الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هوامش على غزوة أحد
1 -
يبدو لي أن غزوة أحد جمعت هزيمتين للطرفين بآن واحد واستمرت الهزيمتان إلى آخر الغزوة، فلقد هرب المشركون ابتداء، ثم وجد خالد الفرصة فهاجم وهرب بعض المسلمين، واستمر الهروب عند الطرفين فنحن لا نعثر بعد هجمة خالد على تجمع كبير للمسلمين، كما أننا لا نعثر على تجمع كبير للمشركين وإنما بقيت مجموعات في أرض المعركة، حتى إن خالداً نفسه وهو الذي أوقع الهزيمة بالمسلمين لا نسمع له حساً بعد ذلك فكأنه تصرف هذا التصرف الخاطف وهو في موقع اليائس، والذين بقوا على أرض المعركة لم يكونوا متكافئين، ومع ذلك فالإدارة الحازمة الحكيمة الرائعة للمعركة من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أوقفت المشركين عند حدهم واكتفوا بما حققوا، ولولا أنهم شعروا بالعجز أو أن خسائرهم ستكون أكثر من أرباحهم ما انسحبوا وهم يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم ومجموعة قليلة من أصحابه حوله أمامهم، ولذلك فالمعركة في مجموعها كانت متعادلة من ناحية النصر والهزيمة وإن كانت ضحايا المسلمين أكثر لأن عدد العدو أكبر.
2 -
لا أعرف في تاريخ العالم ملحمة هي أعظم في البطولة والشجاعة والكفاءة العسكرية والقيادية كملحمة أحد، فأي قائد في تاريخ العالم يبقى في أفراد من جنده يتابع القتال ويدير المعركة حتى يكف العدو يده، ثم أي قائد يصاب بما أصيب به رسول الله صلى الله عليه وسلم يومذاك ويبقى على غاية من اليقظة في إدارة الأمور فيرسل من يستكشف له وجهة قريش، ويعلن عن تصميمه على المعركة إلى النهاية، ثم يغسل آثار هزيمة المشركين بعملية خاطفة هي عملية حمراء الأسد التي أرجعت إلى الصف الإسلامي روحه المعنوية وأعادت هيبة المسلمين إلى المجتمع الذي يعيشون فيه، وأعادت قريشاً إلى صوابها وقذفت في قلوب رجالها الرعب.
3 -
لقد تلافت قريش الكثير من نواقصها يوم بدر، فلقد كان ينقصها يوم بدر وحدة القيادة وجودة التعبئة والتصميم الشامل على القتال والدوافع القوية نحو النصر، أما في أحد فلقد توحدوا تحت إمرة أبي سفيان وكانت تعبئتهم جيدة، وكان لهم ثأر يحركهم ومصالح
يفتقدونها، وكان تصميمهم على المعركة شاملاً وكفاءتهم القيادية والقتالية عالية جداً يظهر ذلك من تصرفات أبي سفيان وخالد وبني عبد الدار حملة اللواء، ومع ذلك هزموا ابتداء وتكافؤوا انتهاء، ولولا غلطة الرماة لم تكن إلا الهزيمة، هذا مع أن العدو أربعة أضعاف ونيف، والخيل كانت عندهم كلها على قول وكانت أربعة أضعاف على قول آخر وهكذا، ولقد عوض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النقص في العدد والعدة بحسن التخطيط والاستفادة من الأرض ولكنه في النهاية لا تعليل إلا الإيمان وإلا التأييد الرباني وفعل الله لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
4 -
بعد سنتين ونيف من قيام الدولة الإسلامية في المدينة تبين أن ثلث الجيش الإسلامي لا يزال خارجاً عن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك في الحقيقة أكبر سبر لوضع المجتمع المدني، إذ به عرف بالضبط المؤمن من غيره والمحصلة كانت ضخمة، فأن يستطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستخلص من زعامة عبد الله بن أبي الأكثرية المطلقة فذلك وحده كبير، والذي حدث بعد ذلك أكبر، فلقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والمنافقين قلة، فأن يستخلص رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثرية المنافقين من النفاق، والبقية الباقية لا تجرؤ إلا أن تعلن طاعتها فذلك نجاح ما بعده نجاح، وبمثل ذلك يقتدي المقتدون.
5 -
لقد كان عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد خمسة وخمسين عاماً ونيفاً، ولو أنك استعرضت الجهد الذي بذله عليه الصلاة والسلام الجمعة والسبت والأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء من شوال ذاك لرأيت عجباً فأي جسم هذا الجسم؟ وأي عقل هذا العقل؟ وأي روح هذه الروح؟ وأي نفس هذه النفس؟ إنه لا تعليل لاستمرار رسول الله صلى الله عليه وسلم على وتيرة واحدة دون عجز أو قصور أو تقصير أو وهن أو ضعف إلا أنها الرسالة عن الله رب العالمين وإلا صنع الله لرسوله صلى الله عليه وسلم على عينه.
6 -
لقد نزلت في أحد حوالي ستين آية من سورة آل عمران من قوله تعالى: (وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال
…
) إلى قوله تعالى: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه .......)(1) ونزل فيها بعض آيات من سورة النساء منها
(1) آل عمران: 121 - 179.