الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحداث السنة الثامنة في سطور
ذكر ابن كثير في أحداث هذه السنة إسلام خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة، فنقل عن الواقدي أنهم قدموا لهلال صفر سنة ثمان، وسرية شجاع بن وهب الأسدي إلى هوازن، وسرية كعب بن عمير إلى قضاعة، ثم ذكر غزوة مؤتة، وفصل في رسائل رسول الله صلى الله عليه وسلم ههنا مع أنه ذكر أن هذه الرسائل كانت في أواخر سنة ست، والراجح ذلك أو أنها في بداية سنة سبع، ثم ذكر سرية ذات السلاسل، وذكر سرية أبي عبيدة إلى سيف البحر، مع أن الراجح أنها كانت قبل صلح الحديبية، لذلك أوردناها في سنة ست، ثم ذكر غزوة الفتح، ثم ذكر بعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، ثم بعثه لهدم العزى، ثم ذكر غزوة هوازن ويوم حنين، ثم سرية أوطاس، وحصار الطائف، ثم مرجعه منها وقسمة الغنائم، ثم عمرته عليه الصلاة والسلام من الجعرانة، ثم ذكر عودته إلى المدينة المنورة، ومقدم كعب بن زهير وإسلامه، وذكر فيها هدم الكعبة اليمانية وهي سرية ذي الخلصة.
ومن كلام ابن كثير وهو يختم الكلام عن هذه السنة:
قال الواقدي: وفي هذه السنة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص إلى جيفر وعمرو ابني الجلندي من الأزد، وأخذت الجزية من مجوس بلدهما ومن حولها من الأعراب، قال: وفيها تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت الضحاك بن سفيان الكلابي في ذي القعدة فاستعاذت منه عليه السلام ففارقها. وقيل بل خيرها فاختارت الدنيا ففارقها. قال: وفي ذي الحجة منها ولد إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مارية القبطية وكانت قابلتها فيه سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت إلى أبي رافع فأخبرته، فذهب فبشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاه مملوكاً ودفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم برة بنت المنذر بن أسيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، وزوجها البراء بن أوس بن خالد بن الجعد بن عوف بن مبذول، قال الواقدي: وفيها كان هدم سواع الذي كانت تعبده هذيل، هدمه عمرو بن العاص رضي الله عنه، وفيه هدم مناة بالمشلل، وكانت الأنصار أوسها وخزرجها يعظمونه، هدمه سعد بن
زيد الأشهلي رضي الله عنه ا. هـ.
وقد تتبع المباركفوري أحداث هذه السنة من زاد المعاد، ورحمة للعالمين، وتلقيح فهوم أهل الأثر وكتب الحديث الشريف وبعض شروحها وابن هشام ومختصر سيرة الرسول فأعطانا خلاصة ذكرها متفرقة في سياقات مختلفة وها نحن نقدمها تارة بلفظه وتارة باختصار.
* في صفر أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية غالب بن عبد الله إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد بفدك في مائتي رجل، فأصابوا من العدو نعماً، وقتلوا منهم قتلى.
* وفي ربيع الأول كانت سرية ذات أطلاح إلى بني قضاعة فقد حشدت بنو قضاعة جموعاً كبيرة للإغارة على المسلمين، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن عمير الأنصاري في خمسة عشر رجلاً، فلقوا العدو، فدعوهم إلى الإسلام فلم يستجيبوا لهم ورشقوهم بالنبل حتى استشهدوا كلهم إلا رجلاً واحداً، فقد ارتث (1) من بين القتلى.
* وفي ربيع الأول كانت سرية ذات عرق إلى بني هوازن (وهي أشبه أن تكون سرية استطلاع) فقد كانت بنو هوازن أمدت الأعداء مرة بعد أخرى فأرسل إليهم شجاع بن وهب الأسدي في خمسة وعشرين رجلاً، فاستاقوا نعماً من العدو ولم يلقوا كيداً.
* وفي جمادى الأولى سنة - 8 - للهجرة حدثت معركة مؤتة وكان سببها قتل شرحبيل ابن عمرو الغساني لرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن عمرو الأزدي، فأرسل له رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً قوامه ثلاثة آلاف مقاتل، وكانت هذه المعركة هي المقدمة والتمهيد لفتح بلاد الشام.
* وفي جمادى الآخرة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية على رأسها عمرو بن العاص وكان قوامها ثلاثمائة مقاتل، وقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجند في طريقه من يستطيع تجنيده من القبائل التي يمر بها، وكان هدفها فصل التلاحم بين بعض القبائل العربية والرومان، وقطع الطريق على غزو القبائل المتاخمة للشام للمدينة المنورة، وهذه السرية تسمى سرية
(1) ارتث فلان: ضرب في الحرب فأثخن وحمل وبه رمق ثم مات.
ذات السلاسل وقد أمد الرسول صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص بمائتين على رأسهم أبو عبيدة بن الجراح، وقد سيطرت هذه السرايا على المناطق الشمالية للجزيرة العربية وأخضعتها.
* وفي شعبان سنة - 8 - أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا قتادة في خمسة عشر رجلاً في عملية خاطفة إلى بني غطفان في نجد الذين كانوا يتحشدون لرسول الله صلى الله عليه وسلم في خضرة فقتل وسبا وغنم فأجهض بهذه العملية فكرة التحشد.
* وفي رمضان سنة - 8 - تم فتح مكة بعد أن غدرت قريش بحلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني خزاعة.
