المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: في إجلاء بني النضير - الأساس في السنة وفقهها - السيرة النبوية - جـ ٢

[سعيد حوى]

فهرس الكتاب

- ‌السنة الثالثة للهجرة

- ‌هذه السنة في سطور

- ‌غزوة ذي أمر (بِنَجْدٍ)

- ‌غزوة بَحران

- ‌سرية زيد بن حارثة (إلى القردة)

- ‌فصل: في قتل كعب بن الأشرف في ربيع الأول من السنة الثالثة

- ‌دروس من قتل كعب بن الأشرف

- ‌فصل: في غزوة أحد

- ‌عرض عام

- ‌موقف الرسول الباسل إزاء عمل التطويق:

- ‌تبدد المسلمين في الموقف:

- ‌احتدام القتال حول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌تضاعف ضغط المشركين:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم يواصل المعركة وينقذ الموقف:

- ‌آخر هجوم قام به المشركون:

- ‌التثبت من موقف المشركين:

- ‌1 - بين يدي الالتحام

- ‌2 - الالتحام

- ‌3 - بعد المعركة

- ‌تعليق:

- ‌4 - عبر أحد وبعض دروسها

- ‌5 - فقهيات

- ‌فصل: في غزة حمراء الأسد

- ‌هوامش على غزوة أحد

- ‌تقدير الموقف في نهاية السنة الثالثة

- ‌السنة الرابعة للهجرة

- ‌السنة الرابعة في سطور

- ‌فصل: في سرية أبي سلمة لبني أسد

- ‌فصل: في سرية عبد الله بن أنيس لخالد بن سفيان الهذلي

- ‌فوائد:

- ‌فصل: في بعث الرجيع

- ‌فوائد:

- ‌فصل: في مأساة بئر معونة

- ‌فصل: في إجلاء بني النضير

- ‌تعليقات على حادثة النضير:

- ‌فصل: في غزوتي الرد

- ‌1 - غزوة بني لحيان:

- ‌2 - غزوة ذات الرقاع:

- ‌تعليقات:

- ‌فصل: في غزوة بدر الآخرة

- ‌دروس بدر الآخرة:

- ‌فوائد عامةمن أحداث السنة الرابعة

- ‌تقويم الموقف في نهاية السنة الرابعة

- ‌السنة الخامسة للهجرة

- ‌السنة الخامسة في سطور

- ‌فصل: في غزوة دومة الجندل

- ‌فصل: في غزوتي الأحزاب وقريظة

- ‌1 - من تحقيقات كتاب السير:

- ‌2 - روايات في غزوة الأحزاب:

- ‌فوائد:

- ‌روايات في يوم الخندق

- ‌فقه هذه الروايات:

- ‌هزيمة الله عز وجل للأحزاب:

- ‌فوائد من غزوتي الأحزاب وقريظة

- ‌فصل: في قتل أبي رافع

- ‌فصل: في زواجه عليه الصلاة والسلام بزينب بنت جحش

- ‌جوانب من كمال شخصيته عليه السلام:

- ‌فوائد عامة من أحداث السنة الخامسة

- ‌تقويم الموقف في نهاية السنة الخامسة

- ‌السنة السادسة للهجرة

- ‌أحدث السنة السادسة في سطور

- ‌أهم أحداث هذه السنة في سطور

- ‌فصل: في غزوة نجد وإسلام ثمامة بن أثال

- ‌فصل: في غزوة المريسيع

- ‌1 - وفي هذه الغزوة حدثت حادثة الإفك:

- ‌فوائد من حديث الإفك

- ‌تحقيق حول وجود سعد بن معاذ في قصة الإفك:

- ‌2 - وفي هذه الغزوة قامت فتنة بين المهاجرين والأنصار:

- ‌فصل: في غزوة فزارة

- ‌فصل: في سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين

- ‌فصل: في صلح الحديبية

- ‌1 - النصوص:

- ‌2 - في الصلح: بنوده وحكمه:

- ‌3 - فقهيات

- ‌تعليقات على قصة الحديبية:

