المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1 - وفي هذه الغزوة حدثت حادثة الإفك: - الأساس في السنة وفقهها - السيرة النبوية - جـ ٢

[سعيد حوى]

فهرس الكتاب

- ‌السنة الثالثة للهجرة

- ‌هذه السنة في سطور

- ‌غزوة ذي أمر (بِنَجْدٍ)

- ‌غزوة بَحران

- ‌سرية زيد بن حارثة (إلى القردة)

- ‌فصل: في قتل كعب بن الأشرف في ربيع الأول من السنة الثالثة

- ‌دروس من قتل كعب بن الأشرف

- ‌فصل: في غزوة أحد

- ‌عرض عام

- ‌موقف الرسول الباسل إزاء عمل التطويق:

- ‌تبدد المسلمين في الموقف:

- ‌احتدام القتال حول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌تضاعف ضغط المشركين:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم يواصل المعركة وينقذ الموقف:

- ‌آخر هجوم قام به المشركون:

- ‌التثبت من موقف المشركين:

- ‌1 - بين يدي الالتحام

- ‌2 - الالتحام

- ‌3 - بعد المعركة

- ‌تعليق:

- ‌4 - عبر أحد وبعض دروسها

- ‌5 - فقهيات

- ‌فصل: في غزة حمراء الأسد

- ‌هوامش على غزوة أحد

- ‌تقدير الموقف في نهاية السنة الثالثة

- ‌السنة الرابعة للهجرة

- ‌السنة الرابعة في سطور

- ‌فصل: في سرية أبي سلمة لبني أسد

- ‌فصل: في سرية عبد الله بن أنيس لخالد بن سفيان الهذلي

- ‌فوائد:

- ‌فصل: في بعث الرجيع

- ‌فوائد:

- ‌فصل: في مأساة بئر معونة

- ‌فصل: في إجلاء بني النضير

- ‌تعليقات على حادثة النضير:

- ‌فصل: في غزوتي الرد

- ‌1 - غزوة بني لحيان:

- ‌2 - غزوة ذات الرقاع:

- ‌تعليقات:

- ‌فصل: في غزوة بدر الآخرة

- ‌دروس بدر الآخرة:

- ‌فوائد عامةمن أحداث السنة الرابعة

- ‌تقويم الموقف في نهاية السنة الرابعة

- ‌السنة الخامسة للهجرة

- ‌السنة الخامسة في سطور

- ‌فصل: في غزوة دومة الجندل

- ‌فصل: في غزوتي الأحزاب وقريظة

- ‌1 - من تحقيقات كتاب السير:

- ‌2 - روايات في غزوة الأحزاب:

- ‌فوائد:

- ‌روايات في يوم الخندق

- ‌فقه هذه الروايات:

- ‌هزيمة الله عز وجل للأحزاب:

- ‌فوائد من غزوتي الأحزاب وقريظة

- ‌فصل: في قتل أبي رافع

- ‌فصل: في زواجه عليه الصلاة والسلام بزينب بنت جحش

- ‌جوانب من كمال شخصيته عليه السلام:

- ‌فوائد عامة من أحداث السنة الخامسة

- ‌تقويم الموقف في نهاية السنة الخامسة

- ‌السنة السادسة للهجرة

- ‌أحدث السنة السادسة في سطور

- ‌أهم أحداث هذه السنة في سطور

- ‌فصل: في غزوة نجد وإسلام ثمامة بن أثال

- ‌فصل: في غزوة المريسيع

- ‌1 - وفي هذه الغزوة حدثت حادثة الإفك:

- ‌فوائد من حديث الإفك

- ‌تحقيق حول وجود سعد بن معاذ في قصة الإفك:

- ‌2 - وفي هذه الغزوة قامت فتنة بين المهاجرين والأنصار:

- ‌فصل: في غزوة فزارة

- ‌فصل: في سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين

- ‌فصل: في صلح الحديبية

- ‌1 - النصوص:

- ‌2 - في الصلح: بنوده وحكمه:

- ‌3 - فقهيات

- ‌تعليقات على قصة الحديبية:

- ‌وصلهجوم عبد الرحمن الفزاري على المدينة المنورة

- ‌فصل في: مكاتبته عليه الصلاة والسلام الملوك والأمراء

- ‌فوائد عامة من أحداث السنة السادسة

- ‌تقويم الموقف في نهاية السنة السادسة

- ‌السنة السابعة للهجرة

- ‌أهم أحداث هذه السنة في سطور

- ‌لنلق قبل البدء نظرة كلية على أحداث هذه السنة:

- ‌فصل: في سرية أبان بن سعيد إلى خيبر

- ‌فصل: في غزوة خيبر ووادي القرى

- ‌تقديم:

- ‌فقهيات

- ‌وصل: قصة الحجاج بن علاط

- ‌فصل: في غزوة الرقاع

- ‌فصل: في سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى بني الملوح

- ‌سرية غالب الليثي إلى الحرقات من جهينةوهي معروفة ببعث أسامة بن زيد:

- ‌فصل: في عمرة القضاء

- ‌تعليقات على عمرة القضاء:

- ‌نظرة على أحداث السنة السابعة

- ‌السنة الثامنة للهجرة

- ‌أحداث السنة الثامنة في سطور

- ‌فصل: في إسلام خالد وعمرو وعثمان بن طلحة

- ‌فصل: في سرية شجاع بن وهب

- ‌فصل: في غزوة مؤتة من أرض الشام

- ‌فصل: في غزوة ذات السلاسل

- ‌فصل: في فتح مكة

- ‌تقديم:

- ‌دروس من فتح مكة

- ‌فصل: في سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة

- ‌تعليق:

- ‌فصل: في غزوة حنين

- ‌فصل: في غزوة أوطاس

- ‌فصل: في غزوة الطائف

- ‌فصل: في إسلام كعب بن زهير

- ‌فوائد عامة من أحداث السنة الثامنة

- ‌السنة التاسعة للهجرة

- ‌أحداث السنة التاسعة في سطور

- ‌من أهم أحداث السنة التاسعة

- ‌فصل: في غزوة تبوك

- ‌فصل: في أسر أكيدر دومة الجندل

- ‌فصل: في الحج سنة تسع

- ‌فصل: في تهديم ذي الخلصة

- ‌تقويم الموقف في نهاية السنة التاسعة

- ‌السنتان العاشرة والحادية عشرة

- ‌أحداث هاتين السنتين في سطور

- ‌ سنة عشر:

- ‌ سنة إحدى عشرة:

- ‌فصل: في نماذج من البعوث

- ‌1 - بعث خالد وعلي إلى اليمن قبل حجة الوداع:

- ‌2 - بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن:

- ‌3 - بعث أبي عبيدة إلى اليمن:

- ‌فصل: في نماذج من الوفود

- ‌1 - وفد بني تميم:

- ‌2 - قدوم الأشعريين وأهل اليمن:

- ‌3 - وفد عبد القيس:

- ‌4 - وفد طيء:

- ‌5 - وفد بني حنيفة:

- ‌فائدة:

- ‌فصل: في حجة الوداع

- ‌فصل: في وفاته عليه الصلاة والسلام

- ‌تعليق:

- ‌نظرة عامة على أحداث السنتين العاشرة والحادية عشرة

الفصل: ‌1 - وفي هذه الغزوة حدثت حادثة الإفك:

سبيهم وأصاب يومئذ جويرية. وحدثني هذا الحديث عبد الله بن عمر، وكان في ذلك الجيش.

قال النووي في شرح مسلم:

وفي هذا الحديث: جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم الدعوة من غير إنذار بالإغارة، وفي هذه المسألة ثلاثة مذاهب حكاها المازري والقاضي، أحدها: يجب الإنذار مطلقاً، قاله مالك وغيره، وهذا ضعيف. والثاني: لا يجب مطلقاً، وهذا أضعف منه أو باطل. والثالث: يجب إن لم تبلغهم الدعوة، ولا يجب إن بلغتهم، لكن يستحب، وهذا هو الصحيح، وبه قال نافع مولى ابن عمر والحسن البصري والثوري والليث والشافعي وأبو ثور وابن المنذر والجمهور. قال ابن المنذر: وهو قول أكثر أهل العلم، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على معناه.

‌1 - وفي هذه الغزوة حدثت حادثة الإفك:

485 -

* روى الطبراني عن محمد بن إسحاق قال: كانت غزوة بني المصطلق في شعبان سنة ست وفي تلك الغزوة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة معه، أقرع بين نسائه فخرج سهمها. وفي تلك الغزوة قال فيها أهل الإفك ما قالوا، فأنزل الله عز وجل براءتها.

قال البخاري (1): وهي غزوة المريسيع، قال ابن إسحاق: وذلك سنة ست، وقال النعمان بن راشد عن الزهري: كان حديث الإفك في غزوة المريسيع.

486 -

* روى البخاري ومسلم عن الزهري: أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير

= غارون: الغرة: الغفلة، ورجل غار، وقوم غارون.

