الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: في غزة حمراء الأسد
قال في الرحيق المختوم: وبات الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يفكر في الموقف، فقد كان يخاف أن المشركين إن فكروا في أنهم لم يستفيدوا شيئاً من النصر والغلبة التي كسبوها في ساحة القتال، فلابد من أن يندموا على ذلك، ويرجعوا من الطريق لغزو المدينة مرة ثانية، فصمم على أن يقوم بعملية مطاردة الجيش المكي.
وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه حتى بلغوا حمراء الأسد على بعد ثمانية أميال من المدينة فعسكروا هناك.
(وكان من آثار ذلك أن عدل المشركون عن قرارهم في مهاجمة المدينة، وانطلقوا نحو مكة أشبه بالهاربين).
أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد بعد - مقدمة يوم الأحد - الاثنين والثلاثاء والأربعاء.
لا شك أن غزوة حمراء الأسد ليست بغزوة مستقلة، إنما هي جزء من غزوة أحد وتتمة لها، وصفحة من صفحاتها.
428 -
* روى الطبراني عن ابن عباس قال: لما انصرف أبو سفيان والمشركون عن أحد، وبلغوا الروحاء قالوا: لا محمداً قتلتم، ولا الكواعب أردفتم، شر ما صنعتم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فندب الناس فانتدبوا حتى بلغوا حمراء الأسد أو بئر بني عيينة فأنزل الله عز
428 - أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 121)، وقال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن منصور الجواز، وهو ثقة.
الروحاء: تبعد عن المدينة جنوباً حوالي أربعين ميلاً.
الكواعب: جمع كاعب وهي الفتاة التي نهد ثديها.
أردفتم: أركبتم وراءكم على الإبل والمعنى أسرتم.
ندب الناس فانتدبوا: دعاهم للخروج فخرجوا.
حمراء الأسد: موضع على ثمانية أميال من المدينة.
وجل (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح)(1) وذلك أن أبا سفيان قال للنبي صلى الله عليه وسلم: موعدك موسم بدر، حيث قتلتم أصحابنا فأما الجبان فرجع، وأما الشجاع فأخذ أهبة القتال والتجارة فأتوه فلم يجدوا به أحداً وتسوقوا فأنزل الله جل ذكره (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء)(2).
429 -
* روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: (حسبنا الله ونعم الوكيل) قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا (إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)(3).
والملاحظ أن الحرب النفسية كانت جزءاً من مخططات الرسول صلى الله عليه وسلم ومخططات المشركين، فليست إذن هي وليدة الفكر المعاصر بل نقول: إن كثيراً مما يظن أنه وليد الفكر المعاصر ليس هو كذلك فهناك منطق البداهة والغريزة ينطلق الناس عنه دائماً أبداً وإنما التعقيد والتنظيم يتضخمان على مدى العصور.
والملاحظ أن الحرب النفسية لم تؤثر في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإنما أثرت بالمشركين فقط وذلك هو الوضع الطبيعي الذي ينبغي أن يكون عليه الحال، فإذا ما حدث غير ذلك - فالسبب - المرض عند المسلمين.
بل نقول: إن قوله عليه الصلاة والسلام: "نصرت بالرعب مسيرة شهر"(4) يدل على أن الغلبة في الحرب النفسية هي الأساس وهي النصر، ولكن ذلك لا يكون للمسلمين إلا إذا تأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في طلب الموت وإحسان الحركة السياسية والعسكرية.
= القرح: عض السلاح وجروحه.
وتسوقوا: اشتروا من السوق.
(1)
آل عمران: 172.
(2)
آل عمران: 174.
429 -
البخاري (8/ 229) 65 - كتاب التفسير - 13 - باب (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم) الآية.
(3)
آل عمران: 173.
(4)
البخاري (1/ 435).
430 -
* روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم)(1). قالت لعروة: "يا ابن أختي، كان أبواك منهم الزبير وأبو بكر، لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصاب يوم أحد وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا، قال: من يذهب في إثرهم؟ فانتدب منهم سبعون رجلاً، قال: كان فيهم أبو بكر والزبير.
وفي رواية (2) قال عروة: قالت لي عائشة: أبواك والله من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح - زاد في رواية - تعني أبا بكر والزبير.
قال ابن كثير: المشهور عند أصحاب المغازي أن الذين خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد كل من شهد أحداً وكانوا سبعمائة كما تقدم، قتل منهم سبعون وبقي الباقون، وقد روى ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال: إن الله قذف في قلب أبي سفيان الرعب يوم أحد بعد الذي كان منه فرجع إلى مكة.
قال ابن إسحاق: كان أحد يوم السبت للنصف من شوال، فلما كان الغد يوم الأحد سادس عشر من شوال أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس يطلب العدو، وأن لا يخرج معنا إلا من حضر بالأمس، فاستأذنه جابر بن عبد الله في الخروج معه فأذن له، وإنما خرج موهباً للعدو وليظنوا أن الذي أصابهم لم يوهنهم عن طلب عدوهم.
أقول: يبدو أن السبعين الذين ذكرتهم عائشة رضي الله عنها كانوا طليعة القوم، وإلا فالنصوص واضحة بأنه حتى الجرحى لم يتخلفوا عن غزوة حمراء الأسد.
* * *
430 - البخاري (7/ 373) 64 - كتاب المغازي - 25 - باب (الذين استجابوا لله والرسول).
البخاري مطولاً (1/ 435) 7 - كتاب التيمم - 1 - باب حدثنا عبد الله بن يوسف عن جابر بن عبد الله.
(1)
آل عمران: 172.
(2)
مسلم (4/ 1881) 44 - كتاب فضائل الصحابة - 6 - باب من فضائل طلحة والزبير رضي الله تعالى عنهما والزيادة في نفس الموضع.