- ‌وصلهجوم عبد الرحمن الفزاري على المدينة المنورة

- ‌فصل في: مكاتبته عليه الصلاة والسلام الملوك والأمراء

- ‌فوائد عامة من أحداث السنة السادسة

- ‌تقويم الموقف في نهاية السنة السادسة

- ‌السنة السابعة للهجرة

- ‌أهم أحداث هذه السنة في سطور

- ‌لنلق قبل البدء نظرة كلية على أحداث هذه السنة:

- ‌فصل: في سرية أبان بن سعيد إلى خيبر

- ‌فصل: في غزوة خيبر ووادي القرى

- ‌تقديم:

- ‌فقهيات

- ‌وصل: قصة الحجاج بن علاط

- ‌فصل: في غزوة الرقاع

- ‌فصل: في سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى بني الملوح

- ‌سرية غالب الليثي إلى الحرقات من جهينةوهي معروفة ببعث أسامة بن زيد:

- ‌فصل: في عمرة القضاء

- ‌تعليقات على عمرة القضاء:

- ‌نظرة على أحداث السنة السابعة

- ‌السنة الثامنة للهجرة

- ‌أحداث السنة الثامنة في سطور

- ‌فصل: في إسلام خالد وعمرو وعثمان بن طلحة

- ‌فصل: في سرية شجاع بن وهب

- ‌فصل: في غزوة مؤتة من أرض الشام

- ‌فصل: في غزوة ذات السلاسل

- ‌فصل: في فتح مكة

- ‌تقديم:

- ‌دروس من فتح مكة

- ‌فصل: في سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة

- ‌تعليق:

- ‌فصل: في غزوة حنين

- ‌فصل: في غزوة أوطاس

- ‌فصل: في غزوة الطائف

- ‌فصل: في إسلام كعب بن زهير

- ‌فوائد عامة من أحداث السنة الثامنة

- ‌السنة التاسعة للهجرة

- ‌أحداث السنة التاسعة في سطور

- ‌من أهم أحداث السنة التاسعة

- ‌فصل: في غزوة تبوك

- ‌فصل: في أسر أكيدر دومة الجندل

- ‌فصل: في الحج سنة تسع

- ‌فصل: في تهديم ذي الخلصة

- ‌تقويم الموقف في نهاية السنة التاسعة

- ‌السنتان العاشرة والحادية عشرة

- ‌أحداث هاتين السنتين في سطور

- ‌ سنة عشر:

- ‌ سنة إحدى عشرة:

- ‌فصل: في نماذج من البعوث

- ‌1 - بعث خالد وعلي إلى اليمن قبل حجة الوداع:

- ‌2 - بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن:

- ‌3 - بعث أبي عبيدة إلى اليمن:

- ‌فصل: في نماذج من الوفود

- ‌1 - وفد بني تميم:

- ‌2 - قدوم الأشعريين وأهل اليمن:

- ‌3 - وفد عبد القيس:

- ‌4 - وفد طيء:

- ‌5 - وفد بني حنيفة:

- ‌فائدة:

- ‌فصل: في حجة الوداع

- ‌فصل: في وفاته عليه الصلاة والسلام

- ‌تعليق:

- ‌نظرة عامة على أحداث السنتين العاشرة والحادية عشرة

الفصل: ‌فصل: في إجلاء بني النضير

‌فصل: في إجلاء بني النضير

هناك خلاف حول غزوة بني النضير متى كانت، وعامة كتاب السير أنها في السنة الرابعة وهذه الرواية تدل على أنها كانت في السنة الثالثة، ولا يترتب على الخلاف عمل، وقد جرينا على رأي الجمهور في هذه الغزوة.

