الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصل
هجوم عبد الرحمن الفزاري على المدينة المنورة
سمى ابن هشام هذا الهجوم بغزوة ذي قرد.
وكان ذلك مقفله عليه الصلاة والسلام من الحديبية كما ذكر سلمة بن الأكوع في رواية مسلم - وقد ذكرنا قسماً من رواية سلمة من قبل وأخرنا بعضها إلى هنا، والسطور الأوائل مذكورة هنا وهناك لربط ما له علاقة بهذه الغزوة بسياقها الذي مر معنا من قبل.
523 -
* روى مسلم عن سلمة بن الأكوع قال: فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري قد أغار على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاقه أجمع وقتل راعيه قال فقلت: يا رباح! خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة بن عبيد الله. وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المشركين قد أغاروا على سرحه، قال: ثم قمت على أكمة فاستقبلت المدينة. فناديت ثلاثاً: يا صباحاه! ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل. وأرتجز. أقول:
أنا ابن الأكوع
…
واليوم يوم الرضع
فألحق رجلاً منهم. فأصك سهماً في رحله حتى خلص نصل السهم إلى كتفه. قال قلت:
خذها وأنا ابن الأكوع
…
واليوم يوم الرضع
قال! فوالله ما زلت أرميهم وأعقر بهم. فإذا رجع إلي فارس أتيت شجرة فجلست في أصلها، ثم رميته فعقرت به. حتى إذا تضايق الجبل فدخلوا في تضايقه، علوت الجبل،
523 - مسلم مطولاً (3/ 1433) 32 - كتاب الجهاد والسير - 45 - باب غزوة ذي قرد وغيرها.
عبد الرحمن الفزاري: هو عبد الرحمن بن عيينة الفزاري وقيل عيينة بن حصن أبوه.
فأصك سهماً في رحله: أي أضرب.
أرميهم وأعقر بهم: أي أرميهم بالنبل وأعقر خيلهم. وأصل العقل ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف. ثم اتسع حتى استعمل في القتل كما وقع هنا. وحتى صار يقال: عقرت البعير أي نحرته.
حتى إذا تضايق الجبل فدخلوا في تضايقه: التضايق ضد الاتساع. أي تدانى. فدخلوا في تضايقه أي المحل المتضايق
فجعلت أرديهم بالحجارة. قال: فما زلت كذلك أتبعهم حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خلفته وراء ظهري. وخلوا بيني وبينه. ثم اتبعتهم أرميهم، حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحاً يستخفون، ولا يطرحون شيئاً إلا جعلت عليه آراماً من الحجارة، يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. حتى أتوا متضايقاً من ثنية. فإذا هم قد أتاهم فلان بن بدر الفزاري فجلسوا يتضحون (يعني يتغدون). وجلست على رأس قرن. قال الفزاري: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا، من هذا، البرح. والله! ما فارقنا منذ غلس يرمينا، حتى انتزع كل شيء في أيدينا. قال: فليقم إليه نفر منكم، أربعة. قال: فصعد إلي منهم أربعة في الجبل. قال: فلما أمكنوني من الكلام قال قلت: هل تعرفوني؟ قالوا: لا. ومن أنت؟ قال قلت: أنا سلمة بن الأكوع. والذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم! لا أطلب رجلاً منكم إلا أدركته. ولا يطلبني رجل منكم
= منه بحيث استتروا به عنه، فصار لا يبلغهم ما يرميهم به من السهام.
فجعلت أرديهم بالحجارة: يعني لما امتنع علي رميهم بالسهام عدلت عن ذلك إلى رميهم من أعلى الجبل بالحجارة التي تسقطهم وتهورهم. يقال: ردى الفرس راكبه إذا أسقطه وهوره.
حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم: من، هنا زائدة. أتى بها لتأكيد العموم. وإنما سميت زائدة لأن الكلام يستقيم بدونها فيصح أن يقال: ما خلق الله بعيراً. ومن، في قوله: من ظهر، بيانية، والمعنى أنه ما زال بهم إلى أن استخلص منهم كل بعير أخذوه من إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إلا خلفته وراء ظهري: خلفته أي تركته. يريد أنه جعل في حوزته وحال بينهم وبينه.