سبيهم: سبيت العدو سبياً: إذا أسرته، واستوليت عليه.

جويرية: تصغير جارية، هي زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهي جويرية بنت الحارث.

485 -

المعجم الكبير (23/ 162).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 142): رواه الطبراني، ورجاله ثقات.

(1)

البخاري (7/ 428) 64 - كتاب المغازي 32 - باب غزوة بني المصطلق.

486 -

البخاري (7/ 431) 64 - كتاب المغازي - 34 - باب حديث الإفك.

ص: 727

وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن حديث عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم. ين قال لها أهل الإفك ما قالوا. فبرأها الله مما قالوا. وكلهم حدثني طائفة من حديثها. وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض. وأثبت اقتصاصاً. وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث. الذي حدثني. وبعض حديثهم يصدق بعضاً. ذكروا؛ أن عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفراً، أقرع بين نسائه. فأيتهن خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه.

قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها. فخرج فيها سهمي. فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذلك بعدما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه، مسيرنا. حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوه، وقفل، ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرحيل. فقمت حين آذنوا بالرحيل. فمشيت حتى جاوزت الجيش. فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل. فلمست صدري فإذا عقدي من جزع ظفار قد انقطع. فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه. وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي، فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب. وهم يحسبون أني فيه.

قالت: وكانت النساء إذ ذاك خفافاً. لم يهبلن ولم يغشهن اللحم. إنما يأكلن العلقة من الطعام. فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه. وكنت جارية حديثة (1)

= وأيضاً البخاري (8/ 452) 65 - كتاب التفسير - 6 - باب لولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم".

ومسلم (4/ 2129) 49 - كتاب التوبة - 10 - باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف.

الإفك: الكذب، وأراد به: قذف عائشة رضي الله عنها.

أوعى: أحفظ.

آذن: أي أعلم، يعني: نادى بالرحيل.

جزع أظفار: الجزع هنا: الحجر اليماني المعروف، وإضافته إلى أظفار: تخصيص له، وفي اليمن موضع يقال له: ظفار، والرواية في الحديث "أظفار - وظفار".

لم يهبلن: أي لم يكثر لحمهن من السمن فيثقلن، والمهبل: الكثير اللحم، الثقيل الحركة من السمن، وقد روي "لم يهبلن.

العلقة: بضم العين: البلغة من الطعام قدر ما يمسك الرمق، تريد: القليل.

ص: 728

السن فبعثوا الجمل وساروا. ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش. فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب. فتيممت منزلي الذي كنت فيه. وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعون إلي. فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت. وكان صفوان بن المعطل السلمي، ثم الذكواني، قد عرس من وراء الجيش فادلج. فأصبح عند منزلي. فرأى سواد إنسان نائم. فأتاني فعرفني حين رآني. وقد كان يراني قبل أني ضرب الحجاب علي. فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني. فخمرت وجهي بجلبابي. ووالله! ما يكلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه. حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها فركبتها. فانطلق يقود بي الراحلة. حتى أتينا الجيش. بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة. فهلك من هلك في شأني. وكان الذي تولى كبره. عبد الله بن أبي ابن سلول. فقدمنا المدينة. فاشتكيت، حين قدمنا المدينة، شهراً. والناس يفيضون في قول أهل الإفك. ولا أشعر بشيء من ذلك. وهو يربني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي. إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول (1)

= داع ولا مجيب: أي ليس بها أحد، لا من يدعو، ولا من يرد جوابا.

عرس فادلج: التعريس: نزول آخر الليل نزلة الاستراحة، والإدلاج - بالتشديد -: سير آخر الليل.

عرس من وراء الجيش: قال الحافظ في الفتح: قال أبو زيد: التعريس. النزول في السفر في أي وقت كان. وقال غيره: أصله: النزول من آخر الليل في السفر للراحة.

ووقع في حديث ابن عمر: بيان سبب تأخر صفوان، وكان صفوان سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أن يجعله على الساقة، فكان إذا رحل الناس قام يصلي، ثم اتبعهم، فمن سقط له شيء أتاه به. وفي حديث أبي هريرة وكان صفوان يتخلف عن الناس، فيصيب القدح والجراب والإداوة وفي مرسل مقاتل بن حيان فيحمله فيقدم به فيعرفه أصحابه" وكذا في مرسل سعيد بن جبير نحوه.

الاسترجاع: هو قول القائل: (إنا لله وإنا إليه راجعون).

