أحداث السنة الخامسة

- ‌تقويم الموقف في نهاية السنة الخامسة

- ‌السنة السادسة للهجرة

- ‌أحدث السنة السادسة في سطور

- ‌أهم أحداث هذه السنة في سطور

- ‌فصل: في غزوة نجد وإسلام ثمامة بن أثال

- ‌فصل: في غزوة المريسيع

- ‌1 - وفي هذه الغزوة حدثت حادثة الإفك:

- ‌فوائد من حديث الإفك

- ‌تحقيق حول وجود سعد بن معاذ في قصة الإفك:

- ‌2 - وفي هذه الغزوة قامت فتنة بين المهاجرين والأنصار:

- ‌فصل: في غزوة فزارة

- ‌فصل: في سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين

- ‌فصل: في صلح الحديبية

- ‌1 - النصوص:

- ‌2 - في الصلح: بنوده وحكمه:

- ‌3 - فقهيات

- ‌تعليقات على قصة الحديبية:

- ‌وصلهجوم عبد الرحمن الفزاري على المدينة المنورة

- ‌فصل في: مكاتبته عليه الصلاة والسلام الملوك والأمراء

- ‌فوائد عامة من أحداث السنة السادسة

- ‌تقويم الموقف في نهاية السنة السادسة

- ‌السنة السابعة للهجرة

- ‌أهم أحداث هذه السنة في سطور

- ‌لنلق قبل البدء نظرة كلية على أحداث هذه السنة:

- ‌فصل: في سرية أبان بن سعيد إلى خيبر

- ‌فصل: في غزوة خيبر ووادي القرى

- ‌تقديم:

- ‌فقهيات

- ‌وصل: قصة الحجاج بن علاط

- ‌فصل: في غزوة الرقاع

- ‌فصل: في سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى بني الملوح

- ‌سرية غالب الليثي إلى الحرقات من جهينةوهي معروفة ببعث أسامة بن زيد:

- ‌فصل: في عمرة القضاء

- ‌تعليقات على عمرة القضاء:

- ‌نظرة على أحداث السنة السابعة

- ‌السنة الثامنة للهجرة

- ‌أحداث السنة الثامنة في سطور

- ‌فصل: في إسلام خالد وعمرو وعثمان بن طلحة

- ‌فصل: في سرية شجاع بن وهب

- ‌فصل: في غزوة مؤتة من أرض الشام

- ‌فصل: في غزوة ذات السلاسل

- ‌فصل: في فتح مكة

- ‌تقديم:

- ‌دروس من فتح مكة

- ‌فصل: في سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة

- ‌تعليق:

- ‌فصل: في غزوة حنين

- ‌فصل: في غزوة أوطاس

- ‌فصل: في غزوة الطائف

- ‌فصل: في إسلام كعب بن زهير

- ‌فوائد عامة من أحداث السنة الثامنة

- ‌السنة التاسعة للهجرة

- ‌أحداث السنة التاسعة في سطور

- ‌من أهم أحداث السنة التاسعة

- ‌فصل: في غزوة تبوك

- ‌فصل: في أسر أكيدر دومة الجندل

- ‌فصل: في الحج سنة تسع

- ‌فصل: في تهديم ذي الخلصة

- ‌تقويم الموقف في نهاية السنة التاسعة

- ‌السنتان العاشرة والحادية عشرة

- ‌أحداث هاتين السنتين في سطور

- ‌ سنة عشر:

- ‌ سنة إحدى عشرة:

- ‌فصل: في نماذج من البعوث

- ‌1 - بعث خالد وعلي إلى اليمن قبل حجة الوداع:

- ‌2 - بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن:

- ‌3 - بعث أبي عبيدة إلى اليمن:

- ‌فصل: في نماذج من الوفود

- ‌1 - وفد بني تميم:

- ‌2 - قدوم الأشعريين وأهل اليمن:

- ‌3 - وفد عبد القيس:

- ‌4 - وفد طيء:

- ‌5 - وفد بني حنيفة:

- ‌فائدة:

- ‌فصل: في حجة الوداع

- ‌فصل: في وفاته عليه الصلاة والسلام

- ‌تعليق:

- ‌نظرة عامة على أحداث السنتين العاشرة والحادية عشرة

الفصل: ‌ ‌فصل: في فتح مكة ‌ ‌تقديم: تقوم - فيما يبدو لي - استراتيجية

‌فصل: في فتح مكة

‌تقديم:

تقوم - فيما يبدو لي - استراتيجية العمل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فتح مكة على نقطتين رئيسيتين:

أولاً: تجميع كل المسلمين في المدينة المنورة، وبهذا كان المجتمع الإسلامي في تنام مستمر.

ثانياً: الحركة السياسية والدعوية والعسكرية المستمرة نحو الخارج، وبهذا جعل المجتمع الإسلامي دائم التعبئة كامل الحشد قادراً على الهجوم، متمركزة قواته وهي دائماً على أعلى مستوى قتالي.

وكانت القوى المعادية تحيط بالرسول صلى الله عليه وسلم من كل جانب، وكان هناك طابور خامس داخل المدينة، هذه القوى الخارجية تتمثل بأربع، كل منها تشكل خطراً مباشراً، القبائل النجدية وقبائل الشمال وعلى رأسهم غطفان وقريش ومن يتلاحم معها واليهود وكانت الجزيرة العربية تشكل البعد الاستراتيجي لهذه القوى، ولقد حاول الرسول صلى الله عليه وسلم ما استطاع ألا يجعل هذه القوى تتضافر ضده من خلال المعاهدات أو الحركة الخاطفة والدقيقة.

وكانت سياسته مع القبائل ألا يعطيها فرصة التحشد والتجمع وأن يفاجئها قبل أن تفاجئه وقد استطاع تثبيتها بشكل مستمر سواء كانت شمالية أو نجدية شرقية. وأما سياسته مع قريش فكانت الاستهداف الدائم والتعرض الدائم، وكان أن انجلت هذه السياسة عن صلح الحديبية. وكانت سياسته مع اليهود المعاهدات والوفاء بها حتى يغدروا، فمن غدر أنهاه، وسكت عن يهود خيبر وأبقاهم محاربين حتى تفرغ لهم بعد صلح الحديبية فأنهى كيانهم السياسي، حتى إذا نقضت قريش عهدها بتواطئها مع بكر ضد بني خزاعة أحلافه عليه الصلاة والسلام، استطاع أن ينهي سلطان قريش السياسي والديني، وإذا به عليه الصلاة والسلام فجأة أمام قطف ثمرات سياسته الحكيمة فلقد كانت كل القوى المباشرة قد استسلمت فلم يبق لبعدها الاستراتيجي إلا أن يستسلم، وهكذا جاءت الجزيرة العربية أفواجاً مؤيدة ومبايعة.

ص: 879

(إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توباا)(1).

لقد سيطر الرسول صلى الله عليه وسلم استراتيجياً على الجزيرة العربية منذ أنهى خيبر وفتح مكة. إن أحداً في تاريخ هذا العالم لا يعدل محمداً صلى الله عليه وسلم في أنه حقق ما حقق ووضع الأساس راسخاً إلى الأبد دون أن يرتكب خطأ سياسياً أو استراتيجياً أو تكتيكياً واحداً، إنه التوفيق الإلهي، وإنها الرسالة والنبوة.

إن القبائل في الجزيرة العربية كانت تشكل خطراً عندما كان لها رأس يمكن أن تتجمع حوله، أو عندما يوجد مركز تنطلق منه، وقد فاتها ذلك بانتهاء خيبر وفتح مكة، واجتمعت الدعوة مع القوة فجعلتها تفكر في السير على الطريق المستقيم.

وقد استثمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتح أيما استثمار، فأرسل البعوث والسرايا الكثيرة، وبلغه أن القبائل المحيطة بالطائف وأهل الطائف يحشدون له فسارع إليهم، وكانت معركة حنين، ولما انهزم أهلها تابعهم، فكان من آثار ذلك معركة أوطاس ثم توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف عاصمة الحجاز الثالثة بعد مكة والمدينة، ولو أنها فتحت له لأصبح الحجاز كله صافياً له داخلاً دخولاً مباشراً في دولته، ولكن ذلك تأخر إلى السنة التاسعة كما سنرى.

كانت رحلة الفتح مليئة بالأحداث، فقد استمرت أكثر من سبعين يوماً، فقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة في 10 رمضان سنة 8 هـ، ورجع إليها لست ليال بقين من ذي القعدة على قول.

ومن أهم أحداثها: فتح مكة، وغزوة حنين، ومعركة أوطاس، وحصار الطائف، وإرساله عليه الصلاة والسلام السرايا والبعوث، فمن مكة أرسل سرايا على حسب تتبعات المباركفوري.

* * *

(1) النصر: 1 - 3.

ص: 880

597 -

* روى أحمد والطبراني عن ذي الجوشن الضبابي، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن فرغ من أهل بدر بابن فرس لي يقال لها: القرحاء: فقلت: يا محمد إني قد جئتك بابن القرحاء لتتخذه قال: "لا حاجة لي فيه، وإن أردت أقيض كبها المختارة من دروع بدر فعلت؟ " قال: ما كنت لأقيضه اليوم بغرة، قال:"لا حاجة لي فيه" ثم قال: "يا ذا الجوشن ألا تسلم فتكون من أول أهل هذا الأمر؟ " فقلت: لا قال: "لم" قلت: إني رأيت قومك ولعوا بك قال: "فكيف بلغك عن مصارعهم ببدر؟ " قلت: قد بلغني، قال:"فأنى يهدي لك؟ " قلت: إن تغلب على الكعبة وتقطنها. قال: "لعلك إن عشت ترى ذلك" ثم قال "يا بلال خذ حقيبة الرجل فزوده من العجوة". فلما أدبرت قال: "أما إنه من خير فرسان بني عامر" قال: فوالله إني بأهلي بالغور، إذ أقبل راكب، فقلت: ما فعل الناس؟ قال: والله قد غلب محمد على الكعبة وقطنها. فقلت: هبلتني أمي ولو اسلمت يومئذ ثم أسأله الحيرة لأقطعنيها.

وفي رواية (1) فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما يمنعك من ذلك؟ " قال: رأيت قومك قد كذبوك وأخرجوك وقاتلوك فأنظر ما تصنع فإن ظهرت عليهم آمنت بك واتبعتك، وإن ظهروا عليك لم أتبعك - وذكر الحديث بنحوه.

ذكرنا هذا الحديث هنا للإشعار بأن العرب كانوا ينتظرون نهاية الصراع بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل مكة ليتخذوا قرارهم النهائي.

597 - أحمد في مسنده (4/ 67).

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 162): رواه عبد الله بن أحمد وأبوه ولم يسق المتن، والطبراني، ورجالهما رجال الصحيح.

الغرة: تأتي الغرة بمعنى الأمة او العبد والمراد هنا الفرس كما ذكر ابن الأثير في النهاية. قال: يريد أنه ما كان ليقيض به فرساً فكيف يقيض به ما هو دونه وهو الدرع.

أنى: بمعنى آن والتقدير أما آن أن تهتدي بهذا.

العجوة: ضرب من أجود التمر بالمدينة.

هبلتني أمي: أي فقدتني.

(1)

أحمد في مسنده (4/ 68).

ص: 881

598 -

* روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (لرادك إلى معاد)(1) قال: إلى مكة.

