الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقويم الموقف في نهاية السنة التاسعة
* إذا سلم شعب لإنسان بأن يجبي منه مالاً ولم يجد له خياراً في ذلك فقد سلم له بالسلطة، ومن ههنا كان إرسال المصدقين هذا العام وجبايتهم المال هو في الحقيقة رمز التسليم لسلطان رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتراف بالدولة الإسلامية، لذلك ارتبطت الردة بهذا الموضوع وارتبط منع مال الزكاة بعدم الاعتراف بالحكم فقال قائل المرتدين:
أطعنا رسول الله ما كان بيننا
…
فيا لعباد الله ما لأبي بكر
أيخلفه بكر إذا قام بعده
…
وتلك لعمر الله قاصمة الظهر
* جمع المال من مكان وتوزيعه في نفس ذلك المكان فيه معان كبيرة، فيه إشعار للفقراء والمستضعفين والمساكين ببركة الخضوع لسلطان الإسلام، وفي ذلك ربط محكم لهؤلاء بالدولة الإسلامية وإظهار المانعين بأنهم أعداء لشعبهم الفقير وهكذا يؤخذ الاعتراف بالدولة عن طريق ليس لأحد فيه خيار آخر، وتلك من مظاهر الفطرية الإسلامية التي تصل إلى أعظم الأشياء من أقرب طريق.
* إقبال الوفود بهذه الكثرة وبهذا التسليم هو أثر عن مجموعة أمور كلها تدل على إحكام العمل بتوفيق الله، فحرارة إيمان الدعاة، وعمليات التعرض، والانتصارات المتلاحقة، والمعجزات اليومية والسياسية الحكيمة، وحسن التعامل مع النفس البشرية، وإشعار الناس أن أرباحهم في الإسلام أكبر من خسائرهم كل ذلك أدى دوره في أن تصبح الجزيرة العربية وافدة ومسلّمة مسلمة.
* الهيبة العسكرية كانت عاملاً حاسماً، ومناطحة الرومان مرة بعد مرة أشعرت الجميع أنهم أمام سلطان لا يقهر، وكان ذلك هو الأساس للتحرك اللاحق بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدام مع الدولتين العظميين وقتذاك.
* إن نجاح الصادقين يغري الكاذبين والطامحين بسلوك طريقهم، وطرح دعاوى يزعمون أنها تشابه الحقائق التي يدعو إليها الأنبياء. ومن ههنا نبتت نابتة دعاوى النبوة على أثر الانتصارات الكاسحة. ومن ههنا تأتي دعاوى الأسود العنسي ومسيلمة وطليحة وسجاح
…
* كما أن فتح مكة كان من الناحية الاستراتيجية فتحاً للجزيرة العربية كلها، فإن الإعلان في حج هذا العام ألا يحج بعد العام مشرك، وألا يطوف به عريان كان من الناحية الاستراتيجية إنهاء للشرك في جزيرة العرب.
* الملاحظ أن الوفود قبل الفتح كانت فردية في الغالب أما بعد الفتح فقد كانت جماعية.
* بعد سير طويل لم يبق فيه لأحد حجة أصبح الحساب عسيراً، فما لم يكن يحاسب عليه الصف لم يعد يتحمل من الصف ولم يعد يتساهل فيه، فيوم أحد انفصل ثلث الجيش ولم يحاسب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً ولم يعاقبه، ولكنه ههنا حاسب وعاقب كما فعل بكعب وزميليه، ذلك أنه لم يعد لأحد حجة، فالمعجزات كثيرة، والقيادة على مستوى ليس له مثيل، ونجاحاتها متلاحقة وآفاقها أرقى من كل أفق، ومن ههنا نأخذ درساً وهو أن الصف الإسلامي عندما يكون مريضاً أو ضعيفاً لا ينبغي أن يتشدد بالحساب وإنما عليه في هذه الحالة أن يعالج أزمة الثقة وأن يحسن التخطيط والانتقال من الطور الأدنى إلى ما هو أعلى.
* من خلال غزوة تبوك ونزول سورة براءة فيها ندرك أن الجهاد هو المحك، فهو المحك لإيمان الأشخاص، وهو المحك لنضج الصف، وهو المحك للحالة التي وصلت إليها الأمة.
* بغزوة تبوك نقل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصراع من داخل الجزيرة العربية إلى خارجها، وهي السياسة التي سيتابعها أبو بكر وعمر وعثمان حتى حدوث الفتنة. وهذه السياسة تحقق أكثر من هدف بآن واحد: شغل الناس بالعدو الخارجي، وفي الوقت نفسه تربية الصف وإنضاجه وتفتيح آفاقه من خلال الجهاد، فهناك رسالة لشعب يجب أن يؤديها.
* توطد في السنة التاسعة سلطان الدولة الإسلامية وتأكد، وأصبحت سيطرة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجزيرة العربية كاملة، وليس له من عدو إلا مطارداً. وبعد أن كان المسلمون أفراداً في بحار شرك أصبح المشركون جزراً صغيرة في بحار الإسلام، وهم محكومون بحكمه، مطاردون مستهدفون ممنوعون من الحج إلا بالإسلام. مجبرون على الإسلام ودفع الزكاة. وكل ذلك كان مقدمة لحج رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام العاشر ليجتمع بأكبر قدر من الناس في جزيرة العرب فيعلمهم ويربيهم ويصهرهم.
* * *