* ومن مكة بعد فتحها أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عدداً من السرايا:
1 -
سرية خالد بن الوليد إلى العزى لخمس بقين من شهر رمضان سنة - 8 - للهجرة ليهدمها، وكانت بنخلة، وكانت لقريش وجميع بني كنانة، وهي أعظم أصنامهم. وكان سدنتها بني شيبان، فخرج إليها خالد في ثلاثين فارساً حتى انتهى إليها، فهدمها. ولما رجع سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وهل رأيت شيئاً؟ " قال: لا، قال:"فإنك لم تهدمها فارجع إليها فاهدمها" فرجع خالد متغيظاً قد جرد سيفه، فخرجت إليه امرأة عريانة سوداء ناشرة الرأس، (1) فجعل السادن يصيح بها، فضربها خالد فجزلها باثنتين، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال:"نعم، تلك العزى، وقد أيست أن تعبد في بلادكم أبداً".
2 -
ثم بعث عمرو بن العاص في نفس الشهر إلى سواع ليهدمه، وهو صنم لهذيل، على ثلاثة أميال من مكة، فلما انتهى إليه عمرو قال له السادن: ما تريد؟ قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهدمه، قال: لا تقدر على ذلك، قال: لم؟ قال: تمنع. قال: حتى الآن أنت على الباطل؟ ويحك، فهل يسمع أو يبصر؟ ثم دنا فكسره، وأمر أصحابه فهدموا بيت خزانته، فلم يجدوا فيه شيئاً. ثم قال للسادن: كيف رأيت؟ قال: أسلمت لله.
(1) امرأة عريانة سوداء ناشرة الرأس: الظاهر أنها شيطانة.
3 -
وفي نفس الشهر بعث سعد بن زيد الأشهلي في عشرين فارساً إلى مناة وكانت بالمشلل عند قديد للأوس والخزرج وغسان وغيرهم، فلما انتهى سعد إليها قال له سادنها: ما تريد؟ قال: هدم مناة، قال: أنت وذاك، فأقبل إليها سعد، وخرجت امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس، تدعو بالويل، وتضرب صدرها، فقال لها السادن: مناة دونك بعض عصاتك. فضربها سعد فقتلها، وأقبل إلى الصنم فهدمه وكسره، ولم يجدوا في خزانته شيئاً.
4 -
ولما رجع خالد بن الوليد من هدم العزى بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال من نفس السنة - 8 هـ - إلى بني جذيمة داعياً إلى الإسلام لا مقاتلاً. فخرج في ثلاثمائة وخمسين رجلاً من المهاجرين والأنصار وبني سليم، فانتهى إليهم فدعاهم إلى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون:"صبأنا صبأنا" فجعل خالد يقتلهم ويأسرهم (1)، ودفع إلى كل رجل ممن كان معه أسيراً، فأمر يوماً أن يقتل كل رجل أسيره، فأبى ابن عمر وأصحابه حتى قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم، فذكروا له، فرفع صلى الله عليه وسلم يديه وقال:"اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد" مرتين.
وكانت بنو سليم هم الذين قتلوا أسراهم دون المهاجرين والأنصار، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً فودى لهم قتلاهم وما ذهب منهم، وكان بين خالد وعبد الرحمن بن عوف كلام في ذلك، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"مهلاً يا خالد، دع عنك اصحابي، فوالله لو كان أحد ذهباً، ثم أنفقته في سبيل الله ما أدركت غدوة رجل من أصحابي ولا روحته".
* وفي السادس من شوال سنة - 8 هـ - توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثني عشر ألف مقاتل نحو هوازن وثقيف ومن التف حولهم وكانت معركة حنين في 10 شوال وكانت عاقبتها للمسلمين ثم تابع فلولهم فكانت معركة أوطاس.
* وبعد حنين توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف في شوال كذلك مقدماً خالد بن الوليد في ألف مقاتل، وقد حاصرها صلى الله عليه وسلم ثم فك الحصار عنها، وكلف مالك بن عوف بعد أن أسلم أن يضغط عليها، وكان من ثمار ذلك أن أسلمت ثقيف بعد فترة.
(1) فجعل خالدي قتلهم ويأسرهم: وذلك؛ لأنه لم يفهم من كلمتهم أنهم يعلنون إسلامهم، بل فهم أنهم يصرون على كفرهم.
* وبعد عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وفد عليه كعب بن زهير، وقد كانت عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة لست بقين من ذي القعدة وبعودته دخلت الدعوة الإسلامية في طور جديد، طور الدخول في دين الله أفواجاً، فبدأت الوفود تترى إلى المدينة المنورة داخلة في الإسلام، مقدمة الطاعة والولاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ.
وإذ لم يكن السرد التاريخي هدفاً لنا في هذا الكتاب إلا بالقدر الذي يلقي أضواء على الفهم العام للسيرة النبوية، فسنكتفي بأن نعقد فصولاً للأحداث التي يعتبر التفصيل فيها هدفاً من أهداف هذا القسم.
كانت سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يسكت على اعتداء، فهناك فارق كبير بين الاعتداء الشخصي وبين الاعتداء على الدولة، لقد تحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاعتداء على شخصه ما تنوء به الجبال وكل ذلك في الله وبالله، وما من عاقل إلا ويعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن تصرفاته أثراً عن هوى، ولكنها الحكمة التي تضع الأمور مواضعها، والسكوت على الاعتداء على الدولة يفقدها هيبتها ويزيد طمع الطامعين بها ويؤلب عليها أعداءها، كما أن من سياسة رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ينتظر الاعتداء حتى يقع؛ لأن درهم وقاية خير من قنطار علاج، بل هو عليه الصلاة والسلام كان يفجأ المعتدي قبل استكمال أدوات اعتدائه، ولقد كانت هذه المعاني وراء أهم أحداث السنة الثامنة.
* * *