بجلبابي: الجلباب: ما يتغطى به الإنسان من ثوب أو إزار.

موغرين: الوغرة: شدة الحر، ومنه يقال: وغر صدره يوغر: إذا اغتاظ وحمي، وأوغره غيره، فيكون قوله: موغرين، أي: داخلين في شدة الحر.

نحر الظهيرة: الظهيرة: شدة الحر، ونحرها: أولها، ونحر كل شيء: أوله.

كبر الإفك: الكبر - بكسر الكاف وضمها ها هنا - معظم الإفك.

يفيضون: الإفاضة في الحديث: التحدث به والخوض فيه بين الناس.

يريبني: رابني الشيء يريبني: شككت فيه، ولا يكون ريبا إلا في شك مع تهمة.

ص: 729

"كيف تيكم؟ " فذاك يريبني.

ولا أشعر بالشر. حتى خرجت بعد ما نقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع. وهو متبرزنا. ولا نخرج إلا إلى ليل. وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريباً من بيوتنا. وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه. وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا. فانطلقت أنا وأم مسطح، وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف. وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق. وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب. فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل بيتي. حين فرغنا من شأننا. فعثرت أم مسطح في مرطها. فقالت: تعس مسطح. فقلت لها: بئس ما قلت. أتسبين رجلاً قد شهد بدراً. قالت: أي هنتاه! أو لم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا قال؟ قالت، فأخبرتني بقول أهل الإفك. فازددت مرضاً إلى مرضي. فلما رجعت إلى بيتي، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم: فسلم ثم قال "كيف تيكم؟ " قلت: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت، وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما. فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجئت أبوي فقلت لأمي: يا أمتاه! ما يتحدث الناس؟ فقالت: يا بنية! هوني عليك. فوالله! لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها، ولها ضرائر، إلا كثرن عليها. قالت قلت: سبحان الله! وقد تحدث الناس (1)

= تيكم: بالمثناه المكسورة، وهي إشارة للمؤنث مثل ذاكم للذكر.

واستدلت عائشة بهذه الحالة على أنها استشعرت منه بعض جفاء، ولكنها لما لم تكن تدري السبب ولم تبالغ في التنقيب عن ذلك حتى عرفته.

المناصع: المواضع الخالية تقضى فيها الحاجة من الغائط والبول، وأصله: مكان فسيح خارج البيوت، واحدها: منصع.

الكنف: جمع كنيف. وهو الساتر، والمراد به هنا: المكان المتخذ لقضاء الحاجة.

مرطها: المرط: كساء من صوف أو خز يؤتزر به، وجمعه مروط.

تعس: الإنسان: إذا عثر، ويقال في الدعاء على الإنسان: تعس فلان، أي: سقط لوجهه.

هنتاه: يقال: امرأة هنتاه، أي: بلهاء، كأنها منسوبة إلى البله وقلة المعرفة بمكائد الناس وفسادهم.

وضيئة: الوضاءة: الحسن، ووضيئة: فعيلة بمعنى: فاعلة.

قلت سبحان الله: قال الحافظ في الفتح قوله: فقلت: سبحان الله استغاثت بالله متعجبة من وقوع مثل ذلك في حقها مع براءتها المحققة عندها.

ص: 730

بهذا؟ قالت، فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. ثم أصبحت أبكي. ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي. يستشيرهما في فراق أهله. قالت: فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال: يا رسول الله! هم أهلك ولا نعلم إلا خيراً. وأما علي بن أبي طالب فقال: لم يضيق الله عليك. والنساء سواها كثير. وإن تسأل الجارية تصدقك. قالت فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال "أي بريرة! هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟ " قالت له بريرة: والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمراً قط أغمصه عليها، أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله. قالت: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر. فاستعذر من عبد الله بن أبي، ابن سلول. قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر: (1)

= فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة .. : قال الحافظ: ظاهره: أن السؤال وقع بعد ما علمت بالقصة، لأنها عقبت بكاءها تلك الليلة بهذا، ثم عقبت هذا بالخطبة. ورواية هشام بن عروة تشعر بأن السؤال والخطبة وقعا قبل أن تعلم عائشة بالأمر، فإن في رواية هشام عن أبيه عن عائشة لما ذكر من شأني الذي ذكر، وما علمت به، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم" فذكر قصة الخطبة الآتية، ويمكن الجمع بأن الفاء في قولها (فدعا) عاطفة على شيء محذوف، تقديره: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك قد سمع ما قيل، فدعا عليا.