ثم اتبعتهم: هكذا هو في أكثر النسخ: اتبعتهم. وفي نسخة: أتبعتهم، بهمزة القطع. وهي أشبه بالكلام وأجود موقعاً فيه. وذلك أن تبع المجرد واتبع بمعنى مشى خلفه على الإطلاق وأما أتبع الرباعي فمعناه لحق به بعد أن سبقه ومنه قوله تعالى (فأتبعهم فرعون بجنوده) أي لحقهم مع جنوده بعد أن سبقوه. وتعبيره هنا بثم المفيدة للتراخي يشعر أنه بعد أن استخلص منهم جميع الإبل توقف عن اتباعهم ولعل ذلك ريثما جمع الإبل وأقامها على طريق يأمن عليها فيه. والمعنى على هذا الوجه: وبعد أن توقفت عن اتباعهم حتى سبقوني، تبعتهم حتى لحقت بهم.
يستخفون: أي يطلبون بإلقائها الخفة ليكونوا أقدر على الفرار.
آراما من الحجارة: الآرام هي الأعلام. وهي حجارة تجمع وتنصب في المفازة ليهتدى بها. واحدها إرم كعنب وأعناب.
حتى أتوا متضايقاً من ثنية: الثنية العقبة والطريق في الجبل. أي حتى أتوا طريقاً في الجبل ضيقة.
على رأس قرن: هو كل جبل صغير منقطع عن الجبل الكبير.
البرح: أي الشدة.
غلس: الغلس: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح.
فيدركني قال أحدهم: أنا أظن. قال: فرجعوا. فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر. قال: فإذا أولهم الأخرم الأسدي. على إثره أبو قتادة الأنصاري. وعلى إثره المقداد بن الأسود الكندي. قال: فأخذت بعنان الأخرم. قال: فولوا مدبرين. قلت: يا أخرم! احذرهم. لا يقتطعوك حتى يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. قال: يا سلمة! إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أن الجنة حق والنار حق، فلا تحل بيني وبين الشهادة. قال: فخليته، فالتقى هو وعبد الرحمن. قال: فعقر بعبد الرحمن فرسه. وطعنه عبد الرحمن فقتله. وتحول على فرسه.
ولحق أبو قتادة، فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الرحمن. فطعنه فقتله. فوالذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم! لتبعتهم أعدو على رجلي. حتى ما أرى ورائي، من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ولا غبارهم، شيئاً. حتى يعدلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء. يقال له ذا قرد. ليشربوا منه وهم عطاش. قال: فنظروا إلي أعدو وراءهم. فحليتهم عنه (يعني أجليتهم عنه) فما ذاقوا منه قطرة. قال: ويخرجون فيشتدون في ثنية. قال: فأعدو فألحق رجلاً منهم. فأصكه بسهم في نغض كتفه. قال قلت: خذها وأنا ابن الأكوع. واليوم يوم الرضع. قال: يا ثكلته أمه! أكوعه بكرة. قال قلت: نعم. يا عدو نفسه! أكوعك بكرة. قال: وأردوا فرسين على ثنية. قال: فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله
= قال أحدهم: أنا أظن: يعني: صدقت.
يتخللون الشجر: أي يدخلون من خلالها، أي بينها.
ذا قرد: هكذا هو في أكثر النسخ المعتمدة: ذا قرد، وفي بعضها: ذو قرد، وهو الوجه.
فحليتهم عنه: أي طردتهم عنه. وقد فسرها في الحديث بقوله: يعني أجليتهم عنه. قال القاضي: كذا روايتنا فيه هنا غير مهموز. قال وأصله الهمز، فسهله. وقد جاء مهموزاً بعد هذا في الحديث.
نغض: هو العظم الرقيق على طرف الكتف. سمي بذلك لكثرة تحركه. وهو الناغض أيضاً.
قال: يا ثكلته أمه! أكوعه بكرة: معنى ثكلته أمه، فقدته أمه، وقوله: أكوعه، هو برفع العين، أي أنت الأكوع الذي كنت بكرة هذا النهار؟ ولهذا قال: نعم. وبكرة منصوب غير منون. قال أهل العربية: يقال أتيته بكرة بالتنوين، إذا أردت لقيته باكراً في يوم غير معين، قالوا: وإن أردت بكرة يوم بعينه، قلت أتيته بكرة، غير مصروف لأنها من الظروف المتمكنة.