قال ابن القيم في زاد المعاد عن ما جرى في أخريات بئر معونة ثم عن غزوة النضير:

وكان عمرو بن أمية الضمري والمنذر بن عقبة بن عامر في سرح المسلمين فرأيا الطير تحوم على موضع الوقعة، فنزل المنذر بن محمد فقاتل المشركين حتى قتل مع أصحابه وأسر عمرو بن أمية الضمري، فلما أخبر أنه من مضر جز عامر ناصيته وأعتقه عن رقبة كانت على أمه، ورجع عمرو بن أمية فلما كانت بالقرقرة من صدر قناة نزل في ظل شجرة، وجاء رجلان من بني كلاب فنزلا معه، فلما ناما فتك بهما عمرو وهو يرى أنه قد أصاب ثأر أصحابه، وإذا معهما عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشعر به، فلما قدم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فعل فقال لقد قتلت قتيلين لأدينهما، فكان هذا سبب غزوة بني النضير، فإنه خرج غليهم ليعينوه في ديتهما لما بينه وبينهم من الحلف، فقالوا: نعم وجلس هو وأبو بكر وعمر وعلي وطائفة من أصحابه، فاجتمع اليهود وتشاوروا وقالوا: من رجل يلقي على محمد هذه فيقتله؟ فانبعث أشقاها عمرو بن جحاش لعنه الله، ونزل جبريل من عند رب العالمين على رسوله يعلمه بما هموا به فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم من وقته راجعاً إلى المدينة، ثم تجهز وخرج بنفسه لحربهم، فحاصرهم ست ليال، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، وذلك في ربيع الأول، قال ابن حزم: وحينئذ حرمت الخمر، فنزلوا على أن لهم ما حملت إبلهم غير السلاح ويرحلون من ديارهم فترحل أكابرهم كحيي بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق إلى خيبر، وذهبت طائفة منهم إلى الشام، وأسلم منهم رجلان فقط يامين بن عمرو وأبو سعيد بن وهب فأحرزا أموالهما وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أموال بني النضير بين المهاجرين الأولين خاصة، لأنها كانت مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، إلا أنه أعطى أبا دجانة وسهل بن حنيف الأنصاريين لفقرهما. وفي هذه الغزوة نزلت سورة الحشر هذا الذي ذكرناه هو الصحيح عند أهل المغازي والسير، وزعم محمد بن شهاب الزهري أن غزوة بني النضير كانت بعد بدر

ص: 633

بستة أشهر، وهذا وهم منه أو غلط عليه بل الذي لا شك فيه أنها كانت بعد احد والتي كانت بعد بدر بستة أشهر هي غزوة بني قينقاع وقريظة بعد الخندق وخيبر بعد الحديبية. فكان له مع اليهود أربع غزوات: أولها غزوة بني قينقاع بعد بدر، والثانية بني النضير بعد أحد، والثالثة قريظة بعد الخندق، والرابعة خيبر بعد الحديبية.

قال ابن كثير في البداية والنهاية:

قال ابن إسحاق فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل، فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به، فخرجوا إلى خيبر ومنهم من سار إلى الشام، فكان من أشراف من ذهب منهم إلى خيبر سلام بن أبي الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب فلما نزلوها دان لهم أهلها. فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث أنهم استقلوا بالنساء والأبناء والأموال معهم الدفوف والمزامير والقيان يعزفن خلفهم بزهاء وفخر ما رؤي مثله لحي من الناس في زمانهم اهـ.

قال ابن حجر رحمه الله في الفتح:

قال ابن إسحاق: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم في ديتهما فيما حدثني يزيد بن رومان، وكان بين بني النضير وبني عامر عقد وحلف، فلما أتاهم يستعينهم قالوا: نعم. ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا: إنكم لن تجدوه على مثل هذه الحال. قال: وكان جالساً إلى جانب جدار لهم، فقالوا من رجل يعلو على هذا البيت فيلقي هذه الصخرة لعيه فيقتله ويريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب فأتاه الخبر من السماء، فقام مظهراً أنه يقضي حاجته وقال لصحابه: لا تبرحوا، ورجع مسرعاً إلى المدينة، واستبطأه أصحابه فأخبروا أنه توجه إلى المدينة، فلحقوا به، فأمر بحربهم والمسير إليهم، فتحصنوا، فأمر بقطع النخل والتحريق، وذكر ابن إسحاق أنه حاصرهم ست ليال، وكان ناس من المنافقين بعثوا إليهم أن اثبتوا وتمنعوا، فإن قوتلتم قاتلنا معكم، فتربصوا، فقذف الله في قلوبهم الرعب فلم ينصروهم، فسألوا أن يجلوا عن أرضهم على أن لهم ما حملت الإبل فصولحوا على ذلك، وروى البيهقي في "الدلائل" من حديث محمد بن مسلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى بني النضير وأمره أن يؤجلهم في الجلاء ثلاثة أيام، قال ابن إسحاق: فاحتملوا