استلبث الوحي: قال الحافظ في الفتح: قوله استلبث الوحي بالرفع: أي طال لبث نزوله، وبالنصب: أي استبطأ النبي صلى الله عليه وسلم نزول الوحي.

هم أهلك: قال الحافظ في الفتح: "هم أهلك" أي العفيفة اللائقة بك، ويحتمل أن يكون قال ذلك متبرئاً من المشورة، ووكل الأمر إلى رأي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لم يكتف بذلك، حتى أخبر بما عنده، فقال (ولا نعلم إلا خيراً) وإطلاق (الأهل) على الزوجة شائع، قال ابن التين أطلق عليها أهلاً، وذكرها بصيغة الجمع، حيث قال:(هم أهلك) إشارة إلى تعميم الأزواج بالوصف المذكور. ا. هـ، ويحتمل أن يكون جمع لإرادة تعظيمها.

قال الكرماني حول قول علي: (لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير): وإنما قال علي رضي الله عنه ذلك: تسهيلاً للأمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإزالة لما هو متلبس به، تخفيفاً لما شاهده فيه، لا عداوة لها، حاشاهم عن ذلك.

إن رأيت: ما رأيت فيها مما تسالون عنه شيئاً أصلاً، وأما من غيره: ففيها ما ذكرت من غلبة النوم لصغر سنها، ورطوبة بدنها، قاله الحافظ في (الفتح).

أغمصه: الغمص: العيب.

الداجن: الشاة التي تالف البيت وتقيم به، يقال: دجن بالمكان إذا أقام به.

فاستعذر: يقال: من يعذرني من فلان، أي: من يقوم بعذري إن كافأته على سوء صنيعه، فلا يلومني، واستعذر:

ص: 731

"يا معشر المسلمين! من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي. فوالله! ما علمت على أهلي إلا خيراً. ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً. وما كان يدخل على أهلي إلا معي" فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: أنا أعذرك منه. يا رسول الله! إن كان من الأوس ضربنا عنقه. وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك قالت: فقام سعد بن عبادة، وهو سيد الخزرج، وكان رجلاً صالحاً. ولكن اجتهلته الحمية. فقال لسعد بن معاذ: كذبت. لعمر الله! لا تقتله ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عم سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت. لعمر الله! لنقتلنه. فإنك منافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيان الأوس والخنزرج. حتى هموا أن يقتتلوا. ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر. فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت. قالت: وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي فبينما هما جالسان عندي، وأنا أبكي، استأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها. فجلست تبكي. قالت: فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسلم ثم جلس: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل. وقد لبث شهراً لا (1)

= استفعل من ذلك، أي قال: من يعذرني؟ فقال له سعد بن معاذ: أنا أعذرك، أي أقوم بعذرك.

وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً: أي كامل الإصلاح.

قال الحافظ في الفتح حول قول أسيد لسعد بن عبادة فإنك منافق تجادل عن المنافقين:

أطلق أسيد ذلك مبالغة في زجره عن القول الذي قاله. وأراد بقوله: (فإنك منافق) أي: تصنع صنيع المنافقين. وفسره بقوله (تجادل عن المنافقين) وقابل قول سعد بن معاذ (كذبت لا تقتله) بقوله هو (كذبت لنقتلنه) وقال المازري: إطلاق أسيد لم يرد به نفاق الكفر. وإنما أراد: أنه كان يظهر المودة لقومه الأوس. ثم ظهر منه في هذه القصة ضد ذلك. فأشبه حال المنافق، لأن حقيقة النفاق: إظهار شيء وإخفاء غيره. ولعل هذا هو السبب في ترك إنكار النبي صلى الله عليه وسلم.

اجتهلته الحمية: الاجتهال: افتعال من الجهل، أي: حملته الحمية، وهي الأنفة والغضب على الجهل، واحتملته: افتعلته من الحمل.

يخفضهم: يهون عليهم ويسكنهم.

فأصبح عندي أبواي: قال الحافظ في "الفتح": أي، أنهما جاءا إلى المكان الذي كنت به من بيتهما، لا أنها رجعت من عندهم إلى بيتها، ووقع في رواية محمد بن ثور عن معمر "وأنا في بيت أبوي".

فالق: فاعل، من فلق الشيء: إذا شقه.

