الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعليقات:
1 -
علق الشيخ البوطي على حادثة عباد بن بشر في استغراقه بصلاته والسهام تنصب عليه بقوله: إنما الجهاد - كما علمه الرسول أصحابه وكما فهمه الصحابة منه - عبادة كبرى يتعلق فيها كيان المسلم كله بخالقه جل جلاله خاشعاً متبتلاً. وما ساعة يكون فيها المؤمن أقرب إلى ربه جل جلاله من تلك الساعة التي يستدبر فيها الدنيا ويستقبل بوجهه شطر الموت والاستشهاد.
ولذلك، كان من الطبيعي جداً بالنسبة لذلك الأنصاري، (عباد بن بشر) رضي الله عنه، أن يشغل شطر حراسته من الليل بركعات خاشعة يقف فيها بين يدي ربه جل جلاله. وقد انصرفت مشاعره كلها إلى مناجاته بآيات من كتابه الكريم.
وكان من الطبيعي جداً أن لا يبالي بذلك السهم الذي أسرع فانحط في جسمه، ولا بالسهم الثاني الذي تبعه، لأن بشريته كلها إنما كانت في تلك الساعة مطوية ضمن مشاعره المنصرفة إلى ربه جل جلاله وقد غمرتها لذة المناجاة بين العبد وخالقه.
ولما ارتد شعوره إليه وأخذ يهتم بما قد أصابه، لم يكن ذلك لمزيد من الألم بدأ يشعر به. وإنما للمسؤولية المنوطة به مخافة أن يضيعها بضياع حياته واستمرار سكوته. فكان ذلك هو الذي اضطره إلى أن يلتفت فيوقظ صاحبه ليستلم منه أمانة الثغر الذي أنيط بهما حفظه.
وتأمل يا أخي المسلم في قوله رضي الله عنه: وايم الله، لولا أن أضيع ثغراً أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه، لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها (أي الصلاة) اهـ.
2 -
وعلق كذلك على محادثته عليه الصلاة والسلام لجابر في الطريق بقوله: إنما ذكرنا قصة جابر بن عبد الله وما كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من المحادثة في طريق عودتهما إلى المدينة، مع أنها لا تتعلق بشيء من أمر الغزوة لما فيها من الصورة الكاملة الدقيقة لخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، وما انطوى عليه خلقه الكريم هذا من لطف في المعاشرة ورقة في الحديث وفكاهة في المحاورة ومحبة شديدة لأصحابه.
فأنت إذا تأملت جيداً في هذه القصة التي سردناها. علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متأثراً بالمحنة التي طافت على بيت جابر بن عبد الله. فقد استشهد والده في أحد. فقام هو - وهو أكبر أولاد أبيه - على شأن الأسرة ورعاية الأطفال الكثيرين الذين خلفهم له والده من ورائه. وهو على ذلك رقيق الحال ليس له نصيب وافر من الدنيا.
وكأنما استشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم في تأخر جابر عن القوم بسبب جمله الضعيف الذي لا يمتلك غيره. مظهراً لحالته العامة هذه .. (وقد كان من عادته صلى الله عليه وسلم إذا سار مع صحبه في طريق. أن يتفقد أصحابه كلهم ويطمئن عليهم بين كل فترة وأخرى). فانتهزها فرصة وتخلف حتى التقى معه وراح يواسيه بأسلوبه الرقيق الفكه الذي رأيت، في طريق ليس معهما فيه ثالث.
عرض عليه صلى الله عليه وسلم شراء بعيره، وهو إنما يريد أن يجعل من ذلك ذريعة ومناسبة لإكرامه ومساعدته على وضعه الذي هو فيه. ثم سأله عن الزوجة والبيت. في أسلوب فكه رقيق، وراح يطمئن الزوج الجديد، أنهم إذا وصلوا قريباً من المدينة أقاموا ساعات هناك، حتى يتسامع أهل المدينة بمقدمهم، فتسمع زوجته، فتصلح له من شأنها، وتهيء له البيت بزينته ونمارقه. وينساق معه جابر في الأسلوب نفسه فيقول: والله يا رسول الله ما لنا من نمارق!
…
فيجيبه عليه الصلاة والسلام قائلاً: إنها ستكون.
صورة رائعة، عن لطف معشره، وأنس حديثه، والفكاهة الحلوة في محاورته لأصحابه. ا. هـ.
* * *