ص: 634

إلى خيبر وإلى الشام، قال فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنهم حلوا الأموال من النخيل والمزارع فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة. قال ابن إسحاق: ولم يسلم منهم إلا يامين بن عمير وأبو سعيد بن وهب فأحرزا أموالهما. وروى ابن مردويه قصة بني النضير بإسناد صحيح إلى معمر عن الزهري "أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: كتب كفار قريش إلى عبد الله بن أبي وغيره ممن يعبد الأوثان قبل بدر يهددونهم بإيوائهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ويتوعدونهم أن يغزوهم بجميع العرب، فهم ابن أبي ومن معه بقتال المسلمين، فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما كادكم أحد بمثل ما كادتكم قريش، يريدون أن تلقوا بأسكم بينكم، فلما سمعوا ذلك عرفوا الحق فتفرقوا. فلما كتبت كفار قريش بعدها إلى اليهود: إنكم أهل الحلقة والحصون، يتهددونهم، فأجمع بنو النضير على الغدر، فأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: اخرج إلينا في ثلاثة من أصحابك ويلقاك ثلاثة من علمائنا، فإن آمنوا بك اتبعناك. ففعل، فاشتمل اليهود الثلاثة على الخناجر فأرسلت امرأة من بني النضير إلى أخ لها من الأنصار مسلم تخبره بأمر بني النضير، فأخبر أخوها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يصل إليهم، فرجع، وصبحهم بالكتائب فحصرهم يومه، ثم غدا على بني قريظة فحاصرهم فعاهدوه، فانصرف عنهم إلى بني النضير، فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الإبل إلا السلاح، فاحتملوا حتى أبواب بيوتهم، فكانوا يخربون بيوتهم بأيديهم فيهدمونها ويحملون ما يوافقهم من خشبها، وكان جلاؤهم ذلك أول حشر الناس إلى الشام، وكذا أخرجه عبد بن حميد في تفسيره عن عبد الرزاق، وفي ذلك رد على ابن التين في زعمه أنه ليس في هذه القصة حديث بإسناد، قلت: فهذا أقوى مما ذكر ابن إسحاق من أن سبب غزوة بني النضير طلبه صلى الله عليه وسلم أن يعينوه في دية الرجلين، لكن وافق ابن إسحاق جل أهل المغازي، فالله أعلم. وإذا ثبت أن سبب إجلاء بني النضير ما ذكر من همهم بالغدر به صلى الله عليه وسلم، وهو إنما وقع عندما جاء إليهم ليستعين بهم في دية قتيلي عمرو بن أمية، تعين ما قال ابن إسحاق، لأن بئر معونة كانت بعد أحد بالاتفاق. اهـ.

وقال الشيخ الغزالي:

وفي هذه المعركة نزلت سورة الحشر بأكملها، فوصفت طرد اليهود في صدرها.

ص: 635

(هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار)(1).

ثم فضح القرآن مسلك منافقي المدينة الذين حاولوا إعانة يهود في غدرها وحربها، وحرضوها على مقاتلة المسلمين بما وعدوها من أمداد وعتاد فقال:

(ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحداً أبداً وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون * لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون)(2).