599 -

* روى البزار عن أبي هريرة أن قائد خزاعة قال:

اللهم إني ناشد محمداً

حلف أبينا وأبيه الأتلدا

فانصر هداك الله نصراً أعتدا

وادع عباد الله يأتوا مددا

600 -

* روى أبو يعلى عن عائشة قالت: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب فيما كان من شأن بني كعب غضباً لم أره غضبه منذ زمان، وقال:"لا نصرني الله إن لم أنصر بني كعب" قالت: وقال لي: "قولي لأبي بكر وعمر يتجهزا لهذا الغزو" قال: فجاءا إلى عائشة، فقالا: أين يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فقالت: لقد رأيته غضب فيما كان من شأن بني كعب غضباً لم أره غضبه منذ زمان من الدهر.

601 -

* روى البخاري ومسلم عن عبيد الله بن أبي رافع قال: سمعت علياً رضي الله عنه يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال: "انطلقوا حتى تأتوا روضة

598 - البخاري (7/ 509) 65 - كتاب التفسير - 2 - باب (إن الذي فرض عليك القرآن) الآية.

(لرادك إلى معاد): أي: لراجعك إلى مكة، كذا جاء في التفسير في البخاري.

(1)

القصص: 85.

599 -

البزار: كشف الأستار (2/ 342)، كتاب الهجرة والمغازي، باب غزوة الفتح.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 162): رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن عمرو، وحديثه حسن.

600 -

أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 161)، وقال: رواه أبو يعلى عن حزام بن هشام بن حبيش عن أبيه عنها، وقد وثقهما ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح.

وقال صاحب الجرح والتعديل: حزام بن هشام بن حبيش: شيخ محله الصدق. وسكت عن أبيه.

بنو كعب: خزاعة حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم، والأصل أن بني كعب هم أكبر بطون خزاعة فأطلق اسمهم على بني خزاعة جميعاً.

601 -

البخاري (7/ 519) 64 - كتاب المغازي - 46 - باب غزوة الفتح، وما بعث به حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة يخبرهم بغزو النبي صلى الله عليه وسلم.

ومسلم (4/ 1941) 44 - كتاب فضائل الصحابة - 36 - باب من فضائل أهل بدر، رضي الله عنهم، وقصة حاطب بن أبي بلتعة.

ص: 882

خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوا منها" قال فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، قلنا لها: أخرجي الكتاب، قالت: ما معي كتاب. فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب. قال فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة - إلى ناس بمكة من المشركين - يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا حاطب ما هذا؟ " قال: يا رسول الله، لا تعجل علي، إني كنت امرءاً ملصقاً في قريش - يقول: كنت حليفاً - ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين من لهم بها قرابات يحمون أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يداً يحمون قرابتي، ولم أفعله ارتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما إنه قد صدقكم" فقال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال "إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدراً قال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" فأنزل الله السورة: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق) إلى قوله (فقد ضل سواء السبيل)(1).

كان حاطب كتب كتاباً إلى قريش يخبرهم بسير رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين إليهم وأرسله مع جارية إلى مكة، وكان حاطب من المهاجرين وممن شهد بدراً.

وفي رواية أبي عبد الرحمن السلمي (2) عن علي قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد - والزبير - وكلنا فارس

ثم ساقه بمعناه ولم يذكر نزول الآية.

= خاخ: مكان بين مكة والمدينة، بقرب المدينة.

الظعينة: في الأصل. المرأة ما دامت في الهودج، ثم جعلت المرأة إذا سافرت ظعينة، ثم نقل إلى المرأة نفسها، سافرت أو أقامت، وظعن يظعن: إذا سافر.

عقاصها: العقاص: جمع عقصة أو عقيصة، وهي الضفيرة من الشعر إذا لويت وجعلت مثل الرمانة، أو لم تلو، والمعنى: أخرجت الكتاب من ضفائرها المعقوصة.

ملصقاً: الملصق: هو الرجل المقيم في الحي، وليس منهم بنسب.

(1)

الممتحنة: 1.

(2)

البخاري (7/ 304) 64 - كتاب المغازي - 9 - باب فضل من شهد بدراً.

ص: 883

وفي رواية نحوه (1)، وفيه: قال فأدركناها تسير على جمل لها حيث قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قلنا: أين الكتاب الذي معك؟ قالت: ما معي كتاب فأنخنا بها فابتغينا في رحلها، فما وجدنا شيئاً. قال صاحباي: ما نرى كتاباً. قال قلت: لقد علمت ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يحلف به لنخرجن الكتاب أو لأجردنك. قال: فلما رأت الجد مني أهوت بيدها إلى حجزتها - وهي محتجزة بكساء - فأخرجت الكتاب. قال فانطلقنا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .... وذكر الحديث.

قال في الفتح:

قوله (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد) كذا في رواية عبيد الله بن أبي رافع، وفي رواية أبي عبد الرحمن السلمي عن علي كما تقدم في فضل من شهد بدراً "بعثني وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام، فيحتمل أن يكون الثلاثة كانوا معه، فذكر أحد الراويين عنه ما لم يذكره الآخر ولم يذكر ابن إسحاق مع علي والزبير أحدا، وساق الخبر بالتثنية. قال "فخرجا حتى أدركاها فاستنزلاها إلخ" فالذي يظهر أنه كان مع كل منهما آخر تبعاً له.

قوله (إني كنت امرءاً ملصقاً في قريش) أي حليفاً، وقد فسره بقوله "كنت حليفاً ولم أكن من أنفسها" وعند ابن إسحاق "وليس في القوم من أصل ولا عشيرة" وعند أحمد "وكنت غريباً" قال السهيلي: كان حاطب حليفاً لعبد الله بن حميد بن زهير بن أسد بن عبد العزى، واسم أبي بلتعة عمرو، وقيل كان حليفاً لقريش. قوله (يحمون بها قرابتي) في رواية ابن إسحاق "وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل، فصانعتهم عليه" وسيأتي تكملة شرح هذا الحديث في سورة الممتحنة، وذكر بعض أهل المغازي وهو في "تفسير يحيى بن سلام" أن لفظ الكتاب "أما بعد يا معشر قريش فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءكم بجيش كالليل، يسير

= ومسلم (4/ 1942) 44 - كتاب فضائل الصحابة - 36 - باب من فضل أهل بدر، رضي الله عنهم، وقصة حاطب بن أبي بلتعة.

(1)

البخاري (11/ 46) 79 - كتاب الاستئذان - 23 - باب من نظر في كتاب من يحذر على المسلمين ليستبين أمره. ابتغينا: الابتغاء: الطلب.

حجزة: احتجز الرجل: شد إزاره على وسطه، والحجزة: موضع الشد.

ص: 884

كالسيل، فوالله لو جاءكم وحده لنصره الله وأنجز له وعده. فانظروا لأنفسكم والسلام" كذا حكاه السهيلي. وروى الواقدي بسند له مرسل أن حاطباً كتب إلى سهيل بن عمرو وصفوان ابن أمية وعكرمة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في الناس بالغزو، ولا أراه يريد غيركم، وقد أحببت أن يكون لي عندكم يد".

602 -

* روى البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا غزوة الفتح في رمضان.

قال الزهري: وسمعت سعيد بن المسيب يقول مثل ذلك.

603 -

* روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في رمضان من المدينة، ومعه عشرة آلاف، وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمه المدينة، فسار هو ومن معه من المسلمين إلى مكة، يصوم ويصومون، حتى بلغ الكديد - وهو ماء بين عسفان وقديد - أفطر وأفطروا.

إلا أن لفظ البخاري أتم وأطول، وهو هذا.

604 -

* روى الطبراني عن ابن عباس قال: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستعمل على المدينة ابا رهم كلثوم بن الحصين الغفاري، وخرج لعشر مضين من رمضان فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصام الناس معه حتى إذا كان بالكديد - ماء بين عسفان وأمج - أفطر ثم مضى حتى نزل مر الظهران في عشرة آلاف من المسلمين، والف من مزينة وسليم وفي كل القبائل عدد وسلاح واوعب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرون والأنصار لم يتخلف منهم أحد

602 - البخاري (8/ 3) 64 - كتاب المغازي - 48 - باب غزوة الفتح في رمضان.

603 -

البخاري في نفس الموضع السابق.

ومسلم نحوها (2/ 784) 13 - كتاب الصيام - 15 - باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية إذا كان سفره مرحلتين فأكثر.

604 -

أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 164)، وقال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح. والزيادة التي بين الأقواس من سيرة ابن هشام (4/ 17).

في عشرة آلاف من المسلمين وألف من مزينة وسليم: الألف ضمن العشرة آلاف، وليس المراد أنها زائدة عليها.

ص: 885

فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران وقد عميت الأخبار على قريش، فلم يأتهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ولم يدروا ما هو فاعل، وخرج في تلك الليلة أبو سفيان بن حرب وحكيم ابن حزام وبديل بن ورقاء يتحسسون، وينظرون، هل يجدون خبراً، أو يسمعون به وقد كان العباس بن عبد المطلب تلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الطريق عند الجحفة وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين المدينة ومكة بنيق العقاب، والتمسا الدخول عليه فكلمته أم سلمة فيهما فقالت: يا رسول الله ابن عمك، وابن عمتك وصهرك. قال:"لا حاجة لي بهما، أما ابن عمي فهتك عرضي بمكة، وأما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال" فلما خرج الخبر إليهما بذلك ومع أبي سفيان بني له، فقال: والله ليأذنن لي أو لآخذن بيد بني هذا، ثم لنذهبن بالأرض حتى نموت عطشاً وجوعاً. فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: رق لهما، ثم أذن لهما، فدخلا فأسلما، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران قال العباس: واصباح قريش، والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل أن يستأمنوه إنه لهلاك قريش آخر الدهر. قال: فجلست على بلغة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء، فخرجت عليها حتى جئت الأراك. فقلت: لعلي ألقى بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة، يأتي مكة فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستأمنوه قبل أن يدخلها عنوة. قال: فوالله إني لأسير عليها وألتمس ما خرجت له إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء وهما يتراجعان، وأبو سفيان يقول: ما رأيت كاليوم قط نيراناً ولا عسكراً قال: يقول بديل: هذه والله نيران خزاعة حمشتها الحرب، قال يقول أبو سفيان: خزاعة والله أذل وألأم من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها. قال: فعرفت صوته فقلت: يا أبا حنظلة فعرف صوتي فقال: أبو الفضل؟ فقلت: نعم، فقال: مالك فداك أبي وأمي؟ فقلت! ويحك يا أبا سفيان، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، واصباح قريش والله، قال: فما الحيلة فداك أبي وأمي؟ قال: قلت: لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فاركب معي هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأستأمنه لك، قال: فركب خلفي ورجع صاحباه وحركت به، فكلما

= حمشتها: أحرقتها.

