الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوائد عامة
من أحداث السنة الرابعة
1 -
إن الحكم ليس لعبة ولا تسلية ولا متعة، وإن بناء الدول ليس ألهية ولا عبثاً، فكيف إذا كان الحكم إسلامياً، والبناء يراد به ساحتا الدنيا والآخرة والحاضر والمستقبل، إن من يرى هذه السلسلة من العمليات المتلاحقة والتضحيات الكثيرة يدرك ماهية الطريق لحفظ الحكم وإقامة البناء، إنك ترى في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم اليقظة الدائمة والحذر الدائم والجدية في الصغيرة والكبيرة وعلى المسلمين جميعاً أن يدركوا هذا الدرس، إن العرض والدين والمال والحكم لا يصح أن تطرف عين الإنسان فيها إلا على وعي وحذر، فإذا ما نامت العيون على واحدة من هذه الشؤون فما أسرع أن تصاب ولات ساعة مندم.
2 -
الناس قسمان فمنهم عاملون ومنهم قاعدون، فالقاعدون لا يرتكبون خطأ القعود فقط ولكنهم يعطون أنفسهم فرصة نقد لهذا العالم، فهؤلاء هم الأخس في التاريخ، والعاملون نوعان: فمنهم من يمتلك روح المبادأة والمبادرة ومنهم من يعمل ضمن حدود المكرر والمعاد، فالآخرون عاجزون عن التطوير والتنفيذ، وليس لهم مكان في عملية البناء، والذين يمتلكون روح المبادأة والمبادرة قسمان: فمنهم المتهورون المغامرون، ومنهم الحكماء المتأنون، فهؤلاء وحدهم هم البناة، ومع ذلك فالخسائر لابد منها، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعظم البناة في تاريخ البشرية أصيب في الرجيع وفي بئر معونة ترى ماذا يقول القاعدون في قيادة حالية تخسر مثل هذه الخسارة؟! ألا إن درسي الرجيع وبئر معونة عزاء للقادة ورد أي رد على القاعدين.
3 -
وفي أمره عليه الصلاة والسلام لزيد بن ثابت أن يتعلم اللسان العبراني إشارة إلى أنه عليه الصلاة والسلام ما كان يشغله شيء عن شيء، فبناء الأمة لابد أن يكون على ضوء خريطة شاملة، وهذه الخريطة ينبغي أن يلاحظ فيها احتياجات الأمة فإذا كان المهندس مكلفاً أن يوجد خريطة تسع الزمان والمكان فما أصعب مهمته، وإنك لتجد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ذلك المهندس، الذي لا يغفل عن احتياج من احتياجات البناء بما يسع الحاضر وبما يستوعب المستقبل.
4 -
عرضت لنا أثناء أحداث هذه السنة وعرض لنا من قبل وسيعرض لنا من بعد أبيات من الشعر تقال بمناسبة ما، وهذا الموضوع لم نشأ أن نتوسع فيه لقلة ما يرد منه في الروايات الصحيحة، مع أنه من أخطر المواضيع على الإطلاق ولذلك نكتفي بالتنبيه إليه ليضعه العاملون على ذكر منهم: إن الجهاد باللسان هو شطر الجهاد، وإن كان شطره الأقل كلفة، ولكنه في بعض الأحيان يكون أكثر نجاعة ولذلك ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث:"ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن"(1)، "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم"(2).
وهذا الجهاد باللسان له صور متعددة فقد يكون خطبة وقد يكون قصيدة وقد يكون كتاباً أو رسالة أو مقالة
…
والشعر قديماً في حياة العرب هو الإعلام كله فهو الحرب النفسية، وهو الدعوة والدعاية، وهو التعبير عن الذات، وهو الدفاع عن الحق فمن غلب فيه غلب، وقد أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المعاني كلها مداها، وبالنسبة للشعر فقد كان له أكثر من شاعر: حسان، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة
…
وكل أحداث السيرة كانت تغطى شعراً، وكل قصيدة للكافرين كانت تقابل بقصيدة أو قصائد، وكان لغلبة شعرائه في معاركهم الشعرية أثر قوي على أعدائه، لقد طرد كعب بن الأشرف بسبب هجاء من حسان لمن أنزله عنده، وكان عليه الصلاة والسلام يقول لحسان عن شعره:(لهو أشد عليهم من نضح النبل)(3) ولقد كانت العرب في الماضي إذا نبغ فيهم الشاعر تعاهدوه، وكان هذا من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الحركة الإسلامية المعاصرة أن تفطن لهذا وما يحيط به فترعى شعراءها وتشجعهم، وترعى منشديها وكتابها وعلماءها ودعاتها وتشجعهم، وجماعة على أرض العرب
(1) مسلم مطولاً (1/ 70) عن ابن مسعود 1 - كتاب الإيمان - 20 - باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان.
(2)
أحمد في مسنده (3/ 24، 153، 251) عن أنس. وإسناده صحيح.
وأبو دواد (3/ 10) عن أنس في كتاب الجهاد، باب كراهية ترك الغزو.
والنسائي (6/ 7) عن أنس في كتاب الجهاد، باب وجوب الجهاد.
والدارمي (2/ 213) عن أنس في كتاب الجهاد، باب في جهاد المشركين. باللسان واليد.
(3)
النسائي (5/ 211) عن أنس في كتاب مناسك الحج، باب استقبال الحج، بلفظ:"لكلامه أشد عليهم من وقع النبل".