الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوائد عامة من أحداث السنة الخامسة
1 -
لقد برز لنا في أحداث هذه السنة ومن قبل كان بارزاً وسنرى ذلك دائماً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تأتيه أخبار تحشدات الأعداء في أوائلها فلم يكن يفاجأ بحادثة ولا تدبير يدبره الأعداء، وهذا يجعلنا أمام أهم قضية في الحرب والسلم، وهي قضية أجهزة المخابرات، إن العالم كله قد أدرك اليوم أنه بقدر ما يكون جهاز المخابرات قوياً فإن ذلك يعوض عليك أشياء كثيرة ويجنبك أشياء خطيرة، صحيح أن ذلك قد يكلف ولكن مهما كانت التكلفة فالربح أكبر، إنه بالنسبة لأي نظام يشكل جهاز المخابرات عينه التي تكشف الخطأ والخطر فتتلافى الأخطاء وتستأصل الأخطار قبل وقوعها، ومهما يقال بالنسبة لأجهزة المخابرات فالمسألة أخطر وأكبر، وكل ما يمكن أن تحققه أجهزة المخابرات في العالم كان يتحقق لرسول الله أحياناً عن طريق عالم الأسباب وأحياناً عن طريق الغيب، فكم من مؤامرة كشفها جبريل، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع هذا لم يكن ليغفل فذلك تكليفه ولقد كانت تتجمع عند رسول الله صلى الله عليه وسلم المعلومات من مصادر متعددة، سراياه الاستطلاعية، المسلمون المتخفون، المتعاطفون مع المسلمين، المعاهدون، الفراسة واستكشاف ما وراء السطور، المهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يفاجأ بتآمر داخلي أو تهديد خارجي وهذا يجعل المسلمين في عصرنا أمام قضية يجب أن يعطوها كامل الاعتبار، مع ملاحظة الضوابط الشرعية.
2 -
لقد قرر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدافع عن عاصمته، فهي معقله الأول والأخير على قلة العدد وكثرة العدو، وهذا يجعلنا أمام قاعدة مهمة أنه لا خيار في القتال عندما يصل العدو إلى العاصمة أو المعقل الأخير، أما إذا كان الانسحاب إلى معقل أو قيادة فهذا يدخل في التحيز إلى فئة. ولكن مع هذا فقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يدخل في قتال تصادمي مع جيوش تفوق جيشه، وهذا يوصلنا إلى فكرة البحث عن أجدى الوسائل لتجنب الاستئصال، فليست مهمات القيادة أن تقاتل أو تجهز للقتال فقط بل من مهماتها أن تفكر في أن تكون خسائرها أقل إن فاتها أن تجعل خسائرها معدومة. فإذا عرفنا أنه لم يقتل من المسلمين في غزوة الأحزاب إلا ستة أدركنا كيف أن مبدأ الاقتصاد في القوى كان مطبقاً على أرقاه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي ذلك درس للقيادات التي لا تبالي بعدد الضحايا
في المعارك الرئيسية أو الجانبية.
3 -
أسوأ القادة هم الذين لا يستطيعون أن يسيطروا على العصبيات، فضلاً عن أن ينزلوا في حمأتها، وأفضل القادة هم الذين يعرفون خصائص الناس ويعرفون لكل حقه ويستطيعون أن يضعوا الإنسان المناسب في المكان المناسب ويحسنون توجيه الطاقات، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل شيء هو الأرقى، ومن ذلك هذا الجانب، فالجزيرة العربية مهد العصبيات، العصبية للأسرة وللشعب وللقبيلة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم محل قيادته المباشرة هم العرب، فكان لابد أن يسيطر على العصبيات، وأن يصهرها بعصبية واحدة هي العصبية للإسلام وأهله، وأن يستفيد بعد ذلك من خصائص الناس ومن تنافسهم، وإنك لتجد كيف أن هذا كله قد تهيأ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفلت الزمام من يده مرة واحدة على كثرة المحاولات من يهود ومن المنافقين لإركاس الناس في هذه الحمأة، تجد ذلك في مواقف كثيرة وسنرى في أحداث السنة السادسة نموذجاً على ذلك، وفي تنافس الأوس والخزرج على الفضائل بما يخدم الإسلام نموذج على الجانب الآخر، ومقتل أبي رافع الذي فعلته الخزرج لتكافئ الأوس في قتلها لكعب بن الأشرف بيان لهذا الجانب من حياته عليه الصلاة والسلام في الاستفادة من العصبية بما يخدم الإسلام.
4 -
المبادرة في العمل السياسي تشكل جانباً مهماً منه أو ركناً من أركانه، والسياسي الناجح هو الذي يبادر في الوقت المناسب إذا وجد استعداداً، ويفسد مبادرة خصمه إذا بادر الخصم إلى ما يضره، والسياسي المسلم مقيد دائماً بالحق والعدل والحكم الشرعي والمصلحة، ولكن لابد أن يمتلك في حدود ذلك قوة المبادرة وقوة تجنب مبادرة الخصوم الضارة وما أصعب ذلك، والملاحظ أن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم مليئة بالمبادرات، فمبادرته بكتابة العهود بينه وبين سكان المدينة، ومبادراته بالعقود، ومبادرته ضد استعدادات الآخرين نماذج، وفي قصة الأحزاب تجد الذين أقدموا على مبادرة التجميع ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم هم اليهود، واليهود في كل زمان ومكان يمتلكون الجرأة على المبادرات، ولكن مبادرتهم تلك ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت كارثة عليهم، وهذا من توفيق الله له عليه الصلاة والسلام ثم من كمالاته، على كل الأحوال فإن على الحركة الإسلامية أن تبادر. وأن تمتلك القدرة على التصرف أمام