وبهذا النصر الذي أحرزه المسلمون دون تضحيات، توطد سلطانهم في المدينة، وتخاذل المنافقون عن الجهر بكيدهم، وأمكن رسول الله أن يتفرغ لقمع الأعراب الذين آذوا المسلمين بعد أحد وتواثبوا على بعوث الدعاة يقتلون رجالها في نذالة وكفران. اهـ.

439 -

* روى أبو داود عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن كفار قريش كتبوا إلى ابن أبي ومن كان يعبد معه الأوثان من الأوس والخزرج ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بالمدينة قبل وقعة بدر: إنكم آويتم صاحبنا، وإنا نقسم بالله لتقاتلنه أو لتخرجن أو لنسيرن إليكم بأجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم ونستبيح نساءكم، فلما بلغ ذلك عبد الله بن أبي ومن كان معه من عبدة الأوثان اجتمعوا لقتال النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لقيهم فقال: "لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ، ما كانت

(1) الحشر: 2.

(2)

الحشر: 11، 12.

439 -

أبو داود (3/ 156)، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في خبر النضير، بسند صحيح.

الأوثان: جمع وثن، وهو الصنم.

نستبيح: استباحتهم: نهبهم وسبيهم والتصرف فيهم.

وعيد: الوعيد: التخويف والتهديد.

ص: 636

تكيدكم بأكثر مما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم، تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم" فلما سمعوا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم تفرقوا، فبلغ ذلك كفار قريش، فكتبت كفار قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود: إنكم أهل الحلقة والحصون وإنكم لتقاتلن صاحبنا أو لنفعلن كذا وكذا، ولا يحول بيننا وبين خدم نسائكم شيء، وهي الخلاخيل، فلما بلغ كتابهم النبي صلى الله عليه وسلم اجتمعت بنو النضير بالغدر، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخرج إلينا في ثلاثين رجلاً من أصحابك، وليخرج منا ثلاثون حبراً، حتى نلتقي بمكان المنصف فيسمعوا منك، فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا بك فقص خبرهم فلما كان الغد غدا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتائب فحصرهم، فقال لهم: "إنكم والله لا تأمنون عندي إلا بعهد تعاهدوني عليه" فأبوا أن يعطوه عهداً، فقاتلهم يومهم ذلك، ثم غدا الغد على بني قريظة بالكتائب، وترك بني النضير، ودعاهم على أن يعاهدوه، فعاهدوه، فانصرف عنهم، وغدا على بني النضير بالكتائب فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء، فجلت بنو النضير واحتملوا ما أقلت الإبل من أمتعتهم وأبواب بيوتهم وخشبها، فكان نخل بني النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، أعطاه الله إياها وخصه بها، فقال:(وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب)(1) يقول: بغير قتال، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها للمهاجرين، وقسمها بينهم، وقسم منها لرجلين من الأنصار، وكانا ذوي حاجة، ولم يقسم لأحد من الأنصار غيرهما.

= يكيدكم: كاده يكيده: إذا مكر به وخدعه.

الحلقة: بسكون اللام: الدرع، وقيل: اسم جامع للسلاح.

حبر: الحبر: العالم الفاضل.

منصف: المنصف بالفتح: نصف الطريق، أراد: أنهم يجتمعون في موضع لا يميل إلى جهته ولا جهتهم، ليكون أعدل وأقرب إلى الأمن.

الجلاء: النفي عن الأوطان.

أقلت الإبل: الأحمال، أي: حملتها.

ما أفاء الله: الفيء: ما يحصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولا قتال.

أوجفتم: الإيجاف: الإسراف والحث في السير، وأراد به: الإسراع في القتال.

ركاب: الركاب جماعة الإبل فوق العشرة.

(1)

الحشر: 6.

ص: 637

- (وفي رواية ابن هشام (1): أنهما سهل بن حنيف وأبو دجانة سماك بن خرشة) - وبقي منها صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي في أيدي بني فاطمة.