ص: 886

مررت بنار من نيران المسلمين قالوا: من هذا؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: عم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب، فقال: من هذا؟ وقام إلي فلما رأى أبو سفيان على عجز البغلة قال: أبو سفيان عدو الله، الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد. ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وركضت البغلة، فسبقته بما تسبق الدابة الرجل البطيء فاقتحمت عن البغلة، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخل عمر فقال: يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد فدعني، فلأضرب عنقه، فقلت: يا رسول الله إني أجرته، ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: لا والله لا يناجيه الليلة رجل دوني. قال: فلما أكثر عمر في شأنه، قلت: مهلاً يا عمر، أما والله أن لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت هذا، ولكنك عرفت أنه من رجال بني عبد مناف. فقال: مهلاً يا عباس، والله لإسلامك يوم أسلمت أحب إلي من إسلام الخطاب أبي لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب لو أسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اذهب به إلى رحلك يا عباس فإذا أصبحت فائتني به" فذهبت به إلى رحلي، فبات عندي فلما أصبح غدوت به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تشهد أن لا إله إلا الله؟ " قال: بأبي أنت وأمي ما أكرمك وأحلمك وأوصلك، لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئاً قال:"ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟ " قال: بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، هذه والله كان في النفس منها شيء حتى الآن، قال العباس: ويحك يا أبا سفيان. أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله قبل أن يضرب عنقك، قال: فشهد شهادة الحق وأسلم، قلت: يا رسول الله إن أبا سفيان يحب هذا الفخر فاجعل له شيئاً قال: "نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن" فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا عباس احبسه بالوادي عند حطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها" قال: فخرجت به

= الحطم من الجبل: مضيقه حيث يزدحم الناس بعضهم بعضاً.

ص: 887

حتى حبسته بمضيق الوادي حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحبسه. قال: ومرت به القبائل على راياتها، فكلما مرت قبيلة قال: من هؤلاء يا عباس فأقول: بنو سليم. فيقول: مالي ولسليم، قال: ثم تمر القبيلة، فيقول: من هؤلاء فأقول: مزينة، فيقول: مالي ولمزينة حتى نفدت القبائل يعني جاوزت، لا تمر قبيلة إلا قال: من هؤلاء؟ فأقول: بنو فلان. فيقول: مالي ولبني فلان حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخضراء (أي في كتيبة خضراء) والأنصار لا يرى منهم سوى الحدق قال: سبحان الله من هؤلاء يا عباس؟ قلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار. قال: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة، والله يا أبا الفضل، لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيماً. قلت: يا أبا سفيان إنها النبوة. قال: فنعم إذاً، قلت: التجئ إلى قومك، قال: فخرج حتى جاءهم صرخ بأعلى صوته: يا قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فقامت إليه امرأته هند بنت عتبة، فأخذت بشار به فقالت: اقتلوا الحميت (الدسم) الأحمس فبئس طليعة قوم. قال: ويحكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم، فإنه قد جاء بما لا قبل لكم به، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن قالوا: ويحك وما تغني عنا دارك قال: ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن، فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد.

605 -

* روى البزار عن أنس قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، كان قيس (أي: ابن سعد) في مقدمته، فكلم سعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يصرفه عن الموضع الذي هو فيه مخافة أن يقدم على شيء فصرفه عن ذلك.

606 -

* روى البخاري عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال: لما سار رسول الله

= الحميت: زق السمن. في النهاية: "الحميت الأحمس" قالتها في معرض الذم.

الدسم: الكثير الودك، والودك: دسم اللحم.

الأحمس: الشديد اللحم.

لا قبل: أي: لا طاقة.

605 -

البزار في كشف الأستار (2/ 342)، كتاب الهجرة والمغازي، باب غزوة الفتح.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 175): رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح.

606 -

البخاري (8/ 5) 64 - كتاب المغازي 48 - باب أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح؟

ص: 888

صلى الله عليه وسلم عام الفتح، فبلغ ذلك قريشاً، خرج أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء، يلتمسون الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبلوا يسيرون، حتى أتوا مر الظهران، فإذا هم بنيران، كأنها نيران عرفة، فقال أبو سفيان: ما هذه؟ لكأنها نيران عرفة، فقال بديل بن ورقاء: نيران بني عمرو، فقال أبو سفيان: عمرو أقل من ذلك، فرآهم ناس من حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأدركوهم فأخذوهم، فأتوا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم أبو سفيان، فلما سار قال للعباس:"احبس أبا سفيان عند خطم الجبل، حتى ينظر إلى المسلمين"، فحبسه العباس، فجعلت القبائل تمر مع النبي صلى الله عليه وسلم، تمر كتيبة كتيبة على أبي سفيان، فمرت كتيبة، فقال: يا عباس، من هذه؟ فقال: هذه غفار، قال: مالي ولغفار، ثم مرت جهينة، وقال مثل ذلك، ثم مرت سعد بن هذيم، فقال مثل ذلك ومرت سليم، فقال مثل ذلك، حتى أقبلت كتيبة لم ير مثلها، قال: من هذه؟ قال: هؤلاء الأنصار، عليهم سعد بن عبادة معه الراية. فقال سعد بن عبادة: يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الكعبة. فقال أبو سفيان: يا عباس، حبذا يوم الذمار، ثم جاءت كتيبة، وهي أقل الكتائب، فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وراية النبي صلى الله عليه وسلم مع الزبير بن العوام، فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان، قال: ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة؟ قال: "ما قال" قال: قال كذا وكذا، فقال:"كذب سعد، ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة، ويوم تكسى فيه الكعبة" قال: وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تركز رايته بالحجون، قال عروة: وأخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال: سمعت العباس يقول للزبير بن العوام: يا أبا عبد الله، ها هنا أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تركز الراية؟ "قال: نعم"، قال: وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ خالد بن الوليد أن

= خطم الجبل: أنفه، وهو شيء يخرج منه يضيق به الطريق.

كتيبة: الكتيبة: واحدة الكتائب، وهي العساكر المرتبة.

الملحمة: الحرب والقتال الذي لا مخلص منه.

الذمار: ما لزمك حفظه، يقال: فلان حامي الذمار: يحمي ما يجب عليه حفظه. والمراد به هنا الدفاع عن الأرواح والأعراض والأموال.

كذب سعد: أي أخطأ.

بالحجون: الحجون: أحد جبلي مكة من جهة الغرب والشمال.

ص: 889

يدخل من أعلى مكة من كداء، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من كدى، فقتل من خيل خالد بن الوليد رضي الله عنه يومئذ رجلان: حبيش بن الأشعر، وكرز بن جابر الفهري.

قال الحافظ في الفتح: قوله: وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ خالد بن الوليد أن يدخل من أعلى مكة من كداء، أي: بالمد، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من كدى، أي: بالقصر، قال الحافظ: وهذا مخالف للأحاديث الصحيحة الآتية أن خالداً دخل من أسفل مكة، والنبي صلى الله عليه وسلم من أعلاها، وكذا جزم ابن إسحاق أن خالداً دخل من أسفل مكة، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من أعلاها، وضربت له هناك قبة، وقد ساق ذلك موسى بن عقبة سياقاً واضحاً، فقال: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام على المهاجرين وخيلهم، وأمره أن يدخل من كداء من أعلى مكة، وأمره أن يغرز رايته بالحجون ولا يبرح حتى يأتيه، وبعث خالد بن الوليد في قبائل قضاعة وسليم وغيره وأمره أن يدخل من أسفل مكة، وأن يغرز رايته عند أدنى البيوت، وبعث سعد بن عبادة في كتيبة الأنصار في مقدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرهم أن يكفوا أيديهم ولا يقاتلوا إلا من قاتلهم. أهـ.

وقال في الفتح: قوله (فبلغ ذلك قريشاً) ظاهره أنهم بلغوا مسيره قبل خروج أبي سفيان وحكيم بن حزام، والذي عند ابن إسحاق وعند ابن عائذ من مغازي عروة: ثم خرجوا وقادوا الخيول حتى نزلوا بمر الظهران ولم تعلم بهم قريش. وكذا في رواية أبي سلمة عند ابن أبي شيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالطرق فحبست، ثم خرج، فغم على أهل مكة الأمر، فقال أبو سفيان لحكيم بن حزام: هل لك أن تركب إلى أمر لعلنا أن نلقى خبراً؟ فقال له بديل بن ورقاء: وأنا معكم، قالا: وأنت إن شئت فركبوا. وفي رواية ابن عائذ من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: لم يغز رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً حتى بعث إليهم ضمرة يخيرهم بين إحدى ثلاث: أن يودوا قتيل خزاعة (1)، وبين أن يبرأوا من حلف بكر، أو ينبذ إليهم على سواء. فأتاهم ضمرة فخيرهم، فقال قرظة بن عمرو: لا نودي ولا نبرأ، ولكنا ننبذ إليه على سواء. فانصرف ضمرة بذلك. فأرسلت قريش أبا سفيان يسأل رسول الله

= من كداء: كداء بالفتح والمد: ثنية من أعلى مكة، مما يلي المقبرة، وكدى - بالضم والقصر - ثنية من أسفل مكة.

(1)

قوله: أن يودوا قتيل خزاعة: أي: يدفعوا ديته، وخزاعة: حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قتلته بكر حليفة قريش.

ص: 890

صلى الله عليه وسلم في تجديد العهد وكذلك أخرجه مسدد من مرسل محمد بن عباد بن جعفر، فأنكره الواقدي وزعم أن أبا سفيان إنما توجه مبادراً قبل أن يبلغ المسلمين الخبر، والله أعلم. وفي مرسل عكرمة عند ابن أبي شيبة ونحوه في مغازي عروة عند ابن إسحاق وابن عائذ "فخافت قريش، فانطلق أبو سفيان إلى المدينة فقال لأبي بكر: جدد لنا الحلف، قال: ليس الأمر إلي. ثم أتى عمر فأغلظ له عمر. ثم أتى فاطمة فقالت له: ليس الأمر إلي. فأتي عليا فقال: ليس الأمر إلي. فقال: ما رأيت كاليوم رجلاً أضل - أي من أبي سفيان - أنت كبير الناس، فجدد الحلف. قال: فضرب إحدى يديه على الأخرى وقال: قد أجرت بين الناس. ورجع إلى مكة فقالوا له: ما جئتنا بحرب فنحذر، ولا بصلح فنأمن" لفظ عكرمة وفي رواية عروة "فقالوا له: لعب بك علي وإن إخفار جوارك لهين عليهم" فيحتمل أن يكون قوله "بلغ قريش" أي غلب على ظنهم ذلك لا أن مبلغاً بلغهم ذلك حقيقة.

وقوله (نيران عرفة) إشارة إلى ما جرت به عادتهم من إيقاد النيران الكثيرة ليلة عرفة، وعند ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه في تلك الليلة فأوقدوا عشرة آلاف نار.

