المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: في غزوة مؤتة من أرض الشام - الأساس في السنة وفقهها - السيرة النبوية - جـ ٢

[سعيد حوى]

فهرس الكتاب

- ‌السنة الثالثة للهجرة

- ‌هذه السنة في سطور

- ‌غزوة ذي أمر (بِنَجْدٍ)

- ‌غزوة بَحران

- ‌سرية زيد بن حارثة (إلى القردة)

- ‌فصل: في قتل كعب بن الأشرف في ربيع الأول من السنة الثالثة

- ‌دروس من قتل كعب بن الأشرف

- ‌فصل: في غزوة أحد

- ‌عرض عام

- ‌موقف الرسول الباسل إزاء عمل التطويق:

- ‌تبدد المسلمين في الموقف:

- ‌احتدام القتال حول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌تضاعف ضغط المشركين:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم يواصل المعركة وينقذ الموقف:

- ‌آخر هجوم قام به المشركون:

- ‌التثبت من موقف المشركين:

- ‌1 - بين يدي الالتحام

- ‌2 - الالتحام

- ‌3 - بعد المعركة

- ‌تعليق:

- ‌4 - عبر أحد وبعض دروسها

- ‌5 - فقهيات

- ‌فصل: في غزة حمراء الأسد

- ‌هوامش على غزوة أحد

- ‌تقدير الموقف في نهاية السنة الثالثة

- ‌السنة الرابعة للهجرة

- ‌السنة الرابعة في سطور

- ‌فصل: في سرية أبي سلمة لبني أسد

- ‌فصل: في سرية عبد الله بن أنيس لخالد بن سفيان الهذلي

- ‌فوائد:

- ‌فصل: في بعث الرجيع

- ‌فوائد:

- ‌فصل: في مأساة بئر معونة

- ‌فصل: في إجلاء بني النضير

- ‌تعليقات على حادثة النضير:

- ‌فصل: في غزوتي الرد

- ‌1 - غزوة بني لحيان:

- ‌2 - غزوة ذات الرقاع:

- ‌تعليقات:

- ‌فصل: في غزوة بدر الآخرة

- ‌دروس بدر الآخرة:

- ‌فوائد عامةمن أحداث السنة الرابعة

- ‌تقويم الموقف في نهاية السنة الرابعة

- ‌السنة الخامسة للهجرة

- ‌السنة الخامسة في سطور

- ‌فصل: في غزوة دومة الجندل

- ‌فصل: في غزوتي الأحزاب وقريظة

- ‌1 - من تحقيقات كتاب السير:

- ‌2 - روايات في غزوة الأحزاب:

- ‌فوائد:

- ‌روايات في يوم الخندق

- ‌فقه هذه الروايات:

- ‌هزيمة الله عز وجل للأحزاب:

- ‌فوائد من غزوتي الأحزاب وقريظة

- ‌فصل: في قتل أبي رافع

- ‌فصل: في زواجه عليه الصلاة والسلام بزينب بنت جحش

- ‌جوانب من كمال شخصيته عليه السلام:

- ‌فوائد عامة من أحداث السنة الخامسة

- ‌تقويم الموقف في نهاية السنة الخامسة

- ‌السنة السادسة للهجرة

- ‌أحدث السنة السادسة في سطور

- ‌أهم أحداث هذه السنة في سطور

- ‌فصل: في غزوة نجد وإسلام ثمامة بن أثال

- ‌فصل: في غزوة المريسيع

- ‌1 - وفي هذه الغزوة حدثت حادثة الإفك:

- ‌فوائد من حديث الإفك

- ‌تحقيق حول وجود سعد بن معاذ في قصة الإفك:

- ‌2 - وفي هذه الغزوة قامت فتنة بين المهاجرين والأنصار:

- ‌فصل: في غزوة فزارة

- ‌فصل: في سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين

- ‌فصل: في صلح الحديبية

- ‌1 - النصوص:

- ‌2 - في الصلح: بنوده وحكمه:

- ‌3 - فقهيات

- ‌تعليقات على قصة الحديبية:

- ‌وصلهجوم عبد الرحمن الفزاري على المدينة المنورة

- ‌فصل في: مكاتبته عليه الصلاة والسلام الملوك والأمراء

- ‌فوائد عامة من أحداث السنة السادسة

- ‌تقويم الموقف في نهاية السنة السادسة

- ‌السنة السابعة للهجرة

- ‌أهم أحداث هذه السنة في سطور

- ‌لنلق قبل البدء نظرة كلية على أحداث هذه السنة:

- ‌فصل: في سرية أبان بن سعيد إلى خيبر

- ‌فصل: في غزوة خيبر ووادي القرى

- ‌تقديم:

- ‌فقهيات

- ‌وصل: قصة الحجاج بن علاط

- ‌فصل: في غزوة الرقاع

- ‌فصل: في سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى بني الملوح

- ‌سرية غالب الليثي إلى الحرقات من جهينةوهي معروفة ببعث أسامة بن زيد:

- ‌فصل: في عمرة القضاء

- ‌تعليقات على عمرة القضاء:

- ‌نظرة على أحداث السنة السابعة

- ‌السنة الثامنة للهجرة

- ‌أحداث السنة الثامنة في سطور

- ‌فصل: في إسلام خالد وعمرو وعثمان بن طلحة

- ‌فصل: في سرية شجاع بن وهب

- ‌فصل: في غزوة مؤتة من أرض الشام

- ‌فصل: في غزوة ذات السلاسل

- ‌فصل: في فتح مكة

- ‌تقديم:

- ‌دروس من فتح مكة

- ‌فصل: في سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة

- ‌تعليق:

- ‌فصل: في غزوة حنين

- ‌فصل: في غزوة أوطاس

- ‌فصل: في غزوة الطائف

- ‌فصل: في إسلام كعب بن زهير

- ‌فوائد عامة من أحداث السنة الثامنة

- ‌السنة التاسعة للهجرة

- ‌أحداث السنة التاسعة في سطور

- ‌من أهم أحداث السنة التاسعة

- ‌فصل: في غزوة تبوك

- ‌فصل: في أسر أكيدر دومة الجندل

- ‌فصل: في الحج سنة تسع

- ‌فصل: في تهديم ذي الخلصة

- ‌تقويم الموقف في نهاية السنة التاسعة

- ‌السنتان العاشرة والحادية عشرة

- ‌أحداث هاتين السنتين في سطور

- ‌ سنة عشر:

- ‌ سنة إحدى عشرة:

- ‌فصل: في نماذج من البعوث

- ‌1 - بعث خالد وعلي إلى اليمن قبل حجة الوداع:

- ‌2 - بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن:

- ‌3 - بعث أبي عبيدة إلى اليمن:

- ‌فصل: في نماذج من الوفود

- ‌1 - وفد بني تميم:

- ‌2 - قدوم الأشعريين وأهل اليمن:

- ‌3 - وفد عبد القيس:

- ‌4 - وفد طيء:

- ‌5 - وفد بني حنيفة:

- ‌فائدة:

- ‌فصل: في حجة الوداع

- ‌فصل: في وفاته عليه الصلاة والسلام

- ‌تعليق:

- ‌نظرة عامة على أحداث السنتين العاشرة والحادية عشرة

الفصل: ‌فصل: في غزوة مؤتة من أرض الشام

‌فصل: في غزوة مؤتة من أرض الشام

قال ابن حجر في الفتح: قال ابن إسحق: هي بالقرب من البلقاء، وقال غيره هي على مرحلتين من بيت المقدس. ويقال: إن السبب فيها أن شرحبيل بن عمرو الغساني - وهو من أمراء قيصر على الشام - قتل رسولاً أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى صاحب بصري، واسم الرسول الحارث بن عمير، فجهز إليهم النبي صلى الله عليه وسلم عسكراً في ثلاثة آلاف. وفي (مغازي أبي الأسود) عن عروة: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيش إلى مؤتة في جمادى من سنة ثمان وكذا قال ابن إسحاق وموسى بن عقبة وغيرهما من أهل المغازي لا يختلفون في ذلك، إلا ما ذكر خليفة في تاريخه أنها كانت سنة سبع. أ. هـ

