الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: في سرية عبد الله بن أنيس لخالد بن سفيان الهذلي
قال ابن القيم في زاد المعاد:
ولما كان خامس المحرم بلغه أن خالد بن سفيان الهذلي قد جمع له الجموع فبعث إليه عبد الله بن أنيس فقتله: قال عبد المؤمن بن خلف وجاءه برأسه فوضعه بين يديه، فأعطاه عصاً فقال:"هذه آية بيني وبينك يوم القيامة" فلما حضرته الوفاة أوصى أن تجعل معه في أكفانه، وكانت غيبته ثمان عشرة ليلة، وقدم يوم السبت لسبع بقين من المحرم.
- وهذه رواية بطل القصة:
431 -
* روى الطبراني عن محمد بن كعب القرظي قال: قال عبد الله بن أنيس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لي من خالد بن نبيح رجل من هذيل" وهو يومئذ بعرنة، قال عبد الله: قلت: أنا يا رسول الله انعته لي؟ قال: "لو رأيته هبته" قلت: والذي أكرمك ما هبت شيئاً قط، فخرجت حتى لقيته بحيال عرنة قبل أن تغيب الشمس، فلقيته فرعبت منه، فعرفت حين رعبت منه الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: من الرجل؟ قلت باغي حاجة فهل من مبيت؟ قال: نعم فالحق بي. قال: فخرجت في أثره فصليت العصر ركعتين حفيفتين، ثم خرجت فأشفقت أن يراني، ثم لحقته فضربته بالسيف، ثم غشيت الجبل، وكمنت حتى إذا ذهب الناس خرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأخبرته الخبر. قال محمد بن كعب فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم مخصرة، فقال:"تخصر بهذه حتى تلقاني بها يوم القيامة وأقل الناس يومئذ المتخصرون" قال محمد بن كعب: فلما توفي عبد الله بن أنيس أمر بها فوضعت على بطنه وكفن عليها ودفنت معه.
فوائد:
1 -
لقد ثأرت هذيل لمقتل صاحبها فأعانت على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حادثة
431 - أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 204)، وقال: رواه الطبراني، ورجاله ثقات.
الخصرة: ما يتوكأ عليها كالعصا ونحوها. تخصر بالخصرة: أخذها بيده وأمسكها.
الرجيع، وكل عملية عسكرية لها عقابيلها والعبرة بالمحصلة النهائية لأي عملية على المستوى المرحلي أو المستقبلي، لقد كان إجهاض التحرك العسكري الذي كان يقوده خالد بن سفيان الهذلي أهم بكثير من أية عملية ثأرية.
2 -
في كثير من الأحيان يكون قتل إنسان وأداً لفتنة أو إنهاء لحرب أو قضاء على فكرة، وكثيراً ما تحيا أمم وشعوب وقبائل برجال، وأنت في صراعك مع أعدائك قد تخفف الكثير عن أمتك ودعوتك إذا استطعت أن تقضي على رجل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن لا يجارى مع ملاحظة أن ضرباته كلها كانت عادلة ومع محاربين فهو عليه الصلاة والسلام أبعد الناس عن غدر بمعاهد، وأبعد الناس عن اعتداء على موطن غير مدين شرعاً، فها هو عليه الصلاة والسلام لم يمس المنافقين على معرفته بهم وعلى شدة ما فعلوه به، كما أنه لم ينكث عهداً مع أحد، ولكن المحاربين كان له معهم شأن آخر وخاصة أولئكم الذين بقتلهم يجهض تحرك عسكري، كما فعل بكعب بن الأشرف وكما فعل بخالد بن سفيان وكما سيفعل بآخرين ممن سيأتي الحديث عنهم.
3 -
ولم يكن خصومه عليه الصلاة والسلام غافلين كذلك عن محاولتهم قتله ولكن الله سلم، ففي حوادث سنة أربع من الهجرة ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أكثر من محاولة اغتيال، فقد ذكر محاولة دفع إليها أبو سفيان، وكلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على أثر اكتشافها عمرو بن أمية الضمري وآخر باغتيال أبي سفيان ولم ينجحا، كما ذكر ابن كثير محاولة غورث ابن الحارث اغتياله أثناء قفوله من غزوة نجد التي حاول فيها تأديب من قتلوا أصحابه يوم الرجيع.
4 -
وبهذه المناسبة أقول: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوماً أن يسلط عليه أحد فيقتله. وهذا مقتضى قوله تعالى: (والله يعصمك من الناس)(1) ولقد رأينا أنه قبل نزول هذه الآية كان يجب أن يحرس، ولذلك فلا عليه عليه الصلاة والسلام ألا يحتاط كثيراً في أمر نفسه، ولكن هذا لا يعني أن تتساهل قيادات المسلمين في أمنها فذلك من التفريط الخطير، كيف والله عز وجل يقول:(وخذوا حذركم)(2).
(1) المائدة: 67.
(2)
النساء: 102.