قوله (فقال بديل بن ورقاء: هذه نيران بني عمرو) يعني خزاعة، وعمرو يعني ابن لحي (فقال أبوس فيان: عمرو أقل من ذلك) ومثل هذا في مرسل أبي سلمة، وفي مغازي عروة عند ابن عائذ عكس ذلك وأنهم لما رأوا الفساطيط وسمعوا صهيل الخيل فراعهم ذلك فقالوا: هؤلاء بنو كعب - يعني خزاعة، وكعب أكبر بطون خزاعة - جاشت بهم الحرب. فقال بديل: هؤلاء أكثر من بني كعب ما بلغ تأليبها هذا. قالوا: فانتجعت هوازن أرضنا، والله ما نعرف هذا، أنه هذا المثل صاح الناس. قوله (فرآهم ناس من حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركوهم فأخذوهم) في رواية ابن عائذ "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بين يديه خيلاً تقبض العيون، وخزاعة على الطريق لا يتركون أحداً يمضي، فلما دخل أبو سفيان وأصحابه عسكر المسلمين أخذتهم الخيل تحت الليل" وفي مرسل أبي سلمة (وكان حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم نفراً من الأنصار، وكان عمر بن الخطاب عليهم تلك الليلة فجاءوا بهم إليه فقالوا: جئناك بنفر أخذناهم من أهل مكة، فقال عمر: والله لو جئتموني بأبي سفيان ما زدتم، قالوا قد أتيناك بأبي سفيان) وعند ابن إسحاق (أن العباس خرج ليلاً فلقي أبا سفيان وبديلاً، فحمل أبا

ص: 891

سفيان معه على البغلة ورجع صاحباه) ويمكن الجمع بأن الحرس لما أخذوهم استنقذ العباس أبا سفيان. وفي رواية ابن إسحاق (فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران قال العباس: والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنه لهلاك قريش، قال: فجلست على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جئت الأراك (1) فقلت: لعلي أجد بعض الحطابة أو ذا حاجة يأتي مكة فيخبرهم، إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء، قال: فعرفت صوته فقلت: يا أبا حنظلة، فعرف صوتي فقال: أبا الفضل؟ قلت: نعم. قال: ما الحيلة؟ قلت: فاركب في عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستأمنه لك، قال: فركب خلفي ورجع صاحباه) وهذا مخالف للرواية السابقة أنهم أخذوهم، ولكن عند ابن عائذ (فدخل بديل وحكيم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلما) فيحمل قوله (ورجع صاحباه) أي بعد أن أسلما. واستمر أبو سفيان عند العباس لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم له أن يحبسه حتى يرى العساكر. ويحتمل أن يكونا رجعا لما التقى العباس بأبي سفيان فأخذهما العسكر أيضاً. وفي مغازي موسى ابن عقبة ما يؤيد ذلك، وفيه (فلقيهم العباس فأجارهم وأدخلهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم بديل وحكيم، وتأخر أبو سفيان بإسلامه حتى أصبح) ويجمع بين ما عند ابن إسحاق ومرسل أبي سلمة بأن الحرس أخذوهم، فلما رأوا أبا سفيان مع العباس تركوه معه. وفي رواية عكرمة (فذهب به العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة له فقال: "يا أبا سفيان أسلم تسلم" قال: كيف أصنع باللات والعزى؟ قال فسمعه عمر فقال: لو كنت خارجاً من القبة ما قلتها أبداً، فأسلم أبو سفيان، فذهب به العباس إلى منزله، فلما اصبح ورأى مبادرة الناس إلى الصلاة أسلم". قوله (احبس أبا سفيان) في رواية موسى بن عقبة أن العباس قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا آمن أن يرجع أبو سفيان فيكفر، فاحبسه حتى تريه جنود الله، ففعل، فقال أبو سفيان: أغدرا يا بني هاشم؟ قال العباس. لا ولكن لي إليك حاجة فتصبح فتنظر جنود الله للمشركين وما أعد الله للمشركين، فحبسه بالمضيق دون الأراك حتى أصبحوا. قوله (عند خطم الجبل) في رواية النسفي والقابسي بفتح الخاء المعجمة وسكون المهملة وبالجيم والموحدة أي أنف الجبل، وهي رواية ابن إسحاق

(1) حتى جئت الأراك: هي منطقة قرب مكة يكثر فيها شجر الأراك الذي يتخذ منه السواك.

ص: 892

وغيره من أهل المغازي، وفي رواية الأكثر بفتح المهملة من اللفظة الأولى وبالخاء المعجمة وسكون التحتانية (أي عند حطم الخيل) أي ازدحامها، وإنما حبسه هناك لكونه مضيقاً ليرى الجميع ولا يفوته رؤية أحد منهم.

هناك ثلاثة أقوال فيمن دفعت إليه الراية التي نزعت من سعد. والذي يظهر في الجمع أن عليا أرسل بنزعها، وأن يدخل بها، ثم خشي تغير خاطر سعد فأمر بدفعها لابنه قيس، ثم إن سعداً خشي أن يقع من ابنه شيء ينكره النبي صلى الله عليه وسلم فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذها منه فحينئذ أخذها الزبير. وهذه القصة الأخيرة قد ذكرها البزار من حديث أنس بإسناد على شرط البخاري ولفظه "كان قيس في مقدمة النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة، فكلم سعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يصرفه عن الموضع الذي فيه مخافة أن يقدم على شيء، فصرفه عن ذلك".

وعند البيهقي بإسناد حسن من حديث ابن عمر قال: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح رأى النساء يلطمن وجوه الخيل بالخمر، فتبسم إلى أبي بكر فقال: يا أبا بكر كيف قال حسان؟ فأنشده قوله:

عدمت بنيتي إن لم تروها

تثير النقع (1) موعدها كداء (2)

ينازعن الأسنة مسرجات

يلطمهن (3) بالخمر (4) النساء

فقال (ادخلوها من حيث قال حسان). وذكر ابن إسحاق أن أصحاب خالد لقوا ناساً من قريش، منهم سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية كانوا تجمعوا بالخندمة بالخاء المعجمة والنون مكان أسفل مكة ليقاتلوا المسلمين، فناوشوهم شيئاً من القتال، فقتل من خيل خالد سلمة بن الميلاء الجهني، وقتل من المشركين اثنا عشر رجلاً أو ثلاثة عشر وانهزموا، وفي ذلك يقول حماس بن قيس بن خالد البكري - قال ابن هشام: ويقال هي للمرعاش الهذلي - يخاطب امرأته حين لامته على الفرار من المسلمين:

(1) النقع: الغبار.

(2)

كداء: بوزن سحاب، ثنية بأعلى مكة.

(3)

يلطمهن: تضرب النساء وجوه الخيل لتردهن.

(4)

الخمر: جمع خمار وهو ما تغطي به المرأة رأسها ووجهها. أي إن النساء كن يضربن وجوه الخيل بخمرهن يوم الفتح.

ص: 893

إنك لو شهدت يوم الخندمه

إذ فر صفوان وفر عكرمه

واستقبلتنا بالسيوف المسلمه

يقطعن كل ساعد وجمجمه

ضربا فلا يسمع إلا غمغمه

لم تنطقي في اللوم أدنى كلمه

وعند موسى بن عقبة: واندفع خالد بن الوليد حتى دخل من أسفل مكة، وقد تجمع بها بنو بكر وبنو الحارث بن عبد مناة وناس من هذيل ومن الأحابيش الذين استنصرت بهم قريش، فقاتلوا خالداً، فقاتلهم، فانهزموا وقتل من بني بكر نحو عشرين رجلاً ومن هذيل ثلاثة أو أربعة، حتى انتهى بهم القتل إلى الحزورة إلى باب المسجد حتى دخلوا في الدور، وارتفعت طائفة منهم على الجبال، وصاح أبو سفيان: من أغلق بابه وكف يده فهو آمن، قال: ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البارقة فقال: "ما هذا وقد نهيت عن القتال؟ " فقالوا: نظن أن خالداً قوتل وبدئ بالقتال فلم يكن له بد من أن يقاتل. ثم قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن اطمأن لخالد بن الوليد: "لم قاتلت وقد نهيتك عن القتال؟ " فقال: هم بدءونا بالقتال ووضعوا فينا السلاح، وقد كففت يدي ما استطعت. فقال:"قضاء الله خير" وذكر ابن سعد أن عدة من أصيب من الكفار أربعة وعشرون رجلاً، ومن هذيل خاصة أربعة، وقيل مجموع من قتل منهم ثلاثة عشر رجلاً. وروى الطبراني من حديث ابن عباس قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"إن الله حرم مكة" الحديث، فقيل له: هذا خالد بن الوليد يقتل، فقال:"قم يا فلان فقل له فليرفع القتل" فأتاه الرجل فقال: إن نبي الله يقول لك اقتل من قدرت عليه، فقتل سبعين ثم اعتذر الرجل إليه، فسكت" قال: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أمراءه أن لا يقتلوا إلا من قاتلهم، غير أنه أهدر دم نفر سماهم. وقد جمعت أسماءهم من مفرقات الأخبار وهم: عبد العزى بن خطل، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وعكرمة بن أبي جهل، والحويرث بن نقيد بنون وقاف مصغراً، ومقيس بن صبابة بمهملة مضمومة وموحدتين الأولى خفيفة، وهبار بن الأسود. وقينتان كانتا لابن خطل كانتا تغنيان بهجو النبي، وسارة مولاة بني المطلب وهي التي وجد معها كتاب حاطب. فأما ابن أبي سرح فكان أسلم ثم ارتد ثم شفع فيه عثمان يوم الفتح إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحقن دمه وقبل إسلامه. وأما عكرمة ففر إلى اليمن

ص: 894

فتبعته امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام فرجع معها بأمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما الحويرث فكان شديد الأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فقتله علي يوم الفتح. وأما مقيس بن صبابة فكان أسلم ثم عدا على رجل من الأنصار فقتله، وكان الأنصاري قتل أخاه هشاماً خطأ، فجاء مقيس فأخذ الدية ثم قتل الأنصاري ثم ارتد، فقتله نميلة بن عبد الله يوم الفتح. وأما هبار فكان شديد الأذى للمسلمين وعرض لزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجرت فنخس (1) بعيرها فأسقطت، ولم يزل ذلك المرض بها حتى ماتت، فلما كان يوم الفتح بعد أن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه أعلن بالإسلام فقبل منه فعفا عنه. وأما القينتان فاسمهما فرتني وقرينة، فاستؤمن لإحداهما فأسلمت وقتلت الأخرى. وأما سارة فأسلمت وعاشت إلى خلافة عمر. وقال الحميدي: بل قتلت. وذكر أبو معشر فيمن أهدر دمه الحارث بن طلاطل الخزاعي قتله علي. وذكر غير ابن إسحاق أن فرتني هي التي أسلمت وأن قرينة قتلت وذكر الحاكم أيضاً ممن أهدر دمه كعب بن زهير وقصته مشهورة، وقد جاء بعد ذلك وأسلم ومدح. ووحشي بن حرب وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان وقد أسلمت. وارنب مولاة ابن خطل أيضاً قتلت فيما ذكر ابن إسحاق فكملت العدة ثمانية رجال وست نسوة ويحتمل أن تكون أرنب. وأم سعد هما القينتان اختلف في اسمهما أو باعتبار الكنية واللقب.

وعند موسى بن عقبة في المغازي - وهي أصح ما صنف في ذلك عند الجماعة - ما نصه "أن أبا سفيان وحكيم بن حزام قالا: يا رسول الله كنت حقيقاً أن تجعل عدتك وكيدك بهوازن، فإنهم أبعد رحماً وأشد عداوة، فقال: "إني لأرجو أن يجمعهما الله لي: فتح مكة وإعزاز الإسلام بها، وهزيمة هوازن وغنيمة أموالهم". فقال أبو سفيان وحكيم: فادع الناس بالأمان، أرأيت إن اعتزلت قريش فكفت أيديها أآمنون هم؟ قال:"من كف يده وأغلق داره فهو آمن" قالوا: فابعثنا نؤذن بذلك فيهم: قال: "انطلقوا، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل دار حكيم فهو آمن" ودار أبي سفيان بأعلى مكة ودار حكيم بأسفلها. فلما توجها قال العباس: يا رسول الله إني لا آمن أبا سفيان أن يرتد، فرده حتى تريه جنود الله. قال:"أفعل" فذكر القصة، وفي ذلك تصريح بعموم التأمين، فكان

(1) نخس الدابة: طعن مؤخرها أو جنبها بالمنخاس لتنشط.