585 -

* روى الطبراني عن عروة بن الزبير قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثاً إلى مؤتة في جمادى الأولى من سنة ثمان واستعمل عليهم زيد بن حارثة، فقال لهم:"إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس" فتجهز الناس ثم تهيئوا للخروج وهم ثلاثة آلاف فلما حضر خروجهم ودع الناس أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا عليهم. فلما ودع عبد الله بن رواحة مع من ودع بكى، فقيل له: ما يبكيك يا ابن رواحة فقال: والله ما بي حب الدنيا وصبابة ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضيا)(1) فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود فقال لهم المسلمون: صحبكم الله ودفع عنكم وردكم إلينا صالحين فقال عبد الله بن رواحة:

لكني أسأل الرحمن مغفرة

وضربة ذات فرع تقذف الزبدا

أو طعنة بيدي حران مجهزة

بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا

حتى يقولوا إذا مروا على جدثي

أرشده الله من غاز وقد رشدا

585 - أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 157)، وقال: رواه الطبراني، ورجاله ثقات إلى عروة. اهـ وهو مرسل.

(1)

مريم: 71.

ذات فرع: ذات سعة.

الزبد: رغوة الدم.

ص: 866

ثم إن القوم تيهئوا للخروج فأتى عبد الله بن رواحة رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعه فقال:

يثبت الله ما آتاك من حسن

تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا

إني تفرست فيك الخير نافله

فراسة خالفتهم في الذي نظروا

أنت الرسول فمن يحرم نوافله

والوجه منه فقد أزرى به القدر

ثم خرج القوم وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يشيعم حتى إذا ودعهم وانصرف عنهم قال عبد الله ابن رواحة:

خلف السلام على امرئ ودعته

في النخل خير مشيع وخليل

ثم مضوا حتى نزلوا معان من أرض الشام فبلغهم أن هرقل في ماب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم وقد اجتمعت إليه المستعربة من لخم وجذام وبلقين وبهراء وبلى في مائة ألف، عليهم رجل يلي أخذ رايتهم يقال له مالك بن زافلة فلما بلغ ذلك المسلمين قاموا بمعان ليلتين، ينظرون في أمرهم، وقالوا: نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره بعدد عدونا، فإما أن يمدنا وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له فشجع عبد الله بن رواحة الناس. وقال: يا قوم والله إن الذي تكرهون للذي خرجتم له تطلبون الشهادة وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة إنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا، فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر، أنه حدث عن زيد بن أرقم قال: كنت يتيماً لعبد الله بن رواحة في حجره فخرج في سفرته تلك مردفي على حقيبة راحلته ووالله إنا لنسير ليلة إذ سمعته يتمثل ببيته هذا:

إذا أديتني وحملت رحلي

مسيرة أربع بعد الحساء (1)

فلما سمعته منه بكيت فخفقني بالدرة، وقال: ما عليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة

= أزرى: أدخل عليه عيباً.

حقيبة الرحل: هي الزيادة التي تجعل في مؤخرة القتب، والوعاء الذي يجمع فيه الرجل زاده.

والقتب: هو الرحل الصغير على قدر سنام البعير.

(1)

أقول في سيرة ابن هشام: أربعة أبيات بعد هذا البيت يتوقع فيها الشهادة.

ص: 867

وترجع بين شعبتي الرحل ومضى الناس حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها: ماب، ثم دنا العدو وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها: مؤتة، فالتقى الناس عندها وتعبأ المسلمون فجعلوا على ميمنتهم رجلاً من بني عذرة يقال له: قطبة بن قتادة، وعلى ميسرتهم رجلاً من الأنصار يقال له عبادة بن مالك، ثم التقى الناس واقتتلوا فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شاط في رماح القوم ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى إذا ألجمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها فقاتل القوم حتى قتل، وكان جعفر أول رجل من المسلمين عقر في الإسلام.

