الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خائري القوى لا يصلحون لرئاسة الشعوب، ولا لقيادة الجيوش، ولا لزعامة حركات الإصلاح ودعوات الخير، فشجاعة القائد والداعية بفعله وعمله يفيد في جنوده وأنصاره في إثارة حماسهم واندفاعهم ما لا يفيده ألف خطاب حماسي يلقونه على الجماهير، ومن عادة الجنود والأنصار أن يستمدوا قوتهم من قوة قائدهم ورائدهم، فإذا جبن في مواقف اللقاء، وضعف في مواطن الشدة، أضر بالقضية التي يحمل لواءها ضرراً بالغاً. اهـ.
* * *
5 - فقهيات
ذكر ابن القيم عدداً من الأحكام والمسائل الفقهية التي تؤخذ من غزوة أحد، وها نحن ننقل بعضاً مما ذكره: منها أنه لا يجب على المسلمين إذا طرقهم عدوهم في ديارهم الخروج إليه بل يجوز لهم أن يلزموا ديارهم ويقاتلوهم فيها إذا كان ذلك أنصر لهم على عدوهم كما أشار به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد.
ومنها جواز سلوك الإمام بالعسكر في بعض أملاك رعيته إذا صادف ذلك طريقه وإن لم يرض المالك.
ومنها أنه لا يأذن لمن لا يطيق القتال من الصبيان غير البالغين بل يردهم إذا خرجوا كما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر ومن معه.
ومنها جواز الغزو بالنساء والاستعانة في الجهاد بهن ومنها جواز الانغماس في العدو كما انغمس أنس بن النضر وغيره.
ومنها أن الإمام إذا أصابته جراحة صلى بهم قاعداً وصلوا وراءه قعوداً كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة واستمرت على ذلك سنته إلى حين وفاته.
ومنها جواز دعاء الرجل أن يقتل في سبيل الله وتمنيه ذلك وليس هذا من تمني الموت المنهي عنه.
ومنها أن المسلم إذا قتل نفسه فهو من أهل النار لقوله صلى الله عليه وسلم في قزمان الذي أبلى يوم
أحد بلاء شديداً فلما اشتد به الجراح نحر نفسه فقال صلى الله عليه وسلم هو من أهل النار.
ومنها أن السنة في الشهيد أن لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يكفن في غير ثيابه بل يدفن فيها بدمه وكلومه إلا أن يسلبها فيكفن في غيرها.
ومنها أنه إذا كان جنباً عسل كما غسلت الملائكة حنظلة بن أبي عامر ومنها أن السنة في الشهداء أن يدفنوا في مصارعهم ولا ينقلوا إلى مكان آخر.
ومنها جواز دفن الرجلين أو الثلاثة في القبر الواحد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدفن الرجلين والثلاثة في القبر ويقول: أيهم أكثر أخذاً في القرآن؟ فإذا أشاروا إلى رجل قدمه في اللحد، ودفن عبد الله بن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح في قبر واحد لما كان بينهما من المحبة فقال:"ادفنوا هذين المتحابين في الدنيا في قبر واحد" ثم حفر عنهما بعد زمن طويل ويد عبد الله بن عمرو بن حرام على جراحته كما وضعها حين جرح، فأميطت يده عن جراحته فانبعث الدم فردت إلى مكانها فسكن الدم، وقال جابر: رأيت أبي في حفرته حين حفر عليه كأنه نائم وما تغير من حاله قليل ولا كثير قيل له: أفرأيت أكفانه فقال إنما دفن في نمرة خمر بها وجهه وعلى رجليه الحرمل (1) فوجدنا النمرة كما هي وعلى رجليه الحرمل على هيأته وبين ذلك ستة وأربعون سنة.
وقد اختلف الفقهاء في أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يدفن شهداء أحد في ثيابهم هل هو على وجه الاستحباب والأولوية أو على وجه الوجوب على قولين الثاني أظهرهما، وهو المعروف عن أبي حنيفة رحمه الله والأول هو المعروف عن أصحاب الشافعي وأحمد رحمهما الله، فإن قيل فقد روى يعقوب بن شيبة وغيره بإسناد جيد أن صفية أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوبين ليكفن فيهما حمزة فكفنه في أحدهما وكفن في الآخر رجلاً آخر، قيل حمزة كان الكفار قد سلبوه ومثلوا به وبقروا عن بطنه واستخرجوا كبده فلذلك كفن في كفن آخر، وهذا القول في الضعف نظير قول من قال يغسل الشهيد وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بالاتباع.
(1)(الحرمل): نبت له حب أسود كالخردل.
ومنها أن من عذره الله في التخلف عن الجهاد لمرض أو عرج يجوز له الخروج إليه وإن لم يجب عليه كما خرج عمرو بن الجموح وهو أعرج.
ومنها أن المسلمين إذا قتلوا واحداً منهم في الجهاد يظنونه كافراً فعلى الإمام ديته من بيت المال لن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يدي اليمان أبا حذيفة فامتنع حذيفة من أخذ الدية وتصدق بها على المسلمين. اهـ كلام ابن القيم.
* * *