ص: 895

هذا أماناً منه لكل من لم يقاتل من أهل مكة، فمن ثم قال الشافعي: كانت مكة مأمونة ولم يكن فتحها عنوة، والأمان كالصلح. وأما الذين تعرضوا للقتال أو الذين استثنوا من الأمان وأمر أن يقتلوا ولو تعلقوا بأستار الكعبة فلا يستلزم ذلك أنها فتحت عنوة. ويمكن الجمع بين حديث أبي هريرة في أمره صلى الله عليه وسلم بالقتال وبين حديث الباب في تأمينه صلى الله عليه وسلم لهم بأني كون التأمين علق بشرط وهو ترك قريش المجاهرة بالقتال، فلما تفرقوا إلى دورهم ورضوا بالتأمين المذكور لم يستلزم أن أوباشهم الذين لم يقبلوا ذلك وقاتلوا خالد بن الوليد ومن معه فقاتلهم حتى قتلهم وهزمهم أن تكون البلد فتحت عنوة، لأن العبرة بالأصول لا بالأتباع وبالأكثر لا بالأقل، ولا خلاف مع ذلك أنه لم يجر فيها قسم غنيمة ولا سبي من أهلها ممن باشر القتال أحد، وهو ما يؤيد قول من قال لم يكن فتحها عنوة. وعند أبي داود بإسناد حسن "عن جابر أنه سئل: هل غنمتم يوم الفتح شيئاً؟ قال: لا" وجنحت طائفة - منهم الماوردي - إلى أن بعضها فتح عنوة لما وقع من قصة خالد بن الوليد المذكورة، وقرر ذلك الحاكم في "الإكليل". والحق أن صورة فتحها كان عنوة معاملة أهلها معاملة من دخلت بأمان، ومنع جمع منهم السهيلي ترتب عدم قسمتها وجواز بيع دورها وإجارتها على أنها فتحت صلحاً، أما أولاً لفلأن الإمام محير في قسمة الأرض بين الغانمين إذا انتزعت من الكفار وبين إبقائها وقفاً على المسلمين، ولا يلزم من ذلك منع بيع الدور وإجارتها. وأما ثانياً فقال بعضهم: لا تدخل الأرض في حكم الأموال، لأن من مضى كانوا إذا غلبوا على الكفار لم يغنموا الأموال، فتنزل النار فتأكلها وتصير الأرض عموماً لهم كما قال الله تعالى (ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم)(1) الآية. وقال (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها)(2) الآية. والمسألة مشهورة فلا نطيل بها هنا. اهـ.

607 -

* روى مسلم عن عبد الله بن رباح عن أبي هريرة قال: وفدت وفود إلى

(1) المائدة 21.

(2)

الأعراف 137.

607 -

مسلم (3/ 1405) 32 - كتاب الجهاد والسير - 31 - باب فتح مكة.

ص: 896

معاوية - وذلك في رمضان - فكان يصنع بعضنا لبعض الطعام فكان أبو هريرة مما يكثر أن يدعونا إلى رحله، فقلت: ألا أصنع طعاماً فأدعوهم إلى رحلي؟ فأمرت بطعام يصنع، ثم لقيت أبا هريرة من العشي، فقلت: الدعوة عندي الليلة، فقال: سبقتني؟ قلت: نعم، فدعوتهم، فقال أبو هريرة: ألا أعلمكم بحديث من حديثكم يا معشر الأنصار؟

ثم ذكر فتح مكة، فقال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم مكة، فبعث الزبير على إحدى المجنبتين بعث خالداً على المجنبة الأخرى، وبعث أبا عبيدة على الحسر، فأخذوا بطن الوادي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبة، قال: فنظر فرآني، فقال:"أبو هريرة؟ " قلت: لبيك يا رسول الله، فقال:"لا يأتيني إلا أنصاري" زاد غير شيبان - (أي الراوي) - فقال: "اهتف لي بالأنصار" قال: فأطافوا به، ووبشت قريش أوباشاً لها وأتباعاً - فقالوا: نقدم هؤلاء، فإن كان لهم شيء كنا معهم، وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم؟ " ثم قال بيديه - إحداهما على الأخرى - ثم قال: "حتى توافوني بالصفا" قال: فانطلقنا، فما شاء أحد منا أن يقتل أحداً إلا قتله، وما أحد منهم يوجه إلينا شيئاً، قال: فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله، أبيحت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم، ثم قال:"من دخل دار أبي سفيان فهو آمن" فقالت الأنصار بعضهم لبعض: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته، ورأفة بعشيرته، قال أبو هريرة: وجاء الوحي - وكان إذا جاء الوحي لا يخفى علينا، فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينقضي الوحي - فلما انقضى الوحي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا معشر الأنصار" قالوا: لبيك يا رسول الله، قال:"قلتم: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته؟ " قالوا: قد كان ذلك، قال:(1)

= المجنبتين: المجنبة: جانب العسكر، وله مجنبتان: ميمنة وميسرة.

على الحسر: جمع حاسر، وهو الذي لا درع عليه ولا مغفر.

أطافوا به: أحاطوا، وإنما خصهم لثقته بهم ورفعاً لمراتبهم وإظهاراً لجلالتهم وخصوصيتهم.

وبشت أوباشاً لها: الأوباش: الجموع من قبائل شتى، والتوبيش: الجمع، أي: جمعت لها جموعاً من أقوام متفرقين في الأنساب والأماكن.

أبيحت خضراء قريش: أي: استؤصلت وأهلكت، وخضراؤها: سوادها ومعظمها، والعرب تعبر بالخضرة عن السواد، وبالسواد عن الكثرة.=

ص: 897

"كلا، إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، والمحيا محياكم، والممات مماتكم" فأقبلوا إليه يبكون، ويقولون: والله ما قلنا الذي قلنا إلا الضن بالله وبرسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله ورسوله يصدقانكم، ويعذرانكم" قال: فأقبل الناس إلى دار أبي سفيان، وأغلق الناس أبوابهم، قال: وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل إلى الحجر فاستلمه، ثم طاف بالبيت. قال: فأتى على صنم إلى جانب البيت كانوا يعبدونه: قال: وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس، وهو آخذ بسية القوس، فلما أتى على الصنم جعل يطعن في عينه، ويقول:"جاء الحق، وزهق الباطل" فلما فرغ من طوافه أتى الصفا، فعلا عليه حتى نظر إلى البيت، ورفع يديه، فجعل يحمد الله ويدعو ما شاء أن يدعو ..

وفي رواية (1) بهذا الحديث، وزاد في الحديث: ثم قال بيديه، إحداهما على الأخرى:"احصدوهم حصداً" وقال في الحديث: قالوا: قلنا: ذاك يا رسول الله، قال:"فما اسمي إذاً؟ كلا، إني عبد الله ورسوله".

وفي أخرى (2) قال: وفدنا إلى معاوية بن أبي سفيان، وفينا أبو هريرة، فكان كل رجل منا يصنع طعاماً يوماً لأصحابه، فكانت نوبتي، فقلت: يا أبا هريرة، اليوم نوبتي، فجاؤوا إلى المنزل، ولم يدرك طعامنا، فقلت: يا أبا هريرة، لو حدثتنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدرك طعامنا؟ فقال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، فجعل خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى. وجعل الزبير على المجنبة اليسرى وجعل أبا عبيدة على البياذقة

= هاجرت إلى الله وإليكم: أي هاجرت إلى الله تعالى وإلى دياركم لاستيطانها فلا أتركها ولا أرجع عن هجرتي الواقعة لله تعالى.

الضن: البخل والشح، ضننت أضن، وضننت أضن.

فاستلمه: استلام الحجر الأسود: لمسه باليد.

سية القوس: مخففاً: طرفها إلى موضع الوتر.

زهق الباطل: أي اضمحل وذهب ضائعاً.

(1)

مسلم (3/ 1407) 32 - كتاب الجهاد والسير - 31 - باب فتح مكة.

(2)

مسلم في نفس الموضع السابق.

البياذقة: الرجالة، سموا بذلك لخفة حركتهم وأنهم ليس معهم ما يثقلهم.

ص: 898

وبطن الوادي، فقال:"يا أبا هريرة، ادع لي الأنصار" فدعوتهم، فجاؤوا يهرولون، فقال:"يا معشر الأنصار، هل ترون أوباش قريش؟ " قالوا: نعم قال: "انظروا إذا لقيتموهم غداً: أن تحصدوهم حصداً" وأخفى بيده، ووضع يمينه على شماله - وقال:"موعدكم الصفا"، قال: فما أشرف يومئذ لهم أحد إلا أناموه، قال: وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا وجاءت الأنصار، فأطافوا بالصفا، فجاء أبو سفيان، فقال: يا رسول الله، أبيدت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم، قال أبو سفيان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن" فقالت الأنصار: أما الرجل، فقد أخذته رأفة بعشيرته، ورغبة في قريته، ونزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"قلتم: أما الرجل: فقد أخذته رأفة بعشيرته، ورغبة في قريته؟ ألا فما اسمي إذاً؟! - ثلاث مرات - أنا محمد عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، فالمحيا محياكم، والممات مماتكم" قالوا: والله، ما قلنا إلا ضناً بالله ورسوله، قال:"فإن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم".

وفي رواية أبي داود (1) عن عبد الله بن رباح الأنصاري عن أبي هريرة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة سرح الزبير بن العوام، وأبا عبيدة بن الجراح، وخالد بن الوليد على الخيل، وقال:"يا أبا هريرة، اهتف بالأنصار" قال: "اسلكوا هذا الطريق، فلا يشرفن لكم أحد إلا أنمتموه" فنادى مناد: لا قريش بعد اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من دخل داراً فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن" وعمد صناديد قريش فدخلوا الكعبة، فغص بهم، وطاف النبي صلى الله عليه وسلم وصلى خلف المقام، ثم أخذ بجنبتي الباب، فخرجوا، فبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام.

= احصدوهم: الحصد: كناية عن الاستئصال والمبالغة في القتل.

أحفى: قال الحميدي: أحفى بيده: أشار بحافتها، وصفاً للحصد والقتل.

أناموه: أي قتلوه، ومنه سمي السيف منيماً، أي: مهلكاً.

(1)

أبو داود (3/ 163)، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب ما جاء في خبر مكة.

ص: 899

608 -

* روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته - يقرأ سورة الفتح قال: فقرأ ابن مغفل ورجع فقال معاوية: لولا الناس لأخذت لكم بذلك الذي ذكره ابن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي رواية أبي داود (1) قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة - وهو على ناقة - يقرأ بسورة الفتح، وهو يرجع.

609 -

* روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح من داء التي بأعلى مكة.

وفي رواية (2): أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى مكة دخلها من أعلاها، وخرج من أسفلها.