586 -

* روى الطبراني عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: حدثني أبي الذي أرضعني، وكان أحد بني مرة بن عوف، وكان في تلك الغزاة غزوة مؤتة قال: والله لكأني أنظر إلى جعفر بن أبي طالب حين اقتحم عن فرس له شقراء ثم عقرها، ثم قاتل القوم حتى قتل، فلما قتل جعفر أخذ عبد الله بن رواحة الراية ثم تقدم بها وهو على فرسه فجعل يستنزل نفسه وتردد بعض التردد ثم قال:

أقسمت يا نفسي لتنزلنه

طائعة أو لتكرهنه

ما لي أراك تكرهين الجنه

إن أجلب الناس وشدوا الرنه

لطالما قد كنت مطمئنة

هل أنت إلا نطفة في شنه

= شعبتي الرحل: طرفاه المقدم والمؤخر.

تعبأ المسلمون: يقال: عبأت الجيش عبأ، وعبأتهم تعبئة وتعبيئاً، وقد يترك الهمز فيقال: عبيتهم تعبية: أي رتبتهم في مواضيعهم وهيأتهم للحرب.

شاط الرجل: إذا سال دمه وهلك.

ألجمه القتال: أحاط به.

عقر فرسه: ضرب قوائمها بالسيف. ويحتمل أنه قتلها والهدف من كلا التفسيرية ألا يستفيد منها العدو، وحتى لا تراوده نفسه على الهرب عليها.

586 -

أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 159)، وقال: رواه الطبراني، ورجاله ثقات.

أجلب: صاح.

الرنة: صوت فيه ترجيع شبيه بالبكاء.

نطفة: الماء القليل.

شنة: السقاء البالي. أي فيوشك أن تهراق النطفة أو ينخرق السقاء. ضرب ذلك مثلاً لنفسه في جسده.

ص: 868

وقال عبد الله بن رواحة:

يا نفس إن لا تقتلي تموتي

هذا حمام الموت قد صليت

وما تمنيت فقد لقيت

إن تفعلي فعلهما هديت

ثم نزل، فلما نزل أتاه ابن عم له بعظم من لحم فقال: اشدد بهذا صلبك فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما قد لقيت، فأخذه من يده، فانتهس منه نهسة، ثم سمع الحطمة في ناحية الناس فقال: وأنت في الدنيا ثم ألقاه من يده ثم أخذ سيفه فتقدم فقاتل حتى قتل فأخذ الراية ثابت بن أقرم أحد بني العجلان وقال: يا أيها الناس اصطلحوا على رجل منكم قالوا: أنت، قال: ما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد، فلما أخذ الراية دافع القوم، ثم انحاز حتى انصرف فلما أصيبوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيداً، ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى قتل شهيداً" ثم صمت النبي صلى الله عليه وسلم حتى تغيرت وجوه الأنصار، وظنوا أنه كان في عبد الله ابن رواحة بعض ما يكرهونه قال:"ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها، حتى قتل شهيداً، ثم قال: "لقد رفعوا إلي في الجنة فيما يرى النائم على سرر من ذهب فرأيت في سرير عبد الله بن رواحة ازوراراً عن سريري صاحبيه، فقلت: بم هذا فقيل لي: مضيا وتردد عبد الله بن رواحة بعض التردد ومضى".

587 -

* روى أحمد عن أبي قتادة الأنصاري فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الأمراء، فقال:"عليكم زيد بن حارثة، فإن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة الأنصاري" فوثب جعفر فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما كنت أرهب، أن تستعمل علي زيداً، قال:"امض فإنك لا تدري أي ذلك خير". فاننطلقوا فلبثوا ما شاء الله، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم

= نهس: أخذ منه بفمه يسيراً.

الحطمة: زحام الناس وحطم بعضهم بعضاً.

587 -

أحمد في مسنده (5/ 300).

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 156): رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير خالد بن شمير، وهو ثقة.

أرهب: بمعنى أخاف، والمراد: ما كنت أتوقع.

ص: 869

صعد المنبر وأمر أن ينادى الصلاة جامعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ناب خيراً - أو بات خيراً أو ثاب خيراً" شك عبد الرحمن - أي الراوي - "ألا أخبركم عن جيشكم هذا الغازي؟ إنهم انطلقوا فلقوا العدو، فأصيب زيد شهيداً فاستغفروا له - فاستغفر له - الناس. ثم أخذ اللواء جعفر بن أبي طالب فشد على القوم حتى قتل شهيداً، أشهد له بالشهادة فاستغفروا له ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة فأثبت قدميه حتى قتل شهيداً فاستغفروا له. ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد ولم يكن من الأمراء هو أمر نفسه" ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبعه فقال: "اللهم هو سيف من سيوفك فانصرفه" فمن يومئذ سمي خالد سيف الله ثم قال: "انفروا فأمدوا إخوانكم ولا يتخلفن أحد". قال: فنفر الناس في حر شديد مشاة وركباناً.