ص: 732

يوحى إليه في شأني بشيء. قالت: فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال: "أما بعد. يا عائشة! فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا. فإن كنت بريئة فسيبرئك الله. وإن كنت ألممت بذنب. فاستغفري الله وتوبي إليه. فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب، تاب الله عليه" قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته، قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة. فقلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال. فقال: والله! ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: والله! ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت، وأنا جارية حديثة السن، لا أقرأ كثيراً من القرآن: إني، والله! لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به. فإن قلت لكم إني بريئة، والله يعلم أني بريئة، لا تصدقوني بذلك. ولئن اعترفت لكم بأمر، والله يعلم أني بريئة، لتصدقونني. وإني، والله! ما أجد لي ولكم مثلاً إلا كما قال أبو يوسف: فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون.

قالت: ثم تحولت فاضجعت على فراشي. قالت وأنا، والله! حينئذ أعلم أني بريئة. وأن الله مبرئي ببراءتي. ولكن، والله! ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي (1)

= ألممت: الإلمام: المقاربة، وهو من اللمم: صغار الذنوب وقيل: اللمم: مقاربة: المعصية من غير إيقاع فعل.

قال في اللسان: الإلمام في اللغة، يوجب أنك تأتي في الوقت. ولا تقيم على الشيء. فهذا معنى اللمم قال أبو منصور: ويدل على صواب قوله قول العرب: ألممت بفلان إلماماً، وما تزورنا إلا لماماً.

قال أبو عبيد: معناه: في الأحيان، على غير مواظبة.

(وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه):

قال الداودي: أمرها بالاعتراف، ولم يندبها إلى الكتمان، للفرق بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن. فيجب على أزواجه الاعتراف بما يقع منهن، ولا يكتمنه إياه، لأنه لا يحل لنبي إمساك من يقع منها ذلك. بخلاف نساء الناس، فإنهن يندبن إلى الستر. وتعقبه عياض بأنه ليس في الحديث ما يدل على ذلك، ولا فيه أنه أمرها بالاعتراف، وإنما أمرها أن تستغفر الله، وتتوب إليه، أي فيما بينها وبين ربها. فليس صريحاً في الأمر لها بأن تعترف عند الناس بذلك، قال الحافظ: وسياق جواب عائشة يشعر بما قال الداودي، ولكن المعترف عنده ليس على إطلاقه، فليتأمل. ويؤيد ما قال عياض: أن في رواية ابن حاطب، قالت "فقال لي أبي: إن كنت صنعت شيئاً، فاستغفري الله، وإلا فأخبري رسول الله صلى الله عليه وسلم بعذرك".

قلص: قلص الدمع: انقطع جريانه.

لا أقرأ كثيراً من القرآن: قالت هذا، توطئة لعذرها، لكونها لم تستحضر اسم يعقوب عليه السلام.

ص: 733

يتلى. ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل في بأمر يتلى. ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رويا يبرئني الله بها. قالت: فوالله: ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد، حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم. فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي. حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق، في اليوم الشات، من ثقل القول الذي أنزل عليه. قالت: فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال:"أبشري يا عائشة! أما الله فقد برأك" فقالت لي أمي: قومي إليه. فقلت: والله! لا أقوم إليه. ولا أحمد إلا الله. هو الذي أنزل براءتي. قالت: فأنزل الله عز وجل (إن الذين جاؤا بالإفك عصبة منكم)(1) عشر آيات. فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات براءتي. قالت: فقال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله! لا أنفق عليه شيئاً أبداً. بعد الذي قال لعائشة. فأنزل الله عز وجل (ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى)(2) على قوله (ألا تحبون أن يغفر الله لكم).

= ما رام: أي ما برح من مكانه، يقال: رام يريم: إذا برح وزال، وقلما يستعمل إلا في النفي.

البرحاء: الشدة.

(1)

النور: 11.

(2)

النور: 22.

الجمان: جمع جمانة: وهي الدرة، وقيل: هي خرزة تعمل من الفضة مثل الدرة.

سري عنه: أي كشف عنه.

(إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم) العشر الآيات:

قال الحافظ في "الفتح": آخر العشر قوله (والله يعلم وأنتم لا تعلمون) لكن وقع في رواية عطاء الخراساني عن الزهري فأنزل الله (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم - إلى قوله - أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) وعدد الآي إلى هذا الموضع: ثلاث عشرة آية فلعل في قولها: العشر الآيات، مجازاً بطريق إلغاء الكسر.