608 - البخاري بنحوه (8/ 13) 64 - كتاب المغازي - 48 - باب أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح؟

ومسلم بلفظه (1/ 547) 6 - كتاب صلاة السمافرين وقصرها - 35 - باب ذكر قراءة النبي صلى الله عليه وسلم سورة الفتح يوم فتح مكة.

الترجيع: هو تقارب ضروب الحركات في القراءة، وأصله: الترديد، وترجيع الصوت: ترديده في الحلق، وقد جاء تفسيره في حديث عبد الله بن مغفل في كتاب التوحيد من صحيح البخاري "أاأ" بهمزة مفتوحة بعدها ألف ساكنة ثم همزة أخرى، كذا ضبطه الحافظ وغيره، وقال العلامة علي القاري: الأظهر أنها ثلاث ألفات ممدودات. ثم قالوا: يحتمل أمرين.

أحدهما: أن ذلك حدث من هز الناقة.

والآخر: أنه أشبع المد في موضعه، فحدث ذلك، قال الحافظ: وهذا الثاني أشبه بالسياق، فإن في بعض طرقه "لولا أن يجتمع الناس، لقرأت لكم بذلك "اللحن" أي: النغم، وقد ثبت الترجيع في غير هذا الموضع، فأخرج الترمذي في "الشمائل" والنسائي وابن ماجه وأبو داود واللفظ له من حديث أم هانئ "كنت أسمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ. وأنا نائمة على فراشي - يرجع القرآن"، وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة، معنى الترجيع: تحسين التلاوة، لا ترجيع الغناء، لأن القراءة بترجيع الغناء، تنافي الخشوع الذي هو مقصود التلاوة.

(1)

أبو داود (2/ 74)، كتاب الصلاة، باب استحباب الترتيل في القراءة.

609 -

البخاري (8/ 18) 64 - كتاب المغازي - 49 - باب دخول النبي صلى الله عليه وسلم من أعلى مكة.

ومسلم نحوه (2/ 918) 15 - كتاب الحج - 37 - باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا والخروج منها من الثنية السفلى.

(2)

البخاري بنحوه (3/ 437) 25 - كتاب الحج - 41 - باب من أين يخرج من مكة؟

ومسلم بلفظه (2/ 918) 15 - كتاب الحج - 37 - باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا والخروج منها من الثنية السفلى.

ص: 900

زاد في رواية (1): قال هشام (أي ابن عروة بن الزبير): فكان أبي يدخل منهما كليهما، وكان أكثر ما يدخل من كداء.

وفي رواية أبي داود (2): دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح من كداء من أعلى مكة، ودخل في العمرة من كدى، قال: وكان عروة يدخل منهما جميعاً، وكان أكثر ما كان يدخل من كدى، وكان أقربهما إلى منزله.

610 -

* روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام. وفي رواية قتيبة. قال: حدثنا أبو الزبير عن جابر.

وزاد النسائي في أخرى (3): أرخى طرفها بين كتفيه.

قوله: (وعليه عمامة سوداء) فيه جواز لبس الثياب السود وفي الرواية (الأخرى خطب الناس وعليه عمامة سوداء) فيه جواز لباس الأسود في الخطبة وإن كان الأبيض أفضل منه، كما ثبت في الحديث الصحيح "خير ثيابكم البياض"(4). وأما لباس الخطباء السواد في حال الخطبة فجائز ولكن الأفضل البياض كما ذكرناه وإنما لبس العمامة السوداء في هذا الحديث بياناً للجواز والله أعلم. اهـ (شرح صحيح مسلم).

وفي رواية للبخاري ومسلم (5) عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر.

(1) مسلم في نفس الموضع السابق (2/ 919).

(2)

أبو داود (2/ 174)، كتاب المناسك، باب دخول مكة.

610 -

مسلم (2/ 990) 15 - كتاب الحج - 84 - باب جواز دخول مكة بغير إحرام.

(3)

النسائي (8/ 211)، كتاب الزينة، باب إرخاء طرف العمامة بين الكتفين.

(4)

أخرجه ابن ماجه (1/ 473) 6 - كتاب الجنائز - 12 - باب ما جاء فيما يستحب من الكفن.

وأخرج الترمذي نحوه (5/ 117) 44 - كتاب الأدب - 46 - باب ما جاء في لبس البياض. وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(5)

البخاري (10/ 275) 77 - كتاب اللباس - 17 - باب المغفر.

ومسلم (2/ 990) 15 - كتاب الحج - 84 - باب جواز دخول مكة بغير إحرام.

ص: 901

611 -

* روى الطبراني عن عبد الله بن عمرو قال: لما فتحت مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كفوا السلاح إلا خزاعة عن بني بكر" فأذن لهم حتى صلى العصر ثم قال: "كفوا السلاح" فلقي رجل من خزاعة رجلاً من بني بكر من غد بالمزدلفة، فقتله، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام خطيباً فقال، ورأيته وهو مسند ظهره إلى الكعبة:"إن أعدى الناس على الله من قتل في الحرم، أو قتل غير قاتله أو قتل بذحول الجاهلية" فقام رجل فقال: إن فلاناً ابني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا دعوة في الإسلام ذهب أمر الجاهلية، الولد للفراش، وللعاهر الأثلب" قالوا: وما الأثلب؟ قال "الحجر" وقال: "لا صلاة بعد الغداة حتى تطلع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس" قال: "ولا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها".

612 -

* روى أبو داود والنسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم الفتح بمكة فكبر ثلاثاً، ثم قال:"لا إله إلا الله وحده صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده: ألا إن كل مأثرة كانت في الجاهلية تذكر وتدعى من دم، أو مال تحت قدمي، إلا ما كان من سقاية الحاج، وسدانة البيت" ثم قال: "ألا إن دية الخطأ شبه العمد - ما كان بالسوط والعصا -: مائة من الإبل، منها أربعون في بطونها أولادها".

= قوله (وعلى رأسه المغفر): بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الفاء، وهو المنسوج من الدرع على قدر رأسه. ولا تعارض بينه وبين حديث:(وعليه عمامة سوداء) إذ يحتمل أن تكون العمامة فوق المغفر أو العكس أو كان أول دخوله على رأسه المغفر ثم أزاله ولبس العمامة بعد ذلك أ. هـ وقاله السندي.

611 -

أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 177)، وقال: رواه الطبراني، ورجاله ثقات.

ذحول: جمع ذحل، والذحل الحقد والعداوة، يقال: طلب بذحله: أي طلب بثأره.

دعوة: في النسب بالكسر وهو أن ينتسب الإنسان إلى غير أبيه وعشيرته وقد كانوا يفعلونه. فنهى عنه وجعل الولد للفراش.

الأثلب: الحجارة.

612 -

أبو داود (4/ 185)، كتاب الديات، باب في الخطأ شبه العمد.

والنسائي بعضه (8/ 40)، كتاب القسامة، باب كم دية شبه العمد؟

مأثرة المأثرة: واحدة المآثر المروية عن العرب، وهي مكارم أخلاقها، التي يحدث بها عنها.

سقاية الحاج: ما كانوا يسقونه الحجيج من الزبيب المنبوذ في الماء.

سدانة البيت: خدمته، والبيت: بيت الله الحرام.

ص: 902

- وفي أخرى لأبي داود (1)، قال:"عقل شبه العمد مغلظة مثل عقل العمد، ولا يقتل صاحبه".

زاد في رواية (2)"وذلك أن ينزو الشيطان بين الناس، فتكون دماء في عميا في غير ضغينة، ولا حمل سلاح".

613 -

* روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة، قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:"إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين، فإنها لا تحل لأحد كان قبلي، وإنها أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحل لأحد من بعدي فلا ينفر صيدها، ولا يختلى شوكها، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد. ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يفدى، وإما أن يقيد" فقال العباس: إلا الإذخر، فإنا نجعله لقبورنا وبيوتنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إلا الإذخر" فقام أبو شاه - رجل من أهل

(1) أبو داود (4/ 190)، كتاب الديات، باب ديات الأعضاء.

العقل: الدية، وأصلها: أن القاتل كان إذا قتل قتيلاً جمع الدية من الإبل فعقلها بفناء أولياء المقتول ليقبلوها منه، فسميت، الدية عقلاً، وأصل الدية: الإبل، ثم قومت بعد ذلك بالذهب والورق وغيرهما. والعاقلة: هم العصبة والأرقاب من قبل الأب، الذين يعطون دية قتيل الخطأ.

(2)

أبو داود (4/ 190)، كتاب الديات، باب ديات الأعضاء.

ينزو: النزو: الوثوب.

عمياً: أي: جهالة. والمراد به: الخطأ. والمعنى: أن يترامى القوم فيوجد بينهم قتيل لا يدرى من قتله، ويعمى أمره فلا يتبين، ففيه الدية.

ضغينة: الضغينة: الحقد.

613 -

البخاري (5/ 87) 45 - كتاب اللقطة - 7 - باب كيف تعرف لقطة أهل مكة؟

ومسلم (2/ 988) 15 - كتاب الحج - 82 - باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها، إلا لمنشد، على الدوام.

ولا يختلى: الخلا: العشب، واختلاؤه: قطعه.

ساقطتها إلا لمنشد: الساقطة: هي اللقطة، وهو الشيء الذي يلقى على الأرض لا صاحب له يعرف، وقوله:"لا تحل إلا لمنشد" يعني: لمعرف، وهو من نشدت الضالة: إذا طلبتها، فأنت ناشد، وأنشدتها: إذا عرفتها، فأنت منشد، واللقطة في جميع البلاد لا تحل إلا لمن أنشدها سنة، ثم يتملكها بعد السنة، بشرط الضمان لصاحبه إذا وجده، فأما مكة، فإن في لقطتها وجهين، أحدهما: أنها كسائر البلاد، والثاني: لا تحل، لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا تحل لقطتها إلا لمنشد" ولامراد به: منشد على الدوام، وإلا فأي فائدة لتخصيص مكة بالإنشاد؟.

ص: 903

اليمن - فقال: اكتبوا لي يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اكتبوا لأبي شاه". قلت للأوزاعي: ما قوله اكتبوا لي يا رسول الله؟ قال: هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم".

