الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: ويرفع بها صوته: "أبَيْنا، أبينا".
فوائد:
1 -
إن مواساة القادة جندهم بمشاركتهم إياهم مهامهم، ومعاونتهم فيما هم مكلفون به لم يزل من أخلاق القادة العظام الواثقين بأنفسهم، على أن هؤلاء القادة لهم ملاحظ من هذه المشاركات أما محمد صلى الله عليه وسلم فلقد كان هذا هديه وسنته عليه الصلاة والسلام مع أن تاريخ العالم لم يشهد حباً ولا ثقة كالحب والثقة اللذين أعطاهما أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لمحمد مما كان يغنيه أن يفعل شيئاً تكلفاً، لكنها العبودية لله والإخلاص له والطبع الصافي، والفطرة المستقيمة التي تأبى التمييز وتكره التصنع.
2 -
ومن حسن الإدارة توزيع العمل، وتنشيط العاملين، وترويحهم بحيث يقومون بأعلى الجهد وهم لا يشعرون بمشقة ذلك، وإنك لترى هذا كله في حفر الخندق، فالتوزيع حاصل، والإنشاد يخفف أعباء العمل، فكيف إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشارك في العمل والنشيد وهذا درس للقادة.
3 -
ولكن قل لي: كم من الرؤساء لو شاركوا جندهم العمل والنشيد وأكثروا من مخالطتهم تزداد محبتهم ويبقى احترامهم، إن أكثر الخلق لو خالطتهم تنزل رتبتك عندهم، ويقل احترامهم لك، ولقد فطنت العرب لذلك فقالت (وجدت الناس: اخبره تقله (1)) لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما ازداد خلطة زادت محبته وعظم احترامه، إنها النبوة وإنه الكمال فهو كما وصفه علي رضي الله عنه من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه (2)).
4 -
ما الهدف الاستراتيجي من الخندق؟.
عندما ندرس مخطط المدينة المنورة - والخريطة اللاحقة تعطيك صورة عنه - فإنك تجد أن جهة وحيدة هي التي يمكن أن يدخل فيها جيش المشركين معركة مواجهة كاملة هي
(1) قال في لسان العرب: القلى البغض، يقول: جرب الناس، فإنك إذا جربتهم قليتهم وتركتهم لما يظهر لك. من بوطن سرائرهم، لفظه لفظ الأمر، ومعناه الخبر (مادة ق ل ي).
(2)
الترمذي مطولاً (5/ 599) 50 - كتاب المناقب - 8 - باب ما جاء في صفة النبي صلى الله عليه وسلم.
جهة الشمال من المدينة المنورة أما المناطق الأخرى فإن بعض هذا الجيش أو أفراداً منه يمكن أن يهاجموا ويدخلوا معركة مواجهة على شيء من المشقة وهذا وحده لا يشكل إشكالاً في المعركة، فبحفره عليه الصلاة والسلام الخندق أخرج جيش المشركين من المعركة في الحقيقة لأن أي محاولة جزئية للهجوم يمكن ردها من خلال السهام وسرعة الحركة. تصور الآن مجموعات سريعة الحركة مع جيش منتشر على أطراف المدينة، إن هذا وحده كاف لأن يجهض أي محاولة اقتحام مع وجود الخندق، وهذا الذي حدث يوم الأحزاب، هجوم الجيش كله مستحيل، هجوم أفراد منه يسهل صدهم، ولذلك فمع كثرة المحاولات لاقتحام الخندق أو لاقتحام جزء منه أو للهجوم على المدينة فإن ذلك كله باء بالفشل بسبب الخندق وسهر القيادة ومرونة الحركة، ولكن هذا كله أصبح معرضاً للخطر بسبب غدر قريظة فعندما تصبح أرض قريظة مرتكز انطلاق، أو عندما تهاجم قريظة من الخلف فكل الوضع الاستراتيجي سيتغير، لن هذا يعطي جيش المشركين كله فرصة عبور الخندق وفرصة القتال ويصبح المسلمون مطوقين من كل جانب بأعداد هائلة، ولذلك كانت غدرة قريظة بالمكان الأفظع، فلقد عرضت الإسلام والمسلمين لخطر الاستئصال، ولعلك من خلال هذه الصورة تدرك دقة الأمر وخطورة الموقف، وتعرف مع ذلك أنها النبوة والرسالة في كفاءتها العالية وتأييد الله لرسوله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين، فلقد ربح المسلمون المعركة.
* * *
[خريطة غزوة الأحزاب]