وفي رواية الحكم بن عيينة مرسلاً عند الطبري "لما خاض الناس في أمر عائشة" فذكر الحديث مختصراً، وفي آخره: فأنزل الله خمس عشرة آية من سورة النور - حتى بلغ - (الخبيثات للخبيثين)[النور: 26] وهذا منه تجوز. فعدد الآي إلى هذا الموضع ست عشرة وفي مرسل سعيد بن جبير عند ابن أبي حاتم والحاكم في الإكيليل: فنزل ثماني عشر آية متوالية كذبت من قذف عائشة * إن الذين جاءوا - إلى قوله - رزق كريم* وفيه ما فيه أيضاً. وتحرير العدة: سبع عشرة آية.

ولا يأتل يأتل: يفتعل، من الألية: وهي القسم، يقال: ألى وائتلى وتألى.

ص: 734

قال حبان بن موسى: قال عبد الله بن المبارك: هذه أرجى آية في كتاب الله.

فقال أبو بكر: والله! إني لأحب أني غفر الله لي. فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه. وقال: لا أنزعها منه أبداً.

قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن أمري: "ما علمت؟ أو ما رأيت؟ " فقالت: يا رسول الله! أحمي سمعي وبصري. والله! ما علمت إلا خيراً.

قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. فعصمها الله بالورع. وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها. فهلكت فيمن هلك.

قال الزهري: فهذا ما انتهى إلينا من أمر هؤلاء الرهط.

ومن رواياته (1): قالت عائشة: والله إن الرجل الذي قيل له ما قيل ليقول: سبحان الله فوالذي نفسي بيده ما كشفت من كنف أنثى قط، قالت: ثم قتل بعد ذلك في سبيل الله.

ومنها (2): قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطيباً فتشهد ثم قال: "أما بعد فأشيروا علي في أناس أبنوا أهلي، وأيم الله ما علمت على أهلي من سوء قط، وأبنوهم بمن والله ما علمت عليه

= أحمي سمعي: حميت سمعي وبصري: إذا منعتهما من أن أنسب إليهما ما لم يدركاه.

تساميني: المساماة: مفاعلة من السمو والعلو: أي أنها تطلب من السمو والعلو مثل الذي أطلب.

فعصمها الله بالورع: أي منعها بالمعدلة، ومجانبة ما لا يحل.

طفقت: بكسر الفاء، وحكي فتحها أي: جعلت أو شرعت.

تحارب لها: أي: تجادل لها وتتعصب، وتحكي ما قال أهل الإفك أي: لتنخفض منزلة عائشة، وتعلو منزلة أختها زينب.

(1)

البخاري مطولاً (7/ 435)، 64 - كتاب المغازي - 34 - باب حديث الإفك.

ومسلم في نفس الموضع السابق (4/ 2138).

كنف: الكنف: الجانب، والمراد: ما كشفت على امرأة ما سترته من نفسها، إشارة إلى التعفف.

(2)

البخاري (8/ 487)، 65 - كتاب التفسير - 11 - باب (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا - إلى قوله - والله غفور رحيم).

أبنوا أهلي: التأبين على وجهين: فتأبين الحي: ذكره بالقبيح، ومنه قوله: أبنوا أهلي: أي ذكروهم بسوء. والثاني

ص: 735

من سوء قط ولا دخل بيتي قط إلا وأنا حاضر، ولا غبت في سفر إلا غاب معي".

فقام سعد بن معاذ بنحوه* وفيه: فلما كان مساء ذلك اليوم خرجت لبعض حاجتي ومعي أم مسطح، فعثرت، وقالت: تعس مسطح، فقلت لها: أي أم أتسبين ابنك؟ فسكتت، ثم عثرت الثانية فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: أي أم أتسبين ابنك؟ فسكتت، ثم عثرت الثالثة فقالت: تعس مسطح، فانتهرتها، فقالت: والله ما أسبه إلا فيك، فقلت: في أي شأني؟ فبقرت لي الحديث فقلت: وقد كان هذا؟ قالت: نعم والله فرجعت إلى بيتي كأن الذي خرجت له لا أجد منه قليلاً ولا كثيراً ووعكت* وفيه: وبكيت فسمع أبو بكر صوتي وهو فوق البيت يقرأ فنزل فقال لأمي: ما شأنها؟ فقالت: بلغها الذي ذكر من شأنها، ففاضت عيناه، وقال: أقسمت عليك يا بنية إلا رجعت إلى بيتك فرجعت، ولقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي، فسأل عني خادمي، فقالت: لا والله ما علمت عليها عيباً إلا أنها كانت ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل خبزها أو عجينها، وانتهرها بعض أصحابه فقال: اصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسقطوا لها به، فقالت: سبحان الله والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر* وفيه فأصبح أبواي عندي فلم يزالا حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه* وفيه: والتمست اسم يعقوب فلم أقدر عليه إلا أبا يوسف * وفيه: أبشري يا عائشة فقد أنزل الله براءتك، قالت: وكنت أشد ما كنت غضباً، فقال لي أبواي: قومي إليه فقلت: لا والله لا أقوم إليه ولا أحمده ولا

= تأبين الميت: وهو مدحه بعد موته.