قال في الفتح: واستدل بحديثي ابن عباس وأبي هريرة المذكورين في هذا الباب على أن لقطة مكة لا تلتقط للتمليك بل للتعريف خاصة، وهو قول الجمهور، وإنما اختصت بذلك عندهم لإمكان إيصالها إلى ربها، لأنها إن كانت للمكي فظاهر، وإن كانت للآفاقي فلا يخلو أفق غالباً من وارد إليها، فإذا عرفها واجدها في كل عام سهل التوصل إلى معرفة صاحبها، قاله ابن بطال. وقال أكثر المالكية وبعض الشافعية: هي كغيرها من البلاد، وإنما تختص مكة بالمبالغة في التعريف لأن الحاج يرجع إلى بلده وقد لا يعود فاحتاج الملتقط بها إلى المبالغة في التعريف. واحتج ابن المنير لمذهبه بظاهر الاستثناء، لأنه نفى الحل واستثنى المنشد فدل على أن الحل ثابت للمنشد لأن الاستثناء من النفي إثبات، قال: ويلزم على هذا أن مكة وغيرها سواء، والقياس يقتضي تخصيصها. والجواب أن التخصيص إذا وافق الغالب لم يكن له مفهوم، والغالب أن لقطة مكة ييأس ملتقطها من صاحبها وصاحبها من وجدانها لتفرق الخلق إلى الآفاق البعيدة، فربما داخل الملتقط الطمع في تملكها من أول وهلة فلا يعرفها فنهى الشارع عن ذلك وأمر أن لا يأخذها إلا من عرفها، وفارقت في ذلك لقطة العسكر ببلاد الحرب بعد تفرقهم فإنها لا تعرف في غيرهم باتفاق، بخلاف لقطة مكة فيشرع تعريفها لإمكان عود اهل أفق صاحب اللقطة إلى مكة فيحصل متوصل إلى معرفة صاحبها وقال إسحاق بن راهويه: قوله "إلا لمنشد" أي لمن سمع ناشداً يقول: من رأى لي كذا؟ فحينئذ يجوز لواجد اللقطة أن يعرفها ليردها على صاحبها، وهو أضيق من قول الجمهور لأنه قيده بحالة للمعرف دون حالة، وقيل: المراد بالمنشد الطالب حكاه أبو عبيد، وتعقبه بأنه لا يجوز في اللغة تسمية الطالب منشداً. قلت: ويكفي في رد ذلك قوله في حديث ابن عباس: "لا يلتقط لقطتها إلا معرف" والحديث يفسر بعضه بعضاً، وكأن هذا (1)

= بخير النظرين: خير النظرين: أوفق الأمرين له، فإما أن يدوا، أي: يعطوا الدية، وهي العقل، وإما أن يقاد، أي: يقتل قصاصاً، فأي الأمرين اختار ولي الدم كان له، وهو مذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة: من وجب له القصاص لم يجز له تركه وأخذ الدية.

ص: 904

هو النكتة في تصدير البخاري الباب بحديث ابن عباس، وأما اللغة فقد أثبت الحربي جواز تسمية الطالب منشداً وحكاه عياض أيضاً واستدل به على أن لقطة عرفة والمدينة النبوية كسائر البلاد لاختصاص مكة بذلك، وحكى الماوردي في "الحاوي" وجهاً في عرفة أنها تلتحق بحكم مكة لأنها تجمع الحاج كمكة ولم يرجح شيئاً، وليس الوجه المذكور في "الروضة" ولا أصلها، واستدل به على جواز تعريف الضالة في المسجد الحرام بخلاف غيره من المساجد، وهو أصح الوجهين عند الشافعية. والله أعلم. ا. هـ.

قال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم (اكتبوا لأبي شاه) هذا تصريح بجواز كتابة العلم غير القرآن ومثله حديث علي رضي الله عنه ما عنده إلا ما في هذه الصحيفة ومثله حديث أبي هريرة: كان عبد الله بن عمرو يكتب ولا أكتب وجاءت أحاديث بالنهي عن كتابة غير القرآن فمن السلف من منع كتابة العلم وقال جمهور السلف بجوازه ثم أجمعت الأمة بعدهم على استحبابه، وأجابوا عن أحاديث النهي بجوابين: أحدهما: أنها منسوخة وكان النهي في أول الأمر قبل اشتهار القرآن لكل أحد، فنهى عن كتابة غيره خوفاً من اختلاطه واشتباهه، فلما اشتهر وأنمت تلك المفسدة أذن فيه. والثاني: أن النهي تنزيه لمن وثق بحفظه وخيف اتكاله على الكتابة والإذن لمن لم يوثق بحفظه، والله أعلم. أ. هـ

614 -

* روى الترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم فتح مكة، فقال:"يا أيها الناس، إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية، وتعاظمها بآبائها، فالناس رجلان: بر تقي كريم على الله عز وجل، وفاجر شقي هين على الله عز وجل والناس كلهم بنو آدم، وخلق الله آدم من تراب قال الله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) إلى (إن الله عليم خبير) "(2).

615 -

وعن عبد الله بن زرير قال: قال علي للعباس: قل للنبي يعطيك الخزانة

614 - الترمذي (5/ 389) 48 - كتاب تفسير القرآن - 50 - باب "من سورة الحجرات". وإسناده حسن.

عبية: العبية: بضم العين وكسرها، وتشديد الباء والياء، مأخوذ من العبء: الثقل.

(2)

الحجرات 13.

615 -

أورده الهيثمي في مجمع الزوائد، وقال: رواه أبو يعلى وهو مرسل، عبد الله بن زرير لم يدرك القصة.=

ص: 905

فسأله العباس فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أعطيكم ما هو خير لكم من ذلك ما يرزؤكم ولا ترزؤنها فأعطاهم السقاية".

وفي رواية (1) عن عبد الله بن أبي زرير عن علي عن أبيه قال: قلت للعباس: سل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجابة، فسأله فقال:"أعطيكم السقاية ترزؤكم ولا ترزؤنها" وقلت للعباس: سل رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعملك على الصدقات فقال: "ما كنت لأستعملك على غسالة ذنوب الناس".

616 -

* روى النسائي وابن ماجه عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح ولواؤه أبيض.

617 -

* روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته، مردفاً أسامة بن زيد، ومعه بلال، ومعه عثمان بن طلحة من الحجبة، حتى أناخ في المسجد، فأمره أن يأتي بمفتاح البيت فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه أسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة، فمكث فيه نهاراً طويلاً ثم خرج فاستبق الناس، فكان عبد الله بن عمر أول من دخل، فوجد بلالاً وراء الباب قائماً، فسأله: أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ فأشار له إلى المكان الذي صلى فيه، قال عبد الله: فنسيت أن أسأله: كم صلى سجدة؟ ".

قال في الفتح: وعند ابن إسحاق بإسناد حسن عن صفية بنت شيبة قالت: "لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم واطمأن الناس خرج حتى جاء البيت فطاف به، فلما قضى طوافه دعا عثمان ابن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتح له فدخلها، ثم وقف على باب الكعبة فخطب"

= الخزانة: السدانة والحجابة.

الرزء: المصيبة.

(1)

أورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه البزار، ورجاله ثقات.

616 -

النسائي (5/ 200)، كتاب المناسك، باب دخول مكة باللواء. ولكن دون قوله:"يوم الفتح".

وابن ماجه (2/ 941) 24 - كتاب الجهاد. 20 - باب الرايات والألوية.

617 -

البخاري (8/ 18) 64 - كتاب المغازي - 49 - باب دخول النبي صلى الله عليه وسلم من أعلى مكة.

الحجبة: جمع حاجب، وهو سادن البيت.

ص: 906

قال ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم أنه صلى الله عليه وسلم قام على باب الكعبة، فذكر الحديث، وفيه: ثم قال "يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل فيكم؟ " قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم. قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء" ثم جلس فقام علي فقال: اجمع لنا الحجابة والسقاية، فذكره. وروى ابن عائذ من مرسل عبد الرحمن بن سابط أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع مفتاح الكعبة إلى عثمان فقال: "خذها خالدة مخلدة، إني لم أدفعها إليكم ولكن الله دفعها إليكم، ولا ينزعها منكم إلا ظالم" ومن طريق ابن جريج أن علياً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: اجمع لنا الحجابة والسقاية، فنزلت:(إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها)(1) فدعا عثمان فقال: "خذوها يا بني شيبة خالدة تالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم" ومن طريق علي بن أبي طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا بني شيبة، كلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف" وروى الفاكهي من طريق محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ناول عثمان المفتاح قال له: "غيبه" قال الزهري: فلذلك يغيب المفتاح. ومن حديث ابن عمر أن بني أبي طلحة كانوا يقولون: لا يفتح الكعبة إلا هم، فتناول النبي صلى الله عليه وسلم المفتاح ففتحها بيده. ا. هـ

618 -

روي البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة من كداء، من الثنية العليا التي عند البطحاء، وخرج من الثنية السفلى.

وفي رواية له ولمسلم (2): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج من طريق الشجرة، ويدخل من طريق المعرس.

زاد البخاري (3): وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج إلى مكة يصلي في مسجد الشجرة، فإذا رجع صلى بذي الحليفة ببطن الوادي، وبات حتى يصبح.

(1) النساء: 58.

618 -

البخاري (3/ 436) 25 - كتاب الحج - 40 - باب من أين يدخل مكة؟.

الثنية: موضع مرتفع من الأرض.

كداء: بفتح الكاف ممدوداً: من أعلى مكة، وبضمها مقصوراً: من أسفلها.

(2)

البخاري (3/ 391) 25 - كتاب الحج - 15 - باب خروج النبي صلى الله عليه وسلم على طريق الشجرة.

ومسلم (2/ 918) 15 - كتاب الحج - 37 - باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا والخروج منها من الثنية السفلى.

(3)

البخاري في نفس الموضع السابق.

ص: 907

وعند مسلم (1): وإذا دخل مكة دخل من الثنية العليا التي بالبطحاء ويخرج من الثنية السفلى.

قال النووي: قيل إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذه المخالفة في طريقه داخلاً وخارجاً تفاؤلاً بتغير الحال إلى أكمل منه كما فعل في العيد، وليشهد له الطريقان وليتبرك به أهلهما ومذهبنا أنه يستحب دخول مكة من الثنية العليا والخروج منها من السفلى لهذا الحديث ولا فرق بين أن تكون هذه الثنية على طريقه كالمدني والشامي أو لا تكون كاليمني فيستحب لليمني وغيره أن يستدير ويدخل مكة من الثنية العليا وقال بعض أصحابنا: إنما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم لنها كانت على طريقه ولا يستحب لمن ليست على طريقه كاليمني وهذا ضعيف والصواب الأول وهكذا يستحب له أن يخرج من بلده من طريق ويرجع من أخرى لهذا الحديث.

619 -

* روى الطبراني عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعثمان يوم الفتح: "ائتني بمفتاح الكعبة" فأبطأ عليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم ينتظره حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق، ويقول:"ما يحبسه؟ " فسعى إليه رجل، وجعلت المرأة التي عندها المفتاح - حسبت أنه قال أم عثمان - تقول: إن أخذه منكم لم يعطيكموه أبداً فلم يزل بها عثمان، حتى أعطته المفتاح فانطلق به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتح الباب، ثم دخل البيت، ثم خرج والناس معه فجلس عند السقاية فقال علي بن أبي طالب: يا رسول الله لئن كنا أوتينا النبوة، وأعطينا السقاية، وأعطينا الحجابة ما قوم بأعظم نصيباً منا فكأن النبي صلى الله عليه وسلم كره مقالته، ثم دعا عثمان بن طلحة فدفع إليه المفتاح وقال:"غيبوه" قال عبد الرزاق: فحدثت به ابن عيينة فقال: أخبرني ابن جريج أحسبه قال عن ابن أبي مليكة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي يومئذ حين كلمه في المفتاح: "إنما أعطيكم ما ترزؤون ولم أعطكم ما ترزؤون" يقول أعطيكم السقاية لأنكم تغرمون فيها ولم أعطكم البيت أي إنهم يأخذون من هديته، هذا قول عبد الرزاق.

(1) مسلم في الموضع السابق.

619 -

أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 176)، وقال: رواه الطبراني مرسلاً، ورجاله رجال الصحيح.

ترزؤون: تصابون. أعطيكم ما ترزؤون لا ما ترزؤون: أعطيكم ما هو نقص لكم ولا ينقصني.