وفي رواية للطبراني (1) عن ابنشهاب قال: ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً إلى مؤتة وأمر عليهم زيد بن حارثة، فإن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب أميرهم، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة أميرهم فانطلقوا حتى لقوا ابن أبي سبرة الغساني بمؤتة، وبها جموع من نصارى العرب والروم، وبها تنوخ وبهراء فأغلق ابن أبي سبرة دون المسلمين الحصن ثلاثة أيام، ثم خرجوا فالتقوا على زرع أخضر فاقتتلوا قتالاً شديداً، وأخذ اللواء زيد بن حارثة، فقتل، ثم أخذه جعفر، فقتل، ثم أخذه ابن رواحة فقتل ثم اصطلح المسلمون بعد أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم على خالد بن الوليد فهزم الله العدو وأظهر المسلمين وبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمادى الأولى.

588 -

* روى أحمد والطبراني عن عبد الله بن جعفر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً، استعمل عليهم زيد بن حارثة فإن قتل زيد أو استشهد فأميركم جعفر، فإن قتل أو استشهد فأميركم عبد الله بن رواحة، فأخذ الراية زيد فقاتل حتى قتل، ثم أخذ الراية جعفر فقاتل حتى قتل، ثم أخذها عبد الله بن رواحة، فقاتل حتى قتل ثم أخذ الراية

(1) أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 160)، وقال: رواه الطبراني، ورجاله ثقات. وهو مرسل.

588 -

أحمد في مسنده (1/ 204).

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 156): رواه أحمد والطبراني، ورجالهما رجال الصحيح.

ص: 870

خالد بن الوليد ففتح الله عليه وأتى خبرهم النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج إلي الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال:"إن إخوانكم لقوا العدو، وإن زيداً أخذ الراية فقاتل، حتى قتل أو استشهد ثم أخذ الراية بعده جعفر بن أبي طالب، فقاتل حتى قتل أو استشهد، ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة، فقاتل حتى قتل أو استشهد، ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله خالد بن الوليد، ففتح الله عليه" ثم أمهل آل جعفر ثلاثاً أن يأتيهم، ثم أتاهم فقال:"لا تبكوا على أخي بعد اليوم، ادعوا لي بني أخي" قال فجيء بنا كأننا أفرخ قال: "ادعوا لي الحلاق" فجيء بالحلاق، فحلق رؤوسنا ثم قال:"أما محمد فشبه عمنا أبي طالب، وأما عبد الله فشبيه خَلْقي وخُلُقي" ثم أخذ بيدي فأشالهما فقال: "اللهم اخلف جعفراً في أهله وبارك لعبد الله في صفقة يمينه" قالها ثلاث مرات، قال: فجاءت أمنا فذكرت يتمنا فقال: "العيلة تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة".

قال ابن حجر بمناسبة إشارته إلى هذه الرواية:

وذكر ابن إسحاق بإسناد حسن وهو عند أبي داود من طريقه عن رجل من بني مرة قال: والله لكأني أنظر إلى جعفر بن أبي طالب حين اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها، ثم تقدم فقاتل حتى قتل. قال ابن إسحاق وحدثني محمد بن جعفر عن عروة قال: ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة فالتوى بها بعض الالتواء ثم تقدم على فرسه ثم نزل فقاتل حتى قتل ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم الأنصاري فقال: اصطلحوا على رجل، فقالوا: أنت لها، قال: لا، فاصطلحوا على خالد بن الوليد وروى الطبراني من حديث أبي اليسر الأنصاري قال:"أنا دفعت الراية إلى ثابت بن أقرم لما أصيب عبد الله بن رواحة، فدفعها إلى خالد ابن الوليد وقال له: أنت أعلم بالقتال مني".