فبقرت: البقر: الفتح والتوسعة والشق، والمعنى: ففتحت لي الحديث وكشفته وأوضحته.

وايم الله: من ألفاظ القسم، وفيها لغات كثيرة.

وأسقطوا لها به: أسقطوا به: أي: قالوا لها السقط من القول، وهو الرديء، يريد: أنهم سبوها، وقوله "به" أي بسبب هذا المعنى: وهو الذي سئلت عنه من أمر عائشة رضي الله عنها. فيكون المعنى: سبوها بهذا السبب. وقد روي هذا اللفظ على غير ما قلناه، والصحيح المحفوظ: إنما هو ما ذكرناه. والله أعلم.

والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على قبر الذهب الأحمر.

قال الحافظ: أي كما لا يعلم الصائغ من الذهب الأحمر إلا الخلوص من العيب، فكذلك أنا: لا أعلم منها إلا الخلوص من العيب.

وفي رواية ابن أبي حاطب عن علقمة "فقالت الجارية الحبشية: والله لعائشة أطيب من الذهب ولئن كانت صنعت ما قال الناس، ليخبرنك الله. قالت: فعجب الناس من فقهها.

ص: 736

أحمدكما ولكن أحمد الله الذي أنزل براءتي لقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غيرتموه.

ومنها (1): قال الزهري: قال لي الوليد بن عبد الملك: أبلغك أن علياً كان فيمن قذف عائشة؟ قلت: لا، ولكن قد أخبرني رجلان من قومك أبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو بكر ابن عبد الرحمن بن الحارث أن عائشة قالت لهما: كان علي مسلماً في شأنها.

ومنها (2): أنه لم يسم من أهل الإفك إلا ابن أبي، وحسان ومسطح وحمنة وأن عائشة كانت تكره أن يسب عندها حسان وتقول: إنه الذي قال:

فإن أبي ووالدتي وعرضي

لعرض محمد منكم وقاء

ومنها (3): قال مسروق: دخلت على عائشة وعندها حسان بن ثابت ينشدها شعراً يشبب بأبيات له، فقال: حصان رزان ما تزن بريبة * وتصبح غرثي من لحوم الغوفل فقالت له عائشة: لكنك لست كذلك، قال مسروق: فقلت: لم تأذنين له أن يدخل عليك وقد قال الله تعالى: (والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم)(4) فقالت: فأي عذاب أشد من العمى؟ إنه كان ينافح أو يهاجي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(1) البخاري (7/ 435) 64 - كتاب المغازي - 34 - باب حديث الإفك.

كان علي مسلماً في شأنها: بكسر اللام، كذا رواه القابسي، من التسليم وترك الكلام في إنكاره، وفتحها الحموي من الخوض فيه. رواه بن أبي شيبة، وعليه يدل فصول الحديث في غير من السلامة موضع، وهو رضي الله عنه منزه أن يقول ما قال أهل الإفك. كما نص عليه في الحديث، ولكن أشار بفراقها، وشدد على بريرة في أمرها، قاله الزركشي.

(2)

مسلم (4/ 1237) 49 - كتاب التوبة - 10 - باب في حديث الإفك، وقبول توبة القاذف.

(3)

البخاري (7/ 436) 64 - كتاب المغازي - 34 - باب حديث الإفك.

ومسلم (4/ 1934) 44 - كتاب فضائل الصحابة - 34 - باب فضائل حسان بن ثابت، رضي الله عنه.

حصان رزان: امرأة حصان: بينة الحصانة، أي عفيفة حيية، وامرأة رزان: ثقيلة ثابتة.

تزن: ترمى وتقذف.

بريبة: أي بأمر يريب الناس، كالرنا ونحوه.

غرثى: أي: جائعة، والمذكر: غرثان.

الغوافل: جمع غافلة، والمراد بها: الغفلة المحمودة، وهي ما لا يقدح في دين أو مروءة.

ينافح: المنافحة: المناضلة والمخاصمة.

(4)

النور: 11.

ص: 737