440 -

* روى البخاري ومسلم عن ابن عمر: أن يهود بني النضير وقريظة حاربوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير وأقر قريظة ومن عليهم حتى حاربت قريظة بعد ذلك فقتل رجالهم وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين إلا أن بعضهم لحقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فأمنهم وأسلموا وأجلى رسول الله يهود المدينة كلهم بني قينقاع وهم قوم عبد الله بن سلام ويهود بني حارثة وكل يهودي كان بالمدينة.

441 -

* وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما نحن في المسجد إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انطلقوا إلى يهود. فخرجنا معه حتى جئنا بيت المدراس، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فناداهم:"يا معشر يهود، أسلموا تسلموا" فقالوا: بلغت يا أبا القاسم. فقال: "ذلك أريد" ثم قالها الثانية، فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم. ثم قال الثالثة فقال: "اعلموا أن الأرض لله ورسوله وأني أريد أن أجليكم، فمن وجد منكم بماله شيئاً فليبعه، وإلا فاعلموا أنما الأرض لله ورسوله".

لكنهم رفضوا الجلاء الطوعي فكان ما رأينا.

442 -

* وروى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله عز وجل: (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها) قال: اللينة: النخلة، (وليخزي

(1) السيرة النبوية (3/ 194).

440 -

البخاري (7/ 329) 64 - كتاب المغازي - 14 - باب حديث بني النضير، ومخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في دية الرجلين، وما أرادوا من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومسلم واللفظ له (3/ 1387)، 32 - كتاب الجهاد والسير - 20 - باب إجلاء اليهود من الحجاز.

441 -

البخاري (12/ 317) 89 - كتاب الإكراه - 2 - باب في بيع المكره ونحوه في الحق وغيره.

ومسلم في نفس الموضع السابق.

بيت المدراس: بكسر الميم، مفعال من الدرس، والمراد به كبير اليهود، ونسب البيت إليه؛ لأنه هو الذي كان صاحب دراسة كتبهم، أي قراءتها.

442 -

الترمذي (5/ 408) 48 - كتاب تفسير القرآن - 60 باب "ومن سورة الحشر" وإسناده حسن.

لينة: اللينة: ما دون العجوة من النخل، والعجوة: نوع من التمر معروف بالمدينة.

ص: 638

الفاسقين) وقال: استنزلوهم من حصونهم، قال: وأمروا بقطع النخل فحك في صدورهم، فقال المسلمون: قد قطعنا بعضاً، وتركنا بعضاً، فلنسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لنا فيما قطعنا من أجر؟ وهل علينا فيما تركناه من وزر؟ فأنزل الله تعالى (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها ..)(1).

443 -

* وروى الحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت غزوة بني النضير وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من وقعة بدر، وكان منزلهم ونخلهم بناحية المدينة، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حتى نزلوا على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من الأمتعة والأموال إلا الحلقة يعني السلاح فأنزل الله فيهم (سبح لله ما في السموات وما في الأرض) إلى قوله (لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا)(2) فقاتلهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى صالحهم على الجلاء فأجلاهم إلى الشام وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا، وكان الله قد كتب عليهم ذلك، ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي وأما قوله (لأول الحشر) فكان جلاؤهم ذلك أول حشر في الدنيا إلى الشام.

ونشهد في زماننا حشراً آخر لليهود إلى بلاد الشام وسيتبعه حشر آخر في عهد الدجال عند نهر الأردن، وقد بشرنا الكتاب والحديث أن النصر للإسلام.

444 -

* روى البخاري عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير وقطع، وهي البويرة، فأنزل الله عز وجل:

(ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين)(1).

فحك: يقال: حك الشيء في نفسه: إذا لم يكن منشرح الصدر به، وكان في قلبه شيء منه من الشك والريب، لتوهمه أنه ذنب أو خطيئة.

وزر: الوزر: الحمل والثقل والإثم.

(1)

الحشر: 5.

443 -

المستدرك (2/ 483)، كتاب التفسير، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأقره الذهبي.

(2)

الحشر: 1، 2.

444 -

البخاري (5/ 9) 41 - كتاب الحرث والمزارعة - 6 - باب قطع الشجر والنخل.

ص: 639