وأردوا: قال القاضي: رواية الجمهور بالدال المهملة ورواه بعضهم بالمعجمة. قال: وكلاهما متقارب المعنى. فبالمعجمة معناه خلفوهما. والرذي الضعيف من كل شيء. وبالمهملة معناه أهلكوهما وأتعبوهما حتى أسقطوهما وتركوهما ومنه التردية. وأردت الفرس الفارس أسقطته. لحقني عامر: أي عمه وقد استشهد في خيبر.=
صلى الله عليه وسلم. قال: ولحقني عامر بسطيحة فيها مذقة من لبن وسطيحة فيها ماء. فتوضأت وشربت. ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الماء الذي حلأتهم. عنه. فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ تلك الإبل وكل شيء استقذته من المشركين وكل رمح وبردة وإذا بلال نحر ناقة من الإبل الذي استنقذت من القوم إذا هو يشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كبدها وسنامها. قال قلت: يا رسول الله! خلني فأنتخب من القوم مائة رجل، فأتبع القوم فلا يبقى منهم مخبر إلا قتلته قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه في ضوء النار. فقال: "يا سلمة! أتراك كنت فاعلاً؟ " قلت: نعم. والذي أكرمك! فقال: "إنهم الآن ليقرون في أرض غطفان" قال: فجاء رجل من غطفان فقال: نحر لهم فلان جزوراً، فلما كشفوا جلدها رأوا غباراً. فقالوا: أتاكم القوم، فخرجوا هاربين. فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة. وخير رجالتنا سلمة" قال: ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين: سهم الفارس وسهم الراجل. فجمعهما لي جميعاً. ثم أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة. قال: فبينما نحن نسير. قال: وكان رجل من الأنصار لا يسبق شداً، قال: فجعل يقول: ألا مسابق إلى المدينة؟ هل من مسابق؟ فجعل يعيد ذلك. قال: فلما سمعت كلامه قلت: أما تكرم كريماً، ولا تهاب شريفاً؟ قال: لا إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال قلت: يا رسول الله! بأبي وأمي! ذرني فلأسابق الرجل. قال: "إن
= بسطيحة فيها مذقة من لبن: السطيحة إناء من جلود سطح بعضها على بعض. والمذقة قليل من لين ممزوج بماء.
حلأتهم: كذا هو في أكثر النسخ: حلأتهم. وفي بعضها حليتهم. وقد سبق بيانه قريباً.
من الإبل الذي: كذا في أكثر النسخ: الذي. وفي بعضها: التي. وهو أوجه. لأن الإبل مؤنثة، وكذا أسماء الجموع من غير الآدميين. والأول صحيح أيضاً. وأعاد الضمير إلى الغنيمة، لا إلى لفظ الإبل.
نواجذه: أي أثيابه.
ليقرؤن: أي يضافون، والقرى الضيافة.
جزورا: الجزور: البعير ذكراً كان أو أنثى.
العضباء: هو لقب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم. والعضباء مشقوقة الأذن، ولم تكن ناقته صلى الله عليه وسلم كذلك وإنما هو لقب لزمها.
شداً: أي عدواً على الرجلين.
شئت" قال. قلت: اذهب إليك. وثنيت رجلي فظفرت فعدوت. قال: فربطت عليه شرفاً أو شرفين أستبقي نفسي. ثم عدوت في إثره. فربطت عليه شرفاً أو شرفين. ثم رفعت حتى ألحقه.
قال: فأصكه بين كتفيه. قال قلت: قد سبقت والله! قال: أنا أظن. قال: فسبقته إلى المدينة.
وللحديث تتمة متعلقة بخيبر سنذكرها في أحداث السنة السابعة.
* * *
= فطفرت: أي وثبت وقفزت.
فربطت عليه شرفاً أو شرفين أستبقي نفسي: معنى ربطت حبست نفسي عن الجري الشديد، والشرف ما ارتفع من الأرض. وقوله: أستبقي نفسي، أي لئلا يقطعني البهر.
رفعت حتى ألحقه: أي أسرعت. قوله: حتى ألحقه. حتى، هنا، للتعليل بمعنى كي. وألحق منصوب بأن مضمرة بعدها.
أظن: أي أظن ذلك، حذف مفعوله للعلم به.