589 -

* روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أخذ الراية زيد، فأصيب، ثم أخذها جعفر، فأصيب، ثم أخذها عبد الله بن

= فأشالهما: فرفعهما.

589 -

البخاري (6/ 16) 56 - كتاب الجهاد - 7 - باب تمني الشهادة.

ص: 871

رواحة، فأصيب" - وإن عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم لتذرفان - "ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة، ففتح له".

وفي رواية (1) قال خطب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"أخذ الراية زيد، فأصيب"

وذكر نحوه، وقال في آخره:"وما يسرنا أنهم عندنا" قال أيوب: أو قال: "ما يسرهم أنهم عندنا" وعيناه تذرفان.

وفي أخرى: (2) أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس، قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: أخذ الراية زيد

فذكرهم، وقال في آخره:"حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم".

590 -

* روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة زيد بن حارثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة" قال عبد الله فكنت فيهم في تلك الغزوة، فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى، ووجدنا ما في جسده بضعاً وتسعين من طعنة ورمية.

وفي أخرى (4): أنه وقف على جعفر يومئذ وهو قتيل، فعددت به خمسين، بين طعنة وضربة، ليس منها شيء في دبره - يعني في ظهره -.

591 -

* روى البخاري عن قيس بن أبي حازم قال: سمعت خالد بن الوليد يقول: لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية.

= لتذرفان: ذرفت العين: سال دمعها.

(1)

البخاري (6/ 16) 56 - كتاب الجهاد - 7 - باب تمني الشهادة.

(2)

البخاري (7/ 512) 64 - كتاب المغازي - 44 - باب غزوة مؤتة من أرض الشام.

590 -

البخاري (7/ 510) 64 - كتاب المغازي - 44 - باب غزوة مؤتة من أرض الشام.

(4)

البخاري (7/ 510) 64 - كتاب المغازي - 44 باب غزوة مؤتة من الشام.

591 -

البخاري (7/ 515) 64 - كتاب المغازي - 44 - باب غزوة مؤتة من أرض الشام.

الصفيحة: السيف العريض.

ص: 872

592 -

* روى الطبراني عن جابر بن عبد الله قال: بارز عقيل بن أبي طالب رجلاً يوم مؤتة فقتله فنفله رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمه وسلبه.

593 -

* روى الحاكم عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وىله وسلم قالت: لما أتى نعي جعفر عرفنا في وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحزن.

594 -

* روى الطبراني عن ابن عباس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وأسماء بنت عميس قريبة منه رد السلام ثم قال: "يا أسماء هذا جعفر بن أبي طالب مع جبريل وميكائيل صلى الله عليهما مروا فسلمواعلينا، فرددت عليهم السلام وأخبرني أنه لقي المشركين يوم كذا وكذا، فأصبت في جسدي من مقاديمي ثلاثاً وسبعين بين طعنة وضربة، ثم أخذت اللواء بيدي اليمنى، فقطعت، ثم أخذته باليسار فقطعت، فعوضني الله من يدي جناحين أطير بهما مع جبريل وميكائيل في الجنة أنزل بهما حيث شئت وآكل من ثمارها ما شئت" فقالت أسماء: هنيئاً لجعفر ما رزقه الله من الخير، ولكني أخاف أن لا يصدقني الناس، فاصعد المنبر فأخبر الناس يا رسول الله فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:"أيها الناس إن جعفر بن أبي طالب مع جبريل وميكائيل له جناحان عوضه الله من يديه يطير بهما في الجنة حيث شاء، فسلم علي فأخبر كيف كان أمرهم حين لقي المشركين، فاستبان للناس بعد ذلك، أن جعفراً لقيهم، فسمي جعفر الطيار في الجنة ذا جناحين، يطير بهما، حيث شاء مخضوبة قوادمه بالدماء".

595 -

* روى أبو داود عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: خرجت مع زيد بن

592 - مجمع الزوائد (5/ 331) وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل وهو حسن الحديث وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات.

وقد أسلم عقيل قبل الحديبية، وهاجر سنة ثمان، وشهد مؤتة:(تهذيب التهذيب).