ص: 908

620 -

* وروى الطبراني عن ابن عباس قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وعلى الكعبة ثلثمائة وستون صنماً وقد شد لهم إبليس أقدامهم بالرصاص، فجاء ومعه قضيبه فجعل يهوي به إلى كل صنم منها فيخر لوجهه ويقول:"جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً" حتى مر عليها كلها.

وفي رواية البخاري ومسلم (1) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: دخل رسول الله مكة يوم الفتح، وحول الكعبة ستون وثلاثمائة نصب، فجعل يطعنها بعود في يده، ويقول:"جاء الحق وزهق الباطل، جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد".

قال ابن حجر: قوله (بعود في يده ويقول: جاء الحق) في حديث أبي هريرة عند مسلم (يطعن في عينيه بسية القوس) وفي حديث ابن عمر عند الفاكهي وصححه ابن حبان (فيسقط الصنم ولا يمسه)، وللفاكهي والطبراني من حديث ابن عباس (فلم يبق وثن استقبله إلا سقط على قفاه، مع أنها كانت ثابتة بالأرض، وقد شد لهم إبليس أقدامها بالرصاص) وفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لإذلال الأصنام وعابديها، ولإظهار أنها لا تنفع ولا تضر، ولا تدفع عن نفسها شيئاً. ا. هـ.

621 -

* روى أحمد وأبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب زمن الفتح وهو بالبطحاء، أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها، فلم يدخلها النبي حتى محيت كل صورة فيها.

قال في بذل المجهود: والظاهر أن ما أمره صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب كان مختصاً بما نقش من

620 - المعجم الكبير (10/ 339).

والبزار مختصراً: كشف الأستار (2/ 345).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 176): رواه الطبراني، ورجاله ثقات، ورواه البزار باختصار.

(1)

البخاري (8/ 15) 64 - كتاب المغازي - 48 - باب أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح؟.

ومسلم (3/ 1408) 32 - كتاب الجهاد والسير - 32 - باب إزالة الأصنام من حول الكعبة.

نصب: النصب: بضم الصاد وسكونها: الصنم، وجمعها أنصاب.

621 -

أحمد في مسنده (3/ 335).

وأبو داود (4/ 74)، كتاب اللباس، باب في الصور. وإسناده حسن.

ص: 909

الصور على الجدران، فأمره بمحوها، وأما الأصنام وذي الأجرام منها فبقيت فيها حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة فأزالها بنفسه كما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلها وفيها ثلاثمائة وستون نصباً، فيطعن فيها ويقول:"جاء الحق وزهق الباطل".

622 -

* روى أبو داود عن وهب بن منبه قال: سألت جابراً: هل غنموا يوم الفتح شيئاً؟ قال: لا.

623 -

* روى الطبراني عن سعيد بن يربوع وكان يسمى الصرم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: "أربعة لا أؤمنهم في حل ولا حرم: الحويرث بن نفيل، ومقيس ابن صبابة، وهلال بن خطل، وعبد الله بن أبي سرح" فأما حويرث فقتله علي رضي الله عنه، وأما مقيس بن صبابة فقتله ابن عم له بلحاء، وأما هلال بن خطل فقتله الزبير، وأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح فاستأمن له عثمان بن عفان رضي الله عنه وكان أخاه من الرضاعة. وقينتين كانتا لمقيس تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلت إحداهما وأفلتت الأخرى فأسلمت.

وفي رواية للحاكم (1) عن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم فتح مكة آمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس إلا أربعة نفر، وامرأتين، وقال:"اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة: عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح".

* وفي رواية لأبي داود (2) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر، وامرأتين، وسماهم، وابن أبي سرح. فذكر الحديث، قال: وأما ابن أبي سرح، فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان، فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة، جاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبي الله، بايع

622 - أبو داود (3/ 163)، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب ما جاء في خبر مكة. وإسناده حسن.

623 -

المعجم الكبير (6/ 66).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 173): رواه الطبراني، ورجاله ثقات.

(1)

المستدرك (2/ 54)، وسكت عنه. وأقره الذهبي.

(2)

أبو داود (3/ 59)، كتاب الجهاد، باب قتل الأسير ولا يعرض عليه الإسلام.

ص: 910

عبد الله، فرفع رأسه، فنظر إليه ثلاثاً، كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه، فقال:"أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟ " قالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك، ألا أومأت إلينا بعينك؟ قال:"إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين".

قال أبو داود: وكان عبد الله أخا عثمان من الرضاعة.

وفي رواية للنسائي (1) قال: لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة، وامرأتين، وقال:"اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة: عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن أبي السرح" فأما عبد الله بن خطل، فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة، فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر، فسبق سعيد عماراً - وكان أشب الرجلين - فقتله. وأما مقيس بن صبابة، فأدركه الناس في السوق فقتلوه، وأما عكرمة فركب البحر، فأصابتهم عاصف، فقال أصحاب السفينة: أخلصوا، فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئاً ها هنا، فقال عكرمة: والله، لئن لم ينجني من البحر إلا الإلخاص، لا ينجيني في البر غيره، اللهم إن لك عهداً إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمداً صلى الله عليه وسلم حتى أضع يدي في يده، فلأجدنه عفواً كريماً. فجاء فأسلم. وأما عبد الله بن أبي السرح، فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان، فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم، قال يا رسول الله

وذكر الحديث إلى آخره مثل أبي داود.

624 -

* روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل، فقال: ابن خطل متعلق بأستار

= رشيد: رجل رشيد، أي: لبيب عاقل، له فطنة.

خائنة الأعين: كناية عن الرمز والإشارة، كأنها مما تخونه العين، أي: تسرقه، لأنها كالسرقة من الحاضرين.

(1)

النسائي (7/ 105)، كتاب تحريم الدم، باب الحكم في المرتد. وهو حديث حسن.

عاصف: ريح عاصف، أي: شديد الهبوب.

624 -

البخاري (8/ 15) 64 - كتاب المغازي - 48 - باب أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح؟.

ومسلم (2/ 989) 15 - كتاب الحج - 84 - باب جواز دخول مكة بغير إحرام.

ص: 911

الكعبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اقتلوه".

وفي الموطأ (1): ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فيما نرى يومئذ - والله أعلم - محرماً.

وقال أبو داود (2): اسم ابن خطل: عبد الله، وكان أبو برزة الأسلمي قتله.

625 -

* روى البخاري ومسلم عن أم هانئ رضي الله عنها أخت علي بن أبي طالب رضي الله عنه قالت: ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح، فوجدته يغتسل، وفاطمة ابنته تستره بثوب، فسلمت عليه، فقال:"من هذه؟ " فقلت: أنا أم هانئ بنت أبي طالب، فقال:"مرحباً بأم هانئ" فلما فرغ من غسله، قام فصلى ثماني ركعات ملتحفاً في ثوب واحد، فلما انصرف قلت: يا رسول الله، زعم ابن أمي علي: أنه قاتل رجلاً قد أجرته - فلان ابن هبيرة - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ"، قالت أم هانئ: وذلك ضحى.

وفي رواية الترمذي (3): أن أم هانئ قالت: أجرت رجلين من أحمائي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قد آمنا من آمنت".

وفي رواية أبي داود (4): أنها أجارت رجلاً من المشركين يوم الفتح، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت له ذلك، فقال:"قد أجرنا من أجرت، وآمنا من آمنت".

قال الحافظ في الفتح: قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على جواز أمان المرأة إلا شيئاً ذكره عبد الملك بن الماجشون صاحب مالك لا أحفظ ذلك عن غيره قال: إن أمر الأمان إلى الإمام، وتأول ما ورد مما يخالف ذلك على قضايا خاصة.

= مالك في الموطأ (1/ 423) 20 - كتاب الحج - 81 - باب جامع الحج.

(1)

أبو داود (3/ 59)، كتاب الجهاد، باب قتل الأسير ولا يعرض عليه الإسلام.

625 -

البخاري (1/ 469) 8 - كتاب الصلاة - 4 - باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفاً به.

ومسلم (1/ 496) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها - 13 - باب استحباب صلاة الضحى.

أجرنا: أجرت الرجل: منعت من يريده بسوء، وآمنته شره وأذاه.

(2)

الترمذي (4/ 142) 22 - كتاب السير - 26 - باب ما جاء في أمان العبد والمرأة.

(3)

أبو داود (3/ 84)، كتاب الجهاد، باب في أمان المرأة.

ص: 912

626 -

* روى أحمد عن مطيع بن الأسود، وكان اسمه العاصي فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم مطيعاً قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمر بقتل هؤلاء الرهط بمكة يقول: "لا تغزى مكة بعد هذا العام أبداً".

وفي رواية (1)(يوم فتح مكة)، "ولا يقتل رجل من قريش بعد العام صبراً أبداً" هذا الحديث محمول على ألا تغزى مكة على الكفر، وهو من معجزاته عليه الصلاة والسلام، فقد ارتدت العرب بعد وفاته إلا قليلاً، وكان ممن لم يرتد مكة.

627 -

* روى النسائي عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي أمية يوم الفتح، فقلت: يا رسول الله، بايع أبي على الهجرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أبايعه على الجهاد، وقد انقطعت الهجرة".

628 -

* روى الحاكم عن أنس، قال: جاء أبو بكر رضي الله عنه يوم فتح مكة بأبيه أبي قحافة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه".

629 -

* روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا".

626 - أحمد في مسنده (3/ 412).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد، ورجاله ثقات.

(1)

أحمد في مسنده (3/ 412).

627 -

النسائي (7/ 141)، كتاب البيعة، باب البيعة على الجهاد.

وأبو داود بمعناه (3/ 3) كتاب الجهاد، باب في الهجرة، هل انقطعت؟ وللحديث شواهد تحسنه.

628 -

المستدرك (3/ 244)، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

وقال الذهبي: على شرط البخاري.

629 -

البخاري (6/ 3) 56 - كتاب الجهاد - 31 - باب فضل الجهاد والسير.

ومسلم (2/ 986) 15 - كتاب الحج - 82 - باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطاها، إلا لمنشد على الدوام.

ص: 913

630 -

* روى الطبراني عن ابن عباس قال: شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة أو حنين ألف من بني سليم.

631 -

* وروى الطبراني عن العداء بن خالد بن هوذة قال: قاتلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينصرنا الله ولم يظهرنا.

* * *

= الهجرة: مفارقة الوطن إلى جهة أخرى بنية المقام فيها، وكان المهاجر في الشريعة: من فارق أهله ووطنه متوجهاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم رغبة في الإسلام.

جهاد: الجهاد: محاربة الكفار.

نية: النية: إخلاص الجهاد لله تعالى، يعني أنه لم يبق بعد الفتح هجرة، إنما الإخلاص في الجهاد وقتال الكفار استنفرتم فانفروا: الاستنفار: الاستنجاد والاستنصار، أي: إذا طلب منكم النصرة فأجيبوه. أو انفروا خارجين إلى نصرته.

630 -

المعجم الكبير (11/ 371).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 177): رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير زائد النحوي وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وكلاهما ثقة.

631 -

أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 186)، وقال: رواه الطبراني، ورجاله ثقات.

ص: 914