593 -

المستدرك (3/ 209)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وأقره الذهبي.

594 -

أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 272)، وقال: رواه الطبراني بإسنادين، وأحدهما حسن.

595 -

أبو داود (3/ 71)، كتاب الجهاد، باب في الإمام يمنع القاتل السلب إن رأى، والفرس والسلاح من السلب.

ص: 873

حارثة في غزوة مؤتة فرافقني مددي من أهل اليمن ليس معه غير سيفه، فنحر رجل من المسلمين جزوراً، فسأله المددي طائفة من جلده، فأعطاه إياه، فاتخذه كهيئة الدرق، ومضينا فلقينا جموع الروم وفيهم رجل على فرس له أشقر عليه سرج مذهب وسلاح مذهب فجعل الرومي يغري بالمسلمين، فقعد له المددي خلف صخرة، فمر به الرومي فعرقب فرسه، فخر، وعلاه فقتله وحاز فرسه وسلاحه، فلما فتح الله عز وجل للمسلمين بعث إليه خالد بن الوليد فأخذ من السلب، قال عوف: فأتيته فقلت: يا خالد، أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟ قال: بلى، ولكني استكثرته، قلت: لتردنه عليه أو لأعرفنكها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يرد عليه، قال عوف: فاجتمعنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصصت عليه قصة المددي وما فعل خالد، فقال رسول الله صلى الله عليه سولم "يا خالد، ما حملك على ما صنعت"؟ قال: يا رسول الله استكثرته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا خالد رد عليه ما أخذت منه" قال عوف: فقلت له دونك يا خالد ألم أف لك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما ذلك"؟ فأخبرته، قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا خالد لا ترد عليه، ها أنتم تاركون لي أمرائي؟ لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره".

وفي رواية مسلم (1) قال: خرجت مع من خرج مع زيد بن حارثة في غزوة مؤتة، ورافقني مددي من اليمن .. وساق الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه هكذا قال مسلم، ولم يذكر لفظه، ويعني بنحوه: الرواية التي تجيء له بعد هذه، فإنه ذكرها في كتابه قبل هذه، قال: غير أنه قال في الحديث: قال عوف: فقلت: يا خالد، أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟ قال: بلى، ولكني استكثرته.

= مددي: أي رجل من المدد الذين جاءوا يمدون جيش مؤتة.

لأعرفنكها: أي: لأجازينك بها، حتى تعرف صنيعك هذا.

دونك، أي: خذ، كأنه وافقه على ما وعده.

صفوة الشيء - بكسر الصاد -: خالصه وما صفا منه، إذا أثبت الهاء كسرت الصاد، وإذا حذفتها فتحتها، فقلت: صفو الشيء.

(1)

مسلم (3/ 1372) 32 - كتاب الجهاد والسير - 13 - باب استحقاق القاتل سلب القتيل.

ص: 874

وله في رواية (1) قال عوف بن مالك: قتل رجل من حمير رجلاً من العدو، فأراد سلبه، فمنعه خالد بن الوليد، وكان والياً عليهم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عوف بن مالك فأخبره، فقال لخالد:"ما منعك أن تعطيه سلبه؟ " قال: استكثرته يا رسول الله، قال:"ادفعه إليه" فمر خالد بعوف فجر بردائه، ثم قال: هل أنجزت لك ما ذكرت لك من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستغضب، فقال:"لأا تعطه يا خالد لا تعطه يا خالد، هل أنتم تاركون لي أمرائي؟ إنما مثلكم ومثلهم: كمثل رجل استرعي إبلاً أو غنماً فرعاها، ثم تحين سقيها، فأوردها حوضاً، فشرعت فيه، فشربت صفوه وتركت كدره فصفوه لكم، وكدره عليهم".

* * *

(1) مسلم في نفس الموضع السابق (3/ 1373).

تحين: تحينت وقت الشيء: إذا انتظرته وترقبته، وهو طلب الحين.

فصفوه لكم، وكدره عليهم أي: لا تثقلوا على أمرائكم فكما عليهم واجبات لهم حقوق يجب مراعاتها ومنها احترامهم وطاعتهم.

ص: 875